ماجد كامل:لم نصل للاسف لما كنا نطمح اليه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أجرى الحوار صالح كاظم:الفنان العراقي ماجد كامل هو واحد من رواد الفن العراقي في خمسينات وستينات القرن الماضي، حيث ساهم إضافة الى عمله كمصور سينمائي في جملة من الأفلام الوثائقية والروائية كذلك في محاولات أبناء جيله الفني لبناء أسس مسرح عراقي ديمقراطي، وكان من أوائل من التحقوا (تطوعا) بعد ثورة 14 تموز 1958 لإعادة بناء المؤسسة الإعلامية في العراق بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الجديدة، فعمل في مجال الإذاعة والتلفزيون، وكان واحدا من مؤسسي "مصلحة السينما والمسرح" التي أشرف عليها الفنان يوسف العاني في ذلك الوقت. ورغم معاناته الصحية أستقبلنا الفنان ماجد كامل في شقته الواقعة في منطقة كرويتسبيرغ في برلين فكان لنا معه هذا اللقاء الذي شارك فيه كذلك المخرج المسرحي إسماعيل خليل.
- هل يمكن أن تحدثنا عن مراحل حياتك الفنية؟
- لقد خضنا في الحقيقة رحلة متعبة وطويلة لم توصلنا مع الأسف الى ما كنا نطمح اليه. بدأت العمل في سنة 1954 في وحدة عمل سينمائية تابعة لشركة نفط العراق. كنا مجموعة من الشباب الطموح، طرقت أسماعها دعوة الشركة لتأسيس مؤسسة سينمائية. فالتحقنا بها كمتدربين في مجال السينما وكان من ضمن المجموعة المخرج محمد شكري جميل ولطيف صالح وعاطف عبد الكريم وسيمون مهران وغيرهم. وقد بدأنا نتدرب على الأجهزة السينمائية وتقنيات السينما. خلال هذه الفترة قمنا بعدة زيارات عمل لبريطانيا بهدف الإطلاع على السينما البريطانية وتقنياتها الحديثة. وأستمر العمل مع شركة النفط حتى سنة 1958. منذ 1954 الى هذا الوقت أنتجت هذه الوحدة السينمائية أفلاما وثائقية جيدة، ساهمت في عدد منها كمصور، لا تزال تعتبر من أهم الأفلام الوثائقية العراقية ومنها "التراث الحي" و"العراق الخالد". وعلى عكس الأفلام التي كانت توزعها السفارة الأمريكية في حينها التي كانت ذات طابع دعائي على الأغلب، توجهت الشركة الى إنتاج أفلام ذات طابع ثقافي غير دعائي، موجهة إهتمامها لقضايا عراقية وذلك لحد العام 1958. في هذه السنة ألتحقت شخصيا بمجموعة من الشبان المتحمسين للثورة بالإذاعة والتلفزيون وقمنا بإنتاج جريدة سينمائية للتلفزيون كبديل عن الأفلام القصيرة التي كانت تعرض قبل الفيلم الرئيسي. وكانت جريدة أسبوعية أنتجت عمليا بجهود فردية صعبة حيث كنا نفتقد المختبرات السينمائية لطبع وتحميض أفلام 35 مليمتر وكذلك أجهزة التسجيل الصوتي والمونتاج، إلا أننا تمكنا من أنتاج بضعة أعداد من هذه الجريدة السينمائية. وكان هناك صراع مصري عراقي في هذا المجال.
