السينما

أنا غزة وثائقي ينتصرُ لبحرٍ يحلمُ شاطئه بالنصرِ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سعاد نوفل من عمان: ثماني عشرة يوماً قضتها المخرجة الشابة أسماء بسيسو في قطاع غزة أبان الحرب بأيام، حاولت خلالها التقاط العديد من القصص الإنسانية التي تظهر الآثار التي خلفتها الحرب وبهدف إظهار الجوانب التي لم تتطرق إليها وسائل الإعلام من قبل. بسيسو لم يمنعها التفكير بالفشل من محاولة العبور إلى غزة، بل كان إصرارها أقوى من كل الصعوبات التي واجهتها على المعابر وفي الوقت نفسه لم يكن لديها ما تراهن أو تعوّل عليه سوى كاميرا التصوير التي تحملها بين يديها، وتقول بسيسو وهي غزية الأصل وتحمل الجنسية الاردنية في مقابلة خاصة لها مع إيلاف "شكلت الحرب على عزة صدمة بالنسبة لي ربما كوني انتمي إلى تلك البقعة تحديداً حيث يعيش الناس الذين أعرفهم وأحبهم وأسمع أخبارهم كل يوم بالرغم من أنني لا استطيع رؤيتهم، وشكّل ذلك مصدر قلق بالنسبة لي إذ شعرت حينها بغضب كبير يعتريني، جعلني أفكر بجدية الذهاب إلى هناك ووجدتُ نفسي حينها أفكر بما يمكنني فعله فلم اكُ يوماً طبيبة ولست ممرضة حتى، ولا أتقن سوى صناعة الأفلام، فحملت الكاميرا وتوجهت إلى غزة".
بسيسو والتي كانت لا تزال محتفظة بصورة غزة ي ذاكرتها قبل عشرة أعوام، كانت المفاجأة بانتظارها على معبر رفح إذ تقول "بدأت انظر حولي وفي جميع الإتجاهات ولا أرى سوى الدمار في كل مكان واتذكر صورة المباني العالية والحدائق والمدينة النظيفة فيما مضى، أخذتُ اجوب شوارع ومدن غزة أريد تصوير كل بقعة وكل شارع كأنني أزورها للمرة الأخيرة، ونسيت أمر الفيلم آنذاك!".
ويقدم الفيلم ومدته اثنتان واربعون دقيقة جرعة دسمة من الألم تنقل المٌشاهد إلى غزة تحت الحصار وتحت مقصلة الحرب التي استمرت ستة وعشرون يوماً، إذا يروي قصصاً مختلفة بتفاصيلها الدقيقة للعديد من الغزيين رواها رجال ونساء واطفال تظهر الجوانب النفسية التي تعرضوا لها جراء الحرب. ركزت تلك القصص على مخاطبة العقل لا العاطفة، وخلقت علاقة ما بين المُشاهد وشخصيات الفيلم، ولعل قصة حنين التي تبلغ مع العمر ستة عشر عاماً كانت الاكثر تأثيرا إذ عرضت القصة همجية جنود الإحتلال في اغتصاب بيوت المدنيين والتي لم تتعرض لها وسائل الإعلام، حيث قضت حنين وعائلتها أياماً تحت تهديد السلاح إذ اقتحم جنود الجيش الإسرائيلي دارهم ومكثو فيه أياماً وكانت حنين وعائلتها مهددين بالموت في أية لحظة. "..الآن ما نزال على قيد الحياة، لقد كانت معجزة" تقول حنين. وتضيف بسيسو "حنين من الشخصيات التي واجهت صعوبة بالظهور أمام الكاميرا لتخبر الناس قصتها، حاولتُ معها مرات عديدة وحين أفلحتُ بذلك أذكر بأن الساعة حينها كانت تشير للواحدة صباحاً، أمسكت الكاميرا وأدرتُ زر التسجيل وما أن بدأت حنين بالحديث لم تتمكن من التوقف حتى الصباح!
