جمعية الشعراء الموتى .. فيلم الانفصالات المتعددة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بروكسل: ليست هذه الدهشة أو الدراما الاولى التي يقدمها لنا الممثل البارع "روبن وليامز" في فيلم "جمعية الشعراء الموتى" 1989 للمخرج "بيتر وير" والتي تتحدث عن طرق التفكير ومناهج التدريس وتصورات الناس الجاهزة والمعدة سلفًا وأساليب كسرها لصناعة أساليب متعددة تعطي للحياة والانسان
يبدأ الفيلم بلقطة تتهيأ فيه احدى الاكاديميات الاميركية لاستقبال دفعة جديدة من الطلبة لعام دراسي جديد, مبتدئة بتقليد دأبت عليه تلك الاكاديمية لسنوات طويلة متمثلاً بمراسيم وطقوس لا تخلو من العنصر الديني, للتأكيد على أهمية الدراسة فيها وعراقتها في تخريج شخصيات علمية وأدبية ملتزمة بمبادئ وقيم تلك المدرسة التي أدرجها المدير"نورمان لويد" بسؤال رشقه بوجه الطلبة وأولياء أمورهم حول الاركان الاربعة التي تنهض عليها تلك الاكاديمية, فيجيب بعضهم برغبة أقل: التقاليد, الشرف, الانضباط, التفوق, مذكرًا بعد انتهاء كلمته بالبديل عن أستاذ اللغة الانجليزية المتقاعد "بوتريوس" بأستاذ آخر وهو السيد "جون كيتينغ" المتخرج من تلك الاكاديمية بدرجة "شرف"! وهو ما سخر منه الاستاذ في لقطة لاحقة تجمّع فيها الطلبة خارج الصف " الان دعوني أبدد بعض الاشاعات لكي لا تتحول الى حقائق, نعم أنا درست ايضًا في "ويلتون" وقد نجوت " كاشارة على تعسف المنهج, حيث تمثل هذه اللقطة خروج الطلبة والاستاذ والوقوف أمام احدى الصور الفوتغرافية لمجموعة طلاب كانوا قد تخرجوا من نفس المدرسة منذ سنوات طويلة, احدى الاتصالات المهمة داخل الفيلم وتعكس وعيًا مميزًا لدى "روبن وليامز" بشخصية الاستاذ "كيتينغ" وأعني بالاتصال هو الابقاء على طاقة تلك الصورة سارية ومتوهجة حتى اللحظة الراهنة, من خلال انتقالها الى الجيل الجديد وترسيخها لديه وعيًا ورغبة وايمانًا, وهي طاقة غير قابلة للتبدل بفعل التقادم التاريخي, لانها تعكس زمنًا لشخصيات لها أثرها العلمي والاكاديمي والجمالي على الانسان والحياة في الواقع, فتكون المحاكاة لتلك الصورة هي محاكاة لنفس المحرك الذي جعل هذه المجموعة باقية ومستمرة ويراد لها بالضرورة ان تنتقل وتصبح المفتاح والنواة الاولى للذات الانسانية وطرق اكتشافها وتغييرها , بحيث يكون معه ممكنًا تغيير وجه الحياة والاستغراق فيها بمتعة وجمال وفائدة أكثر, والاهم مع تحقيق هذه المحكاة هو اسلوب وطريقة المحكاة نفسها لهذا يعد استخدام تقنية الصدمة الشعرية والعنصر العاطفي في التأثير وتحقيق طموح التغيير عنصرًا مهمًا, وهو أبرز ما يميز الفيلم على طول مده الجمالي والشعري, نجح من خلاله الاستاذ ان يضع ومضاته داخل انفس الطلبة ومخيلاتهم ليضيئها ويطرد العلاقة الرتيبة بينهم وبين ذواتهم من جهة وبينهم وبين الاشياء المحيطة من جهة اخرى, محررًا بذلك تلك المخيلات من سجنها القديم ليضعها امام تصور من نوع آخر أمام حضور مختلف عما ألفه الطلبة عن ذواتهم, وطريقة النظر اليها, مبتدئًا بطرح سؤال عمن قال هذه العبارة "أيها القبطان يا قبطاني" يصمت الطلبة, فيجيب انها عنوان في قصيدة كتبها الشاعر "والت ويتمان" عن السيد "ابراهام لينكولين" هذا الصف يمكن ان يناديني أما السيد "كيتينغ" واذا كنتم أكثر جرأة بقليل "أيها القبطان يا قبطاني" وهي المحاولة الاولى في الانفصال عن عاطفة اللقب الاكاديمي الحاد والرسمي بروح عاطفية صديقة واسم حميم, يتوجه بعدها لأحدهم طالبًا منه قراءة المقطع الشعري الاول الموجود في كتاب "التراتيل" يقرأ "للعذراء التي تستفيد من وقتها تجمعنّ أيتها البراعم طالما تستطعن, الزمن الغابر لا زال طائرًا ونفس هذه الزهرة التي تبتسم اليوم ستموت غدًا" يتابع "أريدكم ان تتقدموا الى هنا وتطالعوا في بعض الاوجه من الماضي, ليسوا مختلفين عنكم, نفس قصات الشعر, وممتلئون بالهرمونات مثلكم ... هؤلاء الاولاد هم الآن سماد للنرجس, ولكن ان أصغيتم جيدًا ستسمعونهم يهمسون بميراثهم اليكم , ميلوا الى الامام هل تسمعونهم ؟ يهمس في آذانهم " كاربي ديّم" عيشوا اليوم يا أولاد, أجعلوا حياتكم رائعة "ينتهي هنا متوالي الايحاءات من أجل هدم الحائط القديم المصنوع من خلاصة التقاليد والتربية الاجتماعية الرتيبة, لتحقيق طعمهم الخاص داخل محارتهم الام الحياة, كما عبر في لقطة مواجهة الصورة, وهي لقطة تمثل اتصال له أثره في تحقيق انفصالات لاحقة داخل الفيلم يكون الانفصال الاهم فيه هو انفصال عن النسخ القديمة في ذواتهم بنسخ اخرى, رغم ان هذه النسخ المستيقظة موجودة من الاساس لكن بحاجة الى مناسبة لكشفها وجعلها ذوات مستقلة , مناسبة تكون من الجمال والقوة والايمان تجعل التبدل والتحول امرًا ضروريا وملحًا معها وهو ما يوفره عنصر الاحتفاء بالشعر وتوفره ايضًا شخصية "كيتينغ" داخل الفيلم .
في لقطة مثيرة وعميقة يمكن عدها مركزية داخل الفيلم وهي لقطة تمزيق المقدمة في كتاب الادب الانجليزي التي تتحدث عن معنى الشعروطرق فهمه
يكون مشهد الصعود فوق الطاولة هو مشهد يكشف عن انفصال مكاني واضح الاثر واقعياً ومجازًا, واقعيًا من حيث اختلاف مجال الرؤية والرصد من فوق تختلف معه صور واشكال الكتل داخل محيط الصف عما لو تم رصدها من الاسفل, ومجازًا تعني النظر للاشياء بطريقة وزاوية مختلفة, وان للحقيقة أكثر من معنى, والحياة عمومًا لا يمكن اجمالها برؤية وسياق واحد بل تتظافر أفكار متعددة ومتنوعة تعقيدًا وبساطة في تشكيل عالمنا هذا, وان احتكار الحياة لصالح منهج او فكرة او ايديلوجيا محددة هو محاولة لهدم الحياة والانسان وسلب هويتهما معًا, وتعني اكثر كما في سياق الفيلم, ان الشخص الذي يتخلى عن طعمه الخاص وبيت شعره في مسرحية الحياة هو شخص لا يقيم داخل نفسه, بل يسمح لاشياء اخرى ان تقيم فيه ربما اللاشيء, فمثلما لا يمكن للانسان ان يأكل بشهية غيره, كذلك لا يمكن ان يفكر شخص اخر نيابة عنه, وهو ما يحاول الاستاذ تأصيله في طبائع خلية النحل أو جمعية الشعراء الموتى الجديدة والمحظورة في اكاديمية "ويلتون" .
