السينما

فيلم 2012 . . المراهنة على التقنيات السينمائية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بغداد: ستحل الكارثة وتدمر الارض بسبب النشاط الشمسي. بهذه الفكرة الغريبة تم بناء فيلم (2012) في ثيمة شديدة الشبه بفيلم "يوم الاستقلال ", فبعد 12 عامًا على انتاجه يعود مخرج الفيلم وأحد كاتبيه رولاند اميرش بالاضافة الى الكاتب دين ديفلين الى اخراج والمشاركة في كتابة فيلم (2012) الى جانب الكاتب والمنتج والمؤلف الموسيقي هارالد كلوسير ويبدو انه بمثابة الجزء الثاني من فيلم "يوم الاستقلال" الذي عُدَّ من اضخم الافلام آن ذاك "انتج الفيلم في عام 1996" فقد استخدم الفيلمان قصتين متشابهتين الا أن الفرق بينهما ان في فيلم "يوم الاستقلال" كان هناك هجوم من كوكب آخر، أما في هذا الفيلم فالخطر ينجم عن ظاهرة طبيعية ينتبه اليها العلماء ويحذرون منها وهو يعتمد على اسطورة حضارة المايا في أميركا الوسطى التي مفادها ان الارض ستدمر في21-12-2012 "أي عند حدوث الانقلاب الشتوي لنصف الكرة الشمالي" بسبب تغيرات كونية.. وبأختلاف آخر هو ان في الفيلم الاول يتم انقاذ الارض ببسالة "الرئيس الاميركي" ومساعديه اما في هذا الفيلم فلا يسعهم غير الهروب من الارض وانقاذ ما يمكن انقاذه "ثيمة سفينة نوح". تبدأ الشرارة من الهند حيث يكتشف احد العلماء الجيولوجيين ان هناك حرارة غير طبيعية في باطن الارض ويخبر ادرين هيمسلي "جويتيل جيوفور" وهو عالم يعمل تحت ادارة البيت الابيض وهذا بدوره يخبر الجهات العليا وبعد التأكد من تلك المعلومات يتم وضع خطة لمجابهة هذا التحدي وسط تكتم شديد فيعملون على بناء سفن فضائية لانقاذ الجنس البشري لكن نهاية الارض تكون أبكر مما كان العلماء يتوقعوه لذلك لايسعهم سوى انقاذ 400 الف شخص وهو العدد الذي يمكن للسفن تحمله لذلك يعمدون الى الانتقائية لمن سيركب في تلك السفن وبالتأكيد يتصدر هؤلاء رؤساء الدول والسياسيون والعلماء من كل الكرة الارضية "ليساعدوا على بناء الارض مرة اُخرى". وتتشابه الاحداث في هذا النوع من الافلام "أفلام الكوارث" حيث يتكرر في كل فيلم محاولة التعتيم على الخبر من قبل المتنفذين لمصالحهم الخاصة بينما يختلف في ان الافلام الاخرى يحاول بطل الفيلم اخذ دور المنقذ الذي يكتشف سبب تلك الكارثة ويواجهها او يكتشف طريقة لمجاراتها. أما في هذا الفيلم فيلغي دور المخلِّص ويلجأ الجميع الى الاستسلام للامر الواقع ويحاولون انقاذ ما يمكن انقاذه للحفاظ على الجنس البشري "خصوصاً قادة الدول" لانهم "الاجدر على الحياة كما يبدو" ولانهم من سيقود الارض بعد ان تحل الكارثة بالاضافة الى رجال اثرياء يدفعون مبالغ خيالية للهروب من الموت ومنهم امير عربي يدفع مليار دولار للصعود الى المركبة بمفرده تاركاً عائلته تواجه الموت! ويبالغون في سرية بناء سُفن الخلاص بشكل كبير بحيث يتم اغتيال الرجل الذي يكتشف امرها والخريطة للوصول اليها. الجديد في الفيلم ان رئيس الولايات المتحدة "قام بدوره الممثل داني كلوفر" ملون "للأشارة الى الرئيس اوباما" وحتى طريقة المعالجة فيما يخص الرئيس اختلفت عن سابقاتها ففي فيلم "يوم الاستقلال" يكون الرئيس الامريكي هو البطل المنقذ بينما يرفض في هذا الفيلم الهرب مع الاخرين و يفضل الموت مع مواطنيه "بشجاعة" ليحذرهم من الخطر المحدق بهم "لكي تغطي الام اطفالها و يجهز الناس انفسهم للموت" على حد قوله ويحرص على ان تصعد ابنته "ثاندي نيوتن" في السفينة "بمقابل الامير العربي" الذي يهرب بجلده والمقارنة واضحة الهدف.

تقنيات مبهرة
الميزة الوحيد للفيلمين هو التقنيات المذهلة المستخدمة فاللقطات المصورة للكارثة التي تحل بالارض كانت متقنة جدًا وتجعل المُشاهد يدخل في الحدث وكأنه جزء منه فيشعر بالخوف في احيان كثيرة وكان تهديم البنايات والجسور قريبا جداً الى الواقع ويجعل المُشاهد في حيرة من كيفية تنفيذ مشاهد كهذه لكن الفضل كله يعود الى السينما الرقمية وتقنيات الحاسوب والتطور الكبير في عالم الخدع السينمائية الذي بات يعطي نتائج مذهلة تجعل المشاهد لايصدق انها ليست حقيقية, ومن الواضح جداً ان المخرج راهن على تلك المشاهد في انجاح الفيلم وتشويق الجمهور للأقبال على مشاهدته فلولا تلك المشاهد لما كان للفيلم او الذي سبقه تلك الضجة الكبيرة فقد اعتبر فيلم "يوم الاستقلال" فتحًا كبيرًا في تأريخ السينما "بلغت ايراداته مايقارب 817 مليون دولارعلى مستوى العالم واحتل المرتبة 18 في قائمة اعلى الافلام ايرادات في التأريخ فيما بلغت تكلفة انتاجه مبلغ 75 مليون دولار وذلك نتيجة استخدام تقنيات لم تكن مألوفة وقت ذاك وبالتأكيد استغل المخرج في فيلم (2012) التطور الذي حصل في السنوات الاثني عشرة الماضية "بدأ تصوير الفيلم عام 2008" ليضيف تقنيات اكثر تأثيرًا واقناعًا "قاربت ميزانية الفيلم 200 مليون دولار" فضلاً عن خيال خصب من الكاتبين اوصلا الفيلم الى هذه المرتبة وهذا الاقبال الكبير من قبل الجمهور كذلك ساهم الايقاع السريع، بل والخاطف للاحداث في شد المُشاهد بحيث لم تعطه فرصة لألتقاط انفاسه, فدخل الفيلم الـ"Box office " بجدارة وبالتأكيد ستتجاوز ايراداته الفيلم الاول.
لكنك ورغم كل تلك الارقام الضخمة والاقبال الواسع من قبل المشاهدين للفيلم في كل بقاع الارض لاتشعر بعد ان تنتهي من مشاهدة الفيلم انه استفزك او حرضك على التفكير في امر ما او قيمة معينة ويكون كل ما تختزنه ذاكرتك تلك المشاهد الضخمة والتقنيات المدهشة.

العائلة تبحث عن الخلاص
اعتمد الفيلم في بنائه القصصي على عائلة ستمثل بموذج لأحدى العوائل في المجتمع الاميركي ذات المشاكل الاسرية التقليدية فالاب "جون كوزاك" "الكاتب المغمور" يعيش بعيدا عن اطفاله بسبب طلاقه من زوجته "التي تعيش مع رجل آخر" يصطحب اطفاله في رحلة تخييم ليلتقي هناك بشخص غريب الاطوار يخبره بنبوءة دمار الارض ويقنعه بأنها ستحصل ولكونه يعمل سائقاً عند احد الاثرياء يعرف بالمصادفة انهم يسافرون الى الصين التي بنيت فيها سفن النجاة فيحاول هو وعائلته الوصول اليها في الوقت الذي يبدأ انهيار الارض. لينقذ عائلته في النهاية بعد رحلة شاقة مليئة بالمفاجآت والاحداث الشائقة. ثم ينتهي كل شيء وينزل ماتبقى من سكان الارض من السفينة ليبدأ تقويم جديد من العام رقم 1 ويبدأوا بمشاريع البناء بعد ان تكون العائلة قد اعادت بناءها الداخلي وتم تجاوز المشاكل بين الاب والام وعادت الالفة الى الاسرة.

فكرة سوداوية
من الواضح ان فكرة تدمير كل الارض وفناء الاعم الاغلب من ابنائها هي فكرة متشائمة وسوداوية فالامر يصل الى حد اليأس من السكان الحاليين "ليتم تنظيف" الارض منهم ويبقي على "الاخيار" من المجتمع لبنائه من جديد على اسس صحيحة "افتراضًا" واعتقد انها فكرة صعبة التقبل، لكن المخرج كرس الفيلم كما يبدو ووجهه الى نقطة خطيرة. فالفلمان حاولا التركيز على نقطة مهمة وهي هيمنة الولايات المتحدة على القرارات المصيرية للكرة الارضية فتصدرت قيادة العالم بدون منافس وجعلها المسؤولة عنه فهي تضع ستراتيجيات وخططاً دون الرجوع الى احد، بل بالغ في الفيلم الاول وجعل الرئيس يقود حملة انقاذ الارض وينجح في ذلك, بينما يهمش الجميع وخصوصا العرب "فهو يصور بغداد في فيلم يوم الاستقلال على انها مجرد صحراء يتراكض فيها اطفال حفاة يرتدون ملابس رثة وتظهر خلفهم امهم "التي يغطي البرقع كل وجهها" ولم يفُته اظهار خيمة صغيرة في عمق الشاشة "هذه هي بغداد" التي يريد ان يوصلها الى العقل الاميركي والعالمي" اما بعد التغييرات التي حصلت في العراق وتصدره نشرات الاخبار وتصويره من الداخل بشكل واقعي فلم يكرر تلك الكذبة. وحاول خداع المسلمين بلقطة للكعبة الشريفة في استعراض سريع بلقطات للناس وهم يتضرعون ويدعون قبل ان يطالها الدمار ولم يظهرها تتهدم مع انه اظهر تهديم الفاتيكان ومعابد التبت لكنه هنا دس السم بالعسل فهو حتى وان لم يصور تحطم الكعبة لكن مجرد ظهورها على الشاشة هذا يعني ان الدمار سيطالها ايضا ولا ينفع دعاء الناس وتوسلاتهم. ولا اعرف لماذا يصرّ المخرج على عرض التدمير للأماكن المقدسة. كذلك حاول النيل من الشخصية العربية فالعربي "في شخصية الامير الثري" حاول اظهاره انانياً بتخليه عن عائلته والهروب لأنقاذ نفسه بينما تهتم صديقة احد الاثرياء بأنقاذ كلبها واصرارها على عدم المغادرة الا معه, كذلك ظهر عربي آخر وخلفه "زوجاته المبرقعات" ويبرر المسؤول الاميركي"اوليفر بلات" وجودهم على ظهر السفينة لأجل اموالهم فبدون المال لن يستطيعوا اعادة البناء. ثم انه في الفيلم حاول انقاذ العلماء ورجال السياسة من كل العالم بينما لم يظهر فيه سوى اُمراء اثرياء "فلا يوجد علماء او مفكرون او سياسيون في بلاد العرب وكل ما يملكونه هو تلك الاموال الطائلة" هذا للأسف ما اراد الفيلم قوله.
مخرج الفيلم "رولاند اميرش" الالماني الاصل الذي عُرف عنه "التأليف او المشاركة مع مؤلف آخر في كتابة معظم افلامه" اشتهر بأخراجه لهذا النوع من الافلام "افلام الكوارث والخيال العلمي" اشهرها فيلم "الجندي الكوني1992","بوابة النجوم1994" و"العام 10000 قبل التأريخ2008" ويلاحظ ان السمة الغالبة لأفلامه هي التركيز على التأثيرات البصرية والتقنيات المدهشة دون التركيز على الشخصيات داخل الفيلم وخلفياتها التي تعتبر العمود الفقري للعمل وكذلك ابتعاده عن القصص ذات الحبكة الرصينة والافكار العميقة وعُرف ايضا بمغالطاته للحقائق العلمية والتأريخية في تلك الافلام وهو يدافع عن ذلك في انه ليس عالماً وان مهمته تتلخص في صناعة الامتاع للجمهور وليس تقديم معلومات علمية.

الترويج بالرعب
كنّا قد سمعنا منذ اشهر ان هناك جرماً سيصطدم بالارض وسيفني معظم اجزاء الكرة الارضية, انتشر هذا الخبر كالنار في الهشيم على المواقع الالكترونية وتناقله الناس عبر البريد الالكتروني وهذا سبب الذعر عند الكثيرين واضيفت الى الخبر بهارات للتشويق مفادها ان ناسا تتكتم على الخبر لأسباب غير معروفة وسيكون ذلك في 21/12/2012 ثم ظهر الفيلم بعد ذلك. ويبدو ان تلك الاخبار كانت اسلوباً جديداً للترويج عن الفيلم خصوصا أن التأريخ المذكور مطابق تماماً للتأريخ في الفيلم، فهل اصبحت اخافة الناس وترويعهم طريقة جديدة للترويج؟
mohd10002001@yhoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف