سينما عربية على شاطئ بحر صقلية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد موسى من ميسنا الايطالية: بدا المشهد آخاذا، الشاشة السينمائية التي اعدها الايطاليون لعرض افلام المهرجان لا تبعد اكثر من عشرين مترا عن البحر، الساحل الممتلئ في النهار بالسابحين والباحثين عن اشعة الشمس يفرغ في المساء للسينما، بعض رواد الساحل نفسه يعودون في المساء من اجل العروض السينمائية .لا صرامة في تنظيم جلوس الجمهور، بالاضافة الى الكراسي امام الشاشة يجلس الكثيرون على الارض الخشبية التي اعدت هناك وعلى رمال الشاطئ القريب.اضواء ايطاليا تبدو قريبة على الضفة الاخرى من البحر، هذه اقرب نقطة لجزيرة صقلية من ايطاليا يخبرنا احد المنظمين، ثلاث كيلومترات فقط تبعد الجزيرة عن ايطاليا من الضفة التي كنا قريبين منها جدا في تظاهرة بحر السينما" التي نظمها مهرجان (أورتشينوس أوركا) لاول مرة .
لهؤلاء الذين لم يعرفوا الصالات الصيفية في حياتهم (مثلي!)،هذا المهرجان هو متعة صافية، لا اعرف لماذا تكاد تختفي هذه الصالات من تقاليد الدول الحارة ؟ لماذا توقفت السينمات المفتوحة على ان تكون مشاريع مربحة تجاريا لاصحابها ؟ رغم ما تمنحه هذه الصالات من ترفيه يناسب دولا معينة ؟ في الصالات المفتوحة لا يهيمن الفيلم بالكامل على انتباه المشاهد وكما يفعل في الصالات المغلقة،تصميم الصالات المغلقة المعماري وهندسة الصوت فيها تجعل عملية التلقي مركزة واحادية وتتجه الى نقطة واضحة معلومة، الصالة المفتوحة تمنح عادات مشاهدة مختلفة،صوت الفيلم والممثلين يصل مثل احاديث خافتة للجيران في امسية صيفية، اضواء النجوم واضواء البنايات البعيدة تغير في تركيز الوان الشاشة البيضاء، الاهم من ذلك اذا لم يعجبك الفيلم سوف لن يكون شيئا سيئا على الاطلاق التحديق في النجوم في امسية على شاطئ البحر الابيض المتوسط!!
افلام عربية للمهرجانات فقط!
المهرجانات السينمائية التي تنتشر في كل مكان الآن بدأت في خلق حالة سينمائية خاصة بعرضها افلام سوف لن تعرض في اي من مكان آخر، خصام التلفزيون و صالات العرض السينمائي واندثار النوادي السينمائية في العالم العربي جعلا المهرجان السينمائي "الحصن" الاخير لعرض افلام معينة واقامة نقاشات مع الجمهور الذي يتنوع كثيرا في هكذا مناسبات، بعض الافلام العربية التسجيلية والتي انتجت في اوروبا يبدو من الصعب جدا تخيل عرضها في العالم العربي بسبب جرأتها الكبيرة وتخلف النظام الرقابي هناك، لا يملك الكثير من صانعي الافلام العرب و الاعلام العربي الدراية او الجهد لتغيير وجهة النظر الرسمية لاتجاهات افلامهم والعمل على عرضها في العالم العربي، الكثير منهم يكتفي بعرضها في عدد من المهرجانت السينمائية لتصل الى جمهور المهرجانات المحدود.
مهرجان مؤسسة (أورتشينوس أوركا) الذي عقد من 18 الى 24 من شهر اغسطس الجاري يمنح الفيلم العربي المساحة والاهتمام المناسبين، الدورة الاولى للمهرجان يمكن بدون تردد وصفها بالناجحة رغم اختيارات الأفلام غير الموفقة تماما، منظم التظاهرة الناقد عرفان رشيد استفاد بالتاكيد من الدعم التنظيمي لكادر المهرجان الفني الاصلي، الجمهور الايطالي كان حاضرا بقوة في كل العروض السينمائية.
تفشل الكثير من المهرجانات السينمائية العربية الكبيرة في جذب الجمهور الاوروبي الى عروضها، يفشل المنظمون في اعداد خطط ترويجية ناجحة لعروضهم السينمائية، لا يمكن التغاضي ابدا عن ان فيلم المخرج الايراني الكردي بهمان كوبادي(نصف القمر) والذي يعرض الآن تجاريا في هولندا في عدد محدود جدا من الصالات السينمائية قد جذب لوحده اكثر من جمهور المهرجانات العربية الاوروبية كله على الرغم ان اختيارات المهرجانات من الافلام لا تنقصها الجدية، لماذا ينجح فيلم وحيد في جذب جمهور كبير ويفشل مهرجان كبير كامل في جذب الناس اليه لبضعة ايام كل عام ؟
مهرجان (أورتشينوس أوركا) الذي تنظمه مدينة ميسنا الايطالية يبتعد عن (النخبوية) التي تميز مهرجانات سينمائية عربية اخرى، الجمهور الذي حضر كان في معظمه من الشباب ومن جمهور الحي الشعبي القريب من بناية المهرجان مانحا المهرجان روحا متميزة حميمية.
