صناعة السينما تقف على مفترق طرق!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد بازيد من سدني:لم يكن يدور بخلد أحد من الناس يوم دارت بكرة السينما لأول مرة في العالم سنة 1895 أن وسيطا إعلاميا وثقافيا في غاية الأهمية يولد مع تلك الدورات، السينما بوابة الأدب والفن الأكبر والأكثر اتساعا نحو عالم التجارة والثراء والموازنات الربحية. نافذة فُتحت على مصراعيها للأدب العالمي ليصل إلى شرائح عريضة من المجتمع لم يحصل على مر التاريخ أن خاطبها الأدب والفكر بهذه الكثافة والمباشرة. ورغم مراهنة البعض على أن السينما تشكل تهديدا خطيرا وجادا على ملكة الخيال، الملكة الأخصب لدى الإنسان، إلا أنها أثبتت العكس حين فتحت أبوابا من الجمال وصنعت معايير أكثر صعوبة وتحديا للخيال. السينما هي الرابط الفني الأكثر تواصلا مع التقنية والصناعة، حتى أفرد لها تصنيف صناعي خاص يعرف بالصناعة السينمائية أو صناعة الأفلام. وهنا محاولة لتسليط الضوء على العوامل الأهم تأثيرا في صناعة السينما عالميا.
العامل التقني
مع تقدم الوقت وتطور الصناعة السينمائية نشأت مفارقة طريفة بين تطور المُخرَج السينمائي النهائي تطورا مذهلا وبين انخفاض مستوى صعوبة الصناعة السينمائية، حيث غدا ما كان حلما شبه مستحيل قبل سنوات هدفا قريب المنال وميسور التحقق لكل من يريد, فتقنية التصوير الرقمي وبرامج التحرير والمونتاج المنزلية أصبحت في متناول كل من يرغب بصناعة فيلمه الخاص. ولم يكتف الغزو الرقمي بصانعي الأفلام الهواة، بل خطى بخطوات واثقة نحو كبار صناع السينما في العالم ليقنعهم بالتحول الجديد والمذهل في عالم صناعة الصورة. ولم يعد غريباً أن نشاهد أفلاماً تجارية ضخمة الإنتاج وذات مستوى احترافي صورت بالكامل باستخدام تقنية التصوير الرقمي، -مع الفارق بين كاميرا التصوير الرقمي المنزلية وكاميرا التصوير الرقمي الاحترافية-. وعلى سبيل المثال ففيلم "حرب النجوم" الشهير وفيلم "المرافق" للمخرج "مايكل مان" كلاهما صور باستخدام كاميرات رقمية ودون الحاجة إلى بكرات سينمائية.
ولا يستبعد في ظل التطور التقني المتسارع في عالم الوسائط الإعلامية ومن أهمها السينما أن يتم استحداث وظيفة جديدة في صناعة الأفلام هي وظيفة "المخرج التقني" للفيلم وهو الشخص المسؤول عن الجانب التقني للصناعة، إذ يصعب على كل مخرج سينمائي أن يستوعب حجم المتغيرات المتسارعة تقنياً. ويكون هذا المخرج تابعا للمخرج الرئيسي للفيلم الذي يضع رؤية الفيلم ويعتمد صورته النهائية الكاملة التي تشكل التقنية جزءا لا يتجزأ منه.
وعند الحديث عن التقنية فإننا بالطبع لا نحصر الحديث في مجال صناعة مشاهد المؤثرات الخاصة، بل إن أفق التقنية القريب يتجاوز هذا الحاجز بمراحل تقارب حد الجنون أحياناً كما حصل في فيلم "سيمون" الذي ناقش صناعة ممثلين رقميين يتحكم المخرج في أداءتهم وبالطبع سيكونون أقل تكلفة من الممثلين الحاليين الذين قد تصل أجور بعضهم إلى قرابة المئة مليون دولار إذا احتسبنا نسبة الأرباح التي يشترطها البعض!!
العامل التجاري
إن أحد أهم عوامل نجاح واستمرارية الفن السينمائي هو تدخل العنصر التجاري فيه بشكل واضح وجلي، بل يكاد يكون المحور الرئيسي الذي تدور حوله رحى الصناعة السينمائية بدءاً من تسويق الفيلم على شاشات العرض وانتهاء بتسويق وصناعة النجوم.
ورغم التحذيرات الكثيرة بشأن التدخل التجاري الذي يفرض قيوداً واعتبارات جماهيرية على صناعة الفيلم ويضيق من دائرة الإبداع الممنوحة للمخرج، فإن السينما المستقلة تجارياً لم تفقد جمهورها في الولايات المتحدة على سبيل المثال، بل على العكس من ذلك فإن هامش الأرباح الضخم الذي تحققه شركات الإنتاج السينمائي يقدم فرصة أكبر للمخرجين الناشئين وللأفلام النخبوية الطرح. كما إن وجود حركة تسويق وتوزيع تعتمد المبدأ التجاري تمنح فرصة أكبر للأفلام المستقلة للوصول إلى شريحة واسعة من المشاهدين.
كما إن العامل التجاري يشكل دافعاً قوياً ومهماً لتطوير الصناعة السينمائية من الناحية التقنية، فحين يعمل المخرج وفريق العمل المصاحب له على تحويل رواية أسطورية مثل "سيد الخواتم" إلى فيلم ضخم الإنتاج، فإن المخرج لم يكن لينجح في نقل عوالم الرواية بأمانة شديدة لولا التمويل المادي الضخم الذي يتكئ عليه.
