فيلم تولبان ، قطعة سينمائية في سهوب كازاخستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بشار إبراهيم من دبي:مباشرة، ودونما أي تلكؤ، يأخذك المخرج الكازاخي "سيرغي دفورتسيفوي" إلى عالمه السينمائي.. لا يسمح لك بالتردد لحظة، بل يتعامل معك كما لو أنه يعرفك منذ زمن بعيد.. هكذا شاء هذا المخرج المتميز أن يفعل في فيلمه الروائي الطويل الأول "تولبان"، الذي حققة بعد عدة أفلام وثائقية تسجيلية، وعرضه مهرجان دبي السينمائي الدولي الخامس، في أول أيام عروضه (الجمعة 12/12/2008).
مع انفتاح الفيلم على المشهد الأول، نتعرف إلى الشاب "آسا" يقصّ حكاية فيها من الكذب والادعاء، ما يبدو طاغياً على صحة المعلومات، التي يسردها مثل تلميذ مدرسي، على الرغم من أنه يرتدي زي بحار. سنكتشف عما قليل أن هذا الشاب إنما يبغي خطوبة ابنة هذين الكهلين اللذين يستمعان بشيء من التأفف لهذه الحكاية، فيما تتوارى "تولبان" خلف ستار لا يبين منها إلا ما يشي بوجودها.
الشاب "آسا"، وصديقه اللاهي ذو الأسنان الذهبية، برفقة الرجل الناضج؛ "أونداس" زوج الأخت، ينطلقان في البراري والسهوب الكازاخية على إيقاع أغنية "بوب أمريكية"، لا تعرف كيف تسللت ووصلت إلى هذه البقعة من العالم.
سنعرف أن الفتاة "تولبان" رفضت الشاب "آسا" خطيباً لها بسبب صيواني أذنيه الكبيرين.. مأساة حقيقة لراع كازاخي لا يمكن له الدخول في معمعة الحياة، وامتلاك أسبابها، والخوض في دروبها، دون زوجة!..
والمخرج الكازاخي الذكي، يجعل من الحكاية ذريعة لبناء أنشودة حب سينمائية لموطنه، وأهله.. للمكان، والناس.. ولن تمضي مدة الفيلم (100) دقيقة، إلى نهايتها، إلا وتكون قد امتلأتَ حباً لهؤلاء البشر.. تحبهم، وقد تعرفتَ إليهم، إلى أشكالهم، وطرقهم في ممارسة الحياة، وإلى أشياء من عاداتهم وتقاليدهم، ومن طرائقهم الفذة في التعبير عن مشاعرهم، من فرح وحزن، من نشوة وانكسار، من رضى وغضب.. ومن قدرتهم على التآخي مع الطبيعة.
لعل الفيلم، يبدو في واحدة من جوانبه، قصة حب من طرف واحد، لشاب تعس.. نعم.. ولكننا لن نرى وجه الفتاة "طولبان" طيلة الفيلم.. ولن نعرف إذا ما كانت جميلة حسناء فعلاً، كما يعتقد الشاب "آسا"، أم أن ذاك واحد من توهماته التي لا يكفّ عنها.. فقط سنرى صدودها عنها، وتمنّعها عليه، حتى عندما يقترب منها، وتكاد تكون عند حافة إصبعه.. كأنما هي الحياة ذاتها، تلك التي يطلبها الشاب "آسا" فلا ينالها.. ويبقى حلمه بها معلقاً..
هكذا يمكن القول إن فيلم "تولبان"، هو رحلة اكتشاف ومعرفة للحياة.. رحلة يخوض غمارها ذاك الراعي الكازاخي الشاب "آسا"، والذي لن يتعلمها حقيقة، حتى يتلوث بدماء النعجة لحظة وضعها لجنينها.. تماماً عندما لم يجد أحداً حوله، وعندما ذهب استنجاده برجل الفيلم العملاق "أونداس"، صدىً لا مجيب له، في تلك الفيافي الشاسعة.
في مشهد بارع التنفيذ، سيضطر هذا الراعي لشاب للقيام بعملية التوليد، وتخليص الخروف الجنين العالق في فتحة الرحم، ونفخ الهواء في ذلك الفم الملوث بكل عوالق الولادة المؤلمة.. مشهد سيقول الكثيرون إنها المرة الأولى التي يرون مصداقية واقعية عالية، بهذا المستوى.. تنفيذ فني يرقى بالفيلم ليجعله وثيقة بصرية، لا يدانيها الشك أبداً، ولا تعبث به أدوات المونتاج..
المخرج الكازاخي "سيرغي دفورتسيفوي" يقدم نفسه في هذا الفيلم واحداً من كبار السينمائيين العالميين، على الرغم من أنه فيلمه الروائي الطويل الأول.. مصداقية مدهشة تجعل المشاهد يحار: هل ما يراه تمثيل، أم حقيقة؟.. قدرة عالية على التحكم بمفردات المشهد، من بشر وحيوانات، والاستفادة من عناصر الطبيعة..
إدارة محكمة لممثلين يؤدون أدوارهم على الشاشة للمرة الأولى، بدءاً من الشاب "آسا"، إلى أخته، وصديقه ذي الأسنان الذهبية، وصولاً إلى المدهش "أونداس".. دون أن ننسى ذاك الإغناء الجميل الذي أضفاه أطفال "أونداس" على تفاصيل الحياة..
لم يكن غريباً أن يفوز هذا الفيلم بجائزة "نظرة ما"، في مهرجان كان السينمائي الدولي الحاجدي والستين، ولا بالجائزة الكبرى "ساكورا" في مهرجان طوكيو السينمائي الدولي الحادي والعشرين.. فهو نموذج لتلك السينما التي تقترب من الناس ببراعة.. سينما نحتاجها لأن تعمق تلك الصلة بين البشر.
التعليقات
سؤال للكاتب
خالد نوار الحديد -هل لك ان تشرح لنا ماموقع اغنية بوني ام التي تمجد الصهيونية واحتلال ارض بابل في هذا الفيلم والتي تتكرر مرارا ؟
سؤال للكاتب
خالد نوار الحديد -هل لك ان تشرح لنا ماموقع اغنية بوني ام التي تمجد الصهيونية واحتلال ارض بابل في هذا الفيلم والتي تتكرر مرارا ؟