السينما

حوار مع المخرج الفرنسي روبير بريسون

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


حاوره: تشارلز توماس صمويل
القاهرة:
ولد المخرج الفرنسي الكبير والقدير "روبير بريسون"، المُلقّب بفيلسوف السينما، في الخامس والعشرين من سبتمبر 1901، وتوفي في الثامن عشر من ديسمبر 1999 في باريس. درس "بريسون" الفلسفة والآداب اليونانية واللاتينية. وبدأ حياته الفنية رسامًا قبل انتقاله لممارسة كتابة السيناريو، ثم الإخراج والتنظير السينمائي. تعرض "بريسون" للاعتقال أثناء الاحتلال النازي لفرنسا عام 1941، وقضى أكثر من سنة في المعتقلات النازية. أخرج "بريسون" على مدار 40 عامًا من العمل السينمائي العديد من الأفلام الروائية الطويلة، وهي كالتالي: 1 - ملائكة الخطيئة (1943). 2 - سيدات غابة بولونيا (1944). 3 - يوميات راهب في الأرياف (1950). 4 - هروب رجل (1956). 5 - النشال (1959). 6 - محاكمة جان دارك (1961). 7 - بالتازار (1965). 8 - موشيه (1966). 9 - امرأة رقيقة (1969). 10 - أربع ليالي في حياة حالم (1970). 11 - لانسلوت دولاك (1973). 12 - الشيطان ربما (1976). 13 - المال (1982).
أما الجوائز والترشيحات التي حصل عليها أو رُشّح لها "روبير بريسون" فهي كالتالي: رشح لجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" عام 1957 عن فيلمه "هروب رجل". فاز بجائزة "أفضل مخرج" في مهرجان "كان" عام 1957 عن فيلمه "هروب رجل". رشح لجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان "برلين" عام 1960 عن فيلمه "النشال". فاز بجائزة "النقاد الخاصة" في مهرجان "كان" مع "الخسوف" (أنطونيوني) عام 1962 عن فيلمه "محاكمة جان دارك". رشح لجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" عام 1962 عن فيلمه "محاكمة جان دارك". رشح لجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" عام 1967 عن فيلمه "موشيه". رشح لجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان "برلين" عام 1971 عن فيلمه "أربع ليالي في حياة حالم". فاز بجائزة "النقاد" في مهرجان "كان" عام 1974 عن فيلمه "لانسلوت دولاك" ورفض تسلمها. فاز بجائزة "الدب الفضي" في مهرجان "برلين" عام 1977 عن فيلمه "الشيطان ربما". رشح لجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان "برلين" عام 1977 عن فيلمه "الشيطان ربما". فاز بجائزة "أفضل مخرج" في مهرجان "كان" مع (حنين) "تاركوفسكي" عام 1983 عن فيلمه "المال". رشح لجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" عام 1983 عن فيلمه "المال". فاز بجائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان "فينسيا" عن مجمل أعماله عام 1989.
حجرة معيشة "بريسون"، حيث عقدت المقابلة، تقريبًا مناسبة جدًا لأكثر المخرجين تصلبًا وصرامة في تاريخ السينما: جدران بيضاء، ستائر وتنجيد داكن، أرضيات خشبية متهالكة، وبقعة لونية تصدر عن بطانية مزخرفة بالية، لابد وأنها كانت فرنًا كتومًا في أيام عزها لكنها بليت الآن بالتأكيد في مواجهة الشحوب العام.
في منتصف الستينات من العمر، يظهر "بريسون" بعض علامات كبر السن (مقدمات التهاب مفاصل طفيف في اليدين). لكنه يتمتع بحيوية كبيرة، بل ويجاري مظاهر الموضة (يطلق شعره الأبيض الطويل ويرتدي ملابس رياضية على الطراز الأمريكي). ملامحه الأكثر بروزًا وهيبة تتمثل في العينين الزرقاوين الباردتين اللتين تومضان بالضجر، حتى عندما يبتسم، كذلك فإنه في المواجهة الظاهرة تبدو فيه بعض الأصوات الداخلية دائمًا في منافسة مع صوت محدثه. في لحظات بعينها ينقر بأصابعه بشكل عصبي على الكرسي، في لحظات أخرى، يبدو مستغرقًا في المحادثة تمامًا. كل التغيرات والتبدلات منعكسة في عينيه، اللتين لا تحيدان عن وجهك أبدًا، بغض النظر عن التشتت الذي قد يكون عليه. استغرقت محادثتنا فترة ما بعد الظهر بأكملها، أثناء تلك الفترة كان "بريسون" يعمل في تصوير "أربع ليالي في حياة حالم"، يستيقظ حوالي منتصف النهار، ويكرس فترة الظهر للتحضير والإعداد. على الرغم من هذا الجدول الروتيني وتخلف لغته الإنجليزية (اللغة التي، كما قال معتذرًا، نادرًا ما أستخدمها لكنها موظفة لراحتي)، أثبت "بريسون" تجاوبًا ولباقة على مدار المقابلة، ولم تكن هناك فترات سكون في المقابلة. والآن مع نص المقابلة:

تشارلز: قلت إنك لا تريد أن يُطلق عليك "مخرج سينمائي" بل بالأحرى "مُعِد أو مُنفذ أوامر". هل يعني ذلك أنك تعتقد أن جوهر السينما هو المونتاج وليس الإخراج؟
بريسون: بالنسبة لي، الإخراج هو اتحاد صور وأصوات لأشياء حقيقية بنظام يجعلها مؤثرة. ما أرفضه هو أن أصوِّر بتلك الآلة ذات الخصوصية الشديدة - وهي الكاميرا - أشياء ليست حقيقية. أماكن تصوير وممثلين ليسوا حقيقيين.