يجري بعدها تحقيقاً في الموضوع وينكشف أمر الجمعية ويقوم المدير بالتحقيق مع الطلبة واحدًا تلو الاخر مهددًا اياهم بالطرد ان لم يعترفوا ان المحرض على انتحار "نيل" هو الاستاذ "كيتينغ" باعتماده اسلوبًا منافيًا لاسلوب الاكاديمية ومحرضًا على عدم الالتزام بمبادئ الاكاديمية غير القابلة للتجاوز حسب وجه نظره, حيث تم فعلاً بفعل الترهيب تثبيت هذه الاستنتاجات ضد الاستاذ وبالتالي تم طرده من الاكاديمية في حدث يثير الالم داخل الفيلم تكون آخر لقطاته اعادة لمشهد الانفصال المثيرعن المكان والوقوف على المقاعد الدراسية تحديًا من قبل الطلبة على قرار طرد الاستاذ, مرسخاً هذا الفصل المكاني ذو الدلالة الرمزية الكثيفة, الرؤية الضد لكل ما يمت بصلة للماضي منهجًا ورؤية وطريقة تفكيرلا تخلو من تعسف, حيث يمكن عدّ الفيلم وخصوصًا حدث انتحار الطالب "نيل" أو الانفصال عن الحياة الى جانب بقية الانفصالات الاخرى, تفاعلاً مع عقدة الاب في الادب العالمي والاسطوري الذي كانت بداياته في اعمال "سفوكليس" المسرحية وخصوصا في مسرحية "أوديب ملكًا" مروراً بمدرسة التحليل النفسي لفرويد حيث يُعد الاب "جهة الدمار" في الحياة رغم المغايرة في الحدث بين مقتل الاب في "اوديب ملكًا" وبين انتحار "نيل" الابن في "جمعية الشعراء الموتى" لكن في الحالتين يكون فيها الاب او السلطة الدينية هي "جهة الدمار" وفي التمرد عليه او موته سقوط الجدار الذي يفصل ما بين عصر او فترة زمنية لصالح الانسان وحياته, وبين عصر آخر ضد الانسان وحياته, وهو ما جعل هذا الرمز في الادب العالمي دلالة على "التحرر الديني الذي أخذ يغزو الحياة الاوربية الحديثة منذ ثورة الاوربيين على سلطان الكنيسة في عصر النهضة" ولم يفت المخرج المبدع "بيتر وير" هذا التضمين العميق في حدث لا يخلو من مأساة لكنه في رأيي وعكس ما ذهبت اليه بعض التصورات حول الفيلم, يمثل اضاءة مهمة وضرورية في عمل مقاصده الرئيسية كسر"تابو" المنهج والتاريخ والعادات والتقاليد التي تقف بالضد من تطلعات الانسان المشروعة في تغيير وجه الحياة , فكان لابد من هذا الحدث كمقاربة وتفاعل مع أعمال ادبية عالمية واسطورية لها أثرها الواضح في تحقيق مكانة أفضل للانسان والحياة وطرق استنباطهما.