حيث كانت السفارة المصرية توزع على دور السينما جرائد سينمائية مصرية للترويج للتجربة المصرية بقيادة عبد الناصر. وبما أن الخط السياسي في العراق كان يمضي بإتجاه آخر أطلقنا على جريدتنا السينمائية إسم "العراق الجديد"، وكنت أقوم بتحقيق هذه الأعمال في البيت، حيث وضعت أستديو خاص للصوت وكانت بحوزتي كاميرا 35 ملمتر أصور بها وأعود الى البيت لتجهيز الفيلم. كان التلفزيون العراقي هو المسؤول عن الإنتاج. وأستمرت تجربتنا في أعقاب الثورة. وقبل هذا، حين كنت أعمل في شركة النفط تأسست شركة سينمائية 1956 أسسها الفنان كامل العزاوي برأسمال بسيط، معتمدا على نشاطه الدؤوب وطموحه لتأسيس هذه الشركة بحيث كان يقضي أغلب الوقت في بناء هذه الشركة التي التحق بها بعض المنتجين أهمهم غسان الملاك إبن حبيب الملاك الذي كان يمتلك عددا من دور السينما في البصرة وبغداد وهو الذي قام بتمويل هذه الشركة المسماة "شركة شهرزاد للأفلام الملونة" وبدأنا نعد العدة لعمل ضخم جدا. كان الشاعر خالد الشواف قد كتب نصا شبيها بفيلم "كووفاديس" التاريخي، وهو موضوع يحتاج لأستديوهات ضخمة لكي تقوم بإنتاجه لا تقل مقدراتها عن مقدرات هوليوود أو بريطانيا. لكن جرأة كامل العزاوي ونشاطه وإلحاحه كانت عوامل أساسية للإقدام على هذه المغامرة وللمرة الأولى كان هناك فيلم ملون بتقنية جديدة، تختلف عن التقنية التي كانت تستخدم في بدايات الفيلم الملون وهي تقنية "التكنيكولور" التي كانت حكرا على شركة معينة. في بداية الخمسينات قامت شركات الأفلام ومنها كوداك بإنتاج تقنية منافسة لـ "التكنيكولور" يمكن إستخدامها في الكاميرات العادية تحت إسم "إيستمان كولور" فبدأنا بإستخدام تقنية الفيلم الملون للمرة الأولى في الشرق الأوسط، في الوقت لم يكن هناك إستخدام لهذه التقنية حتي في مصر في ذلك الوقت. فكان فيلم "نبوخذ نصر" وقد أستغرق إنتاج الفيلم فترة طويلة، بسبب وجود الكثير من العقبات التي واجهتنا في إنتاجه، وذلك لضخامة المشروع وقلة الإمكانيات المادية، فكان هذا الفيلم هو اول فيلم عراقي قائم على أسس حرفية، إذ كانت تدفع مكافآت مادية للكادر الفني الذي عمل فيه، بينما كانت الأفلام السابقة تعتمد على الأغلب على القدرات الذاتية وعلى كوادر من الهواة، حيث كان يقوم منتجوها بإستئجار الكاميرا وشراء شريط فيلمي بمبلغ زهيد والبدء بالعمل على مراحل قد تطول أوتقصر، وقد تم تحقيق بعض تلك الأفلام للنهاية ومنها "عروس الفرات" وأفلام أخرى ومن ضمن من قام بتحقيقها حيدر العمر وهادي مبارك. أما الأعمال الأخرى التي ساهمت بها كمصور فهي و"قطار الساعة 7" و"أوراق الخريف" و"أبو هيلة" و"فائق يتزوج" و"الرأس" و"المسألة الكبرى". وبعد خروجي من العراق بعد إنقلاب 63 درست السينما في ألمانيا الديمقراطية في معهد السينما بـ "بابلسبيرغ" وعملت فترة من الزمن في تلفزيون ألمانيا الديمقراطية كمصور.
- نعم. كنت مسؤولا عن التصوير والإنارة، حيث تلعب الإنارة أيضا دورا كبيرا في إنتاج هكذا نوع من الأفلام الضخمة. ولم يكن لدينا العدد الكافي من الحرفيين، فكنا لذلك نعتمد على خبراتنا الخاصة، وهي محدودة في حينها. وفي الحقيقة كنت أعمل بمساعدة الفنانين محمد شكري جميل ولطيف جريفاني (مونتاج)، التحق بنا فيما مصوران بريطانيان من شركة النفط وذلك إهتماما بتدريبنا على العمل فكان أحدهما يعّد مرة في الأسبوع موضوعا محددا حول تقنية السينما ويسلمه لنا، أما في الجانب العملي فكنا نخرج سوية للتصوير معهم كمتدربين (في شركة النفط)، حيث كانا بحاجة لنا في هذا المجال، كما كنا بحاجة أليهما. وأستمر العمل على هذا الفيلم حتى الستينيات حيث تم عرضه، وقد أستغرق إنتاج الفيلم فترة طويلة، حيث بدأنا التصوير في سنة 1957.
