"بلد البنات" اسم جذاب لفيلم أقل جاذبية وأكثر إرتباكًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمود عبد الرحيم من القاهرة: "بلد البنات" اسم جذاب لفيلم سينمائي اقل جاذبية، أو فلنقل محدود المستوى من حيث الشكل والمضمون،على الرغم من أنه كان بالإمكان أن يصير أفضل بكثير، لكنه هكذا خرج للمشاهدين. وربما مرجع ذلك، إن الفيلم من إنتاج هاني جرجس فوزي الذي يقود موجة الأفلام منخفضة التكاليف بصرف النظر عن الجودة، وربما لنقص خبرة المخرج عمرو بيومي أو عدم اجتهاده بما يكفي، وكذلك كاتبة السيناريو علا الشافعي التي تكتب لأول مرة، ومن الواضح أنها وقعت تحت إغراء السينما الروائية الطويلة، على الرغم من أن الفكرة لم تكن تسـتأهل هذه المساحة الزمنية على الشاشة ولا هذا القالب الدرامي، خاصة وأنها تكتب تجربتها الخاصة أو تدور في فلكها، وسعيًا منها إلى إطالة زمن العرض قامت بتوزيع التجربة على أربع، بدل من شخصية واحدة، في حين أن من يدقق في التفاصيل يدرك أنها شخصية واحدة مستنسخة، وان حاولت هي وزوجها المخرج تغيير بعض الملامح أو الجزئيات غير الرئيسة، فالشخصيات الأربع لهن خلفية اقتصادية وثقافية واجتماعية واحدة، فجميعهن ينتمين إلى الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة وجميعهن درسن في كلية واحدة، بل قمن بالسكن معًا سواء أثناء الدراسة أو بعد التخرج، وجميعهن لهن الأزمة نفسها أو ما يمكن أن نسميه " افتقاد الإشباع العاطفي والجسدي"، وجميعهن خضن التجربة نفسها أو وقعن في شرك الرجل بإرادتهن الحرة، ما يجعل أي متبصر يستغرب من الإصرار على وجود أربع شخصيات وليست واحدة، وربما لو اكتفت بشخصية واحدة جرى الاجتهاد في كتابتها بشكل أعمق وبتفاصيل ذات مغزى، في إطار قالب "الفيلم الروائي القصير" لكننا أمام عمل متميز، لا فيلم يختلق أحداثًا ويكرر الشخصية نفسها، وان جعلها مرة بيضاء وأخرى سمراء، ومرة طويلة وأخرى قصيرة، ومرة ببثور وأخرى بدون بثور، ومرة تعمل في صحيفة، وأخرى في محطة تليفزيونية، ومرة ريفية وأخرى من أصول بدوية، ومرة تعشق الشعر، وأخرى تغني، ومرة تنشط في مجال حقوق المرأة، وأخرى تكمل دراستها العليا، فهذه التفاصيل ليست بالجوهرية ولم تضف إلى روح الشخصية أو تبعد عنا شبح التكرار أو فلنقل الاستنساخ.
ثم أن ثمة شخصية جرى أقحمها في العمل وإذا ما حذفناها لن تقدم ولن تؤخر، اقصد شخصية الجارة التي قامت بأدائها مها أبو عوف، التي يقتصر وجودها في الفيلم على الترحيب بالقادمين الجدد، وتقديم المأكولات لهن من وقت لآخر، حتى في اللحظات التي كنا ننتظر منها موقفًا لم يظهر.. حين أتت إحدى الفتيات، على حين غرة بشريط فيديو وذهبت لتشغيله عند الجارة، ثم اكتشفت انه فيلم جنس، لم يظهر أي رد فعل لا سلبي ولا ايجابي، ثم أنها كانت قريبة للفتيات من أول يوم أتين فيه إلي البيت، وعلى الرغم من ذلك لم نرَ هذا التقارب بشكل حقيقي.. كأن تبوح إحداهن إليها، مثلاً، بسر أو تستشيرها في أزمة، أو حتى تنصح أحداهن نصيحة، خاصة أنهن يأتين متأخرات ليلاً في عمارة سكنية في حي شعبي، وهذا سلوك يستدعي، في الواقع المعاش، استهجانًا أو تحذيرًا، بل وجدنا هذا الجزء من الحوار أو هذه الخطوة تأتي بشكل غير منسجم مع الشخصية، على لسان واحدة من البنات.
فضلاً عن، أنها حين أتت أسرة احدي الفتيات للاطمئنان عليها وذهبت لتسلم عليهم وجدناها تمسك في أصبعها بسيجارة، وهو أمر غير مألوف في مجتمع شعبي ومحل استهجان، خاصة وانه ليس للامساك بالسيجارة من مغزى، وخاصة أنها كانت قبلاً تتحدث عن أنها كانت تثق في أن هؤلاء الفتيات من أصول طيبة، ما يعنى أنها تراعى التقاليد والأعراف.
