السينما

جولتان من أجل المخرج الهندي أشوتوش غواريكر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

باريس: من أجل كلّ ضربة، وجريّ في لعبة الكريكيت، تعلموا كيف تعرفون أنفسكم، وخصمكم بشكلٍ أفضل، المسيرة المهنية لـ"أشوتوش غواريكر"، المولود عام 1968 في "ماهاراشترا" (ولاية مومبي) يمكن أن تنقسم إلى مبارتين مُختلفتين.

1ـ نشاطٌ مكثف
منذ بداية الثمانينات، وحتى عام 1999، كان"غواريكر" مُمثلاً في المسرح، والإعلانات، والسينما، والتلفزيون، وخلال تلك الفترة، أخرج فيلميّن: Pehla Nasha (التسمّم الأول) في عام 1993، و Baazi (مبارزة) في عام 1995.
تُشير شهادات البعض، بأنه جمعته صداقة متينة مع الممثل "أمير خان"، تعود إلى فيلم Holi لمُخرجه "كيتان ميهتا" في عام 1984، عندما بدأ "غواريكر" عمله في السينما، حيث مثلَ المُراهقان الاثنان في الفيلم دوريّ تلميذين متمردين، كان "أمير خان" أكبر منه بثلاث سنواتٍ، وبفضل ابتسامته المُشرقة، ومواهبه الرياضية على طريقة "دوغلاس فيربانكس" حظيّ، ومنذ التسعينيّات، موقعًا نجوميًا متألقًا، بينما استمر رفيقه "غواريكر" في أداء الأدوار الثانوية، وارتجل نفسه مساعد مخرج متطوّع إلى جانب سينمائيين معروفين: أمول باليكار، سعيد ميرزا، ماهيش بات، كوندان شاه، "ولكن، ولا أيّ واحدٍ منهم أصبح معلمًا له" كما يحكي "ساتياجيت باتكال" عن حياته، "فقد امتلك القناعة، والغرور بأنه علم نفسه بنفسه، وهكذا، في الوقت الذي تتراجع مسيرته المهنية كممثلٍ، يُراهن عاليًا، ويطمح بأن يصبح مخرجًا".
في مجتمعٍ، وصناعة سينمائية محكومة بنظام الطبقات، كانت بداية "غواريكر" خلف الكاميرا بالنسبة إلى "باتكال" (مُعجزة).
فيلم Pehla Nasha هو أشبه بسيرةٍ ذاتية كتبها مع"نيرايّ فور"، وتحكي مغامرة ديباك "ديباك تيجوري"، شابٌ فقيرٌ لا يمتلك فلسًا واحدًا في جيبه، ويريد أن يصبح نجمًا سينمائيًا.
خلال مقدمة الفيلم، هناك حلمٌ على طريقة "والتر ميتي" النهاية السعيدة لفيلم، حيث يقضي "ديباك" بمفرده على عصابةٍ من الأشرار، يُحيل الديكور، وكثافة الحكاية إلى "سيرجيو ليوني" (من إخراج أشوتوش غواريكر) تسبق (النهاية).
تضيئ أضواء الصالة، يرتدي البطل بذلة، تصفيقٌ حاد، وكلمات إعجابٍ من مجموعة نجوم حقيقيين: أمير خان، سيف علي خان، شاروخ خان.
عندما يصحو من نومه، يجد "ديباك" عملاً في "فيلمستان ستوديو"، ولكنه لا يستطيع تصوير مشهد في بئرٍ، لأنه مصابٌ بمرض الرهبة من الأعماق، وهكذا يقبل العمل حارسًا في منزل سينمائيّ ثريّ.
من الشرفة، وبنظراته الثاقبة، يلمح في المنزل المُقابل حسناء تغطي وجهها"رافينا تاندون" يهاجمها مجرم.
مع "بهاراته" المأخوذة من فيلم "Vertigo"(ألفريد هيتشكوك 1958)، و"Rear Window"(ألفريد هيتشكوك 1954)، و" Body Double"(بريان دي بالما 1984) يكشف "غواريكر" عن طموحاته الكبيرة.
وحتى أنه يشير إلى مقدمة فيلم " Charulata"(ساتياجيت راي 1964)، ذاك المشهد المُذهل، حيث "مادافي موخيرجي" مختبئة خلف الستائر تراقب بمنظارها الحياة اليومية في الشارع.
عقدة البصبصة مخفضة عن طريق "ديباك تيجوري"، مهرجٌ فظّ إلى حدّ المُحاكاة الساخرة، وتتوالى ستة مقاطع موسيقية ملفتة للاهتمام.
من مشهد تعري "رافينا تاندوري" ملتحفة بالحرير الزهري، وحتى البالية الرائعة " Nadiya Kinare": تتلوى السمراء المُشهية "بوجا بات"، تنتشي، وفي لقطاتٍ كبيرة تصفعها رشاشات ماءٍ على سرتها العارية.
الشهوانية الواضحة للرقصات تنطبق أيضًا على فيلم " Baazi"(إحالةٌ للفيلم الأول، بنفس العنوان لـ"غورو دوت" عام 1951)، فيلمٌ تشويقيّ لا يخشى تقليد سلسلة أفلام الغرب للمُفتش "كالاهان".
كان "غواريكر" محظوظًا بقيادة صديقه "أمير خان" الذي جسّد شخصية المفتش الذي لا يُقهر، مغامراته الفاشلة "ينقذ مجموعةً من منظمةٍ إرهابية" هي بالأحرى خرقاء مُرتكزة على سيناريو منتظر.
ولكن، عندما تصل الفقرات الموسيقية الخمسة، يرفع "غواريكر" رأسه عاليًا، ويُظهر موهبته على طريقة "بلاك إدواردز"، وبشكلٍ خاصّ مشهد الرقص الحارق للعاشقيّن حول سرير، والإظهار المُتألق المُتلالئ "شديد الجرأة" لـ"أمير خان" يؤدي شخصية مُتحوّل جنسيّ،......مشهدٌ نادر، ومن خلاله يحطم النجم الرجولة السائدة في الثقافة الهندية.
تجربتان لاستثمار قنواتٍ تجارية، فيلمان فاشلان، وهزيمة.

2ـ ثلاثيةٌ غاندية
خطرت بداية فكرة فيلم "Lagaan: Once Upon a Time in India" (عام 2001) في ذهن "غواريكر" خلال منفاه الاختياريّ من بلاتوهات السينما، حيث قضى ثلاث سنواتٍ دارسًا المسيرة المهنية لكبار السينمائيين في تاريخ السينما الهندية، وكان ذلك بتشجيعٍ من "أمير خان" الذي حذره:
"إذا لم تكن راضيًا عما تفعله، لن تحصل أبدًا على النجاح".
بمُتابعة وقائع حياة فلاحين في صراعهم ضدّ "إنرون"، أو ضدّ السدود الكارثية، لاحظ تشابهًا مع بعض القبائل في نهاية القرن التاسع عشر الذين عارضوا دفع الضرائب الزراعية "لاغان" التي فرضتها وقتذاك الحكومة البريطانية.
وهكذا، تخيل موضوعًا واقعيًا، ولكن مُسالمًا من دون عنف، حيث يتجسّد الصراع بين "دافيد"، و"غوليات" عن طريق رياضة الكريكيت الشعبية جدًا.
في وضع اقتصاديّ مزدهر، كانت الحقبة الاستعمارية من الممنوعات، الملابس الرجالية التقليدية، والأزياء، بدت بالنسبة إلى جمهور الشباب مثيرة للضحك، والأكثر غرابةً، قرار العمل في أماكن خارجية بالكامل بعيدًا عن زحمة إستوديوهات "مومبي" حيث فرق العمل مُستنزفة ليلاً، ونهارًا في أفلام كثيرة بآنٍ واحد، بالإضافة للصوت المباشر(حيث لم تعد هذه المُمارسة موجودة منذ فيلم "Mother India" لـ"محبوب خان" عام 1957) وُفق "ميهير بوس" .
بالنسبة للنفحة الملحمية، أربع ساعاتٍ لـ"رواية تاريخية" تستدعي بآنٍ واحدٍ "كيبلنغ"، و"طاغور"، دزينة من الشخصيات، آلاف الكومبارس، ديكوراتٍ ضخمة، لقد أراد "غواريكر" حقًا بأن يتبارى مع هذا الفيلم/العلامة، كان "أمير خان" ابن المنتجين يكره الفكرة "الجهنمية" بأن يصبح بنفسه منتجًا، ولكن، مع اندهاشه بحكاية السينمائي، عهد بتلك المغامرة العملاقة إلى شركة إنتاجه الخاصة، كان في معظم الأحيان يقود المجاميع، ويتعاون في اختيارات الممثلين، ويقدم مساعدة في موقع التصوير، واختار معه "راحمان" ليُبدع شريط الصوت "موسيقيّ متخصصٌ في البحوث التاريخية، والدينية".
استمرارية مطلقة بين المشاهد الغنائية الراقصة، والعقدة الدرامية، وذلك بفضل استخدام آلاتٍ موسيقية تعود إلى الفترة التاريخية للفيلم، مختلطة مع مؤثراتٍ طبيعية.
الـ 90 دقيقة من مباراة الكريكيت، تُشكل الجانب الموسيقيّ الأكثر عظمة في السنوات الأخيرة.
بوفان"أمير خان"، فلاحٌ فخورٌ بنفسه، يقود فريقًا من اللاعبين المُحبطين في مواجهة أولئك المُدربين من الجيش البريطاني، يجمع حوله أشخاصًا من دياناتٍ مختلفة، أطفالاً، شيوخًا، عجزة، ومنبوذين،
يتسم كلّ واحدٍ منهم بأدق التفاصيل النفسية، والسلوكية، بوتقة دلالية للمجتمع المُتعدد الاثنيات.
يطلب"بوفان" بأن لا تكون لعبة الكريكيت مختلفة عن الـGulli danda لعبة كرة مارسها الأجداد، لا يسخر"غواريكر"، ولا يقللّ أبدًا من شأن شخصيات الضباط البريطانيين "الرائع بول بلاكتورن الضابط بحاجبيه المُقطبين"، ويتجرأ في إظهار قصة حبٍ رومانسية ناعمة بين "بوفان"، والسيدة البريطانية البيضاء "راشيل شيلاي" التي تُعلم الفلاحين بعض أسرار لعبة الكريكيت.
الصوت الخارجي، القويّ، والواضح لـ"أميتاب باشان" (البراهما الأعلى للسينما الهندية) يحكي لنا ما حدث مسبقًا، وما سوف يحدث لاحقًا في القرية الوادعة "شامبانير".
حقق "لاغان" نجاحًا لا مثيل له على المستوى المحلي، والعالمي، وحصل على جوائز عديدة، وتمّ ترشيحه لجوائز الأوسكار، وكانت المُحصلة، بأنه حصل على حريةٍ مطلقة، وأسّس شركته الخاصة (
www.agppl.com). "Swades: نحن الشعب" عام 2005 يحكي عودة موهان"شاروخ خان" إلى قريته، خبيرٌ فضائيّ لوكالة ناسا، يرغب اللقاء مع مربيته العجوز كافيرياما "كيشوري بالا"، وتبدو قرية "شارانبور" في ولاية "أوتار براديش" تجسيدًا لقرية "شامبانير": الكهرباء تعمل، وتنقطع، لا يوجد هاتف، ولا أنترنت، الطبقات منفصلة عن بعضها، المدارس بدون إمكانيات، الأطفال يموتون من الجوع، ولكن الفلاحين عقلاء، ويتمتعون بالحفاوة.
هناك الكثير مما يتوّجب عمله، وإصلاحه عن طريق بطلنا.
"شاروخ خان" يجعلها لطيفة، مع تردده، وآماله في الخروج من "حالة التخلف"، والوصول إلى أميركا "متطورة، وحديثة": المُعضلات المُستعصية التي يعاني منها أيضًا "الأخوة الثلاثة" لفرانشيسكو روزي، والـ "مونتي كيلفت" لـ"النهر المُتوحش" لإيليا كازان.
"إنها موطنك الأم" تُحذره الأغنية الختامية، واحدةٌ من المُنمنمات الموسيقية الثمينة، حيث الروك يواجه "السيتار" من تأليف المخلص "رحمان".
حكاية تكوين، نزهة تأملية بإيقاعاتٍ مريحة، ولحظات صمتٍ فاخرة: تحت ضوء النجوم يشارك "موهان"، وحبيبته "جيتا"(غاياتري جوشي) حاملة راية التحرر النسويّ، في عرضٍ لفيلم"Yaadon Ki baaraat"(لمُخرجه "نظير حسين" 1973، حيث نكتشف فيه "أمير خان" طفلاً، واحدٌ من "الأخوة الثلاثة").
كلاسيكيّ النوع "عائلة متفرقة تجتمع من جديد"، هكذا كتبت "راشل دوييّر".
" Swades "، يخثر أيضًا الحركة التي تشجع المهاجرين الهنود المنتشرين في كلّ أنحاء العالم للعودة، والمُشاركة في النهضة، وعلى الرغم من الخطاب الوعظي قليلاً، الذكريات المثالية للماضي في الحاضر التي يعبر عنها "غواريكر"، إلا أنها تجسد ثقة عميقة في تصالح آلاف الأرواح الهندية.
" Jodhaa Akbar" 2008 أنشودة تسامحٍ دينية، ومدنية، تستوحي من "تعصب" لـ"د.و.غريفيث"، كما Wu Xia Pian ل"زانغ إيمو".
بالنسبة لـ"غواريكر" هو عودة إلى الطابع الملحميّ، ولكن بمستوى أكثر اتساعًا، وإدهاشًا من " Lagaan"، الصوت الخارجي للنبيّ العالم بكلّ شيئ "أميتاب باشان": "70 بالمائة من وقائع الفيلم مُتخيلة"، يُنبهنا المخرج عن طريق "لوحاتٍ مكتوبة على الشاشة" محددة في مقدمته : شخصية "جودا باي "أيشواريا راي" الزوجة الهندوسية للإمبراطور المسلم أكبر "هريتيك روشان" في هندوستان "الهند" القرن السادس عشر، هي أسطورية أكثر منها حقيقية.
كان هناك لوحة مشابهة افتتحت فيلم Mughal-e-Azam (لمُخرجه "ك.عاصف" 1960، والذي أُعيد عرضه في عام 2004) فيلمٌ هنديّ"ضخم" مشهور جدًا بالأبيض، والأسود، والألوان الطبيعية حول المشاريع البطولية لهذا الإمبراطور، وذريته "والذي ظهر على الشاشة مُسبقًا في فترة السينما الصامتة".
"غواريكر" يمنح في نفس الوقت تكريمًا لـ"ديليب كومار" الذي أدى دور الأمير "سليم"، وذلك بإعارة شاربيه، وحاجبيّه إلى "هريتيك روشان"، و"بريتفيراج كابور" (الإمبراطور) وعقلانية صادقة لصغيره "أكبر"، كما تمّ تصويره في نفس المكان(Ambert Fort) قلعة من الطراز الباروكي مازجًا الطراز المعماري الهندي مع المغولي.
وألف "رحمان" قطعة موسيقية بألحان "بروكوفيفية" لمشاهد المعركتيّن الكبيرتيّن بين الجيوش، والفيلة، وغناءً صوفيًا "قوالي" للاحتفالية الغنائية الراقصة عن طريق آلاف الحريم، والجنود يحيّون الإمبراطور(المخرج الأمريكي، ومصمم الراقصات بوسبي بوركلاي يلتقي مع المخرج الإيطالي "فلليني").
الثنائيّ الإمبراطوريّ المليء بنظراتٍ غامضة، ومعانٍ خفية بين الخطيبة "التي أُسيء فهمها"، و"الليبراليّ" الطاغي "نجمان يقودهما "غواريكر" بعظمة" في القصور المغولية الأكثر سحرًا، والتي لم نرَ مثلها من قبل، يمارسان جاذبية مغناطيسية .
عندما يتبارز "جودا"، و"أكبر" بالسيف، ويتبعان بعضهما بخفةٍ من أعلى إلى أسفل الدرج الرخاميّ عبر ألوان من الحرير، يتعاطف المتفرج مع الاثنين، لقد أصبحا "مخلوقًا واحدًا".
بالتنقيب عن كنوز "جايبور"، وأثريات "راجستان"، ومرة أخرى، بعيدًا ما أمكن عن الأساليب الهوليوودية المُتكلفة، يكشف "غواريكر" من جديدٍ جذور المشاكل التي تهزّ شبه القارة الهندية، ويفوز بإسهابٍ هذه الجولة الثانية.

لورنزو كوديللي
ترجمة : صلاح سرميني

* عن مجلة "بوزيتيف" الفرنسية، العدد577- مارس 2009(صفحة 90-92).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف