فيلم أصوات تجربة غير ناضجة أخذت اكبر من حجمها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمود عبد الرحيم من القاهرة:فيلم " أصوات " للمخرجة دينا حمزة واحد من أحداث الأفلام التسجيلية المصرية الذي جرى تسليط الضوء عليها، مؤخرا، بشكل مبالغ فيه، لدرجة اختياره للمشاركة في فعاليات مهرجان السينما العربية الأوروبية، وعقد ندوة عقب عرضه للحديث حول التجربة، غير أن الأمر به مجاملة واضحة، أكثر من كون الفيلم هو الأفضل أو الأكثر تميزا بين الأفلام المنتجة حديثا، من زاوية أن المنتج هو شركة " سمات " القائمة على تنظيم مهرجان كارافان السينما العربية الأوروبية.صحيح انه التجربة الأولى للمخرجة في حقل السينما التسجيلية، بعد فيلمين روائيين قصيرين، لكن هذا لا يمنع من وضع الفيلم موضع التقييم، خاصة وقد وضع نفسه أو وضعوه في مصاف تجارب ناضجة وملفتة.
وأظن انه لم يكن ثمة سيناريو، وإلا ما شاهدنا ما شاهدنا من ارتباك وارتجال واضح في هذا العمل، فالمخرجة لم تحسم، على ما يبدو، خياراتها.. هل ستحكى عن الشاعرين صلاح جاهين وفؤاد حداد وتستعرض حياتهما من خلال ابنة جاهين سامية وابن حداد أمين، مع استغلال أرشيف فوتوغرافي وتسجيلات صوتية تركاها الشاعرين الراحلين، أم أنها تبغي أن تتحدث عن ابني الشاعرين وكيف أنهما بشكل أو بآخر.. ما زال يحافظان على ارثهما الفني، أم أنها تريد أن تتوقف عند العلاقة الخاصة التي تجمع عائلتي جاهين وحداد، وتقارن بين رؤية الأجيال المختلفة للفن والحياة والتغييرات المجتمعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هنا، كذلك.. هل كان ثمة ضرورة لجمع صلاح جاهين وفؤاد حداد في فيلم واحد، أم كان من الاوفق تكريس فيلم لكل واحد منهما على حدة، خاصة وان كليهما نجمان ساطعان في سماء الشعر العامي المصري، علاوة على تباين تجربتهما، ففي حين ارتبط جاهين بالسلطة زمن عبد الناصر وكان بمثابة شاعر ثورة يوليو وأداتها الدعائية، كان حداد اقرب إلى الجماهير وتراثها الشفاهي.
ومن الملاحظ، أن دينا حمزة بدأت فيلمها متأثرة بحفل فني أقامته سامية جاهين، ومن ثم عزمت على التسجيل معها، ولذا نرى هذه الابنة تستحوذ على الوقت الأكبر من زمن الفيلم، لدرجة أن المشاهد يمكنه الإحساس أنها الصوت الأعلى، والأقرب إلى أن يكون الوحيد، ومن بعدها يأتي أمين حداد، بينما الآخرون جرى إقحامهم على خطة التصوير الأولى بالصدفة، كما ذكرنا سلفا، ربما أثناء تواجد المخرجة في منزل ابنة جاهين في مناسبة عائلية جمعت العائلتين، ما افقد الفيلم السميترية والتوازن في المساحات الزمنية بين المتحدثين، ما اثر، بالطبع على إيقاع الفيلم بشكل عام، فضلا عن الابتعاد عن الخط الرئيس، المفترض انه مكرس لإلقاء الضوء على تجربة الشاعرين الكبيرين إبداعيا وإنسانيا، والتشويش عليهما بتجربة الأبناء التي لا اثر لها، ولا قيمة كبيرة لها في ذاتها، خاصة مع المقارنة بتجارب جاهين وحداد ذات العمقين الإبداعي والسياسي.
ثم أن عنوان الفيلم ذاته غير معبر عن مضمونه، ف " أصوات " تعني التنوع والتعدد والرؤية من أكثر من زاوية، في حين أن ثمة صوت واحد،
وان جاء على لسان أكثر من شخصية، فلم نسمع، مثلا، صوتا معارضا، أو مخالفا لتجربتي جاهين وحداد، أو صوتا، مثلا، متحفظا على جانب من جوانب شخصيتهما كعلاقتهما، مثلا، بالسلطة خاصة صلاح جاهين.. فقط، صوت واحد يتحدث بانبهار بحكم العلاقة الأسرية.
وربما انبهار المخرجة ذاتها بحفلات أبناء فؤاد حداد وصلاح جاهين التي تقيمها " ساقية الصاوي "، وتعرض لإشعارهما الحماسية على وقع الإيقاعات، دون أن تتعمق في دراسة الشخصيات، أو تكون لها خلفية ثقافية
تعمق وعيها الفني، وتوجه بوصلتها، وراء هذا الارتباك، الذي لم ينقذه، أو يبرره قوة وجاذبية شخصيتين عملاقين، مثل صلاح جاهين و فؤاد حداد، وتراثهما الفني، رغم أنهما كفيلان، وحدهما، بجذب الجمهور وتحقيق اثر في الواقع، يفوق ما فعلته دينا حمزة على الشاشة.
وان كان من نصيحة نهديها للمخرجة التي تخطو خطواتها الأولى في عالم السينما، فهي إن أرادت التعاطي مع السينما التسجيلية بشكل خاص، فعليها أن تتثقف بشكل حقيقي، وتبذل جهدا في كتابة السيناريو، ودراسة الموضوع الذي تعالجه، لان الفن ليس بالنزهة والكاميرا ليست لعبة بلا رؤية ولا وعي، كما أن عليها أن تتحرر من الانبهار بالشخصيات التي تتعرض لها أو تستعين بها لتتمكن من صناعة فيلم ذي قيمة فنيا وفكريا، فالفيلم التسجيلي أو الوثائقي هو الأصعب.