الفيلم الأخير ليوسف شاهين:"هي فوضى" أم "هو حاتم"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالجبار خمران من باريس:إذا كان عنوان العمل الإبداعي عتبة للدخول إلى عوالمه ومقترحاته الفكرية والجمالية و مفتاحا لحدائقه الخلفية ، فعنوان فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف الأخير "هي فوضى" يشمل ذلك ويتجاوزه ليفتح أفقا لقراءة مرحلة زمنية آنية من التاريخ المصري في صيرورته اليومية على كثير من الأصعدة.. يشرح الفيلم - إذا ما كان الفيلم يقدم شرحا- وبعمق الحيثيات والدوافع التي تجعل من إدمان رجل الشارع المصري الإستنكار والإحتجاج والتظاهر والإعتصام فرض عين..
و لا تقتصر انتهاكات "حاتم" على ابتزاز أهل حي شبرا العريق وأخد الإتاوات منهم ، بل يتعداه إلى التسلل إلى بيت الجيران - وهو رجل قانون- حيث غرفة نوم "نور" الفتاة التي تحب ""شريف" وكيل النيابة ،والذي يقدمه الفيلم كمقابل "إجابي" لرجل السلطة الشاب المحتِرم للقانون والدي يتجاوز على المتهمين بالتظاهر و المرفقين بمحاضر ملفقة..فأمه يسارية التفكير من زمن السادات تعرفت إلى زوجها "أبي شريف" بتظاهرة طلابية .
ويتمادى هذا "الحاتم" في تحتيم سلطته وتسلطه ليتجاوز كل الخطوط ، حيث يطلب من إمام المسجد ومن الأب في الكنيسة ،كل على حدا أن يعملا على خدمته بتوفير "حجاب القبول" .. فلامبالاة ابنة جارته " نور" وجفاؤها يجعله يقد النوم من حجر..ولأن رجال الدين لا يقبلون توفير "القبول" والدخول في أمور الشعوذة و الدجل ، والخضوع لنزوات وطيش رجل الشرطة "المبجل"، يصرخ الأخير وسط الكنيسة الفارغة إلا من صوته الصاخب :"لا ترانيم ولا احتفالات .. لا إحياء لمناسبات دينية " فأيقونة حاتم الكلامية والتي يرددها على مسامع المصريين في حي شبرا : "إلي مالوش خير في حاتم ما لوش خير في مصر".
ولأنه واحد من رجال الظل الراسخين في تدبيج المحاضر وتلفيق التهم وإخفاء المعتقلين بزنازن مشبوهة خارجة عن دائرة ضوء القانون ،كأنها ملك خاص ..فهو لا يمث لأهداف النظام كدولة إلا بتفريغ مكبوتاته الذاتية السلطوية منها والجنسية..ففي مشهد معبر يقدم لنا المخرجان وبمونتاج سينمائي ذكي لقطتين متتاليتين :
الأولى تصور حاتم وهو يؤنَب من طرف "شريف" وكيل النيابة بعد أن وقع محضرا يمنع بموجبه من التعرض أو التحرش ب "نور" .. اللقطة الثانية تليها مباشرة ، وهي مصحوبة بتأثير موسيقي ممزوج بصراخ المعتقلين ، تصور حاتم وهو في المعتقل وحش هائج يجلد بسوطه المعتقلين/ أجساد الشباب العارية المعلقة..
الفيلم لم ينس فوضى الإنتخابات ، فمرشحو الحزب الحاكم لا يراعون حرمة المدارس ، فملصقات المرشح لا حدود ولا حواجز تمنعها من أن تعلق في ساحة المدرسة رغم أنف المدير.وعلى مستوى آخر يقدم الفيلم في مشهد مركز فوضى أخرى متفشية بالتعليم ،فنور مدرسة إعدادي تنكمش ثقافتها وقدراتها على تعليم التلاميد اللغة الإنكليزية، الشيء الدي يكتشفه المفتش، فلا أحد بالفصل يفقه حتى الإجابة عن سؤال : "ماعنوان بيتكم؟" مما يضطر المدرسة إلى الإعتراف صراحة أمام المفتش أن تعليمها نفسه ناقص ، فهي حاصلة على بكالوريوس لغة أجنبية لا تفقه فيها إلا النزر القليل..وفي الجامعة لم يكن لها الإمكانيات لمتابعة الدروس الخصوصية ، إذن مدرجات الجامعة غير كافية وبالتالي لا تفي بالغرض التربوي المرجو منها.باتجاه النهاية تكتمل تجليات فوضى السلطة وفوضى الأخلاق وفوضى المجتمع : الإغتصاب
يستدرج حاتم نور لذروة الحدث ،وبمساعدة مجرم يخرجه من الزنزانة لهدا الغرض ، ليعيده من حيث أخرجه بعد انتهاء المهمة..فهو رجل السلطة المتنفد المتلاعب بالخيوط الخفية للعبة كبرى يمثل هو إحدى حلقاتها " غير المفقودة" فكل أهل الحارة يعلمون بما حدث ويكتشف شريف الزنزانة الخفية التي يقبع فيها المجرم المساعد لحاتم في عملية اغتصاب نور - وإسم "نور" هنا له أكثر من دلالة- اسم شريف أيضا .. والذي يضطر نفسه إلى "البلطجة"..لا ينفعك أن تكون شريفا في مجتمع يستبيح كل شيء ..يخرج وكيل النيابة المحترم مسدسه ويصرخ : " بلطجة ببلطجة.." فيطلق رصاصه على باب الزنزانة/الحرام ..ليكتشف السر ويظهر الدليل..فلتطبيق القانون يجب الخروج على القانون ..
