السينما

إختزال النضال في حركة نسائية إنهارت ذاتيًا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمود عبد الرحيم من مصر: "شايفنكم" فيلم تسجيلي من إنتاج تليفزيون الـ"بي بي سي" أتيح ليلة أمس ولأول مرة عرضه في القاهرة على جمهور، بالتعاون بين لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصريين وجماعة "مصريون ضد الفساد".والفيلم الذي سبق أن أذاعته عدد من المحطات الفضائية العالمية في إطار برنامج دولي لدعم الديمقراطية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أقرته الدول الثماني الكبرى، ولم يتسنَّ لغالبية المصريين مشاهدته، يتناول في الأساس الأحداث التى جرت في مصر إبان اعلان الرئيس المصري حسني مبارك إجراء تعديل دستوري يتيح انتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح وما تلاه من انتهاكات حقوقية بحق المعارضين، وكذا القضاة الذين كشفوا عن تزوير الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

من مظاهرات حركة كفاية المعارضة

من هنا تنبع أهمية هذا الفيلم الراصد لوقائع حية جرت على مدي أشهر طويلة، لكن هذا الفيلم المعني أساسًا بتوثيق النضال المدني ضد القمع السلطوي في إطار رؤية فنية احترافية، بدا انه يعاني خللاً في المعالجة الفنية حيث لم يحسم مخرج العمل منذ البداية قراره الفني من حيث هل سيجعل الأحداث هو البطل خاصة أنها ذات طابع درامي متطور بذاته وبه من التنوع والتشويق فضلاً عن الشحنات العاطفية التلقائية والمغزى الإنساني العام ما يكفي لصنع فيلم جذاب ذي قيمة فنية عالية، أم انه يفضل اللجوء إلى شخصيات بعينها يروي الأحداث من خلالها في اطار من الحميمية والذاتية.
وعدم الحسم هذا تجلى بوضوح في التأرجح بين التيمتين، ما اضعف من قيمة الفيلم واستهلك مساحة زمنية لا بأس بها كان من الممكن اختزالها ما أعاق التكثيف وبالتالي سرعة الإيقاع وما تبعه من إحساس بالملل والرتابة من جراء طول العرض.
الأسوأ من هذا السقوط في فخ الدعائية لحركة "شايفنكم" محدودة العدد والأثر التي سرعان ما انهارت وتفككت ذاتيًا، وتصوريها على غير الواقع على أنها التي قادت حركة الشارع المصري والاحتجاجات ضد التزوير والانتهاكات في حين أن حركات أخرى كـ "كفاية" و "الإخوان المسلمين" الأبرز خلال هذه الأحداث، لكن يبدو أن المزاج الغربي الذي يمثله المنتج " البي بي سي " وربما المخرج الأميركي من أصل عربي، قد استهوته فكرة وجود ثلاث سيدات يتصرفن على نحو غير مألوف وفق الصورة النمطية التي تلتصق في أذهانهن عن النساء المصريات، والتي تختزل كل النساء في المنقبات اللائي يعانين قمع الرجل ولا يقمن بأي دور في الحياة غير إشباع غرائز الرجل الجنسية أو إنجاب الأطفال، من هنا جرت التضحية بالموضوعية من اجل دغدغة مشاعر الجمهور الغربي الذي يجهل أو يتجاهل التطورات الاجتماعية والسياسية التي جرت في المجتمعات العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص.
وإذا كانت فكرة المرأة الناشطة قد سيطرت على المخرج وبدت جذابة في نظره، فكان أولى به، إذا لم يعمد إلى التحيز والترويج لحركة بعينها ولشخصيات بعينها، أن يختار ثلاث سيدات يمثلن أكثر من حركة لتفادي الدعائية وإثراء الفيلم بأكثر من تجربة وليس تكرار
التجربة نفسها من خلال ثلاث سيدات لهن التوجهات نفسهاوينتمين إلى الجماعة نفسها وإظهارهن بمظهر الأبطال دون سواهم، على الرغم من أنهن لم يمارسن السياسة من قبل ولم يدفعن ثمنًا لمعارضة السلطة الباطشة ككثيرات من الناشطات الحقيقيات اللائي لا يمارسن النضال المكيف.

وربما من ضمن عناصر الخلل كذلك هو بناء الرسالة وتناقض الطرح في ذهن القائمين على الفيلم ومن ثم تشويش الرسالة الموجهة للجمهور.
فالمعطيات التي سيقت منذ البداية إلى نهاية الفيلم هو التحريض على النضال السلمي من اجل الديمقراطية والتأكيد على أن التغيير لن يتم إلا بنضالات الجماهير ووقوفهم ضد القمع والفساد، غير أننا نصدم بمشهد احدي بطلات الفيلم تلتقي الرئيس الأمريكي جورج بوش ثم تلتقي ممثل عن المرشح الرئاسي جون ماكين وتتحدث عن ضرورة التدخل من اجل مصالحهم المهددة في ظل النظام الحالي أو حال وصول الإخوان، الأمر الذي يذكرنا بالقوي العراقية التي تعاونت مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية وقادت إلى تدمير العراق، ما يثير الشكوك حول هذه الشخصيات وأجندتهن خاصة في ظل تسليط الأضواء عليهن بهذا الشكل وتجاهل القوي الفاعلة في الشارع السياسي المصري.

وإذا توقفنا عند بعض الجوانب الفنية في الفيلم فنجد بعض التصرفات غير المريحة في المونتاج التي أضعها ضمن الخلل الإخراجي وضعف الاحترافية مثل كثرة التقطيعات في بداية الفيلم ما أدي لسرعة زائدة في الإيقاع جعلتنا لا نتمكن من رؤية اللقطات المتابعة بوضوح على الرغم من أنها تمثل مشاهد الانتهاكات التي كان يجب الوقوف عندها بعض الوقت لتأكيد المعني، كما انه في مشهد مسيرة احتجاج القضاة والتضامن الشعبي معهم لم يوفق المخرج في اختيار الإيقاع الملائم، فبدل من اختيار المارشات مثلاً كدلالة على الحشد والتحدي أتي بإيقاع راقص ما افقد المشهد جديته ومغزاه.
فضلاً عن ترك المذيعة التلفزيونية بثينة كامل احدى أبطال الفيلم وعضو حركة "شايفنكم" تسجل مع الجماهير باستخدام ميكرفون ظاهر معظم الوقت، وكان من الاوفق أن يتحدث المشاركون في الفيلم بشكل حميمي ومباشر إلى الكاميرا، ليتوافق مع أجواء فيلم تسجيلي ويبعده عن التحقيق التلفزيوني.
mabdelreheem@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال ممتاز
rose -

اشكرك علي هذا المقال المتميز الذي يكشف فساد النخبة وتحالفها مع العدو الامريكي