تشارلز: ذلك يضعك في عرف الأفلام الصامتة، التي لم تستطع الاعتماد على الحوار ولذلك كانت تعتمد على المونتاج في خلق التأثير المطلوب. هل توافق على أنك كمخرج أكثر شبهًا بمخرجي الأفلام الصامتة عن مخرجي الأفلام الناطقة؟
بريسون: دائمًا ما قام المخرجون الصامتون باستخدام وتوظيف الممثلين. عندما أصبحت السينما ناطقة، تم استخدام الممثلين أيضًا، لاعتقادهم في ذاك الوقت أن الممثلين هم الوحيدون القادرون على الكلام. بالأحرى الجزء الأصعب في عملي هو جعل الممثلين غير المحترفين أو اللاممثلين، إن شئنا الدقة، يتكلمون بشكل طبيعي. لا أريد التخلص من الحوار (كما في الأفلام الصامتة)، لكن يجب أن يكون الحوار الخاص بي شديد الخصوصية - ليس كالإلقاء الذي يحدث في المسرح. الصوت، بالنسبة لي، هو شيء بالغ الأهمية، ولا يمكنني العمل بدونه. الآن، عندما أختار شخص ما للظهور في أحد أفلامي، أختاره عن طريق التليفون، قبل أن أراه. لأنه، بصفة عامة، عندما تقابل شخص ما، تعمل عينيك وأذنيك معًا إلى حد ما على نحو سيئ، بينما يُعبِّر الصوت عن أي شخص بشكل يفوق ما يعبر عنه وجوده أو مظهره الجسدي.

تشارلز: لكن كل الناس في أفلامك يتحدثون بصوت واحد، صوت "بريسوني".
بريسون: كلا. أعتقد أن ممثلي الأفلام الأخرى هم الذين يتحدثون كما لو أنهم على المسرح. ونتيجة لذلك، اعتاد المتفرج على تغيرات النبرات الصوتية المسرحية، وهذا هو ما يجعل الممثلين غير المحترفين الذين أختارهم يظهرون بشكل يبدو فريدًا، ولذا، يبدو أنهم يتحدثون بطريقة جديدة خاصة بذاتها. أريد لجوهر أفلامي ألا يكون هو الحديث العادي للمثلين العاملين معي أو حتى للإشارات والإيماءات التي يؤدونها، بل ما تثيره فيهم تلك الكلمات والإيماءات. ما أخبرهم بعمله أو قوله يجب أن يكشف عن شيء ما هم غير مدركين أنه موجود لديهم. إن الكاميرا هي التي تلتقط هذا الشيء وتمسك به، لا هم ولا أنا نعلم عنه شيئًا قبل أن يحدث أو يطرح نفسه. أرغب في أسر ما هو مجهول.

تشارلز: إذا كان حقيقيًا أن ما تستهدفه هو السر أو الغموض الذي تستخرجه من ممثليك غير المحترفين، هل بوسع أي شخص باستثنائك وباستثنائهم تقدير النتيجة بشكل تام وكامل؟
بريسون: أتمنى ذلك. هناك الكثير من الأشياء التي تراها أعيننا. لكن الكاميرا ترى كل شيء. نحن أذكياء جدًا، وذكاؤنا يخدعنا. يجب أن نثق بشكل كلي رئيسي في مشاعرنا. وتلك الأحاسيس لن تكذب علينا أبدًا. ذكاؤنا يعوق أو يفسد رؤيتنا الصحيحة للأشياء.

تشارلز: تقول إنك تكتشف أسرارك أثناء قيامك بعملية التصوير...
بريسون: نعم. لأن ما أخبرتك به توًا لم يكن شيئًا مخططًا له مسبقًا. لكن اكتشفته، بشكل مدهش، أثناء لحظاتي الأولى خلف الكاميرا. تم عمل فيلمي الأول بممثلين محترفين، وعند مراجعتنا للأجزاء الأولى قلت: "إذا كنتم سوف تواصلون التمثيل والتكلم بهذه الطريقة، سوف أنصرف".

تشارلز: في فيلمك الثاني، تشاجرت كثيرًا مع "ماريا كاساريز". لكن، هل تعرف، أعتقد أن أداءها في فيلم "سيدات غابة بولونيا" كان من أعظم المقومات في الفيلم. ألا تعتقد أنك قهرت قليلاً إنسانيتها العادية؟
بريسون: أخبرني صديق أنها في "جنوب مروج جولين" كان عليها الظهور على خشبة المسرح قائلة: "الجو ممطر"، بالفرنسية،"إيل بو"، وبرغم بساطة هذه الكلمات، جعلتها طبيعتها المزاجية كممثلة تراجيدية تصرخ بشكل مقطعي تأكيد: "إ... يـ ... ل... بـ... و!" ونظرًا لأن "سيدات غابة بولونيا" لم يكن تراجيديا، فقد كانت قلقة في البداية. ولكي تتحلى بالشجاعة، اعتادت شرب كأس كونياك صغير قبل التمثيل. عندما اكتشفت هذا مصادفة، طلبت منها أن تأخذ مُسكنًا بدلاً من ذلك، وهو ما فعلته بمحض إرادتها، ثم بدأت الأمور تمضي بشكل أفضل.

تشارلز: الميزة الخاصة بك كمتخصص في المونتاج هي تقنية الحذف. هل تسقط الكثير والكثير من كل نسخة لمشهد تم التقاطه، أم أنك تحذف أشياء بالغريزة أثناء التصوير؟
بريسون: دائمًا ما أصور عند الحافة الحرجة، بين تكثيف الإظهار أي الإفراط فيه وعدم كفاية الإظهار أي القصور فيه. أحاول العمل كما لو كنت على حبل بهلوان تكتنفه هاوية سحيقة على كلا الجانبين.