فإلى متى نظل ننتظر في عالمنا العربي سيادة دولة الحق والقانون؟؟
تجدر الإشارة إلى ان الممثلين وفقوا كثيرا في إيصال معاني الشخصيات/الرموز : خاصة خالد صالح في دور "حاتم" والذي كان متميزا بشكل لافت ،تلويناته الصوتية ، دخوله في عباءة رجل السلطة ، طفوليته أمام "نور".. استطاع خالد صالح أن يبرز بعدين متناقضين في شخصيته - الوحش الكاسر والحمل الوديع- لكن باتساق وباحترافية ستجعل دوره في الفيلم راسخة لزمن ليس بالقصير.أيضا هالة فاخر في شخصية "بهية" الإسم الدي يعيد للذاكرة "بهية" فيلم "العصفور" المرأة رمز للرفض عند يوسف شاهين خاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء المكافحات من اجل تربية الأولاد وتوفير لقمة العيش مع الحفاظ على الكرامة والشرف إنها الضمير الحي ..كانت المحرك للتظاهرة في آخر الأحداث.كدلك منى شلبي في دور "نور" ويوسف الشريف في دور"شريف" استطاعا تجسيد ثنائية "النور والشرف" الممزوجين حبا .. فالحب في أفلام شاهين رافعة للتجاوز واختراق العقبات..هالة صدقي جسدت من خلال "وداد" الوعي الإجتماعي المتجاوز للحواجز فكونها من طبقة متوسطة لم يجعلها ألا ان تحتفي بنور ذات الأصول الشعبية وتتمناها زوجة لابنها رغما عن ارتباطه بفتاة تعكس تفاهة بعض شباب الطبقة المترفة.
مسرحي مغربي- مقيم بباريس
التعليقات
Great!!!
Pawla -Great Movie!! and great article.
كلام جميل
طارق -انا بموت في الفيلم دة وشوفتة مرتين ونفسي اشوفة تالت ورابعهو فعلا فيلم عبقري واحسن فيلم لمس الشعب ليوسف شاهين وكمان التحليل والنقد دة بيدل علي ان كاتبة عارف يوسف شاهين وعارف المجتمع المصريشكرا
فوضه
متابعه لايلاف -بالفعل شفت هذا الفيلم في الكويت ولندن واستوعبت الفيلم اكثر بالمره الثانيه لان مقص الرقيب غير موجود ولا تبرير له في الكويت خصوصا وهو تم انتاجه من قبل دوله عربيه ايضا تراعي الجمهور عند عرض الفيلم واحيي الفنان خالد صالح فنان عبقري وياليت يكون هناك منتدي خاص لهذا الفنان
راي لااكثر
سرحان الكناني -انا لم اشاهد الفيلم ولم اتابع السينما المصرية منذ زمن لان ليس لها سوى الجنس والاغراء والموديلات
فيلم ناجح !
السيناوي -الفيلم صارخ زاعق لكنة ناجح بدرجة غير مسبوقة لمجموعة الافلام الشاهينية الرؤية الشبابية لخالد يوسف واحتضان الاب يوسف لها مثلت زخم غير مسبوق للفيلم سلسلة بدات من عمارة يعقوبيان وارجو الاتنتهي بضربة رقابية اما يوسف شاهين فلة الشكر علي الجراة في هذا السن ولا زمان ياجو
مدرسه(يوسف شاهين)
سينما كمان ...وكمان -المتتبع لشئون السينما (العربيه)خاصه(والعالميه)على زجه العموم يلاحظ ان يوسف شاهين صاحب بصمه مميزه فى مدارس الاخراج ترتقى فى الاسلوب والافكار بل والتكنيك الى مستوى العالميه... هذه هى السينما المطلوبه والمفهومه فى كل انحاء العالم
خالد يوسف
فنان الشعب -الفيلم من اخراج العبقري خالد يوسف و يبدو انه وضع اسم يوسف شاهين الي جانبه اعترافا بجميلهعلى كل حال خالد عبقري و اتمنى ان يصل بالفيلم العربي الى العالميه
كلمة ياريت
مؤرخ الاضطهاد -حبذالويخصص جزءا من ارباح افلام الفنان يوسف شاهين لاءنقاذاولابدال الخيول الهزيلة البائسة المظطهدة التي تجر عربات القمامة في القاهرة الكبرى ويا حبذالو المخرج المحترم يخرج فلما لهذه الخيول المنسية المدمرة ولا حول ولا قوة الا بالله