السينما

فيلم "حين ميسرة": أكشن العالم الأسفل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

فيلم "حين ميسرة": أكشن العالم الأسفل

دلور ميقري من أوبسالا: فيلم " حين ميسرة "، للمخرج خالد يوسف، لا يُجسّد واقعَ مصر اليوم حسب، بقدر ما هو نفسه ضحية لهذا الواقع. بكلمة أخرى، فإنّ الرحم الواهن لا يمكن إلا أن يحتضن جنيناً رخواً بهذه الدرجة أو تلك. كذلك هو حالُ غرسة الثقافة في موطن النيل، المُستزرعة في تربة لا ثقافية. فكلّ نصّ، فنيّ أو أدبيّ، يحاوط ويداورُ في هذه المَهلكة سعياً لطوق النجاة. نوائبُ أهل البلد، حكاماً ومحكومين، تعزى وفق المشيئة ذاتها لدوائر البغي والعدوان، من صليبية وصهيونية: فمشهدُ إغتصاب البنت الحسناء، " ناهد " ـ المُبتدئة به الفيلم ـ لا بدّ أن يسطو عليه مشهدٌ آخر؛ هوَ قصف الطائرات الأمريكية للعاصمة العراقية. ومشهدُ النهاية في الفيلم نفسه، المتأهّبة بحسبه قواتُ الأمن المركزيّ لمهاجمة حيّ " حين ميسرة "، العشوائيّ؛ هذا المشهد، لن يحظى بإنشداد الجمهور المُشاهِد إلا إذا كان متماهياً بلقطةٍ جانبية لجهاز التلفاز في المقهى، وهوَ يعرض صور إقتحام الدبابات الأمريكية لبغداد. طاغية العصر، التكريتيّ، يطوّبُ دوماً بطلاً قومياً، في أيّ فيلم على الشاشة الكبيرة يتناهضُ لفضح القمع الرسميّ، المُسدّد للفئات المهمّشة في عالم مصر، الأسفل، الأكثر بؤساً وتخلفاً؛ ويطوّب بتلك الصفة أيضاً في أيّ مداخلةٍ، تنويرية، على الشاشة الصغيرة، تواجهُ الفكرَ الظلاميّ، الأصوليّ!

تلميذ شاهين
مهنياً، يعتبر خالد يوسف نفسه تلميذاً في مدرسة يوسف شاهين، المخرج الراحل. عمل كلاهما في فيلم " هيّ فوضى "، وكذلك في أعمال أخرى، سينمائية. ربما أنّ إعتماد الأول نسبة أستاذه كنية ً، لهيَ من قبيل الصدفة ولا ريب. إلا أنّ إشكاليّة فنّ شاهين، وخصوصاً تعمّده " التغريب "، لا يمكن أن تكون إتفاقاً، حينما يتعلق الموضوع ببحث تأثر تلميذه به. إذ إبتداءً من فيلم " العصفور "، المُنتج في مستهل سبعينات القرن الماضي، نجدُ المخرج الراحل وقد أسحقَ بعيداً عن موجة الواقعية الجديدة، بإتجاه ذلك التغريب، الموسوم؛ وهيَ الموجة، التجديدية، التي برز فيها إسمه جنباً لجنب مع إسم صلاح أبو سيف؛ أحد أهمّ المبدعين في عالم الفنّ السابع. وإذا كان يوسف شاهين، في القسم الثاني المختتم به مسيرته الفنية، قد حاولَ إسقاط الواقع الفرنسيّ، نصاً وحواراً ورؤى، على واقع بلده؛ فإنّ خالد يوسف، بالمقابل، راحَ " يتجاوز " معلمه هذا بإتجاه إسقاطٍ من نوع آخر، أفدَحَ مدىً: أكشن السينما الأمريكية ! وقد ينبري من يدافع عن خيارات المخرج الشاب بالقول، إنّ " الأكشن " باتَ حالة شبه عامة في عصر العولمة هذا، الذي أعقب أعوام الحرب الباردة. إنّ تلك المُحاججة لصائبة، مبدئياً. بيدَ أنّ المرء، في النهاية، لا يمكنه فصلَ هذه الموجة السينمائية، الأكثر جدّة، عن الحالة التي تحياها مصرُ الآن، ثقافياً وإجتماعياً وسياسياً ـ وهيَ الحالة، المزرية، التي سبق لنا توصيفها في مبتدأ المقال. وعلى أيّ حال، فإنه من المنطقيّ أن يُحتفى بأيّ عمل جادّ، فنيّ، مهما يكن حجمُ الملاحظات عليه، وسط هذا الركام من الأعمال المبتذلة، الكوميدية والميلودرامية، التي تكاد أن تودي اليوم بالسينما المصرية.

واقع مرير
إستباقاً للمقارنة بين كلّ من أكشن " حين ميسرة " ومثيله في السينما الهوليوودية المعاصرة، لا بدّ من التنويه بإعتماد هذا الأخير، غالباً، لبيئة غرائبية مدجّنة، تتداخل فيها أعراقٌ غير بيضاء، توصم مواربة ً بالإنحطاط والدموية ـ كذا. إنها البيئة السمراء والصفراء، الأمريكية، المهملة على هامش مدن كبرى؛ مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجليس: أحياء عشوائية، دورها من الوضاعة أنها تشابه بيوت مدن الصفيح؛ شوارع قذرة؛ فتية متبطلون ومتسكعون؛ مومسات على قارعة الطريق؛ متسوّلون ومتشردون.. الخ. من جهته، ففيلمنا هذا، موضع الدراسة، لا يبني حكايته على بيئةٍ متخيّلة "فنتازيّة"، بل على واقع مرير، مخجل، يبرهن بالأرقام وجود عشرين مليوناً من البشر في أحياء مصر، العشوائية، علاوة على أكثر من سبعة ملايين طفل مشرّد في شوارعها الأنيقة، وعلى مرأى من أعين وعدسات السيّاح الغربيين، القادمين لرؤية الحضارة الفرعونية، الخالدة. على أنه ينبغي التنويه، بأنّ فيلم " حين ميسرة " كان عرضة لهجمة ضارية من دعاة إسلاميين، بدعوى: " نشر الشذوذ الجنسي والسحاق والتخريب الأخلاقي... وأنّ أصابعَ أمريكية وصهيونية تقف وراء مثل هذه الأعمال الفنية الشاذة، ضمن مخطط تخريبي لتدمير أخلاق المجتمع "موقع العربية. نت". أيْ أنه بمقتضى هذه التهمة، فالقائمون على فيلم "حين ميسرة" هم من عرَّفوا مجتمعاتنا الإسلامية، الفاضلة، على الشذوذ الجنسي، ثمّ قاموا بعد ذلك بتصويره فنياً في لقطات سينمائية!!
فيلم "حين ميسرة"، يغترف من إناء موجة الأكشن وبدءاً بأفيش عرضه، الذي يُظهر أبطاله مطوقين ضمن دائرة من النار: هذا المنظر، تمّ إستيحاءه ولا شك من مشهد عنيف، قام فيه زبانية " فتوّة " الحيّ بإرهاب مجموعة من الشباب، ثمّ بمحاصرتهم في حلقة نارية. " عادل "الممثل عمرو سعد"، كان أحد أولئك الشبان، التعسين. إنه يعيش مع أمه "الممثلة هالة فاخر"، المسؤولة عن عائلة إثر موت زوجها؛ هيَ التي يداعب خيالها صورة وردية وسط الفقر المدقع، المرعب؛ صورة إبنها البكر، المقيم زمناً طويلاً في الخليج، مؤملة ً بعودته المظفرة بحقيبة متخمة بالدولارات والهدايا. ولكنّ هذا الإبن "النجم خالد صالح"، للمفارقة، يكون في طريقه فعلا لموطنه، إنما مُحملاً حقيبة من المتفجرات، موجّهة للجماعة الأصولية التي ينتمي إليها. طريق "عادل" يقطع بصورة فظة من قبل ضابط أمنيّ "الممثل الموهوب أحمد عبد الغني"، المجسّد عنف السلطة وعدم تسامحها إزاء معاناة الفقراء من مواطنيها. إذ يعمد ذلك الضابط إلى مداهمة الحيّ العشوائيّ، موجة مدمّرة بإثر أختها، تحقيقا لأوامر رؤسائه بتطهيره من المتطرفين الأصوليين. بدورها، فالفتاة الجميلة ناهد "النجمة سمية الخشاب"، يتقاطع طريق حياتها مع الشاب "عادل"، حينما ينقذها هذا من حادثة إغتصاب بشعة. ثمرة علاقتهما الجسدية، غير الشرعية، سيكون طفلاً بريئاً، تتخلى عنه أمه في حافلة عمومية، بعدما يئست من الإلحاح على أبيه ذاك للشروع بالزواج. هذه العلاقة / الثمرة، هيَ ثيمة "حين ميسرة"، الرئيسة، فيما أنّ الحكايات الاخرى، كانت بمثابة مكملاً لها ووصولاً إلى هدف فكرة الفيلم؛ فضح وإدانة العنف الموجّه ضد الفئات المسحوقة، سواءً بسواء أكان من لدن السلطة الحاكمة أو الأصولية المعارضة.