الانسان .. المواطن .. الحدود
الاختيارات التي قدمتها تظاهرة السينما العربية في ميسنا الايطالية تحت عنوان (الانسان .. المواطن.. الحدود..) بدت غامضة كثيرا، لا يوجد اشد ابهاما من تعاريف ملتبسة عقدتها عقود من الايديولوجيات والازمات والصراعات السياسية، المهرجان الذي قرر عدم الالتزام بتواريخ انتاجية معينة للافلام التي اختارها كان بامكانه التوسع في البحث في تاريخ السينما العربية للحصول على افلام تبدو فيها الازمات الانسانية والسياسة وفكرة البلد والمجتمع اكثر وضوحا وتأزما من الافلام التي قدمها المهرجان، ازمات الانسان العربي التي قدمتها افلام "ظلال الصمت" و "تحت السقف" مثلا انجرت الى اساليب ومعالجات معروفة، فيلم المخرج السعودي عبد الله محيسن انشغل كثيرا بفكرة القمع الفكري الذي تمارسه الانظمة العربية وقدمها باسلوب فنتازي يقترب الى المباشرة بادوات بدت غير ناضجة بالمرة، الفيلم بدعواه الى الرجوع الى الاصول (الحل في الفيلم قدمته العشيرة المحافظة) دخل نفسه في الصراع الفكري القائم
اصلا .
فيلم السوري نضال الدبس (تحت السقف) المنتج منذ اكثر من 3 سنوات عانى كثيرا من تراث السينما السورية الحديث واعمال زملائه من المخرجين السوريين، كان يمكن للفيلم ان يحظى بحضور مختلف من دون ذاكرة الاعمال المعروفة لمحمد ملص واسامة محمد، قضايا ذلك الجيل السوري التي هيمنت على معظم أفلام المخرجين السوريين والتي حضرت ايضا في فيلم (تحت السقف) استنزفتها المعالجات السابقة.
الافلام الاخرى الطويلة المعروضة تنوعت ايضا، في الفيلم اللبناني "يوم مثالي" للمخرجين (جوانا حاجي توما) و (خليل جريج) هناك عودة للحرب اللبنانية و الى أثر تلك الحرب ومحاولات الفكاك منها للابد، ام وابن يقرران الطلب من المحكمة شهادة وفاة للاب المختطف في الحرب اللبنانية، الشخصيات التي تريد ان تودع الحرب عليها ان تقطع اليوم الاصعب لها، اداء كبير جدا للمثلة المتميزة حقا جوليا قصار في فيلم جيد حضرت فيه الحرب بقوة ..
فيلما المخرج الجزائري المقيم في فرنسا سعيد بو خليفة والمخرج التونسي المقيم في ايطاليا محسن ميلتي انشغلا في الارهاب والاثر العميق الذي يتركه في حياة العرب داخل العالم العربي وخارجه خلال العشرين سنة الماضية، في فيلم (شاي آنيا) للجزائري سعيد بو خليفة يحضر الارهاب كقوى وذكرى كامنة،اهمية الفيلم بتقديمه هذه الذكرى بصورتها العنيفة في مجتمع مازال يحاول ان يفهم ذلك العقد من الرعب الذي ساد الجزائر منذ نهاية الثمانينات وانتهى قبل سنوات قليلة فقط.
فيلم المخرج التونسي المقيم في ايطاليا محسن ميلتي (أنا والآخر) عن العالم المعقد الذي تركنا فيه الارهابيون بعد احداث نيويوك وتفجيرات ارهابية اخرى في اوروبا والعالم، الصداقة والشراكة بين شاب تونسي وايطالي تنتهي بسبب الخوف من الاسلام الذي ساد في اوروبا بعد تفجيرات اسبانيا. الفيلم يقضي وقته كله على المركب الذي يملكه الصديقان ويسجل حواراتهما والتصدع الذي يبدا في علاقتهما، على الرغم من الجهد المبذول في الفيلم يفشل في تفسير مناسب لتصاعده الدرامي،الفيلم يتجه ايضا الى العقد الدرامية المبسطة ( مسؤولية الاعلام الغربي، سوء الفهم عند الآخر الغربي للعرب والمسلمين) .
سعى الفيلم إلى ان يكون خطه السياسي والانساني واضحا وعادلا تماما، قصة اللاجئة المسلمة التي وجدها الصديقان غارقة في البحر بعاطفيتها الزائدة (كملت) سعي المخرج الى فيلم اقترب من الدرس الوعظي الموجه الى المشاهد الاوروبي!