التعليقات
لماذا التعقيد
ايمن بدري -انا متفق مع كاتب المقال حول اهمية هذا الفيلم لكن ما لا افهمه هو الكلام اقصد هنا شرح الكاتب لأهمية الفيلم و اطنابه في الوصف باوصاف لا توجد به - ارجو من النقاد عدم الاطناب لأن الايجاز افضل و كذلك انا شاهدت الفيلم و استمتعت به و كذلك استفدت منه و لكن ما قاله الكاتب اعتقد انه لا يمت بصلة الي الفيلم
لماذا التعقيد
ايمن بدري -انا متفق مع كاتب المقال حول اهمية هذا الفيلم لكن ما لا افهمه هو الكلام اقصد هنا شرح الكاتب لأهمية الفيلم و اطنابه في الوصف باوصاف لا توجد به - ارجو من النقاد عدم الاطناب لأن الايجاز افضل و كذلك انا شاهدت الفيلم و استمتعت به و كذلك استفدت منه و لكن ما قاله الكاتب اعتقد انه لا يمت بصلة الي الفيلم
الاخ ايمن بدري
سراج محمد -قديما:قيل لأبي تمام :لم تقول مالايفهم؟فأجاب سائله: ولم لاتفهم ما لايقال ؟؟لاتكمن قيمة الفيلم وأهميته في الاحداث والمشاهد فالناقد يحاكي فعل الدهشة الجمالية القائمة على الانفصالات والاتصالات التي جاءت عليها حبكة الفيلم تقبل عزائي
الاخ ايمن بدري
سراج محمد -قديما:قيل لأبي تمام :لم تقول مالايفهم؟فأجاب سائله: ولم لاتفهم ما لايقال ؟؟لاتكمن قيمة الفيلم وأهميته في الاحداث والمشاهد فالناقد يحاكي فعل الدهشة الجمالية القائمة على الانفصالات والاتصالات التي جاءت عليها حبكة الفيلم تقبل عزائي
رؤية عميقة
سراج محمد -اجترح الناقد الفيلم من ادق زواياه واكثرها حساسية ،ليس من حيث كونه فيلما بل بصفته بعدا فلسفياوابستمولوجيا قائما على مغذيات سايسلوجية مختلفة ،نجح مهند يعقوب في ان يكسر مرايا الفيلم لا ليغلي انعكاستها بل ليجعلها تتشظى ،هذه المغذيات اطلق عليها الانفصال والاتصال،(الفضاء/الشخصيات /المناهج/التاريخ/الصورة)لكن الاتصال (الصورة)الذي اقنعنا بانه اتصالا حقا ،كان هو الانفصال الاهم والاروع، وانا برأي ان سمة الانفصال هي اللازمة الاكثر ارتفاعا بالفيلم وباختيارات الناقد وحفرياته المهمة مهند انت اروع مايكون اسجل عميق اعجابي
رؤية عميقة
سراج محمد -اجترح الناقد الفيلم من ادق زواياه واكثرها حساسية ،ليس من حيث كونه فيلما بل بصفته بعدا فلسفياوابستمولوجيا قائما على مغذيات سايسلوجية مختلفة ،نجح مهند يعقوب في ان يكسر مرايا الفيلم لا ليغلي انعكاستها بل ليجعلها تتشظى ،هذه المغذيات اطلق عليها الانفصال والاتصال،(الفضاء/الشخصيات /المناهج/التاريخ/الصورة)لكن الاتصال (الصورة)الذي اقنعنا بانه اتصالا حقا ،كان هو الانفصال الاهم والاروع، وانا برأي ان سمة الانفصال هي اللازمة الاكثر ارتفاعا بالفيلم وباختيارات الناقد وحفرياته المهمة مهند انت اروع مايكون اسجل عميق اعجابي
كليشات
ناقد -الفيلم للاسف مليء بالكليشات ، ياتي المدرس الى الطلبة ، والطلاب يتغيرون ، ويثورون ، هذه كليشة كبيرة ، وفقدت اي معنى عميق او نفسي ، الحقيقة ان ايام الدراسة لمعظمنا ايام سوداء ، تفتقد السعادة ، مليئة بالشك وعدم الثقة ، وافلام المدارس الجماهيرة مثل فيلم جمعية شعراء الموتى ، يحاول ان يمجد تلك الايام لدواعي الاثارة ، هناك مشاهد تشعر المتفرج بالخجل بسبب لعبها الكبير بالعواطف ، مثل مشهد الطلاب يقفون على الطاولات وغيرها من المشاهد
كليشات
ناقد -الفيلم للاسف مليء بالكليشات ، ياتي المدرس الى الطلبة ، والطلاب يتغيرون ، ويثورون ، هذه كليشة كبيرة ، وفقدت اي معنى عميق او نفسي ، الحقيقة ان ايام الدراسة لمعظمنا ايام سوداء ، تفتقد السعادة ، مليئة بالشك وعدم الثقة ، وافلام المدارس الجماهيرة مثل فيلم جمعية شعراء الموتى ، يحاول ان يمجد تلك الايام لدواعي الاثارة ، هناك مشاهد تشعر المتفرج بالخجل بسبب لعبها الكبير بالعواطف ، مثل مشهد الطلاب يقفون على الطاولات وغيرها من المشاهد