قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي البزاز من امستردام:يكتب الباحث الجليل الاستاذ طه باقر في كتابه " مقدمة في أدب العراق القديم " حول تأثير هذا الادب على معتقدات الامم الاخرى {أجمع الباحثون على وجود أوجه شبه اساسية وإقتباسات كثيرة منها في عقائد الامم الاخرى ولاسيما العبرانيين كما جاء في التوراة، وهناك موطن شبه لايشك فيها في أساطير اليونان المتعلق بأصل الاشياء والآلهة } ويستطرد في موضوعة " الإسم " ومكانته في ادب العراق القديم {الإسم الذي بموجبه لايمكن لاي شيء أن يوجد مالم يكن له إسم، فتسمية الشيء مرادفة لوجوده أو ايجاده، ويظهر هذا واضحا في إسطورة الخليقة البابلية " لم تسم السماء في العلا وفي الأسفل لم تذكر الأرض بإسم ".والجدير بالذكر ان حضارة وادي الرافدين لم تنفرد بهذا الامر،اذ نجد عند العبرانيين في رواية التكوين في التوراة. وكان الإسم في حضارة وادي النيل جوهر الشيء وسحر وجوده وقوته انظر التكوين 2:5-5 وانظر ايضاً سفر الخروج 3:13-14 حين سأل موسى الله عن إسمه لم يبح به بل قال : أنا من أنا.} ويجمع معظم الباحثين على ان التوراة كتبت بعد 450 سنة من السبي البابلي الثاني لليهود حيث عاشوا في مدينة بابل كل هذه السنوات وتعرفوا عن كثب إلى أدب واساطير بلاد الرافدين واستفادوا من تصور العراقيين القدماء لنشأة الخليقة والكون واحيانا إستنسخوا تلك الاساطير بما يتلائم وغاياتهم واغراضهم فلا غرو ان نجد التشابه الكبير حد الإقتباس بين قصة ولادة النبي موسى وسرجون الأكدي وما روته التوراة فيما بعد عن الطوفان المذكور في ملحمة كلكامش، هذه المقاربات تقودنا إلى السر الذي يجعل اليهود دون غيرهم يهتمون بالعراق وبأثاره وبآدابه.
عراقي يبكي آثاره في الفيلم الوثائقي ( بلاد مابين الحربين ) والذي يتابع سرقة مايقارب 750 من الصحون الأرامية فيها أدعية وتعاويذ ونصوص أخرى وتهريبها الى لندن عن طريق الاردن لتستقر مائة منها في إسرائيل وان أغلب المهربين والوسطاء هم من اليهود، أهمهم جامع الآثار النرويجي - مارتن سكوين - الذي إشتراها واهداها بحيلة إلى جامعة كامبريدج ليتفادى الملاحقة القانونية والذي يعود فيما بعد ليقاضي الجامعة بعد إفتضاح أمر تهريبها إلى إسرائيل. يقول الاكاديمي وتاجر الآثار اليهودي روبرت دوينس : { لماذا هذه الآثار من حق العراق وحده كما ان الشعب العراقي قد تغير و هو غيره قبل اربع الاف سنة }. نعم،الحضارة ملك لكل الامم، ولكن عندما تكون بصدد عرضها للدراسة لمعرفة قصة التاريخ والاستفادة من فنونها وابداعاتها وهي من انتاج شعب وارض محددة والكلمة الفيصل في إمتلاكها لذلك الشعب كما هي الثروات والحدود بعيداً عن النهب والسرقة، يُذكر ان بوابة عشتار قد بنيت في جدران احد متاحف المانيا لجعل نقلها إلى العراق متعذرا وللإيحاء بانها المانية الجغرافية فقد إلتحمت بالارض الالمانية نتيجة البناء. إلى جانب ما يسمى حروب النفط والمياه سنشهد مستقبلاً حرب التأريخ فمن يمتلكه يحوز على الهيبة والقوة المعنوية والاقتصادية ( عائدات السياحة ) فالتأريخ نفط باق له قوة وفاعلية دائمة