وهذا جانب من الارتباك الفكري في بناء الشخصيات والتناقض في الطرح ليس على مستوى شخصية ثانوية مثل الجارة، بل على مستوى الشخصية الواحدة المستنسخة لأربع.
فمن الملاحظ، أن الفتيات الأربع لديهن هوس شديد بالحب بشكله العاطفي والجسدي على نحو خاص، ويبحثن عنه بلهاث، ثم حين يتحقق لهن ما أردن يبكين ويتحسرن ويعشن أزمة نفسية.. فكيف يتأتي أن تأخذ قرارك بإرادتك الحرة ودون جبر من احد وأنت إنسان ناضج، ثم تتصرف بمنطق الضحية المخدوع ؟!.
وأظن ابلغ دليل على هذا التناقض في الطرح أو السذاجة في رسم الشخصيات هو مشهد الفتاة التي قامت بأداء دورها ريم حجاب، حيث ترافق صديقها المخرج التليفزيوني إلى بيته بمحض إراداتها، بل إنها تشعر بالسعادة لهذه المفاجأة، وبعد أن يقبلها ويبدأ في خلع ملابسها تستوقفه وتقول له إنها تفضل في أن تخلع بنفسها، وبعد أن يمارسا الجنس في أكثر من لقاء، معظمهم في بيتها، وتحمل نجده يتهرب منها فتشعر بمأساة، على الرغم منأنها أرادت ذلك، ولم يرغمها الرجل على فعله، بل انه كان صريحا معها بشرح ظروفه الاجتماعية وانه متزوج وله ولد، الأكثر من ذلك، أنها بعد إجراء عملية الإجهاض والتعافي نجدها تعاود الكرة وتعود لتبحث عن رجل آخر يشبعها، على الرغم من ثرثرتها عن تربيتها البدوية وكلام أمها عن الشرف وحرمة جسد الانثي.
وعلى النسق نفسه، جاءت شخصية صحافية، وقامت بأداء فريد، والتي تذهب لإجراء مقابلة صحفية مع احد الفنانين فتنبهر به، وحين يهم بتقبيلها لا تمانع، وحين يسألها هل قامت بتقبيل احد قبله في أول لقاء.. تعترف بأنها تقبل من يعجبها فقط، وحين يدعوها إلى بيته تقبل الدعوة بلا تردد، بل إنها تعتاد الذهاب إلى بيته حتى أنها كانت تسبقه إلى هناك لتنظف وتحضر الطعام وتنتظره كعاشقة، على الرغم من أنه صارحها من البداية بأنه رجل للحب وليس للزواج وانه يحب " الستات " وله غراميات متواصلة، نجدها تنهار حين تذهب إلي بيته وتراه مع أخرى.
وفي حين أنها لم تمارس الجنس الكامل معه، لأنها تبحث عنه في الزواج، نجدها تتعامل بلامبالاة وبرود مع زميل الدراسة الذي تحكي له أدق تفاصيل حياتها ولا تجد منه إلا حبًا وتفانيًا وتسامحًا ودعمًا، على الرغم منانه لا يتمنى إلا أن يكملا معًا مشوار الحياة.
فأي تناقض هذا ؟!، المضحك أن الأب يأتي ليزورها فجأة ليلاً، وهذا غير منطقي لأنه رجل ريفي وحسب الأعراف لا يصح أن يدخل على فتيات يعشن بمفردهن ليلا، فيجدها أتت في ساعة متأخرة، فيغضب ويترك لها البيت وتعيش في أزمة وحين تفضفض مع صديقتها تتحدث أن الأب لا يريد أن يصدق أنها تأخرت في السينما وليس عند عشيقها، فمن أين عرف الأب بعلاقتها ؟! لم يخبرنا احد، ثم إذا افترضنا انه عرف هل هذا تصرف منطقي أن يترك ابنته ويرحل دون عقاب، خاصة وان صناع الفيلم وضعوا لنا الشخصيات منذ البداية، في إطار اجتماعي محدد وبيئة لها تقاليد وأعراف راسخة، لا تتساهل في مسألة إقامة الفتاة علاقة خارج الزواج.. فهل نعتبر ما رأيناه سذاجة أو استخفاف بعقول المشاهد ؟!.
ثم نأتي للشخصية الثالثة، تلك الفتاة المتحررة في ملابسها وسلوكها التي أدتها سمية الجويني، نراها تردد كلامًا باستمرار عن العيب وما يجوز وما لا يجوز أخلاقيًا، في حين أنها تستخدم جسدها في الوصول إلي أهدافها خاصة في مجال العمل، وهي منذ البداية مدركة لتأثير الرغبة على الرجال وإمكانية استغلال هذا في تحقيق مكاسب، وهي ذاتها لديها هوس جنسي.. فما مبرر أن تعيش أزمة نفسية حين يرفض الرجل الذي تقيم علاقة سرية معه أن يجعلها علاقة علنية.