- و هذا هو فعلا أول فيلم عربي ملون ؟
هذا هو الواقع. وفي الحقيقة كان أنتاجه وفق تكنولوجية "إيستمان كولور" من ضمن العوامل التي ساعدتنا على تحقيق هذا المشروع. قبل هذا الوقت كان إنتاج الأفلام الملونة يحتاج الى إختصاصات، فكان إعتماد التكنيكولور يفرض إستخدام كاميرات خاصة تدخل فيها ثلاثة أشرطة وكان كل هذا يحاط بالعديد من المشاكل التقنية وبتكاليف عالية، بينما جاءت تقنية الإيستمان كولور عاملا مساعدا للإنتاج السينمائي بتكاليف منخفضة نسبيا، حيث يتم إستخدام فيلم عادي في كاميرا عادية.
- كانت هناك خلال هذه الفترة تجارب أخرى في مجال الأسود والأبيض ومن ضمنها "سعيد أفندي"
- طبعا كانت هناك في هذا الوقت تجارب عديدة في مجال السينما. فبعد إنهيار "أستوديو بغداد" الذي أسس من قبل بعض أصحاب دور السينما في أواسط الأربعينات بمساعدة شركة فرنسية وصاحب سينما روكسي وهو تاجر يهودي وملاك كبير يمتلك مصانعا وأراض وشركة لإنتاج الطابوق إضافة الى عدد من دور السينما في بغداد، قام بمساعدة من مصر بإنتاج فيلم "عليا وعصام" وشارك فيه كادر عراقي من طلاب المعهد كشبلي حقي وإبراهيم جلال. أنهار هذا الأستديو بعد هجرة اليهود العراقيين الى إسرائيل وأصبح ملكا للدولة. حينها بدأ الهواة العراقيون بالعمل في بداية الخمسينات، حيث وجدوا أمامهم التقنيات التي تركها لهم "ستوديو بغداد" من كاميرات وأجهزة إنارة فأستغلوها لأعمالهم كل على مزاجه. وكان الكثير منهم يحاول تقليد الأفلام المصرية. في ذلك الوقت وصلت نخبة من الدارسين في مجال السينما. ماذا أعني بالدراسة؟ ما عدا كاميران حسني وعبد الجبار ولي الذين درسا وعملا في بعض الأستديوهات في أمريكا، كان هناك أيضا كامل العزاوي الذي درس في مصر. وقام هؤلاء بتأسيس مركزين لإنتاج الأفلام. ربما كان إسم شركة كاميرا حسني هو "شركة الفن الحديث"، إذا لم تخني الذاكرة. وقد بدأ كاميران يعمل على فيلم سعيد أفندي، وقد تم إنجاز الفيلم قبل سنة 1958 وعرض في السينما وكسب شهرة كبيرة، فهو الفيلم الأول الذي كتب حواره باللهجة العراقية البغدادية في معالجة لموضوع شعبي كما تم تصويره في أحياء بغداد القديمة، ووجد إقبالا كبيرا لدى الجمهور وأحدث ضجة كبيرة فحاولت السلطات منعه لإحتوئه على نقد إجتماعي أعتبر طعنا في السلطة. على إثر ذلك تم الغاء بعض مشاهده النقدية ومن ثم عرض بعد ذلك. وقام عبد الجبار ولي بإخراج فيلم "من المسؤول" وعالج فيه موضوعا إجتماعيا بشكل يختلف عن "سعيد أفندي"، فهو موضوع إجتماعي بحت عن إضطهاد المرأة وموقع المرأة في المجتمع العراقي، حيث كان غالبا ما يساء لها.