إشارة رمزية
دائرة النار، الموصوفة، كان عليها أن تكبر وتتسع، لتلتهم إلى الأخير الحيّ العشوائيّ برمته. ثمة أشخاصٌ، نافذون، يتعهدون النار تلك بعنايتهم. فتحي "الممثل عمر عبد الجليل" كان أحد هؤلاء الأشخاص. إنه يغلف طبيعته الحقة، الطيّبة، بمسلكٍ عنيف، وهوَ من كان عوناً للشاب "عادل" في مجابهة قسوة الحياة وشروطها الظالمة في حيّ العشوائيات هذا. من ناحية أخرى، كان تاجر المخدرات "النجم أحمد بدير"، يتبدى كرجل عطوف، بحدبه على شباب الحيّ للتغلب على ذلك الفتوّة القاسي، الذي يمتهن كراماتهم يومياً، ولكنّ تاجر المخدرات هذا ما عتم أن كشف عن وجهه الإجراميّ الآخر ـ كداعيَةٍ أصوليّ. الحقيبة المتخمة بالمواد المتفجرة، والتي يحملها إبن "أم عادل"، القادم من أرض الخليج، كانت موجهة أساساً إلى ذاك الداعية الأصوليّ: لكأنما كاتب السيناريو "ناصر عبد الرحمن"، يقدّم هنا إشارة رمزية عن الفكر التكفيريّ، المتسلل إلى أرض الكنانة من تلك الأرض، الطاهرة! أكثر من إشارة رمزية، ستضافر فكرة الفيلم هذه، وعلى الرغم من صعوبة وصولها للمُشاهِد في غمرة مشاهد العنف "الأكشن" العديدة، وغير المبررة بمعظمها سواء في مضمار الفكرة أو السياق الدرامي. وإذ تضحي "ناهد" ضحية ً لأهل النفوذ والثروة من الطبقة البرجوازية، المتطفلة، بإستغلالهم لجسدها الجميل، الرخِص، فإنّ وليدها لا يلبث بدوره أن يكبر لقيطاً في أسرة من المحسنين، منتمية للطبقة المتوسطة. أخلاق هذه الطبقة، المدّعية الأخلاق والفضيلة، تتكشف على حقيقتها المرة تلو الثانية، حينما يُسلّم هذا الطفل البريء من يد ظالمةٍ إلى أخرى أكثر جوراً وتعنتاً، حتى ينتهي به المقام إلى الشارع مشرداً مع أنداده البائسين، تحت سماوات الله. هذه العائلة المنفرطة، بمصائرها المتوازية، الضائعة، ربما هيَ كناية عن فئة المهمّشين في مصر، الرازحة تحت خط الفقر. ومن المفارقات العديدة، التي يطرحها الفيلم، أن ينتهي المطاف بالصبيّ اللقيط إلى إشباع جوعه من مخلفات قمامة المنازل الراقية، في حين أن والدته تلتهم أصناف الطعام، الفاخرة، مع النبيذ والشمبانيا، في العوامة الفخمة التي يمتلكها عشيقها. فضلا عن أنّ العلاقة الجنسية بين هذا الصبيّ ورفيقته المتشردة، والمنتهية بإنجاب طفل غير شرعيّ، إنما كانت تكراراً لولادته هوَ؛ لحكاية أبوَيْه بالذات! ولعل مشهد الختام، المؤثر، كان الأكثرَ ترميزاً ودلالة في " حين ميسرة ": قطارٌ منطلق رويداً، لا نعرف شيئاً عن وجهته، سوى أنّ أفراد تلك العائلة ذاتها، المضاعفة، قد وجدتْ فيها ملاذاً آمناً وفي لحظة حَرجة، حاسمَة، من مصائرها المتشابهة، المتشابكة. الأمّ " ناهد " والأب " عادل " كانا إذاً متجاورَيْن في مقصورة واحدة، ومن دون أن يعلم أحدهما بوجود الآخر. فوق رأسَيْهما مباشرة، كانت عائلة من صلبَيْهما تفترش سقف القطار؛ مؤلفة من الصبيّ اللقيط وإمرأته وإبنهما. حادثة الإغتصاب هيَ ذي، تستعاد في المشهد التالي، الأخير، من الفيلم. وبما أننا نوهّنا، ومنذ البداية، بسمِة الأكشن المكتنفة مشاهد "حين ميسرة"، فكان لا بدّ أن ينتهي الفيلم بأكثر مشاهده عنفاً؛ حينما يتساقط المغتصبون تباعاً تحت ضربات الصبيّ ذاك، اللقيط، فيما عربة القطار "أهيَ مصرُ، نفسها ؟"، تشقّ طريقها دونما مبالاة.

Dilor7@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Comment
khaldoun -

It is for sure a must see, each one of the actors did such a remarkable role,

very beautiful
koko -

i watched this movie, and i advice every one to watch it, it is very action, and vey real, and i wish to be second part of it;

no gipsy !
yaroub h.almimony -

all the best people of this world look together for thier problems and forget many things the dangers and problems who they behind the shadow like for examples the gypsy or alot of differents in this societyof the countries mostly have problems from them spicially in iraq,the golf arab state and in the west in europe,those bad mix criminals people with the jewish make the world war1,2 or some things from them!also in middle east,they now to much and more organize the world must look to them in attentions and one other exmple the criss in the middle east the palestinian and in lebanon or syria or egypt,so dont close your eyes from them ,this my advice!1

دلور ميقري ........
البرقــــــــــــاوي -

شو بطلع بالآخر دلور ميقري ؟؟؟وشو دخل صدام حسين لتحطو بالنص ؟؟؟

حين ميسرة
ضياء خالد -

في البداية لا يمكن التشكييك بقدرة خالد يوسف كصانع افلام فهو ارث يوسف شاهين مع مجموعة اخرى من المخرجين القليين الدين يحفضون للسينما المصرية ماء وجهها واكاد اجزم ان لولا هؤلاء المجموعة لشيعت السينما المصريه حتى قبل وفاة يوسف شاهين .حين ميسرة ملحمة كبيرة اراد ان يقول خالد الكثير بها واحيانا اكثر من الازم وهدا هو سبب اخفاق الفيلم في الكثير من المقاطع وخاصتا القصص المرادفه للقصة الرئيسية والتحولات الغير مبررة احيانا لأبطال الفيلم وحتى بعد ان لم يترك خالد في فيلمة شيء الا واقحمة حتى موضوع حرب العراق وربط كل شيء بكل شيء لم يكتفي ففي نهاية الفيلم نستمع لصوته وهو يعتدر للمسكاكين والفقراء وكأنه لم يكتفي بفيلم روائي طويل ليقول ما يشعر به تجاههم اما المشهد الأخير فهو من الرمزية المباشرة حد السداجة وتنفيدة دكرني بالسينما المصرية القديمة وادهشني لمادا قبلة خالد ليكون خاتمة فيلم ليس بالسيء ابدا كان ممكن ان يكون حين ميسرة فيلم افضل بكثير مما ظهر علية لو ان خالد كان اكثر شجاعه بتقليم فيلمة من الزوائد .

يا إخوان ؟
bader almuzyien -

والله تعبنا من الأخوان الأسلاميين فلا هم يريدون التحاور مع باقي التوجهات الممثلة في الأحزاب أو الكتاب ولا هم عندهم إستعداد لوضع الأصبع على الجرح لعلاجه؟ السحاق واللواط وأطفال الشوارع والراقصات والظواهر السلبية موجودة وما للأفلام هذه الأرتجالية إلا أسلوب سينمائي للمساهمة في التبصير وعلاج أو لفت إنتباه السلطات لمواجهة الظواهر السلبية بالمجتمع

ملحمة ايه
ابو اياد -

اي ملحمة بتتكلم عنها لايكون ملحمة هوميروس الالياذة او ملحمة في باب الشعرية بتبيع لحم بعضمه

See English Films
Walid Amr -

Always we are concentrting in our arabic films to show to the whole world how we are very weak people and how we are very bad also, however all english films specially American films show how American/English people are very strongand how they have the good technology to lead the world, i think Khaled Yousef is helping American for destroyed our history and our good face.

حين ميسرة
khaled -

. صور سمية الخشاب مع وقفتها الشامخة شيء عجيب لامراة جميلة . تختارون الوجوه الجميلة ونحن نقع في الغرام . كونوا رحيمين بنا ايها الزملاء .

خالد يوسف
نادية من السويس -

مخرج اكثر من رائع تعجبني كل افلامه وخاصة الاخيرة منها

11
amine -

هذا الفلم جميل