تيتانك عراقية معاصرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي البزاز من امستردام:يصرح المسؤولون في الامم المتحدة بان العراق يشهد أكبر هجرة داخلية وخارجية عرفها التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية ومع ذلك لم تتخذ الإجراءات الازمة لحماية العراقيين من الاستغلال والقتل والتجارة بهم التي تعيد إلى الاذهان تجارة العبيد. مافيات منظمة وضباط واحيانا انظمة سياسية تشارك في جريمة التهريب للقضاء على العراق. في الفيلم الوثائقي " سندباديون للمخرج هادي ماهود " الذي يروي قصة تهريب لاجئيين عراقيين من إندنوسيا إلى استراليا وغرقهم في البحر، يتابع ناجيين من الموت يدلون بشهاداتهم، الموت اليومي الذي عايشوه وسط الامواج وأغلبهم لايعرف السباحة ؛ أطفال و نساء ضحايا السياسة التي جعلتهم تحت رحمة العصابات. هناك إشارة واضحة لارتباط المهربين مع الاجهزة الاندنوسية، علاقة المهرب ابو قصي المصري مع جنرالات في الشرطة سهلت له القيام بهذه الجريمة، وعلى الرغم من هول الغرق إلا ان لاشيء يثني المرء عن الحياة ففي شهادة احد الناجيين : إمراة حامل تنجب طفلا في البحر وظل المولود مرتبطا مع أمه بحبل الولادة حتى غرقا معا. لا يُعبر عن الفجيعة بمفردات الخراب والتمزق وانما بنقيض مغاير في الرمز والشعور فالاعمى يشير إلى البصر أفضل من العيون. هذه القصة تنطبق بالضبط على العراق والعراقيين. الدمار والخراب (هنا البحر) لايثنيان العراق من الحياة (الإنجاب) وهو كالعنقاء سينهض من جديد. العراقيون يلتحمون ببلدهم كإلتصاق ذلك المولود بامه، مشهد خصوبة وولادة يتغلب على الموت، الموت عراقي القصد يسلك شتى الطرق للنيل من العراق؛غرق وحروب وقتل. ماالذي يدفع المرء على إختيار فعل الموت للوصول للنجاة ؟؟؟، لقد وصف ابو الطيب المتنبي هذه الحالة بقوله " ان لم تكن غير الإسنة مركباً فما حاجة المضطر إلا ركوبها ".
هناك تواطوء سافر على قتل العراقيين أمام صمت العالم المتمدن وما يزال الموت مستمراً وباشكال متنوعة، التمدن لايعني ركوب الطائرة والتواصل عبر الانترنيت وغزو الفضاء فقط،فهذا تطور صناعي عظيم وقد يجلب في جنباته الهول والوحشية، انما الحضارة هي تمدن القانون وتنظيم الحياة الاجتماعية على مبدأ العدل والمساواة والعجيب ان البلد الذي سنّ القوانين يعاني من الجور والتعسف. العراقيون أكثر شعوب الارض إستخداما لكلمة المنفى إجتماعيا وثقافيا في حين يستخدم الآخر كلمة الهجرة. وما مصطلح ادب الداخل والخارج الا تكريسا للنفي يضاف الاستعمال اليومي لهذه الكلمة على شفاه العراقيين. بدا النفي يتشكل عراقيا منذ عهد السومريين اذ تقول الاغنية السومرية " لقد نفتنا الالهة " واعتقد انه عقوبة على العصيان سواء الديني (هجرة النبي ابراهيم من اور بسبب رفضه تعاليم الكهنه وتبشيره بالتوحيد) او السياسي نتيجة رفض النظام كما هو حاصل في إبان حكم النظام السابق والنظام الحالي. إستطاع السيناريو ان يصنع من شهادات الناجيين فيلما يبحث في موت عراقيين ودفن احلامهم التي لطالما اشتاقوا اليها قبل السفر وحال العالم بشخص البحر دون تحقيقها. بدا الفيلم بمشهد تمثيلي من حكايات الف ليلة وليلة عن قصة السندباد البحري للدلالة على غرابة الحادثة مستعملا عنصر الروي للاشارة بوقوع قصة الموت في مكان ما،واُختتم بذات المشهد التمثيلي منسجما مع التراث في عرض القصة بشكل موّفق إلى حد ما ولكن لم يستفد منه كمعالجة سينمائية تؤطر السيناريو وتغني عناصره لخلق قصة إعتمادا على إسلوب الحكاية في الف ليلة وليلة، لذا ظل المشهد هامشيا وعائما مثل لوازم الضحايا في البحر. عنوان الفيلم "سندباديون " يتصل بشكل معاصر مع حكاية السندباد البحري من حيت موطنها العراق، والبحر هو وسيلة السفر في الروايتين، لكن السندباديين المعاصرين (المهاجريين) حصدوا الموت في النهاية وقهرهم البحر على خلاف الحكاية الاصلية. جرب المخرج هادي ماهود كل الامكانات الشحيحة التي توفرت لديه ليحقق هذا الفيلم فيقول (صورت في بيتي مشهد تناثر ملابس الضحايا في البحر بإستعمال فانوس نفطي وحوض ماء بلاستيكي (طشت)) ويبدو انه قد طرق ابواب السياسيين ورجال الدين لتشجيعهم على تمويله فلم يجد عونا له على حد تعبيره. ينبغي الوقوف هنا لمناقشة هذا الموضوع وهو الوطنية والانسانية التي يتشدق بها ليلا ونهارا السياسيون ورجال الدين. يستخلص المرء من رواية المخرج إستهتار هولاء بالانسان وعذاباته وان مايهمهم من العراق هو المنصب والجاه فاين المبادىء والتضامن ؟ مصداقية هؤلاء تتجلى بتوظيفهم مأساة البشرخدمة شخصية اوفئوية يغيب عنها الهدف الاجتماعي النبيل. وبعيدا عن السياسة والدين نجد هناك تضحية ليست دينية او سياسية على الجانب الإنساني والابداعي،
damlamar@yahoo.com