وقد أستقدم المخرج مصورين من الهند لتحقيق الفيلم وذلك لرخص اليد العاملة الهندية عملوا في مجال التصوير والتقنية. كل هذا جرى قبل سنة 1958. في الحقيقة من الصعب أن نتحدث بدقة عن السينما العراقية لأن الكثير من الوثائق التي جمعناها في حينها فقدت أو أتلفت. وكان هناك أكثر من خمسين عنوان فيلم في الخمسينات في إحصائية قمنا بوضعها في ذلك الوقت. غير أننا ما زلنا نجهل ما تحقق منها وما لم يتحقق. إلا أننا يمكن أن نقول أن ما تحقق من الأفلام الروائية قليل جدا بالنسبة لبلد كالعراق. ويمكن تقسيم تاريخ السينما في العراق وفقا للأحداث السياسية كما يلي: الفترة الملكية ومن ثم الفترة الجمهورية، حيث تم في ظلها تأسيس مصلحة السينما والمسرح شغلت موقعا كان تابعا لهيئة اعلام السفارة الأمريكية يمتلك ستوديو في شارع أبونؤاس توجد فيها بضع كاميرات ويحتوي على مختبر بسيط. وكانت السفارة الأمريكية في حينها قد أوقفت عملها في العراق وعلى وشك نقل محتويات الستوديو، غير أننا تقدمنا بطلب للوزير للحفاظ على هذه البناية ومؤسساتها. وحيث أن يوسف العاني كان مرشحا لوظيفة مدير مصلحة السينما والمسرح، فقد تم تشكيل هيئة تحت إشرافه، في البناية المذكورة بهدف تأسيس "مصلحة السينما والمسرح" كنت عضوا فيها، كما تم تشكيل لجنة لغرض جرد ما هو متوفر في هذه البناية من أدوات لمفاوضة الأمريكان بصددها وقد تم هذا فعلا وأستلمنا البناية بكل ماتحتويه بعد أن دفعت الوزارة مبلغا معينا للأمريكان. وفي البداية لم تعمل "مصلحة السينما والمسرح" في مجال المسرح، بل ركزت عملها في المجال السينمائي وأنتجت الجريدة السينمائية وبعض الأفلام الوثائقية البسيطة. وكانت في الحقيقة ملحقة بركب الأعلام السائد في ذلك الوقت، أي أنها كانت مؤسسة تروج لسياسة عبد الكريم قاسم. وقد شاركت في هذا الوقت في العديد من الدورات خارج العراق فساهمت في دورة سينمائية في تشيكوسلوفاكيا وتم تعييني مسؤولا عن قسم السينما في مؤسسة السينما والمسرح، وكان في حينها تركيز كبير على شخص عبد الكريم قاسم حتى أنني قلت ليوسف العاني: "أبا يعقوب الى متى نواصل الجري وراء عبد الكريم قاسم؟" فأجابني ساخرا: "وماذا سنفعل إذا لم نجر؟ الجميع يجرون وراءه من أكبر وزير الى أصغر موظف."
- ألم يتم خلال هذه الفترة إنجاز بعض الأفلام السينمائية الروائية؟
طبعا حصل ذلك. وقد قمنا بإنتاج بعض الأفلام الروائية الجيدة، ويمكن القول أن بعضها أنجز الى النهاية وحصلت على إقبال جماهيري جيد. ومن ضمن هذه الأفلام "نعيمة" لعبد الجبار ولي كما بدأ كاميران حسني بمشروع لم يكتمل. وقد شاركت كذلك في فيلم "قطار الساعة 7 " الذي أخرجه حكمت لبيد أواديس على طريقة الواقعية الإيطالية ويمكن إعتباره أول فيلم عراقي نفذ على طريقة "الواقعية الجديدة". وكان هذا المسعى يتناسب أيضا مع رغباتي في العمل في هذا الإتجاه وقد أستغرق تصوير الفيلم خارج الأستديو 14 يوما وهذا في الحقيقة رقم قياسي. كنا نحمل الكاميرا ونعمل في الخارج متنقلين على الدراجات. بعد ذلك عملت مع حكمت لبيد على فيلم "أوراق الخريف" الذي كان يدور حول نكبة الأرمن، غير أن الفيلم لم يحقق نجاحا جماهيريا، إذ عرض بعد إنقلاب 63 تحت هيمنة الميليشيات البعثية على الشارع العراقي.
في فترة الستينات تم إنتاج فيلم"الحارس" من إخراج خليل شوقي وتمثيل زينب وقاسم حول، وفيلم "الجابي" من إخراج جعفر علي،و مثل خليل شوقي لاحقا في فيلم "الظامئون" -1972-.
محمد شكري جميل و يوسف جرجيس قاما بإخراج "أبو هيلة" أنتج في سنة 1962 من تأليف يوسف العاني وقد أشترك محمد شكري جميل في الإخراج ايضا إضافة لعمله كممثل في الفيلم. و قمت بتصويره.
بعد ذلك وبالإرتباط مع إنقلاب 63 الذي قضى على الأحلام والآمال لدى السينمائيين تم تعيين محمد سعيد أسود مديرا عاما للسينما والمسرح. لقد وضعنا الإنقلاب في وضع متأزم حيث أننا لم نكن نعرف ما سيأتي بعده. ذات يوم ذهبت الى عملي كالمعتاد، فطلبني محمد سعيد أسود في مكتبه الذي كان في السابق مكتب يوسف العاني، وكان معه في الغرفة ثلاثة أشخاص وقال لي: "الجماعة من الأمن يريدون أن تذهب معهم لغرض توجيه بعض الأسئلة." لم يقل أكثر من ذلك. وهكذا أصطحبوني الى مديرية الأمن العامة. حين عدت الى العراق من ألمانيا في العام 1971 كان محمد سعيد أسود مازال في موقعه فزارني في بيتي في الكرادة وقال لي: "لقد أرتكبت خطأ بتسليمكما للأمن أنت ويوسف العاني." فيما بعد تمت تصفيته من قبل البعثيين.
آخر الأفلام التي كنا نعد لها هو فيلم "اليرموك" الذي كان من المفروض أن يخرجه صلاح أبو سيف بتصويري، وكان هذا الفيلم واحد من ثلاثة مواضيع أقترحتها اللجنة الإعلامية لحزب البعث وهي: "ثورة العشرين" و"القادسية" و"اليرموك" الذي كان من المفروض أن يكون ضد سوريا في حينها، حيث كان هناك عداء شديد ضد سوريا، بعد أن كانت هناك مساع لإقامة وحدة معها أنتهت بعد إنفراد صدام حسين بالسلطة ومن ثم تبلور عداء بين الطرفين، ومن هنا كان هناك توجه لإنتاج فيلم يصور العراق كمنقذ لسوريا إسمه "اليرموك" وذلك على غرار فيلم"القادسية" الذي أخرجه صلاح أبو سيف. وكان من المفروض أن يكون هذا الفيلم من الأفلام التعبوية الغرض منه تحريض الجماهير ضد سوريا. إلا أن الإنتقادات التي وجهت الى صلاح أبو سيف دفعته للهرب من العراق، بعد أن حصل على مبالغ طائلة لغرض إنتاج الفيلم. فذهب الى مصر بحجة جلب بعض المتطلبات اللازمة لتكملة الفيلم ولم يعد. في هذا الإطار جرى لاحقا (1981) إنتاج فيلم "الأيام الطويلة" من إخراج توفيق صالح بني على رواية كتبها عبد الأمير معلة لغرض التمجيد بصدام حسين.
- هل كان هناك قسم خاص لإعداد الكادر السينمائي في أكاديمية الفنون الجميلة؟
لم يكن هناك قسم للسينما في العراق يقوم بإعداد الممثلين لها، لهذا فقد أعتمدت الأفلام العراقية على ممثلين مسرحيين إضافة للهواة، وينطبق هذا كذلك على السينما المصرية كما أعتقد فقد تكون الممثل السينمائي المصري بالتوازي مع كثرة الإنتاج السينمائي، حيث أن مصر نت تنتج كما هائلا من الأفلام يقارب ما تنتجه هوليود، إن لم يكن يزيد عليه. وطبعا أن قابليات الإنسان المصري تختلف عن قابليات الإنسان العراقي، حيث أن كل مصري يمكن أن يكون ممثلا.
- يعني هذا أن عملية الإنتاج هي التي خلقت الممثلين السينمائيين في مصر.