تشارلز: ما أريد أن أعرفه، على أية حال، هو سواء تم حذف الأشياء عن عمد أثناء المونتاج أو قمت بحذفها غريزيًا أثناء صناعتك للمشهد، دعك من الطريقة الأخرى هذه: هل كنت تحذف بنفس القدر في أفلامك الأولى؟
بريسون: دائمًا ما فعلت الشيء نفسه. أنا لا أبدع الحذف أو أخلقه، إنه موجود هناك منذ البداية. قلت يومًا ما، "السينما هي فن عرض أو إظهار لاشيء". أريد التعبير عن الأشياء بالحد الأدنى وبأقل وسائل ممكنة، فلا أظهر شيئًا ليس بضروري جدًا.

تشارلز: ألا يجعل ذلك أفلامك صعبة جدًا؟ أنا لا أضع في اعتباري حتى المتفرج العادي. ألا يحير أسلوبك الحذفي حتى المتفرج المثقف؟ هل باستطاعة أي شخص استيعاب كل الأشياء التي تضعها وحدها في الفيلم؟
بريسون: الكثيرون يستجيبون ويستوعبون.

تشارلز: ألست قلقًا بشأن كونك شديد الروحانية.
بريسون: لا. هنا تكمن المشكلة: تدرب الجمهور على نوعية معينة من السينما. لذلك، عندما يرون ما تدعوه أفلامي الحذفية، ينزعجون أو يرتبكون. يقول النقاد العقيمون أنني غير إنساني، بارد. لماذا؟ لأنهم معتادين على مشاهدة التمثيل، ونظرًا لأنهم لا يجدون منه شيئًا في أفلامي، يقولون إنني فارغ.

تشارلز: دعني أسألك الآن عن ممثليك. كتب "جوليس روي" مقالة عن "هروب رجل"، قال فيها أنك لم تعر انتباهًا للمتعاونين معك، وأنك منغلق على نفسك غارق فيها وحدها، وأنك كلما واجهت وسائل أو أساليب بسيطة وسهلة إزاء نهاية مقترحة، تختار دائمًا الوسيلة الأصعب.
بريسون: الأشياء صعبة دائمًا. وأنا منغلق على نفسي داخل نفسي، لأنه في الغالب يبدو أن بعض الآخرين ضدي. أكتشف ذلك عندما لا أستطيع التركيز، وأرتكب أخطاء.

تشارلز: لاحظت عندما شاهدتك وأنت تصور "أربع ليالي في حياة حالم" على ظهر "بونت نيوف" أنك كنت تتجول هنا وهناك متجاهلاً الجميع، وتحدق باستمرار إلى مكان التصوير من خلال إصبعين. لاحظت أيضًا أنك تقوم بتوظيف الحوادث العرضية. على سبيل المثال، مر عابر سبيل خلف ممثليك بينما كانوا يقومون بأدائهم، ورغم ذلك لم تأمر المصور بالتوقف عن التصوير.
بريسون: هذا جائز.

تشارلز: سوف توظف مثل هذا الحادث، أليس كذلك؟
بريسون: نعم. في فيلم "النشال" صورت عن عمد مشهد تسلسلي طويل في محطة سكة حديد أثناء وقت الذروة لكي أكون قادرًا على أسر كل الأحداث أو الأحوال العرضية التي تطرأ. سعيت إلى حقيقة الحشد خلال العوائق التي خلقوها أمام كاميرتي.

تشارلز: يقال إنك تصور كل مشهد مرات كثيرة. كيف يستجيب الممثلون؟
بريسون: أحيانًا تكون ردود أفعالهم على نحو سيئ، لذلك أتوقف، أحيانًا تكون استجابة اللقطة الثالثة أفضل، أحيانًا تكون اللقطة الأولى. أحيانًا تكون اللقطة التي ظننت أنها الأفضل تكون هي الأسوأ، أحيانًا اللقطة التي تبدو أسوأ عندما أصور أدرك فيما بعد أنها هي بالضبط ما أردته. أحتاج من اللقطة شيء ما أكون غير واع به أو مدرك له تمامًا عند التصوير. عندما نقوم بعمل المونتاج، أقول لعامل المونتاج الخاص بي أن يبحث عما أتذكره وأنا معه باعتبار ذلك أفضل أو أنجح بديل قمت بالتقاطه، وأثناء تشغيله للفيلم خلال الماكينة، اكتشف أن ما لم أبحث عنه هو في الحقيقة ما أردته وما كنت أرغب فيه دائمًا. يجب أن أضيف أنني لم أقم مؤخرًا بتصوير تكرارات لقطات كثيرة جدًا.

تشارلز: النقد الشائع عن فيلم "النشال" هو أن "مارتن لاسال" قد فشل لأنه غير كفء كممثل.
بريسون: لا، أعتقد أنه رائع، وبشكل غير عادي، إنه متطابق تمامًا مع بطل الفيلم: أصبح بطريقة ما مفقودًا أو تائهًا قليلاً في العالم لكن كان حساسًا جدًا وماهرًا، ويتمتع بخفة يدوية مدهشة. نتيجة لذلك، أصبح جيدًا تقريبًا كنشال مثله مثل المحترف الذي استعنت به كي يعلمه النشل. الصعوبة الوحيدة التي واجهتني معه هي لكنته، لكنة أورجواي، التي نجحنا في تصحيحها.

تشارلز: قلت في سياق أحد مقابلاتك، أنك ساعدت "ليتيرير" في فيلم "هروب رجل" على إعطاء أداء جيد بواسطة وسائل ميكانيكية. ما هي هذه الوسائل؟
بريسون: قصدت بوسائل حركية، كما قلت من قبل، الكلمات والإيماءات. لأنني أطلب إلى الممثلين أن يتكلموا ويتحركوا بطريقة تلقائية لأنني أستفيد من هذه الإيماءات والكلمات - التي لا يمكن ترجمتها أو تفسيرها - لأخرج منها بما أريد إظهاره على الشاشة.

