قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فيصل عبد الحسن من الرباط: سينما محمد عبد الرحمن التازي هي سينما الناس حقاً، وسينما الفئات الشعبية والبسيطة في المغرب، وهي سينما تحاكي هموم اليوم والغد، وتتابع حياة الشخصيات في كل فيلم بعفوية، وبساطة وبلا كثير من التكلف والصنعة! إنه المخرج المغربي الذي يعني بالشخصيات التي جعلها الواقع امتدادا له، وصارت هي إمتدادا لذلك الواقع، أما المصداقية التي تتوفر عليها أفلامه، فإنها تتيح أفقاً واسعاً للتعبير عن نفسها، وهذا ما أكدته تجربة التازي في فيلمه الذي عُرض قبل سنتين "البحث عن زوج لمراتي" وفيلمه الآخر"جارات أبي موسي". موضوع مقالنا، ولن نتحدث هنا عن قصة فيلم "البحث عن زوج لمراتي" الذي أمتع الجمهور في كل مكان عُرض فيه الفيلم. ولنا أن نتحدث عن عمق وحرفية الفنان محمد التازي في الفن السابع، منذ بداياته الفنية فنقول إنه ولد في الرباط عام 1942، وأكمل دراسته السينمائية الأولية لنيل الدبلوم في باريس عام 1963، وأكمل دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود بعد ذلك إلي وطنه المغرب، ويخدم في المجالات السينمائية كافة، ولأكثر من أربعين سنة متواصلة من العطاء الفني. أن التازي هو أحد القامات الفنية الشامخة في المغرب والعالم، وأنه من بين مخرجين مغاربة كمصطفي الدرقاوي وعبد القادر لأقطع، وفنانين كمحمد حسن الجندي، والطيب لعلج، وعبد الكريم برشيد، وغيرهم ممن رسموا خارطة حقيقية للفن الأصيل في المغرب في مجالي المسرح والسينما، وإستطاع أن يقدم للشاشة الفضية الكثير من الأفلام الروائية الطويلة منها "السفر الكبير" 1981 و " باريس عام" 1989 و"البحث عن زوج لمرأتي" 1994 وهو الفيلم الذي كوفئ من أجله المخرج محمد التازي في مهرجان بغداد السينمائي 5-8 كانون الأول 2005، بدرع المهرجان، وفيلمه الكوميدي الكبير"للا حبي" عام 1996 وفيلمه الاجتماعي المهم "جارات أبي موسي" المأخوذ عن رواية لأستاذ" أحمد توفيق" وزير الأوقاف المغربي، السابق، لقد أضاف المخرج التازي سحراً حقيقياً علي الحياة المغربية وعالج موضوعاتها الدرامية بروح من الكوميديات العالية، والمتميزة، وقد جاء خلطه بين موضوعات درامية بصبغة كوميدية فريدة، ويؤشر لنا أن الفنان التازي من أولئك الفنانين الكبار الذين تركوا بصماتهم الواضحة في حياة بلدانهم الفنية، من خلال رسم ملامح الناس، التي نصادفها يومياً، ولكن بوضعه لمساته الفنية عليها فتتحول تلك الوجوه إلى معالم لا تنسى ،وتبقى الذاكرة تحتفظ بها طويلاً. فيلم "جارات أبي موس" المقتبس عن رواية أحمد توفيق وقام بأدوارها الفنانين: بشرى شرف، عمر شنبوط، محمد مفتاح، أحمد الطيب العلج ونعيمة المشرقي.
الفيلم والتأريخ
ينقلنا الفيلم إلى حقبة القرن الرابع عشر وهي الفترة التي كان فيها المغرب تحت حكم المرينيين، حيث تطالعنا "شامة"، بجمالها الملفت، مثيرة إعجاب الشباب في السوق، ومن بين أولئك الشباب مستشار الملك، الذي يغرم بها، ويقرر الزواج بها. إبتداء من تلك اللحظة تتحول حياة "شامة" من قهر وعبودية الفقر إلى رغد العيش، في ظل القصر وأهل الحكم! لكن بعد وفاة زوجها تحرم من حقوقها، وتجبر على الانتقال من رفاهية القصر إلي جحيم فندق المدينة، وهو نزل وفناء للتجار أو ما نسميه في العراق خانا للمسافرين. وقد اشتغل المخرج محمد التازي مع مجموعة من المؤرخين والباحثين الاجتماعيين، وكان هاجسهم الأول هو جعل أحداث الفيلم، وشخصياته، ومناظره مطابقة، لما كان متداولاً للفترة التاريخية، المذكورة التي يعيشها أبطال الفيلم . يقول محمد عبد الرحمان التازي عن الفيلم، عندما التقيته عند ترشيح فيلمه "البحث عن زوج لمراتي" لمهرجان الفيلم عام 2005: "كان علينا أن نكون حذرين في تعاملنا مع التاريخ، إذ بإمكان أبسط النقط أن تهدم كل ما بنيناه".