نعم. أما في العراق فقد تأسس لاحقا قسم للسينما في أكاديمية الفنون الجميلة كنت من ضمن كادره التدريسي. وكان من ضمن طلاب القسم المخرج عمانويل رسام (أخرج أفلاما للتلفزيون تحت إسم ع. ن. ر)، وكان هذا القسم قد تأسس في العام 1962، ومن ضمن الذين درسوا في هذا القسم أيضا يوسف الجنابي وضياء البياتي وبسام الوردي وفاروق أوهان إضافة الى فتاتين، وكانت هذه هي الدورة السينمائية الأولى في العراق. كان الفنان خالد الجادر مدير أكاديمية الفنون في حينها. لاحقا التحق جعفر علي بالكادر التدريسي في القسم بعد أن أكمل دراسته في أمريكا وعمل في التلفزيون لفترة معينة. وفي الحقيقة حتى بعد تأسيس هذا القسم لم يكن فيه فرع للتمثيل. وكان العمل مركزا على تدريس الإخراج والتصوير والمونتاج وكل ما يتعلق بصناعة السينما. ولحد الآن لا يوجد هناك قسم خاص بالتمثيل السينمائي، بل يتم إعداد الممثلين في قسم المسرح.
مع الأسف لم تصل السينما الى مرحلة متطورة وذلك على الغالب بسبب الأحداث السياسية. وكما نعرف فأن السينما تختلف عن بقية الفنون في كونها فن جماعي وليس فردي. في المسرح يمكن أن تعمل مع مجموعتك في البيت أو في المقهى أو في مكان، وهذا أمر غير ممكن في السينما، حيث أن العمل في السينما يحتاج الى تمويل وإلى حرفيين والى ستوديو وتقنية عالية، وهذا ما لم يتحقق. وفي إطار ألأحداث السياسية توقف الإبداع السينمائي وتحول الى عمل إعلامي. وأقتصرت الأعمال السينمائية على مجالات الإعلام وتحقيق الأرباح، وأنحسرت مساحة الإبداع الجاد. وفي الحقيقة فأن أغلب الإنتاج السينمائي الجاد في العراق يعود إلى فترة الخمسينات والستينات بفضل الكوادر المثقفة سينمائيا. إنقلاب 63 خرب كل شئ.
- عموما كانت بدايات السينما العراقية في أحضان مؤسسات تجارية.
المؤسسات التجارية أستمرت حتى بعد ثورة 14 تموز. وقامت بإنتاج العديد من الأفلام. وأستمر إنتاج القطاع الخاص. وفي الحقيقة كان هناك أستديو بغداد الذي أستمر في التعاون مع منتجين مصريين. حيث أستمر هذا الأستوديو قائما بعد هجرة اليهود العراقيين، وحتى الشركات التركية عملت فيه لإنتاج عدة أفلام للسوق التركية. وكذا المصريون، ومن ضمنهم محمد سلمان الذي أنتج وأخرج بضعة أفلام في هذا الأستديو بإمكانيات مادية بسيطة.
- لقد عملت أيضا في مجالات أخرى مثل الإذاعة والمسرح
عملنا في الإذاعة والتلفزيون كمتطوعين بعد 1958 في وكان الكاتب الراحل ذنون أيوب مديرا عاما لها وجاء بعده سليم الفخري وفيما بعد كاظم السماوي. وكان العراق متقدما في هذا الجانب، حيث دخل التلفزيون للعراق في وقت مبكر نسبيا وذلك في سنة 1954 وذلك قبل مصر وقبل أي بلد عربي، بل قبل أي بلد في الشرق الأوسط. شركة "باي" أقامت معرضا في بغداد في سنة 1954ضمن المعرض البريطاني، فوضعت ستديو صغير في المعرض الذي كان يقع في كرادة مريم قرب الإذاعة، قريبا من السفارة الإيرانية. وكان هذا الأستوديو "البنغلة" من الصفيح ويحتوي على كامرتين أو ثلاث تبثان لمسافات قصيرة بسبب عدم وجود المرسلات، مما أشعر زوار المعرض بإلاستغراب، إذ شاهدوا صورهم على شاشات التلفزيون المعروضة. ومن هنا قرر جهاز الإعلام الحكومي التابع لحكومة نوري السعيد شراء هذا الأستديو ووضع مرسلات فيه تبث من خلالها الى مدينة بغداد فقط. وتم ذلك بالفعل ونقل الأستديو الى داخل بناية الإذاعة وأستمر البث وجرى تطوير الأستديو تدريجيا في السنوات اللاحقة حتى أكتملت مواصفاته كبث تلفزيوني يشمل كافة أنحاء العراق. حين أستلمنا هذا الأستوديو في العام 1958 كان عبارة عن "بنغلة" صغيرة، ثم راح يتوسع فيما بعد.