تشارلز: بالنسبة لك، الممثل غير المحترف هو مادة خام - مثل ألوان الرسم.
بريسون: لكن مادة خام ثمينة.

تشارلز: قلت إنك حتى لا تسمح لهم برؤية الراشات.
بريسون: هذا صحيح، ولنفس السبب لا أستخدم نفس الشخص مرتين أبدًا، لأنه في المرة الثانية سيحاول أن يعطيني عن عمد ما ظن أنني أريده. أنا لا أسمح حتى لزوج الممثلة غير المحترفة برؤية الراشات، لأنه سوف ينزلق إلى تقييم أدائها وعندئذ ستحاول تحسينه. على أية حال، الآلية ضرورة أساسية. إيماءاتنا تلقائية غالبًا بنسبة تسعة من عشرة. الطريقة التي تصالب بها ساقيك وتصحح بها وضع رأسك ليست إشارة أو إيماءة طوعية. لدى "مونتين" فصل رائع عن الأيدي التي يقول عنها إنها تتحرك إلى حيث لا يرسلها صاحبها. لا أرغب في أن يفكر الممثلين غير المحترفين فيما يفعلونه. منذ سنوات، بدون أي برنامج واضح، قلت لهم، "لا تفكروا فيما تقولونه أو تفعلونه"، وكانت تلك اللحظة هي مولد البداية لأسلوبي.

تشارلز: هذا ممتع جدًا. يبدو أنك تتحدث عما صار يعرف الآن بلغة الجسد. يكتب العلماء الآن كتبًا عن معنى الإيماءات والإشارات التلقائية.
بريسون: بل لقد قلت في وقت مبكر منذ "سيدات غابة بولونيا" قلت للمثلين أن يفكروا في أي شيء يرغبون فيه باستثناء أداءهم. عندئذ بالفعل سمعت في أصواتهم تلك النبرة المخالفة أو المغايرة للنبرة المسرحية: نبرة صوت بشري حقيقي. في ثلاثة أرباع الأنشطة الإنسانية، لا يشترك العقل الإنساني، وتلك هي ما أحاول أنا أن أتصيده.

تشارلز: قلت منذ قليل أنك تختار ممثليك فقط بعد تحدثك معهم لفترة طويلة.
بريسون: كان هذا هو ما اعتدت عليه، لكنني أقلعت عنه. ربما صرت كسولاً. وبتهور، كما أخبرتك، أختار في بعض الأحيان غير الممثلين بسبب مكالمة تليفونية. يستدعيني الصوت ويقول: "سمعت أنك تبحث عن فتاة للتمثيل في فيلمك"، استمع إلى ذلك الصوت، وأقول لنفسي، "الدور لها". هذه هي الطريقة التي اخترت بها "دومينيك ساندا" لفيلم "امرأة رقيقة".

تشارلز: هل تستخدم هذه الطريقة الآن لأنك واثق جدًا من بنفسك لدرجة أنك يمكنك أن تحصل على ما تريده من أي شخص؟
بريسون: نعم. أنا واثق من نفسي، لكن، أنت تعرف، رغم ذلك لدى الإنسان عديد من التناقضات والغرائب لدرجة أنني لا يمكنني أن أثق أو أتأكد كلية من أنني اخترت الشخص المناسب.

تشارلز: كثيرًا ما أعربت عن احتقارك لعلم النفس. رغم ذلك تواصل التحدث عن سر أو لغز الشخصية بطرق تبدو نفسية. ما الفرق بين ما ترغب في فهمه وما يرغب عالم النفس في أن يفهمه؟
بريسون: يكتشف العالم النفسي فقط ما يمكنه توضيحه وشرحه. أنا لا أشرح شيء.

تشارلز: أنت شخص بلا تصورات مسبقة.
بريسون: لا شيء على الإطلاق.

تشارلز: بينما علم النفس نظام مغلق، تعين مقدماته المنطقية طرقه ومناهجه. لذلك، يسعى إلى إقامة الدليل على فروض أو نظريات موجودة مسبقًا بشأن السلوك البشري.
بريسون: إذا كنت قد نجحت على الإطلاق، فأظن أن بعضًا مما أظهره على الشاشة سيكون صحيحًا من الناحية النفسية، على الرغم من أنني غير مدرك تمامًا له. لكن بالطبع، لا يصادفني النجاح دائمًا. على أية حال، أنا لا أريد أن أشرح شيئًا على الإطلاق. مشكلة معظم الأفلام هي أنها تشرح كل شيء.

تشارلز: لهذا السبب بإمكان الفرد أن يعود إلى أفلامك دائمًا.
بريسون: إذا كان هناك شيء ما جيد في الفيلم، فعلى المرء أن يراه مرتين على الأقل. لا يعطي الفيلم أفضل ما عنده ولا كل ما عنده في المرة الأولى.

تشارلز: أعتقد أن كثيرًا من أفكارك نابع من مسيحيتك. هل أنا محق في قولي أنك تلاحق الغموض دون أن يخالجك قلق من أن تنتاب الجمهور الحيرة لأنك تؤمن أننا جميعًا نتقاسم روحًا جوهرية أساسية واحدة؟
بريسون: بالطبع. بالطبع.

تشارلز: وعليه كل مشاهد هو بالأساس نفس المشاهد الآخر.
بريسون: بالطبع. ما أطمح بشدة لمحاولة أسره هي هذه الروح الأساسية، كما أطلقت أنت عليها.

تشارلز: هل تعتقد أن هناك شخصًا لا يشترك في هذه الروح الأساسية، على سبيل المثال، ملحد أو خارج عن جمهورك؟
بريسون: كلا، إنه ليس كذلك. بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ملحدون حقيقيون.

تشارلز: ما الذي شدّك واستهواك في "بيرنانوس"؟
بريسون: نفس الشيء الذي جذبني، مع اختلاف القياس، إلى "ديستويفسكي". كلا الكاتبين يبحثان عن الروح. في الحقيقة، أنا لا أشارك "بيرنانوس" إيمانه ولا أسلوبه. لكن في كل كتاب من كتبه ثمة ومضات أو قبسات، وبصيرة رائعة، غريبة جدًا ولا تجدها لدى الكتاب الآخرين. في "يوميات راهب في الأرياف" هناك الكثير من هذه الومضات.

تشارلز: معظم أفلامك معدة عن مصادر أدبية. لماذا أبدعت القصة والسيناريو الخاصين بفيلمي "النشال" و"بالتازار"؟
بريسون: فيما يتعلق بالفيلم الأخير، بوسعي الإجابة عن السؤال ببساطة. رأيت يومًا ما وبوضوح شديد حمارًا يمثل محورًا أو مركزًا لفيلم، لكن في اليوم التالي اختفت أو بهتت هذه الصورة. كان يجب عليّ انتظارها لفترة طويلة حتى تعود، لكنني كانت تحدوني رغبة دائمة في عمل الفيلم. ربما تتذكر في رواية "الأبله" لـ "ديستويفسكي" قول "الأمير ميشكين" أنه استعاد روحه المعنوية المرتفعة عند رؤيته لحمار في السوق. أما فيلم "النشال" فهو مسألة أخرى، أحببت دائمًا البراعة اليدوية، وعندما كنت صغيرًا، أحببت عمل اللعب المتوازية، والحيل، إلخ. لم يتسن لي أبدًا فهم المفكرين والمثقفين الذين يتجاهلون البراعة أو الخفية اليدوية ويضعونها جانبًا.

تشارلز: كل ما تقوله يشير إلى إيمانك بأن العقل البشري قاصر أو غير كاف.
بريسون: تخبرنا أحاسيسنا بأكثر مما يخبرنا ذكاؤنا.

تشارلز: أليس من السخرية أنك معروف كمخرج فكري؟ اعتقدت دائمًا أنك عاطفي إلى حد كبير.
بريسون: معظم ما يقال عني خطأ ويتكرر بشكل لا نهائي. قال شخص ما ذات مرة أنني عملت مساعدًا لـ "رينيه كلير"، وهو أمر غير صحيح، أو أنني درست الرسم في مدرسة الفنون الجميلة، وهذا ليس صحيحًا أيضًا، لكن هذا النوع من الخطأ يظهر تقريبًا في كل وصف لمهنتي. بالطبع، الأخطاء الكبرى هي تلك المتعلقة بأفكاري وطريقتي في العمل.

تشارلز: قلت أن أفلامك أحيانًا تكون حلولاً لمشكلات تقنية. على سبيل المثال، قمت بعمل "محاكمة جان دارك" لترى إن كان بإمكان المرء عمل فيلم يكون فقط عبارة عن أسئلة وأجوبة.
بريسون: أحب التمرين من أجل التمرين وحسب، لذلك أعتبر أفلامي محاولات أكثر من كونها إنجازات. دائمًا ما يسألني الناس عن دوافع شخصياتي، وليس عن ترتيب اللقطات أبدًا.

تشارلز: تبدو أكثر اهتمامًا بجمع اللقطات معًا أكثر من تحريك الكاميرا.
بريسون: لا. كاميرتي ليست ثابتة أبدًا، لكنها لا تتحرك هنا وهناك بطريقة زائدة عن الحد أو دونما هدف رصين. إنه من السهل جدًا، عندما تريد، على سبيل المثال، أن تصف حجرة، أن تقوم بحركة محورية للكاميرا (بان) عبر الحجرة، نظرًا لأن العين تافهة، من السهل جدًا إرضاؤها، بينما الأذن نشيطة، تتخيل، العين سلبية. عندما تسمع ضوضاء في الليل، تتخيل السبب في الحال. صوت صفير القطار يستحضر المحطة بأكملها. تستطيع العين إدراك ما هو فقط في متناولها.

تشارلز: هل تفضل العمل باستخدام وسيلة معها يمكنك التخلص من الصور؟
بريسون: لا، أريد كليهما الصورة والصوت.

تشارلز: أنت تريد فقط إعطاء الهيمنة للصوت؟
بريسون: نعم.

تشارلز: كيف تجهز شريط الصوت؟
بريسون: هناك نوعان من الصوت في أفلامي: الأصوات التي تحدث أثناء التصوير وتلك التي أضيفها فيما بعد. ما أضيفه هو الأكثر أهمية، لأنني أعامل هذه الأصوات كما لو كانت ممثلين. على سبيل المثال، عندما تمضي في الشارع وتسمع مئة سيارة تمر، يكون ما تظن أنك تسمعه هو ليس ما تسمعه بالفعل، لأنك إذا سجلته بواسطة شريط ممغنط، ستجد أن الصوت كان مجرد خليط غير منتظم. لذلك عندما أقوم بتسجيل صوت سيارات، أذهب إلى الريف وأقوم بتسجيل صوت كل سيارة على حدة في هدوء أو صمت الريف النقي المحض. ثم أقوم بمزج كل هذه الأصوات بطريقة ينتج عنها ما لا أسمعه في الشارع، لكن ما اعتقدت أنني سمعته.

تشارلز: بهذه الطريقة يمكنك أن تعكس ما يدور في عقل الشخصية. على سبيل المثال، في فيلم "هروب رجل" الأصوات المضخمة للمفاتيح وعربات الترام الخ، تعكس حدة السمع الحساس جدًا لرجل في سجن.
بريسون: نعم. الحرية في هذا الفيلم ممثلة عن طريق أصوات الحياة الخارجية.

تشارلز: بمناسبة تأكيدك على أهمية الصوت، لماذا تتجنب الموسيقا؟
بريسون: لأن الموسيقا تأخذك إلى عالم آخر. دائمًا ما تعتريني الدهشة عندما أشاهد فيلمًا تبدأ فيه الموسيقا بعد انتهاء الشخصيات من حديثها. أنت تعرف، هذا النوع من الموسيقا تنقذ أفلامًا كثيرة. لكن إذا أردت أن يكون فيلمك حقيقيًا، يجب أن تتجنبها. أعترف أنني أيضًا ارتكبت أخطاء عن طريق استخدام الموسيقا في أفلامي المبكرة. لكنني الآن أقوم بتوظيف أو استخدام الموسيقا، كما في "موشيه"، في النهاية فقط، لأنني أريد إخراج الجمهور من الفيلم إلى عالم آخر، هذا هو السبب في استخدام ترنيمة أو تسبيحة "مريم العذراء" لـ "مونتفيردي".

تشارلز: لماذا انتقلت فجأة إلى الألوان في "امرأة رقيقة"؟
بريسون: لأنني توفر لي مال فجأة.

تشارلز: هل أدت التقنية الجديدة، وهي الألوان، إلى مشاكل من نوع خاص؟
بريسون: نعم. نظرًا لأن القاعدة الأولى في الفن هي الوحدة، اللون يهددك لأن آثاره مختلفة جدًا. لكن، إذا تمكنت من التحكم في اللون وتوحيده، فإنك باستخدامه تنتج لقطات أكثر قوة من تلك الممكنة بالأبيض والأسود. في "امرأة رقيقة" بدأت بلون بشرة "دومينيك ساندا" وقمت بتوفيق كل شيء قياسًا إليه.

تشارلز: لحمها العاري هو أحد أهم المناظر في الفيلم.
بريسون: استخدمت العري أيضًا في "أربع ليالي في حياة حالم". لست ضد التعري على الإطلاق مادام الجسد جميلاً، فقط عندما يكون الجسم قبيحًا تعتبر تعريته بذاءة. إنه مثل التقبيل، أنا لا أستطيع تحمل رؤية تبادل الناس للقبلات على الشاشة. هل تستطيع أنت؟

تشارلز: ألهذا السبب تجعل شخصياتك أحيانًا تقبل يد بعضها البعض؟
بريسون: نعم. ربما.

تشارلز: يحدث هذا في "بالتازار". أردت أن أسألك سؤالاً عنه. في كثير من تلك اللقطات الجميلة التي تعانق فيها "ماري" رأس الحمار، هل كنت تفكر في الشكل الشائع الذي يظهر في الأنسجة المطرزة المميزة لعصر النهضة الخاصة بالعذراء ووحيد القرن؟
بريسون: لا، التشابه عرضي وغير مقصود.

تشارلز: قلت أن الكون بأكمله مسيحي وأنه ليس هناك قصة أكثر مسيحية من الأخرى. ما الذي تعتقد أنه العنصر المسيحي في "امرأة رقيقة"؟
بريسون: أنا لا أبحث أبدًا عن معنى مسيحي. إذا جاء، فإنه يأتي.

تشارلز: لكن هذا هو الفيلم الوحيد في أفلامك الذي يبدو دنيويًا علمانيًا تمامًا.
بريسون: لم أفكر في هذا كثيرًا، لكن أعتقد أنك على صواب.

تشارلز: هل كنت و"كوكتو" على اتفاق تام عندما كنتما تعملان على السيناريو؟
بريسون: أنت تعرف، "كوكتو" فعل القليل جدًا. كتبت الحوار كله بنفسي في البداية، محافظًا قدر استطاعتي على أكبر قدر ممكن من روح "ديدرو"، لكنني اختلقت قصة السيدتين اللتين تستخدمهما "هيلين". سلوكهما وما حدث لهما ليسا في عمل "ديدرو". ما احتجت "كوكتو" فيه كان مساعدتي في مزج حوار "ديدرو" بالحوار الخاص بي. هذا هو ما فعله "كوكتو" ببراعة وبشكل رائع في عشر دقائق، بعيدًا عن صداقته معي. ونظرًا لأنه كان "كوكتو" وكنت أنا غير معروف ككاتب، طلبت منه أن يأخذ نسبة عن حقه في الحوار.

تشارلز: في الحقيقة، وكما هو معروف جيدًا، إعدادك لعمل "ديدرو" خالف روح الحكاية تمامًا. قصة "ديدرو" كوميدية وتؤكد الفروق الطبقية. لماذا أردت تصويرها ما دامت لم تكن لديك النية لتصويرها كما هي مكتوبة؟
بريسون: كان فيلمي الثاني، وكنت بحاجة لعملية الإعداد عن نص أدبي لأن المنتجين يكونون أكثر صعوبة فيما يتعلق بالسيناريوهات الأصلية. أعجبت بقصة "سيدات غابة بولونيا" أكثر من "جاك القدري" لأنها كانت جيدة من حيث البناء والدراما، إنها ليست كوميدية مثلما يتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى. لقد استندت إلى الموقف الأساسي في الرواية وكذا الكثير من حوارها وحسب وأضفت من عندي الشخصيات والمناظر وغير ذلك لجعل الفيلم يدور حول أمور أهتم أنا بها.

تشارلز: لماذا قمت بتغيير الزمان وجعلت القصة تدور في أيامنا الحديثة؟
بريسون: لأنني اعتقدت أن الملابس الدرامية التاريخية تنتهك جوهر السينما، التي هي آنية أو معاصرة. كنت قادرًا على تغيير الفترة لأن المشاعر - على عكس الملابس - لا تتغير من قرن لآخر.

تشارلز: تقول دائمًا أنك الروح الحارسة للحقيقة، ورغم ذلك خضع الفيلم لأسلوبك وقوالبك بشكل قوي.
بريسون: لكن الأسلوب يتماشى مع الحقيقة بشكل جيد جدًا.