الرواية والفيلم
في الحقيقة يعتبر الفيلم من أكبر الإنتاجات في تاريخ السينما المغربية، وكذلك هو أول فيلم يصور بواسطة التقنية الرقمية التي وفرت إمكانيات هامة. بالنسبة للمخرج، فالتقنية الرقمية هي مستقبل السينما في دول الجنوب، لما تقدمه من خدمات، خاصة على مستوى ما بعد الإنتاج. أن علاقة الرواية التي كتبها أحمد التوفيق بالفيلم الذي صنعه التازي، تؤكد مقدرة الفنان التازي على استقراء المتن الصوفي للحكاية، التي اعتمدتها الرواية المكتوبة، فمنذ وصول قاضي القضاة إلى سلا، وإعجابه بشامة، "في الرواية"وزواجه منها، وانتقالهما إلى فاس، ثم رحيلها إلى سلا بعد موته، وهذا ما يمكن أن نعبر عنه بالدعامة الأساسية لحبكة الرواية.
كيف يصنع الفيلم التاريخي؟
أما الأحداث التالية وما وقع لشامة وعن محاولة العامل التغرير بها وخداع زوجها الثاني، وتعرفها على احد الأولياء "أبو موسى"، الذي يغرق يومه بتفاصيل الصوفيين من أكله لأعشاب البحر، وقضائه معظم وقته في التعبد في مغارة خارج المدينة، ورؤية الحجاج له يحج في مكة المكرمة، بينما يقسمالناس أنهم رأوه في سلا، وتطرح الرواية الكثير من المضايقات التي تتعرض لها شامة بسبب استبداد العامل، وأعوانه. وهو إستبداد كما تبين الرواية يطال شخصيات متعددة، خاصة تجار الفندق الذي اعتبر مركز الاقتصاد في سلا .إن الرؤية الإخراجية التي أعتمدها المخرج التازي في متابعة شامة بطلة الفيلم وعقد مقاربة بينها وبين شامة الفيلم، كصورة متحركة، لامرأة جميلة تعيش في القرن الرابع عشر وتتعرض لكل ملابسات الظلم الاجتماعي، الذي كان سائداً في تلك المرحلة من تاريخ المغرب، وكذلك ما حدث كغطاء تاريخي للفترة تلك من غرق الأسطول، والمجاعة التي حلت بالناس، وكرامات أبي موسى حين يوشك العامل أن يغتصب شامة في قصره، لولا حدوث كرامة أبي موسى، لتنقذ شامة من مصير ترفضه إنسانيتها! لقد أستطاع الفيلم أن يقدم لنا الجانب ألأسطوري الذي إعتمده أحمد توفيق في روايته من خلال الحاكي والمحكي عنه، عبر فصول الراوية بعيداً عن القص التاريخي الذي كان معتمداً في بدايات القرن التاسع عشر من خلال روايات تاريخية كتبها سليم البستاني، أو جورجي زيدان، حيث كانا يقدمان لنا الجانب التاريخي من خلال أبطال يحركهم التاريخ. أما ما كتبه أحمد توفيق فرؤى صوفية تأخذ من التأريخ غموضه، وسعته للكتابة عنه بحرية وقد ضمنه ما يعيشه في الحاضر من حوادث الواقع المعاصر. وعلى الرغم من الصعوبات الجمة التي لا يعرفها إلا من عمل في تحويل النص السردي التاريخي، إلى عمل درامي فقد إستطاع التازي أن يقدم لنا فيلماً متماسكاً، وهو الفيلم الذي يتعلم منه المخرجون المغاربة الشباب كيف تصنع فيلماً عن تاريخ المغرب من غير أن تقع في السطحية والسذاجة؟!
faissalhassan@hotmail.com