في الحقيقة كان المسرح هو الأقرب الى نفسي لكونه كما أرى أكثر تأثيرا من السينما، حيث يمتلك إمكانيات تثقيفية وتربوية أكثر من السينما. من هنا جاء توجهي للإهتمام بالمسرح، وقد عملت في فرقة المسرح الفني الحديث، لأنه كان في حينها هو المسرح الجاد الوحيد قبل 58 وبعدها، بعد ذلك نشأت عدة مسارح مهمة وجدية في العراق لا تقل أهمية عن المسرح الحديث من ناحية مواضيعها والعاملين فيها ومنها المسرح الشعبي ومسرح الستين كرسي ومسرح الشعلة ومسرح الطليعة ومسرح اليوم، أما المسرح القومي فقد تأسس بعد 1963 وكان ممولا من قبل الدولة، وبكادر معين من قبلها بمرتبات ثابتة.
- هناك من يرى أن السينما العراقية بلغت أوج تطورها في السبعينات.
كان هناك بعض الأعمال الجيدة التي أنتجتها مؤسسة السينما والمسرح، أما أغلبها فكان له طابع إعلامي دعائي، فعلا كان هناك نوع من الإستمرارية، إلا أن فترة الحروب الطويلة التي مر بها العراق أدت أيضا الى إهمال السينما، في الوقت الذي طغى فيه الطابع التجاري المبتذل على المسرح على طريقة المسارح المصرية الكوميدية. وتحولت السينما الى جهاز تعبوي. ماعد "الظامئون" و "الأسوار" من إخراج محمد شكري جميل، والأخير مأخود عن قصة لعبد الرحمن مجيد الربيعي، تم تشويهها لتتخذ طابعا يتناسب مع إيديولوجية البعث.
"خمسة أصوات" أنتجه جعفر علي وكان من المفروض أن أساهم فيه، غير أن هذا لم يحصل بسبب الضغوط السياسية. حصل هذا في فترة الجبهة، وكنت أنا ضد أي جبهة مع صدام حسين، لأني لم أكن أثق به. وقمت كذلك بتصوير فيلم "الرأس" من إخراج فيصل الياسري. و فيلم "المسألة الكبرى" عن ثورة العشرين، وهو فيلم شارك فيه ممثلون من بريطانيا وشارك معي في إدارة التصوير المصور البريطاني جاك هيليارد، الذي عرف من خلال عمله في فيلم عمر المختار.
- شكرا على هذا اللقاء الشيق
قائمة بالأفلام الروائية التي قام الفنان ماجد كامل بتصويرها وفق تسلسها الزمني:
"نبوخذ نصر"
"قطار الساعة 7"
"أوراق الخريف"
"أبوهيلة"
"فائق يتزوج"
"الرأس"
"المسألة الكبرى"
1
التعليقات
السينمائي ماجد كامل
فيصل الياسري -بعد غياب لاكثر من 15 سنة عن العراق عدت سنة 1975 لاخراج فيلم الرأس عن قصة حقيقية لسرقة رأس الملك سنطروق من مدينة الحضر ... وكان على ان اختار عناصر العمل معي ممن سيقغون امام الكامرة ( الممثلين ) ومن سقفون خلف الكاميرا( الفريق التقني) وكانت عملية محرجة ومعقدة حتما - ولكنني لم اجد مشقة في اختيار مدير التصوير للفيلم .. ماجد كامل..الذي كان له حضوره كمبدع سينمائي ، وكنت اعرف انه ربما يكون احيانا من الصعب التعامل معه لعناده ومعارضته المتكررة ، ولكن كان يغفر له عطاؤه الفني كمدير تصوير يتمتع بنظرة سينمائة صائبة ..لقد افتقدت السينما العراقية الكثير بغياب ماجد كامل قبل عشرين سنة ، وقد اسعدنتني زيارتي له قبل سنة في برلين .. تحياتي لك وطابت ايامك يا صديقيفيصل الياسري