السينما

سلمى الفلسطينية، وحدة الذات ومعركة البلد في فيلم شجرة ليمون

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد موسى - إيلاف: بعد حوالى أربع سنوات من فيلمه الأخير "العروسة السورية" ، يعود المخرج الإسرائيلي " Eran Riklis" (إيريان ريكليس) إلى السينما ، بفيلمه الجديد "شجرة ليمون" ، والذي يعرض الآن في صالات منتخبة في أوروبا ، وبعد عرضه الاول في مهرجان برلين السينمائي الماضي.
مرة اخرى ، يختار المخرج الاسرائيلي قصصًا نسائية عربية من اسرائيل وفلسطين ، لنساء عاديات ، غير منشغلات في السياسة ، لكنهن ومثل الملايين من سكان تلك المنطقة من العالم ، مخطوفات منذ عقود في سفن السياسية التائهة. فبطلة فيلم "العروسة السورية" والتي تعيش في منطقة الجولان السورية المحتلة ، عليها ان تودع حياتها ،وعائلتها ، وطفولتها ، وتتخلى عن جوازها الاسرائيلي ، للالتحاق بخطيبها الذي يعيش في سوريا ، اي لكي تبدأ حياة جديدة ، عليها تقطع نسغ الحياة القديمة ، على وقع هتاف اب ثوري متحمس لبلده العربي.
بطلة فيلم "شجرة ليمون" ، عليها ان تودع ايضًا الحياة الوحيدة التي تعرف ،لكن هذه المرة من دون وعود أبدًا. فحقل أشجار الليمون الذي تملكه عائلتها مهدد بالقطع والازالة ، بسبب السياسية والامن. البطلة التي لا تبدو عليها سعادة من اي نوع ، "تدفع" الى مواجهة بدت خاسرة من البداية ، ولا تحمل تبشيرات على الاطلاق. لذلك واجه السيناريو معضلة مبكرة كثيرًا ، كيف يمكن ان يحمل الصراع القضائي الذي تخوضه المراة الفلسطينية ضد السلطات الاسرائيلية دراما الفيلم دون السقوط في سوداوية الحياة الفلسطينية المخيفة او تفائل السينما المزيف.

من قاعة المحكمة "سلمى" مع محاميها الفلسطيني على هذا الخط الفاصل الزلق سار الفيلم ، لكنه ومثل فيلم " العروسة السورية " ، لا يوفق كثيرًا في ادارة متوازنة لخطين دراميين ، انساني وسياسي ، فقصة "سلمى" الانسانية ، ووحدتها بين اشجار الليمون ، لم تكن في حاجة كبيرة ، الى قصة وزير الدفاع الاسرائيلي ، الذي يسكن على الجانب الأخر ، والجدل السياسي الذي اثاره قراره بقطع الاشجار لاسباب امنية. ولماذا اختار المخرج ان يكون الصراع مرتبطًا بوزير دفاع، فحدة الفيلم ستبقى كما هي، لو كان جيران السيدة من المستوطنين الاسرائليين والذين ينعمون بالحقوق نفسهاوزير الدفاع الاسرائيلي من امن وغيره.

قصة الوزير هي قصة زوجته بالحقيقة ، اي البطلة الاخرى في الفيلم ، والشخصية الاكثر دينامية في الفيلم ، فالسيدة التي تتعاطف منذ البداية مع جارتها الفلسطينية ، تضطر للرضوخ الى ضغوط الحياة السياسية في اسرائيل ، والتي تعيق اي دور فعلي لها في الصراع القضائي (لينسجم هذا ايضًا مع واقع الحياة هناك).

بدا تعاطف المخرج مع الشخصيات العربية واضحًا كثيرًا، هو لم يقدم مثلاً حجج الجانب الاسرائيلي الامنية التقديم المناسب، والتي كان يمكن ان تقدم بجدية اكبر ،لتحصل على حقها من الاهتمام ، والذي يناسب تقديمًا منصفًا لأي صراع قضائي او سياسي على الشاشة.المخرج افرد ايضا ، الكثير من الوقت لبطلته العربية "سلمى" ، والتي ادت دورها بجمال مؤثر الممثلة الفلسطينية الرائعة هيام عباس. مشاهد المقدمة والعديد من مشاهد الفيلم ، توحي بان المخرج مهتم فعلا بحياة هذه المراة ،ليس بالضرورة لانها نموذج لنساء فلسطينيات آخريات ، فهي لم تبدو النموذج المبسط المعتاد للمرأة الشرقية ، لكن ربما لهذا السبب بالتحديد ،اثارت المخرج وحفزته هو ،وكاتبه السيناريو الاخرى للفيلم ،المخرجة الفلسطينية سهى عراف، وكيف يمكن ان تهمين السياسية على حياة الناس المختلفين وتتلاعب بمصائرهم.