اليوم العراقي
تظاهرة "بحر السينما" اختارت العراق ضيف هذا العام ونظمت له عروض افلام ومعرض صور فوتغرافية وندوة لدعم المثقفين العراقيين،المفارقة أن وجود العراق الكثيف ثقافيا في المهرجانات السينمائية والثقافية يقابله انسحاب مريع للثقافة في العراق بسبب العنف وتنامي الحركات الدينية المتشددة، ضيوف المهرجان القادمون من العراق تحسروا على الصالات والنوادي السينمائية العراقية المغلقة والعراقيين الذين لم يشاهدوا اعمال مخرجيهم المهاجرين او الذين يعيشون هناك .
اعمال المخرجين العراقيين التسجيليين التي عرضت في ايطاليا هي افلام انتاج هذه السنة وسبق أن عرض بعضها في بعض المهرجانات السينمائية العربية في اوروبا .يمكن تتبع انعاكسات الوضع الامني والسياسي في اعمال المخرجين العراقيين المشاركين، المخرجون العراقيون الذين عملوا بعد حرب عام 2003 مباشرة لم ينقطعوا طوال السنوات الاربع الماضية عن محاولاتهم تسجيل الوضع العراقي وتعقيداته،افلام هؤلاء المخرجين الاولى صورت في بغداد والعراق وعرضت بدايات الاحلام وايضا بدايات العنف،بعد سنوات من تلك الاعمال الاولى اصبح من الصعب جدا وبسبب الوضع الامني في العراق التصوير او عمل افلام تسجيلية، الأعمال التي عرضت في اليوم العراقي سجلت عن بعد ما يمكن ان يسمى "العراق بعد 5 سنوات من الحرب"، المخرج العراقي طارق هاشم فتح من مكان اقامته في كوبنهاكن حوارا عن طريق الانترنت مع فنان عراقي من بغداد، والمخرج العراقي قتيبة الجنابي انجز(ومن خارج العراق ايضا) بوتريت حميمي لصحافي عراقي تعرض لعملية ارهابية يحاول ان يجد معنى ما في ما يحدث من حوله.
فيلم المخرج العراقي طارق هاشم (القيامة) كان قد عرض وفاز باحدى الجوائز لمهرجان روتردام، الفيلم اثار في وقته الكثير من الاهتمام لموضوعه المبتكر والتكنولوجيا التي سهلت اتصال العراقيين رغم البعد الشاسع، الكثير من الكلام يقال عن الفيلم وعن الروح الفلسفية التي سادت الفيلم دون ان تهيمن على الفيلم وتمنحه المناخ الفني المغلق واحيانا القريب الى الافتعال..
قتيبة الجنابي سجل في فيلمه "المراسل البغدادي" بعضا من رحلة مراسل تلفزيون العربية جواد كامل بعد الاعتداء الارهابي عليه في بغداد قبل اعوام، المراسل الذي كان قريبا جدا من الموت نجا ليتنقل في مستشفيات مختلفة بحثا عن الشفاء، مايميز فيلم "المراسل البغدادي" هو الشهادة الطويلة الحميمة للمراسل عن الايام الشديدة الصعوبة التي اعقبت الاصابة، والجهد الذي يبذله في تقبل فكرة شلله الدائم.
في اليوم العراقي عرضت ايضا أفلام (أنتر دوم) للمخرج العراقي نصير الجزائري، وفيلم (رسالة الى سارة) للمخرجة اللبنانية الشابة زينة صفير.
لقطات من المهرجان
bull; المنظمون كانوا في غالية اللطف والكثير من التنظيم مع رغبة حقيقة في تسهيل بعض المشاكل الصغيرة التي واجهت المهرجان منها اضطرارهم الى نقل عروض الافلام الى باحة صغيرة مفتوحة في احدى القلاع القريبة لبناية المهرجان بسبب الرياح العالية في احدى ليالي المهرجان والتي كانت سوف تؤثرفي كفاءة الصوت للافلام المعروضة.
الناقد عرفان رشيد منظم التظاهرة العربية(الصورة لباسم العزاوي)
bull; بذل الناقد السينمائي والصحافي عرفان رشيد جهودا كبيرة في عمليات الترجمة الفورية التي قدمها باقتدار كبير رغم صعوبة ترجمة الكثير من الافكار الصعبة التي طرحت في النقاشات مع المخرجين.
bull; لقاءات الجمهور والصحافة كانت ناجحة كثيرا وشهدت حضور الكثير من الشباب الايطالي الذي ساهم بجدية كبيرة في الحوارات.
bull; غطى الأعلام الايطالي التظاهرة السينمائية العربية بكثافة،اروقة المهرجان كانت مليئة بكاميرات التلفزيونات والصحافيين الايطاليين.الضيوف من العرب حظوا بلقاءات متعددة من الصحافة الايطالية.
bull; المهرجان اعلن عن خطته لدور سينمائية مقبلة سوف تحتفل بسينما المراة العربية، الدورة سوف يطلق عليها "الكوكب امراة".