د. أياد السراج وهو طبيب نفسي، من مواليد مدينة بئر السبع عام 1944، أجبر على الهجرة للعيش في مدينة غزة سنة 1948 حلَّ متحدثاً رئيسياً على "أنا غزة" حيث قدم تحليلاً للأثار النفسية التي تعرض لها الغزيون وما زالوا يتعرضون لها باستمرار في ظل الحرب والحصار، مداخلات د. السراج لعبت دوراً رئيسياً في توليفة الفيلم، وتفيد المخرجة " كان من الصعب التنبأ بما قد يمكنك التقاطه مسبقاً عندما يتعلق الموضوع بصناعة فيلم الوثائقي، لكنني كنت قد وضعتُ تصوراً للفيلم وهو أن يغطي ما خلفته الحرب من الناحية النفسية خاصة وأنني مهتمة بهذا الجانب، وكان من أهم محاور الفيلم الرئيسية أن ألتقي مختصاً بعلم النفس، وفي غزة كان الوصول إلى د. السراج صعباً للغاية، صورتُ العديد من القصص والمحاور التي يرتكز عليها الفيلم إلا أنني كنت أشعر بانني بحاجة للمزيد وأن هناك حلقة مفرغة، كان هذا إلى أن تمكنت من مقابلة د. اياد السراج حينها فقط شعرت بان فيلمي أكتملت وعدت أدراجي". وفي أحد المداخلات أوضح د. السراج "كان أطفال الإنتفاضة الاولى يضربون الحجارة في الشوارع، وكانوا يتعرضون لتأثيرات نفسية عند قيام جنود الإحتلال بضرب أبائهم امام اعينهم وهذا ما يمكن اعتباراه الاكثر ايذائاً على نفسية الطفل، وهذه الحالة خلقت من هؤلاء الاطفال استشهاديين توحدوا مع قوة جديدة هي قوة المقاومة فيما بعد" وأضاف د. السراج في نهاية الفيلم "غزة ستموت بدون مشروع وطني يوحد الفلسطينين".
"أنا غزة" جرى تصوير أغلب مشاهده في جباليا هو خليط من قصص إنسانية مختلفة عايشت الألم وتجرعت الخوف مراراً، تنقلت خلالها عدسة المخرجة بين المستشفيات والتقطت أنين الأطفال وآهات ودموع الامهات، ولم تنسَ المخرجة التطرق للآثار التي خلفتها الحرب على البيئة من تجريف التربة واقتلاع المزارع والاشجار وقتل الحيوانات وآثارها على المزارعين يقول عايش "لقد قتلوا رزقي، قتلوا أشجاري، وقتلوني في الصميم". وفي نهاية الفيلم تجول عدسة بسيسو مع شروق الشمس في الشوارع والساحات وبين الطرقات وعلى شاطئ البحر، لتلتقط قوة هذا الشعب الذي ما زال قادراً على الإبتسام رغم الجراح.
حظي العرض الإفتتاحي للفيلم بإقبال جماهيري كبير في دارة الفنون في العاصمة الأردنية عمان، "أنا غزة" هو الفيلم الطويل الاول للمخرجة اسماء بسيسو والتي اكملت عامها الخامس والعشرون قبل أيام، صورت وأخرجت ستة أفلام وثائقية قصيرة، منها: "سبع صنايع والوطن ضايع"، "تروحي سالمة وترجعي غانمة"، "رسالة من غوانتنامو". يذكر بأن البناء الفكري للفيلم للأستاذ د. فؤاد بسيسو، وإدارة المنتج شاكر جرار وتم تصوير الفيلم بدعم عدد من الأفراد المستقلين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هيك الصبايا وإلا بلا
عبدالله رضوان -

تحية للمخرجة والله الرجال ما عملوهايا هيك الصبايا وإلا بلاش