تنشد الامم الفوز به بغية صناعة مجد لها بين الحضارات وقد وجد اليهود ضالتهم بادب وادي الرافدين الثرّ. يقدر الباحثون إكتشاف مايقارب المليون والنصف من النصوص الشاملة لمعظم نواحي الحياة من بينها الالاف من النصوص الادبية ويُعتقد بوجود الكثير منها غير مكتشف تحت الطمي والرمال في حين لم تخلف الحضارة الفرعونية على عظمتها غير كتاب واحد هو " كتاب الموتى". ولذا يسعون لامتلاكه والتصرف به خدمة لكتابة جديدة ومعاصرة لتاريخهم الذي يتعرض الآن للدحض والنقض. ثمة رأي معاصر يقول " بعدم ولادة النبي موسى في مصر "، واليهود لايألون جهدا بالعثور على اية ادلة مكانية او فنية آثرية تدعم نظرياتهم التوراتية التي فرضوها بذكاء ليس فقط على التصور اللاهوتي واصبحت فيما بعد وفي بعض الاحوال مستنداً للأديان بل وعلى الثقافة العالمية واستفادوا من حكاية تيهم وظلمهم بحصولهم على وطن وهم لايريدون ان يشاركهم العالم بتراثهم ويفضلون الإستئثار به مثلما هي عقيدتهم ذات الإنتماء المغلق. في حوار بين البروفسورشاكير والتاجر المالك لتلك الآثار اذ يعرض في الفيلم صحنا اراميا ويقول : هذا هو الصحن الوحيد المكتوب عليه اسم السيد المسيح باللغة اليهودية فيساله : هذا يعني بوجود طائفة يهودية بين المسيحيين،فيجيبه ضاحكا وماذا تسمي إذاً يهوذا. سيأتي وقت يكون فيه القوي ليس من يمتلك السلاح بل من يمتلك التاريخ ويعرف التصرف به، لا أن يتجاهله وينكب على القتل وشن الحروب كما فعل النظام السابق اذ أهمل حضارة العراق لان مسؤولي ذاك النظام بما فيهم رئيسه جهلة لاتعني لهم المدنية سوى قوة البطش، نحن أمام غدر التاريخ اذ اصبح المزّور هو الاصل بينما البلد الحاضن لتلك الحضارة يعاني التدمير ويتقاسمه الذين لايعرفون قيمته مع اعدائه. بحسب الفيلم شاركت دول عديدة بتهريب الاثار العراقية أهمها الاردن عن طريق تاجر الآثار الريحاني الذي استطاع تهريبها إلى بريطانيا وتوجد الان في بيته آثار مصرية وسورية ويعرض الفيلم شهادة إستيراد صادرة من وزارة السياحة الاردنية ( كانت تجارة الاثارة مسموحة في الاردن لغاية عام 1977 وبعد ذاك قُيدت بقوانين خاصة ) في حين ينفي بعض المختصين الاردنيين وجودها أصلاً لكن المسؤول عن مكافحة سرقة الاثار في شرطة سكوتلانديارد يوكد { بريطانيا لاتسمح بدخول الاثار إلى اراضيها دون شهادة إستيراد، ويضيف بالفعل تم إلقاء القبض على بعض المهربين المتورطين بسرقة الآثار العراقية وتعذر محاسبتهم } والسؤال لماذا لم يحاكموا ؟؟ وفي هذا الصدد يقول الصحفي ديفد هيديش { هناك عائلات ذات شأن في الاردن مرتبطة بتهريب الآثار العراقية ولذا لايسعنا ان نذكر اسماءها بل نكتفي بالتلميح المؤدب لها فنسمي المهرب بجامع آثار} وعلى الرغم من جهود السيدة- أريكا هانز - من جامعة كامبريدج والتي فضحت هذه الجريمة إلا ان العراق قد إستعاد واحداً من تلك الصحون بينما القانون البريطاني للآثار هو إستعادي يسمح بالإعادة في حالة المطالبة وتقول { كلما حاولنا محاكمة المتورطين في هذه القضية نجابه دعوى محاربة السامية } علاوة على ان قسم مكافحة الاثار في قسم سكتلانديارد