السينما

الفيلم الايراني درجة صفر، الانسان محكوم بفعل القتل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

رانيه عقلة حداد: فيلمان من اصل ثلاثة افلام ايرانية تم عرضها في مهرجان الاردن للفيلم القصير تناولت قضايا فلسفية، فكان من الملفت ان يشكل تأمل الوجود هاجسا لصناعها المنحدرين من بيئة متزمتة دينيا تكثر فيها التابوهات، وكان "درجة صفر" احد هذين الفيلمين، وهو فيلم انيمشن قصير انتاج 2005، اخراج عوميد خوشنَزار.
"درجة صفر"... الاسم بداية يضعنا على العتبة الاولى لقراءة الفيلم، حيث درجة صفر هي نقطة الاصل ... النقطة التي تبدأ عندها ومنها الاشياء، سواء اكانت درجة صفر هي مؤشر للحرارة، او لقياس الزوايا، تبقى هي حالة السكون ... لحظة البدء، في المستوى الاول يتأمل الفيلم السُلطة البشرية والاشخاص الذين يقعون تحت تأثيرها فتُسيرهم، هذا ما نلمسه منذ بداية الفيلم حين يصوب الجندي بندقيتة الى شخص لا نعرفه، وبعد ان يطلق النار عليه يظهر لنا بأنه غير راضٍ عن فعلته هذه، انما ثمة قوى خفية تسيره، فيلقي ببندقيته محاولا الهرب من فعلته ...من اثمه، ومن القوى التي تسيره لكن دون جدوى فليس هناك مفر، حيث تقوده هذه السلطة/القوة في النهاية الى الهاوية.

المستوى الثاني للقراءة هو مستوى فلسفي، حيث يشبه هذا الجندي الى حد كبير سيزيف في الاسطورة الاغريقية الذي غضبت عليه الاله، فحكمت عليه ان يصعد كل يوم الى اعلى الجبل حاملا صخرة كبيرة، وعندما يصل الى القمة يرمي بالحجر الى اسفل، ليعود ويحمل الصخرة من جديد الى قمة الجبل، هكذا كل يوم يكرر ذات الفعل دون جدوى، وهذا يشبه الى حد كبير ما يحدث مع الجندي حين يقتل الشخص الاخر، فيبدو انه محكوم بهذا الفعل من قوى لا نشاهدها انما نحس بوجودها من خلال شاشة الفيديو الذي تصور الحدث وتتحكم به، فعل القتل في هذا الفيلم يشبه فعل حمل سيزيف للصخرة، فحين يحاول الجندي الهرب يسقط الى الهاوية لكن ذات القوى بواسطة زر الترجيع في كاميرا الفيديو تعيده الى نقطة البداية حيث فعل القتل، ولنا ان نتخيل ان هذا الفعل سيبقى يتكرر الى ما لا نهاية دون جدوى، فكلما حاول الجندي ان يهرب قادته هذا القوى التي تحرك كاميرا الفيديو والعناصر داخل اطارها الى حيث تشاء، فتتحرك الكاميرا بالاتجاه المعاكس عندما يحاول الجندي الهرب وتجبره على السير في اتجاهها، فيشكل اطار كاميرا الفيديو قوة وحاجزا لا يمكن تجاوزه. عودة الى الاسم "درجة صفر" انه على هذا المستوى هو بداية الخليقة، حيث اول فعل يبدأ فيه الفيلم هو القتل ... قتل الانسان لاخيه الانسان تماما كما قتل قابيل اخيه هابيل، هكذا قتل الجندي الشخص الاخر وعندما اسقطته القوى في الهاوية، اعادته من خلال زر الترجيع الى لحظة البداية قبل فعل القتل بقليل، وكأن الانسان مسير ومحكوم بهذا الفعل الى الابد، ولا مفر من ان يقتل اخية الانسان، وفي لحظة ما نتوحد مع الجندي القاتل وننظر معه من منظار بندقيته نحو الضحية.
تأمل الوجود والقوة الالهية وما اذا كان الانسان مسيرا او مخيرا في الحياة، ليست فكرة جديدة فقد تناولها الاوروبيون بعد فجائع الحرب العالمية الثانية، في وقفة مراجعة وتأمل للذات والمعتقد، تناولوها فنيا وادبيا وفلسفيا، لكن الجديد كما اسلفت ان تطرح هذه المسائل من اشخاص ينحدرون من ثقافة شرقية، ومن دولة متزمتة كـ ايران، كذلك الشكل المميز الذي يقدم فيه المخرج فكرته والذكاء في اختيار الجندي كنموذج لتناول السلطة فيواري خلفه الفكرة الاساسية المراد طرحها.
"درجة صفر" احد الافلام المميزة التي عرضت في اطار مهرجان الاردن للفيلم القصير2008، فارتأت لجنة تحكيم الناشطين الثقافيين الشباب - والذي كان لي الشرف ان اكون احد اعضائها- التنويه به كاحسن فيلم اصلي.

رابط الفيلم على شبكة النت
http://www.youtube.com/watch?v=J8keXu0pLQs

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف