السينما

سودربيرغ يُشرِّح غيفارا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صالح كاظم من برلين: إنها ليست المرة الأولى التي تتجه فيها السينما الأمريكية لـ "أفلام السيرة" خلال السنوات الماضية، حيث تم بالذات خلال الست سنوات الماضية إنتاج العديد من الأفلام التي تعالج سيرة شخصيات مهمة تركت بصماتها على مسيرة التاريخ السياسي والفني في العالم المعاصر، وأعتقد أن أفضلها كانت تلك التي تعرضت لحياة فنانين كبار ومن ضمنها "روي" الذي عالج حياة الفنان الكبير راي تشارلز "تألق في دوره الممثل الكبير جامي فوكس" وفلم "تجاوز الخط" عن مغني الكونتري الأمريكي جوني كاش، وقد تميزت هذه الأفلام على عكس ما قدمه أوليفر ستون من أفلام سيرة ذات خلفية سياسية مثل "نيكسون" و "دبليو" بجانب كبير من المصداقية فيما يتعلق بحياة أبطالها. أما توجه ستيفن سودربيرغ لأفلام السيرة فقد برز في فيلم "كافكا" الذي لم يقتصر على معالجة الحقائق المتعلقة بحياة الكاتب الكبير، بل جعله بطريقة ما إعادة سرد سينمائية لبعض كتابات كافكا، مع التركيز على "رسالة الى الأب"، من دون أن يستغني عن بعض التفاصيل من سيرة الكاتب. ومنذ ذلك إعتمد المخرج على طريقة إستثنائية في التعامل مع الموضوع ومع الكاميرا، يمكن أن نصفها بنهج "الإقتراب والتبعيد"، ذلك من خلال توجيه الكاميرا للقطات مقرَّبة ولقطات بعيدة، حيث يجد المشاهد نفسه في ذات الوقت موزعاً بين داخل الشخصية وخارجها، فهو يتماثل مع إنفعالاتها حيناً، ويخرج من هذه الإنفعالات حيناً آخر ليتخذ دور المراقب. ويمكن في الحقيقة متابعة هذا النهج في كافة أفلام سودربيرغ المعروفة، بدءاً من "جنس، أكاذيب وفيديو" ومرورا بـ "ترافك" و "سولاريس" وحتى الأفلام التجارية التي قام بإخراجها أخيرا لغرض الربح المادي مثل "أوشيان إيليفن".
في فيلمه الأخير"جيفارا الأرجنتيني" الذي يستغرق ما يقارب 4،5 ساعة، مما دفع دور التوزيع الى تجزئته الى فيلمين، تُعرض مُنفصلة عن بعضها بالعناوين التالية: "جيفارا ريفوليوشن" (جيفارا الثورة) و "جيفارا غويريلا" (جيفارا الكفاح المسلح)، يحاول المخرج تفكيك جيفارا "الأسطورة" من جهة، وإعادة موضعتها من جهة أخرى من خلال كشف الجوانب الإنسانية فيها، بعيدا عن الرومانسية الثورية. جيفارا بالنسبة لسودربيرغ هو حرفي إتخذ الثورة كـ "مهنة" له. ووظيفة المخرج هنا، هي الكشف عن الجوانب الخفية لهذه المهنة التي ربما لا تختلف عن سواها، إلا من خلال النتائج الدموية التي تحيط بها. لهذا الغرض قام سودربيرغ بإستعمال كاميرا رقمية يدوية خاصة صنعت خصيصاً لتصوير هذا الفيلم، يلاحق بها شخصيات الفلم في مناطق تواجدهم في أثناء الفعل "الثوري" بدءاً من المكسيك، حيث يلتقي جيفارا بفيدل كاسترو، وإنتهاءا بكوبا، حيث يواصل الثوريون بخطوات متلاحقة السير في تحقيق غرضهم الذي هو في البداية الوصول لهافانا وإسقاط نظام باتيستا. ويتخلى الفيلم عن الدخول في تفاصيل الحياة الشخصية لـ "تشي"، مفضلا التركيز على نهجه الثوري دون الإنصراف للتفاصيل المتعلقة على سبيل المثال بعلاقاته العاطفية مع شريكة حياته لاحقا أليدا أو عشيقته الثورية الألمانية الشرقية تامارا بنكر. وبالتدريج يتضح للمشاهد أن الجزء الأكبر من الفيلم مبني على مذكراتجيفارا، غير أن سودربيرغ لا يترك الأمر عند هذا الحد، بل يعمل من خلال الكاميرا على تحيّيد موضوعة الثورة وإلغاء هالة البطولة التي تحيط بشخصية تشي مع الحفاظ على الموقف الموضوعي الذي يسعى لإيصاله الى المشاهد، وهو بذلك يكون قد خيب آمال محبي تشي ومعارضيه بنفس الدرجة. خلال الرحلة التي يرافق فيها سودربيرغ جيفارا تبقى المساحة التي تفصل الفنان عن موضوعه مساحة مضطربة تتراوح بين الإنبهار والرفض، بين إستكشاف الحقائق ومرارة الحدث الدرامي، كل هذا دون دفع المشاهد الى التماثل مع قناعات جاهزة لا تقبل النقاش، معتمدا في ذلك بشكل واسع على حركة الكاميرا "لقطات قريبة، سرعان ما تتحول الى لقطات جماعية، مناظر عامة ومتابعة من اليسار أو اليمين لحركة الأشخاص". عند إبتعاد الكاميرا يبدو جيفارا فرداً في مجموعة، رقما يمكن التعويض عنه بغيره، وعند إقترابها منه يجد المشاهد نفسه في مواجهة الكارثة الذاتية التي يتركز عليها إهتمام سودربيرغ، ألا وهي مرض الربو الذي كان يعاني منه جيفارا خلال تنقله في غابات بوليفيا وهو يدخن السيكار الكوبي. وعلى الرغم من توفر بعض المواد الوثائقية حول حياة غيفارا، غير أن سودربيرغ ينأى بنفسه عن إستخدامها، بل يعيد تصويرها بالأسود والأبيض بما يشبه التوثيق، خطاب جيفارا أمام هيئة الأمم المتحدة الذي هاجم فيه الأنظمة السائدة في حينه في أمريكا الجنوبية وكذلك العدو الإمبريالي،. أما الجوانب المثيرة للنقاش في شخصية جيفارا فإن المخرج يبثها هنا وهناك وسط أحداث الفيلم، بحيث تبقى في ذاكرة المشاهد "جيفارا الذي كان يدعو لسجن المثليين من رفاقه لغرض إيصالهم الى الشفاء مما كان يظنه "مرضا"، جيفارا الذي يدعو لضرورة تصفية بعض الفلاحين الذين لا يتعاونون مع الثوار، جيفارا الذي يؤيد عقوبة الإعدام..الخ". وقد جاء إختيار الممثل الكبير بينيثيو ديل تورو لإداء هذا الدور موفقاً من كافة الجوانب، إذ إستطاع أن يجسد شخصية جيفارا بحضور هادئ، بعيداً عن الضوضاء والإنفعال، مما أهَّله للحصول على إحدى جوائز مهرجان "كان" السينمائي. في نهاية الجزء الأول من الفيلم تقوم مجموعة من الثوار بنهب سيارة أمريكية فخمة لأحد المزارعين الكوبيين كي يكافئوا أنفسهم على نجاح الثورة، غير أن تشي "ديل تورو" يهبط من سيارة الجيب، ليطلب منهم إعادة السيارة الى أصحابها. وفي الوقت الذي يدور فيه الجزء الأول من الفيلم عن "الثورة الموفقة" التي أوصلت كوبا الى ما هي عليه اليوم، يعالج الجزء الثاني منه الفشل الذي مُنى به جيفارا في تحقيق حلمه في تثوير مجمل القارة الأمريكية من خلال حرب العصابات التي خاضها مع مجموعة صغيرة من الثوار في غابات بوليفيا.
لقد إستطاع سودربيرغ من خلال فيلمه عن "أجمل رجل في العالم المعاصر" (سارتر) أن يقدم نموذجا إستثنائيا لـ "فلم السيرة" من خلال عمله الدؤوب على إنتهاك محرمات هوليوود والبحث عن بدائل لها بصفته واحداً من ممثلي "الفيلم المستقل" على الرغم من لجوئه أحيانا لتنفيذ أعمال تجارية مثل مسلسل "أوشيان.."، لكي يوظف وارداتها في عمله الإبداعي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الثائر الاممي جيفارا
بدر السويطي -

كثرت في الاونة الاخيرة بعض الافلام الرخيصة للنيل من بطولة الثائر الارجنتيني الاممي ارنستو تشي جيفارا والتقليل من اهميته كمناضل عظيم اراد للانسانية ان تعيش بكرامة وان تتحرر من العبودية والتبعية ولقد ساهم الكثير من منتجين الافلام المسيسة التي تخدم ايدلوجيات معينة ادركت خطورة تنامي شعبية جيفارا في العالم ولعل قيمة هذا الثائر العظيم تكمن في اغتياله واستمرارية ايدلوجية الثورة التي انتهجها جيفارا وبهذا يظل جيفارا رمزا عالميا للمحرومين والفقراء والمسحوقين في الحياة التي تحكمها الراسمالية المتوحشة والتي تزيد الفقير فقرا والغني ثراءا

تشي
أرنيستو ريباز -

جيفارا مهما صنعوا من أفلام و رواية عن حياته و ثورته فلن يوضح ألى القليل من عظمة هذا الرجل جيفارا مات ولاكن أفكاره لا تزال حياَ في أنفس كل من يحب الحرية و سلام و كرامة .. (أينما يوجد الفقر و الجوع و الظلم هنالك موطني)