المشغول بمتابعة القضية سيغلق بسبب من عدم وجود التمويل المالي، فالقضية في طريقها للنسيان اذ لم تحركها الحكومة العراقية وبما ان قضية الاثار ليست منصبا او وزارة فهي لاتعني هذه الحكومة بتاتاً، لذا على منظمات المجتمع المدني والمثقفين العراقين واليونسكو القيام بمتابعتها. للمهربين نفوذ كبير في مؤسسات الدولة البريطانية اضافة إلى قدرتهم على الإحتيال مثلا : إرسال الاثر المسروق الى قسم الاثار المسروقة الذي سيحرر بدوره شهادة عدم مطابقته للأصل المسجل لديهم وهذه الشهادة كافية لتصّرح لاحقا بقانونيته كما يقول - مهرب آثار -، نكتشف وجود مافيا منظمة تدير هذه العملية. القسم الكبير من هذه الاثار هي بحوزة جامعة كامبريدج / قسم الاثار العبرية واليهودية. حيازة اليهود على هذه الاثار يعكس انتقامهم من السبي البابلي اذ يجد له رجوعا ثأريا في هذه النفائس التي تعاني من السبي بفعل الهجرة والترحيل، وهم مولعون بمفردات : السبي ؛ التيه والهجرة بقدر اهتمامهم بأعادة التصور التوراتي للعالم. دراسة حضارة وادي الرافدين ستلقي الضوء على منابع التوراة وعلى بقية الاديان لانها تنهل من نفس المصادر وتستند في بعض التصورات على نصوص الديانة التي سبقتها وبالتدقيق المتمعن لروايات العهد القديم يلاحظ ومن ادنى شك التشابه في عنصر بناء الاسطورة والاستفادة من التصور البابلي للخليقة الذي نهلت منه التوراة عند تعرضها إلى قصص الانبياء او رواية التكوين، هذه الدراسة سوف تمهد حتما إلى وجود ما يصطلع عليه اليوم " ديانة العقل ".
أظهر الفيلم قصوراً بربطه تهريب الاثار بالحرب فقط، لذا بدء بلقطة منها ثم بتصريح لمدير المتحف العراقي السيد - دوني جورج - يقول { بعد الحرب إشتدت الحاجة لتهريب الآثار }، فلهذه القضية جذور تتخطى زمن الحرب مرتبطة برموز النظام السابق الذين إشتهروا بتهريب الآثار وعلى رأسهم - أرشد - المسؤول أنذاك عن حماية صدام، وفي نهاية الثمانينات شوهدت ( ساجدة ) في التلفزيون وهي ترتدي بعض من مجوهرات كنز زوجة الملك ( آشوربانيبال ) وعند المطالبة باعادته من قبل مديرية الآثار التي أعارته مؤقتا إلى مجلس قيادة الثورة للإطلاع عليه، أرغمت المخابرات العراقية المديرية على السكوت. العنوان إشتغل على ثنائية الدلالة لكلمة الحرب بالإشارة إلى حرب 1991 و 2003، او ربما اوغل في بعيد الرمز فإعتبر سرقة وتهريب الآثار ماهي الا نوعا من الحرب على حضارة وتأريخ العراق متزامنة مع الحرب العسكرية. يُشبه - جاك ديريدا العنوان بالثريا -
رافق الفيلم تعليق شاعري جميل بعبارات مسبوكة تصلح لقصيدة وتضر على هذا النحو بفيلم وثائقي الذي يحتاج إلى نص مضغوط وغير عاطفي موجه لخدمة الصورة السينمائية لا إلى التضحية بها لمنفعة السيناريو. تميزت مادة البحث بالدقة والعناية على جلب المعلومة ومقارنتها مع الاراء المضادة لها. اللافت في الافلام التلفزيونية الوثائقية المنتجة حديثا هو إبتعادها عن هيبة ومتطلبات السينما فتكون بذلك أقرب إلى الريبورتاج الطويل منه إلى الفيلم.
عرض الفيلم على شاشة قناة الجزيرة ضمن برنامج تحت المجهر
علي البزّاز
Damlamar@yahoo.com