قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح كاظم - إيلاف: حين صدر كتاب ستيفان آوست (الذي أصبح لاحقا ولقبل فترة قصيرة رئيس تحرير مجلة Spiegel "ملف بادر ماينهوف" قوبل من قبل الجمهور باهتمام كبير، حيث جاء نشره عمليا بعد مرور ما يقارب عشر سنوات على الإنتحار الجماعي لقادة "كتلة الجيش الأحمر" الإرهابية في سجن مانهايم كأول محاولة جدية يقوم فيها صحافي ألماني لبرالي للكشف عن جذور ظاهرة الإرهاب "اليساري" وجذوره الإجتماعية من خلال دراسة موسعة وعميقة لكافة الوثائق المتوفرة حول نشوء ونشاط هذه المجموعة الإرهابية منذ ولادتها في نهاية الستينات في القرن الماضي. وقد أطلع آوست الذي كان على علاقة جيدة مع المؤسسات الاستخباراتية الألمانية في حينها على مجموعة كبيرة من التقارير الاستخباراتية المتعلقة بهذه المجموعة واستخدمها بشكل جيد للتعريف بدوافع كافة أطراف الصراع، وهو صراع جاء إثر تراجع الحركة الطلابية الستينية التي كان يقودها رودي دوتشكة، ويرجع البعض سببه الى الإنقسام الذي حصل في الحركة الطلابية في برلين بعد اغتيال الطالب بينو أونسورغ على يد عناصر من الاستخبارات الإيرانية أثناء تظاهرة ضد زيارة شاه إيران الى برلين الغربية حينها والهجوم الذي شنته هذه العناصر بحماية من البوليس الألماني ضد المتظاهرين، حيث برزت إثر ذلك "حركة 2 حزيران" ذات الطابع الفوضوي الرافض للعنف، مقابل كيان متطرف أطلقت عليه فيما بعد تسمية "كتلة الجيش الأحمر" التي اشتهرت لاحقا بأعمالها الإرهابية ضد شخصيات معروفة من النخب السياسية والقضائية والمالية للمجتمع الألماني الغربي في حينها. وفي الحقيقة فإن ترجمة عنوان كتاب آوست بـ "ملف بادر ماينهوف" فيه شيء من التبسيط، حيث إن العنوان الألماني للكتاب Der Bader-Meinhof-Komplexهو أكثر شمولية من كلمة "ملف"، فكلمة كومبلكس بالألمانية تعني من جهة "قضية متشابكة" ومن جهة أخرى "عقدة". ولا شك بأن الكاتب كان متقصدا في إختيار هذا العنوان المتعدد المدلولات لكتابه في فترة برزت فيها قيادات جديدة أشد تطرفا لـ "كتلة الجيش الأحمر" سميت بـ "الجيل الثاني" و"الجيل الثالث". ومن اللافت للنظر أن السينما الألمانية لم تنتبه إلى هذه المادة الغنية إلا بعد مرور فترة طويلة على صدور الكتاب، وذلك في إطار الجدل المحتدم منذ أحداث نيويورك (11.09) حول موضوع الإرهاب وجذوره. ولا شك بأن إلتفاتة المنتج وكاتب السيناريو بيرند آيشنغر لهذا الموضوع سيساهم بهذا الشكل أو ذاك في إغناء هذا الحوار. من هنا فأن كتابة سيناريو الفلم جرت بتنسيق كبير مع الكاتب. وقام المنتج بمساعدة المخرج أولي أيديل بإختيار الممثلين وفق مقاييس يمكن إعتبارها غير حرفية، غير أنها كانت موفقة، إنطلاقا من تشابه الممثل مع الشخصية التاريخية التي يمثلها لدرجة الإلتباس. وهكذا تم تكليف موريتز بلايبتروي بالدور الرئيسي في الفلم "أندرياس بادر" وقامت يوهانا فوكاليك بدور غودرون إينسلين ومارتينا غيديك بدور أولريكة ماينهوف. لا شك بأن التشابه الكبير يجعل ذاكرة من عاش تفاصيل تلك المرحلة تستعيد صورة الشخصيات التاريخية، إلا أن هذا لا يعني شيئا بالنسبة إلى مستقبلي الفيلم من الأجيال اللاحقة. مع هذا جاء أداء الممثلين على مستوى راق من الحرفية والتألق، رغم عجز كاتب السيناريو عن نقل مجمل اللوحة التاريخية المحيطة بالأحداث الى المشاهد، بحيث تساءل أحد النقاد بحق: "هل يمكن لهذا الفيلم أن يوصل الى المشاهد الأميركي أو غيره صورة مكتملة عن الأحداث؟"، وهذا هو الإنطباع العام الذي يتركه الفيلم لدى المشاهد غير الملم بتاريخ الإرهاب في المانيا.
يقول منتج الفلم: "لا يمكن أن نفسر البشر من خلال أقوالهم، بل من خلال أفعالهم." وهذا الهدف يشكل الطابع العام للفيلم، فهو لا يريد البحث في الدوافع النفسية لممارسي الإرهاب، إنما يتعرض الى ما مارسوه فعلا. ورغم مساعي المنتج والمخرج للإبتعاد عن الكليشهات المعروفية، إلا أن التركيز على شخصية رئيس مكتب التحقيقات الجنائية حينها هورست هيرولد، وتكليف الممثل الكبير برونو غانس بأداء هذا الدور أفقد الفيلم شيئا من توازنه. وقد حاول المخرج أن يتجاوز تأثيرات السينما الأميركية وذلك من خلال عدم اللجوء الى كاميرات متحركة "قد تشغل المشاهد عن الحدث" على حد قوله، واكتفى على الأغلب باللقطات الثابتة والتركيز على التفاصيل.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الفيلم يعرض في دور السينما الألمانية بنجاح كبير، كما أعيدت طباعة كتاب آوست بكميات كبيرة وأصبح يتصدر قائمة المطبوعات الأكثر جذبا للجمهور.