وعلى الرغم منأننا نرى الشخصية الثالثة التي أدتها فرح يوسف، صامتة معظم الوقت وهي إما متأملة لما يدور حولها أو مهمومة بوجهها الذي تملئه البثور، نجدها هي الأخرى لم تتعلم من تجربة صديقاتها، وتمارس الجنس بإرادتها أيضًا، مع أول رجل يقول لها انه يحبها.. ثم نجدها هي الأخرى تعيش أزمة نفسية، على نحو غير مقنع بل ومستفز.
فمن المفترض أن هذه الشخصيات مثقفة ووصلت إلى مستوى تعليمي ومهني، يجعلها قادرة على اتخاذ قرار وتحمل تبعاته، ولسن أمام شخصيات مراهقة أو جاهلة ينقصن الخبرة، ويمكن أن نبرر لها شكواها أو نعتبر ما مرت به أزمة أو معاناة حقيقية، ما يجعلنا نرى في كاتبة السيناريو التي تتحدث عن النظرة الذكورية، أنها هي الأخرى تتبنى نهجًا ذكوريًا في التعاطي مع قضايا المرأة، إذ تجعلها في موضوع الضحية وليس الشريك في الفعل.. في موضع الشخصية الأقل قدرة على الحكم على الأمور أو الدفاع عن خيارها وحريتها حتى لو كانت الجنسية، وربما هذا الاستنتاج اخطر ما يطرحه الفيلم، خاصة وان الشخصيات الأربع اتخذن موقفًا هروبيًا في النهاية ولم تدافع ولا واحدة عن حريتها في الاختيار أيًا ما كان، أو تدخل في تجربة معًا، حتى المشهد الذي نتلمس فيه رغبة أحداهن في الممارسة المثلية لم يتم التوقف عنده، ربما خوفًا من صدمة الجمهور وجرى الاكتفاء بعبارة عابرة " أن حضن المرأة أحسن من حضن الرجل ".
ومما يجب التوقف عنده إخراجيًا في هذا الفيلم، مشهد البداية الذي بدا تقليديًا جدًا وساذجًا في تعريف الشخصيات، وإذا جرى حذفه سيكون أفضل، فليس ضروريًا لكي اعرف شخصياتي أنهن من أصول ريفية أن أتى بفتاة صغيرة تلعب في الطمي، ثم في مشهد تال نراها تذهب إلى المدرسة ثم الجامعة، فمن خلال ملابس الشخصية وطريقة حديثها يمكن للمشاهد أن يستشف خلفية الشخصية والبيئة التي أتت منها، لكن على ما يبدو فإن مساحات الفراغ في الفيلم كانت كبيرة وكانت ثمة رغبة بملئها حتى لو بمشاهد لا معنى لها، كما هو الحال بلقطة السيارات التي تسير على الكوبري والتي تتكرر باستمرار بين كل مشهد وآخر، التي بدت، أيضًا، تقليدية في إخبارنا بمرور الزمن وبشخصية المدينة المزدحمة ذات الإيقاع السريع، وتكررها كان مزعجًا وكشف عن عجز المخرج عن الانتقال من مشهد لمشهد بسلاسة، فلجأ إلى هذه الحيلة السهلة التي تؤمن له ذلك، مع ملء فراغ في مساحة الشريط الكبيرة الذي لم تستطع كاتبة السيناريو أن تملأه بمشاهد وأحداث، ثم إن من ضمن عناصر الارتباك في الفيلم أن نرى احدى الفتيات بعد مشاهدة الفيلم الجنسي تمارس العادة السرية، في حين أنها على علاقة برجل يشبعها، في حين كان من الاوفق إذا أراد تصوير هذا المشهد أن يختار الفتاة الأديبة غير المشبعة والتي تعيش حالة الحب على المستوى التخيلي طوال الوقت.
اخيرًا، ان كان ثمة شيء ملفت في هذا الفيلم، فهو الاداء المتميز لكل من ريم حجاب وفريدة، مقارنة بفرح يوسف وسمية الجويني الذي جاء ادائهما باردا، غير معبر عن لحظات درامية تعطي للممثل الموهوب، وحده، الفرصة لاظهار موهبته الفنية.
mabdelreheem@hotmail.com
التعليقات
وماذا يبقي؟
السيناوي -منتجا يقود ويدعو لموجة افلام بمزانية منخفضة(low buddget)ومخرج تنقصة الخبرة والاجتهاد وسيناريست مبتداة وقعت في غواية الافلام الطويلة فمطت العملماذا يبقي اذن اسم جذاب جاء الفيلم عكسة شكرا استاذ/محمود انقذتنا من شرك طبعا لن نراةبعد نقدك!!!
ارجو الاختصار
محمد عبد الحميد -خير الكلام ماقل ودل