تشارلز: أجد رمزية في هذا الفيلم. هل كانت متعمدة؟ على سبيل المثال، عندما يجيء جان ليطلب من "هيلين" أن ترتب لقاء مع "آجنيس"، تقف "هيلين" أمام المدفأة تكبت غيرتها، لكننا نرى غيرتها منعكسة في النار المتأججة إلى جانبها.
بريسون: لا أتذكر إذا كنت قصدت تلك الطريقة. أنا لا أبحث عن الرمزية أبدًا.

تشارلز: خذ مثالاً آخر. رؤية "هيلين" كثيرًا أمام المرآة، تقترح ما هو حقيقي: أن هناك "هيلين" و"هيلين" الأخرى، هناك الأولى التي تتظاهر بها، والأخرى التي عليها فعلاً.
بريسون: كان ذلك غير متعمد، لكنك تلفت نظري الآن إلى ما كان يجب عليّ أن أعمله أو ما قمت بعمله دون أن أدركه. لأنك ترى، لحسن الحظ، أن كل شيء مهم هو فطري غريزي. لا يجب على المرء أن يخطط كل تفصيلة أو جزئية صغيرة مسبقًا. أتفق مع "فاليري" في قوله: "يعمل المرء كي يفاجئ نفسه".

تشارلز: هناك عدد كبير من "الفيدات" (الانتقالات التدريجية الشاحبة من مشهد إلى آخر) في فيلم "يوميات راهب في الأرياف" بالمقارنة بفيلم "سيدات غابة بولونيا". هل تعمقت وتدبرت جيدًا فيما يتعلق بعدد النقلات ونوعها؟ في "امرأة رقيقة" ليست هناك "فيدات" على الإطلاق.
بريسون: لأنني أحاول أكثر فأكثر أن أكون سريعًا. علاوة على ذلك، لعمل "الفيدات" في الفيلم الملون، يجب عليك أن تضع أو تقوم بتركيب نيجاتيف فوق نيجاتيف آخر، وهذا يدمر جودة الصورة. كما قلت دائمًا، الفيلم ليس هو لقطاته، بل الطريقة التي جُمِّعَت بها هذه اللقطات. كما أخبرني جنرال ذات مرة، غالبًا ما تقع المعركة في النقطة التي تتماس فيها خريطتان.

تشارلز: قلت في أحيان كثيرة أنك لا تحب المشهد غير العادي أو اللافت للنظر. لكن، "يوميات راهب في الأرياف" به مشاهد لافتة. على سبيل المثال: وجه "شانتال" الأبيض الذي يحوم في سواد حجرة الاعتراف أو مرور القس بجوار تلك الشجرة الرائعة. إذا أعدت إخراج الفيلم الآن، هل ستحذف مثل هذه الصور؟
بريسون: بالتأكيد. جذبتني تلك الأشياء في ذاك الوقت. يحتاج المرء إلى خبرات تفوق بكثير ما كان لديّ ليتمكن من حذف مثل هذه الأشياء غير الضرورية. كانت أهم لقطات لي في ذلك الفيلم تلك التي ترى فيها القس وهو يكتب يومياته في مفكرته. في تلك اللحظات يرى المرء الاتصال بين روحه، وإذا أحببت، عالم المادة، حيث كان القس يقرأ على نفسه بصوت عال الكلمات التي كان يكتبها.

تشارلز: في مناسبات أخرى، عندما يتحدث ولا يكتب، نحصل على تأثيرات رائعة. على سبيل المثال، نراه يغمس الخبز في النبيذ بينما يقول: "أنا قادر على تناول بعض الخبز بالنبيذ لأنني أشعر بتحسن". لكن وجهه يقول أنه يحتضر. نتيجة لذلك، نرى كم هو متواضع، إنه غير مدرك لمعاناته الشخصية.
بريسون: دعني أقول لك شيئًا، ما رأيته أنت في هذه اللقطة أنت الذي اخترعته. كلما كان ما فعله الممثل غير المحترف قليلاً، كان ما يشير إليه عمله كثيرًا. خلط النبيذ والخبز ووجه الممثل غير المحترف (وذلك بأقل الإيماءات) يقترحان أنه سوف يموت. ليس عليه أن يقول هذا. إذا قام بالتمثيل على طريقة "أنا سوف أموت"، سيكون شنيعًا.

تشارلز: قلت إنني اخترعت هذا. أنا لم أخترع شيئًا.
بريسون: كلا، شعرت به.

تشارلز: ألا ترى أن "اختراع" كلمة خاطئة؟
بريسون: الكتاب واللوحة، أو القطعة الموسيقية - ليس لأي من هذه الأشياء قيمة مطلقة. القيمة هي ما يضفيه المشاهد، أو القارئ أو المستمع.

تشارلز: هناك اختلاف بين القيمة والمعنى. بإمكاننا الاختلاف حول قيمة فيلم ونظل متفقين حول ما يعنيه.
بريسون: هناك أناس عند رؤيتهم لفيلم "يوميات راهب في الأرياف" لا يشعرون بشيء.

تشارلز: لكن هذا خطؤهم. هذا ليس خطأ الفيلم. هناك مثل ألماني يقول: "إذا حدّق أحمق في المرآة، فليس على الفيلسوف أن يغضب".
بريسون: للأسف، اعتاد الجمهور على الأفلام السهلة. وشيئًا فشيئًا أصبح ذلك حقيقية مستقرة.

تشارلز: إذن أنت تعاني من نقص الرفاق. بمعنى أنه إذا كان هناك مخرجون أكثر يقومون بعمل أفلام موحية ملهمة مثل أفلامك، فسيكون الجمهور قادرًا على الفهم والاستيعاب بشكل أفضل.
بريسون: قلت دائمًا أن عالم السينما ينبغي أن يتم تنظيمه مثل عالم الرسم أثناء عصر النهضة، حتى يتسنى للممتهنين المبتدئين تعلم مهنتهم. اليوم يخدم الواحد من هؤلاء مع هذا المخرج أو ذاك دونما اكتساب شيء من هذا أو ذاك.

تشارلز: "يوميات راهب في الأرياف" كان بمثابة المرة الأولى.
بريسون: أنت على صواب، هذا هو الفيلم الأول الذي بدأت أفهم فيه ما كنت أعمله.

تشارلز: كان لديّ في مخيلتي شيء أكثر تحديدًا يراه المرء أيضًا في "امرأة رقيقة"، لكن قبل ذلك في "النشال"، قبل أن يدخل شخص إلى مكان أو يخرج منه، تنتظر الكاميرا في المكان ولا تصاحبه.
بريسون: أين؟ ما الذي تقصده؟

تشارلز: في "يوميات راهب في الأرياف" يقود القس دراجته إلى منزل أسقف "تورسي"، يدخل إلى البيت وأنت تنتظر خارج البيت. يحدث هذا بشكل متكرر في "النشال".
بريسون: أنا لا أتذكر.

تشارلز: سأعطيك مثالاً أحدث من ذلك. في "امرأة رقيقة" يحضر الزوج إلى البيت، وتبقى الكاميرا مسلطة على الباب، ثم يصعدان الدرج إلى الطابق العلوي، وتظل الكاميرا على البسطة. نرى باب شقتها قبل أن يقوما بفتحه وبعد أن يقوما بغلقه إلخ. أما كنت واعيًا بهذا؟
بريسون: بالطبع، كنت مدركًا، لكنني لا أتذكر أبدًا ما فعلته فيما بعد. دعني أقول لك شيئًا بخصوص الأبواب. قال النقاد: "إن بريسون مستحيل: يظهر خمسين بابًا تنفتح وتنغلق"، لكن يجب أن تفهم أن باب الشقة هو المكان حيث تقع كل الدراما. الباب إمّا أن يقول: "أنا مغادر" أو "أنا قادم إليك". عندما قمت بعمل "سيدات غابة بولونيا"، كنت قد اتُهِمت أيضًا بعرض الكثير من الأبواب. وقال "كوكتو" إنني هوجمت لكوني دقيقًا جدًا. "في الأفلام الأخرى ترى بابًا لأنه أتفق أن تواجد هناك باب بالصدفة"، قال: "بينما هو موجود في أفلامك عن عمد. ولذلك السبب كل باب مرئي، بينما في الأفلام الأخرى الباب ملحوظ بالكاد".

تشارلز: تقول أنك اكتشفت نفسك لأول مرة في "يوميات راهب في الأرياف". هل كان هذا الاكتشاف يتمثل جزئيًا في استخدامك التعليق؟
بريسون: ربما. لكنك تعرف، لم يكن عليّ استخدام التعليق في فيلمي التالي "هروب رجل"، نظرًا لأن "يوميات راهب في الأرياف" كان فيلمًا واقعيًا صامتًا تطلب بعض الإيقاع، لذا فقد اعتمدت على التعليق.

تشارلز: أريد أن أسألك بعض الأسئلة عن فيلمك "هروب رجل"، الذي بالمناسبة، يبدو لي أعظم أفلامك. بالمناسبة، هل يزعجك هذا الحكم؟
بريسون: أنا لا أعرف كيفية عمل مثل هذه المقارنات. لكن قد يكون هناك شيء ما فيما قلته. عندما انتهيت من هذا الفيلم، لم تكن لديّ أية فكرة عن قيمته. رغم ذلك كان عندي، وللمرة الأولى في حياتي، رغبة في تدوين كل ما شعرت به حول فن صناعة الأفلام، ولذلك السبب "هروب رجل" فيلم ذو قيمة ثمينة بالنسبة لي.

تشارلز: قمت بالعمل على هذا الكتاب لفترة طويلة، متى سينشر؟
بريسون: لم أعمل عليه كثيرًا. ليس لديّ وقت لإنهائه. إنه في المقام الأول تجميع لملاحظات على قطع صغيرة من الورق، على أغلفة علب السجائر، أشياء دونتها أثناء التصوير أو في بعض المناسبات الأخرى.

تشارلز: يشترك فيلم "هروب رجل" مع "محاكمة جان دارك" في بعض المعاني الضمنية الخاصة بالقومية الفرنسية. هل كنت ترغب في هذا؟
بريسون: لا، كان من الممكن أن يكون السجين شابًا أمريكيًا أو فيتناميًا. كنت مهتمًا فقط بما يدور في عقل شخص ما يتمنى الهرب بدون عون خارجي.

تشارلز: المشكلة الجدية الشديدة الخطورة كانت في "محاكمة جان دارك"، الذي استخدمت فيه حقائق تاريخية بعينها وتجاهلت حقائق أخرى. على سبيل المثال، في أحد التقاليد، كان الجندي الذي عرض على "جان دارك" الصلب على الخازوق بريطانيًا. لكنك لا تظهر هذا. علاوة على ذلك، جعلت الشخصيات البريطانية غبية بشكل واضح لا لبس فيه.
بريسون: ليست غبية بل بالأحرى وحشية إلى حد ما. في الواقع، الأسقف الإنجليزي ذكي ومهذب.

تشارلز: أفلامك من الأفلام سريعة الإيقاع، لكن الناس يقولون إنك بطيء.
بريسون: لأن شخصياتي لا تقفز هنا وهنا أو تقوم بالصراخ والصياح.

تشارلز: النقد الأكثر جدية الذي يمكن أن يكتب ضدك هو أنك سريع جدًا. على سبيل المثال، لا يمكن أن أتخيل أن بوسع أي شخص الإمساك بكل شيء في فيلم "بالتازار". تأمل مليًا استجواب "جيرارد" في قسم الشرطة، لقد شاهدت الفيلم مرتين، ولازلت غير قادر على فهم م

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف