السينما

فيلم بوش:وداع مستعجل لشاب أراد أن يلعب البيسبول فقط!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد موسى - إيلاف: إختار المخرج الأميركي المعروف أوليفر ستون ان ينجز فيلمه عن الرئيس الاميركي جورج بوش ، في السنة الاخيرة من ولاية الاخير ، والتي ستنقضي خلال الأيام القادمة .هذه الجرأة في تقديم أحداث تاريخية لم تمضِ عليها سنوات عديدة، وتسجيل تاريخ ما زال يتوالى، هي غريبة عن سينما المخرج الأميركي ، والتي تتجه في جوهرها إلى تفكيك الاحداث التاريخية والعودة الى الاحداث النفسية الحاسمة، والتي شكلت ملامح شخصيات افلامه. لتفسر دوافعهم او ضعفهم او انهيارهم الاخلاقي امام المنعطفات الكبيرة.

وعلى الرغم من ان توقيت اطلاق الفيلم ، لا يخلو بالتأكيد من دوافع تجارية للمخرج والمنتجين وطبعًا للموزعين الاوروبيبن ، والذين قرروا عرض الفيلم قبل الانتخابات الاميركية التي ستجري اليوم ، لكن هناك اشارات عديدة في الفيلم، تؤكد بان المخرج قد حسم احكامه على الرئيس الاميركي الاقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية ، وبان الزمن القادم ، لن يغير كثيرًا في قناعات المخرج أوليفر ستون او يضيء بعضًا من احداث سنوات حكم بوش ، وصعود الاخير ، او تعامله مع الاحداث التي وقعت اثناء حكمه ، من الحادي عشر من سبتمبر ، الى حروب افغانستان والعراق ، واخيرًا الازمات المالية في الولايات المتحدة الاميركية.

ملصق الفيلم في فيلمه " W " ، يعود اوليفر ستون الى اسلوب سينمائي ، كان قد ابتكره في فيلمه عن الرئيس "نيكسون" ، والذي عرض في عام 1995 ، يبدأ الفيلمان بالرئيسان الاميركيان وهما يواجهان ازمات كبيرة في الزمن الحاضر ، ليعودا بعدها بمشاهد استرجاعية الى طفولة وشباب الرئيسين ، ويقدم قصص عن هذه الطفولة، والحياة العائلية المعقدة لهما، نيكيسون وعلاقته بوالدته، وتزعزع القيم الاخلاقية لديه ، وشعور عدم الامان الذي رافق حياته كلها ، وجورج بوش وعلاقته المعقدة ايضا مع والده.
ما اختلف في فيلم " W " ، هو تقديمه لقصة شباب جورج بوش ، مع الأحداث المتسارعة لسنوات حكمه الاخيرة ، في تركيبة متوازنة ومقسمة.ليستمر الخط الدرامي والزمني لقصة الشاب بوش ، لتصل في نهاية الفيلم ، الى زمن الاحداث المعاصرة ، والتي بدأ بها الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشهد للرئيس الاميركي بوش وهو يقف في ملعب للبيسبول ، الكاميرا تركز اولا على وجه الرئيس ،لتتقل بعدها الى الملعب الخالي ،فصوت تصفيق الجمهور العالي الذي رافق المشهد ، كان وهما او خدعة ، والرئيس يقف وحدة في ملعب متروك. مشاهد مثل هذا المشهد ، تحولت الى ثوابت في سينما المخرج اوليفر ستون ، البطل المتارجح بين ذاته الخاصة ، والقوى التي تسيطر عليه ، الملعب هنا ، هو المكان الآمن ، لشاب عادي من عائلة عريقة جدا من تكساس ، تحول الى واحد من اكثر الرؤساء الامريكان اثارة للمشاكل والنقد والجدل.لكن "آمان" الملعب هو في ذهن الشخصية فقط ، والعودة الرمزية والفعلية اجبارية هنا.

بعد المشهد الافتتاحي والذي سوف يتكرر مرة اخرى في الفيلم ، تبدأ اول مشاهد بوش الرئيس ، هو هنا في صالة اجتماعات مع وزارئه ، والنقاش يدور حول قانون "دول الشيطان" ، وهو احد القوانين التي ظهرت بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية. بوش الذي يفتقد الكاريزما يدير الاجتماع بخفة مستفزة ، هو يعيد ما يررده وزرائه ومستشاريه ، وينسبه لنفسه ، وياخذ اكثر الاراء تطرفا . الاجتماع يضم القليل من المعارضة ، من الوزير كولن باول مثلا ، والذي يستسلم لضغوطات نائب الرئيس ديك شيني ورامسفيد وحتى الوزيرة كوندريزا رايس.

بعد ذلك تبدا مشاهد شباب جورج بوش . المخرج وكاتب السيناريو ، ينجزان بوتريت "محكم " ، لجورج بوش الشاب والكهل ، هو الشاب البسيط حقا ، المنجر الى الملذات العادية ، من شرب كحول ، او مطاردة الفتيات ، هو ايضا الابن الوفي لثقافة مدينة تكساس ، يكره القراءة ، يعشق ماكولات بعينها ، ويعشق رياضة البيسبول ، وحياته مثل دولاب في عربة عائلته ، التي تمتهن السياسة لاكثر من مئة سنة.

بوش الاب وبوش الابن
تستفرد علاقة بوش الابن بالاب ، بمساحة كبيرة من وقت ودراما فيلم " W " ، يقدم اوليفر ستون تلك العلاقة باسلوب يقترب من المعالجة الشكسبيرية ، فجورج بوش ، رئيس اكبر دولة بالعالم يتحول الى طفل بحضور الاب ، ويسعى بكل الطرق لارضاء والده ، والذي كان هو الاخر ، رئيس اكبر دولة في العالم ايضا . الاب هنا ، مثل ملك قاسٍ متعجرف ، صعب الارضاء ، غاضب دوما على الولد اللاهي .
الابن الذي يتولى الرئاسة فيما بعد ، يتجه مباشرة الى انهاء ما عجز او لم يرغب الوالد على اكماله ، فحرب العراق التي انطلقت عام 2003 ، هي رغبة خالصة للرئيس الابن للحصول على رضى الاب ، والذي كان يكره صدام حسين بعمق ، ولم يغفر له محاولته لقتله بعد حرب الخليج الثانية عام 1992.

يظهر جورج بوش في الفيلم "متعذباً" من اهتمام والديه باخيه الاصغر ، ففي احد المشاهد ، وعندما يطلب الاب من جورج عدم التقديم في الانتخابات على ولاية تكساس ، بسبب ترشيح اخيه على ولاية فلوريدا ، ينفجر الابن على الوالد ، الذي يختار الابن الثاني ، والذي لم يظهر كثيرًا في الفيلم.

اوليفر ستون
رغم الجدية التي اراد المخرج اوليفر ستون احاطة فيلمه بها ، وتعرضه لقضايا مثل العنف في العراق بعد الاجتياح الاميركي او مشاهد الجرحى الاميركيين ، والذين يظهرون مع الرئيس بوش في مشاهد ذات شحنة عاطفية زائدة ، الا ان الفيلم لم يصل الى السوداوية المتوقعة ، والتي تميز هذه المواضيع ، او تميز فساد السلطات السياسية ، والجشع وفقدان الامل الانساني ، المخرج فضل بالنهاية ، الشكل التقليدي لسرد القصة ، اخترع لوحده قصة الخلاف بين بوش الاب والابن ، فلاتوجد اي دلائل اخرى تشير الى هذا الخلاف . المخرج حول نائب الرئيس الاميركي ديك شيني الى شخصية الشرير في الفيلم ، فهو الذي يقف وراء المجموعة التي تحرك الرئيس بوش .هذه المعالجة المبسطة غير موثقة ابدا ، فقرارات الحرب على العراق ، اعدت بموافقة الجميع في الادارة الاميركية ، والوزير كولن باول ، والذي ظهر وحيدا في وجه تلك الخطط ، هو من ظهر في النهاية في التلفزيون ، ليقدم واحدة من اشهر الخطب عن خطط تسليح نظام صدام حسين الخطرة ، والتي مهدت بعدها لحرب نيسان عام 2003.

أوليفر ستون وخلفه الملصق الأعلاني لفيلمه الجديد

هذا التلاعب بالحقائق التاريخية ، افقد الفيلم القدرة على التحول الى وثيقة سينمائية تاريخية جدية ، قادرة على توجيه الانتباه الى تلك الاوقات المهمة في القرن الواحد والعشرين ، الفيلم اراد ان يقدم كوميديا سوداء عن الرئيس ، الذي بدا في الفيلم ، وكانه وضع بسبب مزحة كبيرة في موقعه في البيت الابيض ، وقدمه بالشكل الرث والمقزز والذي ظهر فيه ، فهو لا يتوقف عن الكلام وحتى اثناء الاكل ، غير لبق ، ويبدو دائمًا كاحد تلاميذ المدرسة الاغبياء ، هذا التقديم لم يهتم كثيرًا واهمل الاسباب الواقعية التي جعلت ملايين من الاميركيين تصوت للرئيس بوش في ولايتين رئاستين متعاقبيتن.
ربما لهذه الاسباب يبدو فيلم "W" ، فيلمًا عن المخرج اوليفر ستون ، اكثر من كونه عن الرئيس الاميركي جورج بوش، فيلمًا عن معتقدات المخرج السياسية والاجتماعية المعروفة، والتي ظهرت في افلام عديدة سابقة له، وكيف تتصارع هذه المعتقدات مع السينما، والانتصار الذي يحققه احيانًا على الحقيقة، وكما يحدث في فيلم " W " والذي تودع عروضه في الصالات الاميركية والاوروبية، الرئيس جورج بوش على طريقتها الخاصة.

cinema@elaph.com



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحليل جيد
صائب الخيري -

انا شاهدت افلام اوليفر ستون ، لذلك ارغب في مشاهدة هذا الفيلم ، انا اتفق مع الكاتب ان سينما ستون هي سياسية بالكامل وهو يساري كاره للسياسات اليمنية في بلده

جديد
جديد -

الفيلم يعرض في لندن الآن ، شكرا لايلاف على متابعة الجديد وشكرا للسينما في ايلاف

وداع مستعجل لشاب أرا
سيف علي العوادي -

استاذ عادل السلام عليكم ورحمه الله وبركاته استاذ اتمنى ان تعطيني رقم هاتفك النقال سيف العوادي 07702570336 لاني اريد التكلم معك