الخطر الذي يتهدد صناعة السينما في هذا الجانب هو انخفاض مبيعات التذاكر سنوياً حول العالم، حيث انخفضت نسبة مبيعات التذاكر في الولايات المتحدة أحد أكبر أسواق استهلاك السينما للعام 2005 أكثر من 10% عن العام الذي قبله 2004 ولا شك أن مثل هذا الرقم يعد علامة استفهام حول مدى جدوى صالات العرض السينمائي إذا كان الجمهور المستهدف يفضل المشاهدة المنزلية خصوصاً مع انخفاض أسعار الأجهزة المنزلية! ويعتقد أن هذا الانخفاض في مبيعات التذاكر مؤشر حيوي ومهم للدلالة على أن الوقت قد حان للانتقال إلى عصر جديد من الصالات السينمائية. فالصالات الحالية لا تقتصر تكلفتها على التجهيز الأولي بل تستمر مع كل عرض سينمائي، فبكرة الفيلم التي تعرض في الصالة تكلف شركة الإنتاج مبلغاً كبيراً تسترده عن طريق فرض رسوم إيجار عالية على صالات العرض، أضف إلى ذلك تكلفة نقل هذه البكرات والوقت الطويل الذي تحتاجه للنسخ ومحدودية العدد بالنسبة للصالات العالمية ما يحرم الجمهور من الكثير من الأفلام أو يطيل انتظارهم لها. والبديل لهذه الصالات الاعتيادية وكل مشاكلها هو ما بدأ بالانتشار في الولايات المتحدة والبرازيل ودول أوربا وهي الصالات الرقمية. فمن خلال الصالة الرقمية تنتفي الحاجة لوجود بكرة سينمائية، بل يصبح بإمكان الموزع أن يبث الفيلم نفسه على جميع صالات العرض حول العالم في نفس الوقت إذا كانت مجهزة بأجهزة استقبال خاصة وموصولة بالشبكة العالمية. هذا الانتقال نحو الصالات الرقمية سيخفف من تكلفة تشغيل الصالات السينمائية بشكل كبير خصوصا على المدى البعيد.
ومع ذلك فالصناعة السينمائية لا تعتمد بشكل كامل على صالات العرض وشباك التذاكر، إذ تقوم ببيع نسخ الفيلم لمحطات التلفزة لعرضه وكذلك للأفراد عن طريق نسخ الاسطوانات المدمجة وأشرطة الفيديو وهي تشكل سوقاً جيداً من الناحية الربحية.
العامل الفني البشري
"أورسن ويلز" من الأسماء الشهيرة في عالم صناعة السينما، ولا تكاد قائمة ناقد سينمائي تخلو من فيلمه العظيم "المواطن كين" الذي أخرجه "ويلز" وهو في السادسة والعشرين من عمره في العام 1941. في ذلك الوقت برز اسم مخرج آخر نافس ويلز شهرته وهو المخرج الأمريكي "اد وود" والمشهور كأسوأ مخرج عرفته السينما الأمريكية حتى الآن! هذان المخرجان المتزامنان توفرت لهما ذات الرغبة الصادقة في صناعة السينما، وتوفرت لهما ذات الإمكانيات المتواضعة في ذلك الحين، كما إنهما كانا من أبناء جيل واحد ومع ذلك يصنف أحدهما كأحد أفضل مخرجي العالم ويصنف الثاني كأحد أسوأهم!
إذن فكل ما ذكر وسيذكر من عوامل تؤثر في صناعة السينما هي مجرد أدوات ووسائل قد تنتج عملاً مميزاً أو قد تكون طريقاً نحو الفشل الذريع. يعتمد ذلك على العنصر البشري الذي يحرك كل هذه الوسائل في منظومة متناغمة ينتج عنها في المحصلة النهائية صورة فنية مميزة.
اليوم، فتحت أبواب المعرفة أمام العنصر البشري كما لم تفتح من قبل، وانتقلت البشرية إلى عصر إدارة المعلومات بدلا من عصر المعلومات. وفي ضوء هذه النقلات العلمية الرهيبة أصبح للإبداع قيمة مضاعفة وغدا المبدع في أي مجال علامة فارقة لا تكاد تخطئها العين. ومجال الصناعة السينمائية أحد أكثر المجالات استقطاباً للإبداعات البشرية سواءً على مستوى الإخراج أو ما دونه من مهام كالكتابة والتصوير والتحرير والموسيقى والتمثيل وغيرها.
وقد نجحت الولايات المتحدة أو شركات الإنتاج السينمائي فيها بشكل أدق ولا تزال في استقطاب أبرز الطاقات والمواهب البشرية في شتى التخصصات نحو عاصمة الإنتاج السينمائي في العالم "هوليوود" ورغم ما يثيره ذلك من حنق لدى كثير من الدول وفي شتى المجالات، فالحق أن السوق كما يقال "عرض وطلب" وإذا لم تكن لديك القدرة على تقدير قيمة الإبداع المحلي لديك، فالمبدع ليس لديه المزيد من العمر ليضيعه في انتظارك!
إن صور الإبداع البشري الذي بلغته صناعة السينما في العالم وخصوصاً على صعيد النصوص والأفكار بلغ حداً يفوق التصور في كثير من الأحيان.
وللحق فليس كل ما تصدره شركات الإنتاج السينمائي للشاشات كل عام هو من هذا القبيل ولا حتى أغلبه، ولكن نستطيع القول باطمئنان أن الحد الأدنى من الإتقان البشري يكاد يتوفر في غالبية الإنتاج السينمائي في الولايات المتحدة بصفتها أحد أكبر مصدري السينما في العالم.
هذه أبرز العوامل الرئيسية التي تؤثر في صناعة السينما حول العالم، وهي عوامل متغيرة بشكل متسارع وحتى الآن في مصلحة الصناعة السينمائية.