المخرج الأسرائيلي إيريان ريكليس سلمى التي قدمها الفيلم ، هي إمراة في منتصف الاربعينات من العمر ، وحيدة ، بعد وفاة الزوج وتفرق الابناء ، لكنها لا تميل الى الشكوى ، حتى عندما وصلت حياتها الى ذلك المآزق غير المتوقع ، كانت دموعها تتساقط هكذا من دون نحيب او ندب حظ. المرة الوحيدة التي كانت تبكي فيه سلمى بحق ، شاء المخرج الا يظهر وجهها، وبدا المشهد كله تسللاً غير لائق الى الحياة الخاصة لبطلته.

وعلى الرغم من أن بيت سلمى وحقل اشجار الليمون الجميل المجاور ، بدوَا في مقدمات الفيلم ، بعيدين جدا عن عنف مدينة "غزة" الفلسطينية وحياة الفلسطينين هناك ، لكن ببطء يكشف الفيلم ، ان حياة فلسطينيّي الضفة الغربية والقدس ، لا تختلف كثيرًا عن حياة اهل "غزة"، فزوج سلمى مثلاً رحل مبكرًا لانه لم يحتمل ظروف العمل القاسية ، والتي دفع للقيام بها ، بعد ان فقد عمله وشحت فرص العمل المناسبة ، والابن سافر مبكرًا جدًا الى اميركا، والبنات المتزوجات يمرن مع عوائلهن بظروف اقتصادية شديدة الصعوبة.

لدوافع مختلفة ، بعضها ليس له علاقة بموقف من الصراع العربي الاسرائيلي ، قررت الحكومات العربية ومعظم المثقفين العرب، مقاطعة كل الاشياء الفنية والثقافية القادمة من اسرائيل، لم يشأ هؤلاء المثقفون ان يفتحوا قلوبهم لاستثناءات قليلة ، لفيلم مثل "شجرة الليمون" مثلا. او افلام اخرى تحمل الكثير من الصفاء والعدل. مخرج اسرائيلي مثل " إيريان ريكليس " ، عليه ان يعمل لوحده على شخصياته العربية، وسط ظروف صعبة تواجهه في اسرائيل بالتاكيد، هو، وغيره من المخرجين الاسرائليين الانسانيين، ووسط مقاطعة واهمال عربي كامل. هذا كله يجعل فيلم مثل "شجرة ليمون". يحمل نبلا فريدًا يتعدى السينما ويبدو هذا العالم في اشد الحاجة اليه.


قصة الفيلم
بعد ان ينتقل وزير الدفاع الاسرائيلي وزوجته الى بيتهما الملاصق لحقل ليمون امراة فلسطينية ، ينتبه الوزير الى خطورة بقاء الحقل على امن بيته وخطر ان يتسلل عرب الى الحقل ليهاجموا البيت ، فيقرر قطع الاشجار ، البطلة التي تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها وهجرة ابنها وزواج ابنتاها ، تقرر اللجوء الى القضاء ، وتوكل محاميًا فلسطينيًا للدفاع عن حق حقلها بالبقاء.

معلومات عن الفيلم
أخراج

إيريان ريكليس
أنتاج
اسرائيلي
سنة الأنتاج : 2008

بطولة
Hiam Abbass ، Ali Suliman ، Doron Tavory ، Rona Lipaz-Michael
نوع الفيلم : دراما

طول الفيلم 106 دقيقة

الفيلم صالح للمشاهدة لفئة PG

لقاء سلمى مع زوجة وزير الدفاع الاسرائيلي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مبروك هيام
فلسطيني -

مبروك هيام، في الداخل الفلسطيني نعيش الغربة مضاعفة فنحن عند اليهود عرب وعند العرب يهود، وبين حانا ومانا ضاعت الحانا، هذا هو قدرنا أم قصور أمتنا العربية عن التفهم لواقع فلسطيني معاش؟؟؟ نحن ندعم مقاطعة إسرائيل بل وندعو لها ولكن يجب التدقيق في المضامين واختيار المناسب.

هيام عباس
فلسطيني -

اليوم الثلاثاء الساعة 22.50 يعرض فيلم فلسطيني لهيام عباس حيث تؤدي دور فيه دور أم أحد الفدائيين... بصراحة جميع أفلامها رائعة جدا، لقد شاهدت لها شجرة ليمون و عروس سوريا و الجنة الان و باب الشمس - فنانة اكثر من رائعة

حلو
حلو -

مخطوفات في سفن السياسية التهائه ... حلو

هولندا
سوهارتو عبد الغني -

لا فض قلمك يا استاذنا الكبير محمد موسى عثمان لقد عبرت عن الفلم وكاننا نراه وكانت عباراتك العربية جزلة جدا جعلتني وانا كنت اكتب الشعر انبهر امامها فشكرا لك وسلاما من جيرانك الذين لا يبعدون عن شقتك الا ربع كيلو متر ولكن يبدو ان الكتابة الرفيعة المستوى انستك اصدفاءك ليستفيدوا من نهج بلاغتك.وهل دامت الدنيا وهل دام عزها ونحن نساق بعد حين الى القبر