هاشم أبو عراق: رأس المال هو كل ما تحتاج إليه السينما العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"إيلاف" تفتح ملف الذاكرة المرئية في العراق، وتستجلي أسباب فقرها وقصورها(25)
حاوره عدنان حسين أحمد من لندن: تشكّل الذاكرة الثقافية رصيداً بالغ الأهمية لأي شعب من الشعوب، فكيف اذا كان الأمر يتعلق ببلد عريق ذي حضارات متعددة وموغلة في القدم مثل العراق. ولأن الذاكرة الثقافية مفردة واسعة وعميقة الدلالة، وتضم في طياتها الذاكرة المرئية والمسموعة والمكتوبة، إلا أن استفتاء "إيلاف" مكرّس للذاكرة المرئية فقط، والتي تقتصر على السينما والتلفزيون على وجه التحديد. ونتيجة للتدمير الشامل الذي تعرضت له دار الإذاعة والتلفزيون، ومؤسسة السينما والمسرح، بحيث لم يبقَ للعراق، إلا ما ندر، أي وثيقة مرئية. فلقد تلاشى الأرشيف السينمائي العراقي بشقيه الروائي والوثائقي. وعلى الرغم من أن السينما العراقية لم تأخذ حقها الطبيعي على مر الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق، كما لم يحظَ السينمائيون العراقيون بأدنى اهتمام من مختلف الحكومات العراقية التي كانت منشغلة بموازناتها السياسية، وبأرشفة أنشطتها المحدودة التي لا تخرج عن إطار الذات المرَضية المتضخمة. وقبل سقوط النظام الدكتاتوري في بغداد كان السينمائيون العراقيون يعلِّقون الآمال على حكومة العراق الجديد التي تمترست خلف أطاريح الديمقراطية، والتعددية السياسية، والتناوب السلمي على السلطة من دون انقلابات أو ثورات يفجرها مغامرون عسكريون مصابون بعقدتي السجادة الحمراء والموكب الرئاسي، غير أن واقع الحال يكشف، خلافاً للتمنيات المعقودة، بأن نصيب الذاكرة المرئية من الرعاية والاهتمام يكاد يكون معدوماً، بل أن بعض السينمائيين العراقيين قد بات يخشى من تحريم هذا الفن الرفيع أو اقامة الحد عليه. لقد عنَّ لـ "لإيلاف" أن تثير خمسة محاور أساسية في محاولة منها لاستجلاء واقع السينما العراقية عبر تفكيك منجزها الروائي والوثائقي على قلته، ورصد حاضرها المأزوم، واستشراف مستقبلها الذي نتمنى له أن يكون مشرقًا وواعدًا بحجم تمنيات العراقيين وتطلعاتهم نحو حياة حرة، آمنة، مستقرة، كريمة.
أسئلة الملف السينمائي
1- على الرغم من غنى العراق وثرائه الشديدين، مادياً وبشرياً، إلا أنه يفتقر إلى الذاكرة المرئية. ما السبب في ذلك من وجهة نظرك كمخرج "أو ناقد" سينمائي؟
2- أيستطيع المخرجون العراقيون المقيمون في الداخل أو المُوزَعون في المنافي العالمية أن يصنعوا ذاكرة مرئية؟ وهل وضعنا بعض الأسس الصحيحة لهذه الذاكرة المرئية التي بلغت بالكاد " 105 " أفلام روائية فقط، ونحو 500 فيلم من الأفلام الوثائقية الناجحة فنياً؟
3- في ما يتعلق بـ " الذاكرة البصرية " كان غودار يقول " إذا كانت السينما هي الذاكرة فالتلفزيون هو النسيان " كيف تتعاطى مع التلفزيون، ألا يوجد عمل تلفزيوني ممكن أن يصمد مدة عشر سنوات أو أكثر؟ وهل كل ما يُصْنَع للتلفاز يُهمل ويُلقى به في سلة المهملات؟
4- كيف نُشيع ظاهرة الفيلم الوثائقي إذاً، أليس التلفاز من وجهة نظرك مجاله الحيوي. هناك المئات من الأفلام الوثائقية التي لا تحتملها صالات السينما، ألا يمكن إستيعابها من خلال الشاشة الفضية؟
5- في السابق كانت الدكتاتورية هي الشمّاعة التي نعلّق عليها أخطاءنا. ما هو عذرنا كسينمائيين في ظل العراق الجديد؟ وهل هناك بصيص أمل في التأسيس الجدي لذاكرة بصرية عراقية ترضي الجميع؟
في ما يلي الحلقة الخامسة والعشرون التي يجيب فيها المخرج هاشم أبو عراق على أسئلة ملف السينما العراقية.
المخرج السينمائي هاشم أبو عراق: أن القائمين على الفن في العراق غير قوامين عليه
مسح شامل
1- العراق لم يفتقر الى الذاكرة المرئية، والدليل أن دائرة السينما والمسرح تملك ذاكرة مرئية توثق العراق منذ دخول الجيوش الانكليزية عام 1911 الى البصرة الى عام 1917 الى بغداد وعام 1918 الى الموصل وصولاً الى عام 1985 عندما بدأنا مسحًا شاملاً للعراق من الناحية الجغرافية والبشرية والاقتصادية بالاضافة الى مئات الافلام الوثائقية التي وثقت كل شاردة وورادة في المجتمع العراقي بالاضافة الى الحروب التي خاضها الجيش العراقي سواء في الجبهة الشرقية أم الغربية مع اسرائيل، كل هذا موثق بالصورة والصوت، ولا أعتقد أن هناك ذاكرة مرئية في بلد من الوطن العربي مثل هذه الذاكرة العراقية، وسمعت أن قسماً منها سرق قبل عام 2003 كما سمعت أن قسما آخر أتلف بعد عام 2003 ولا أدري اذا ما كان سبب التلف متعمدا أم لا، وسبق أن قسماً آخر من هذه الذاكرة انتشله بعض زملائنا من التلف والضياع وقيل تمت اعادته الى دائرة السينما والمسرح.
الذاكرة تصنع من داخل البلد
2- كل هذه الذاكرة وضعها مخرجون في الداخل والخارج، منهم الباقون الان في العراق أو الذين وضعوا ذاكرة وخرجوا نتيجة الاحداث، أما أن تقول إن الذاكرة العراقية يصنعها مخرجون خارج العراق فأقول لا، لان الذاكرة تصنع من داخل البلد، علما انني لا أنكر من أسهم في صناعة هذه الذاكرة .
لا أوافق غودار
3- الكثير من الافلام السينمائية لم تبقَ في ذاكرة الناس سوى وقت عرضها، وأنا مسؤول عن كلامي، وطواها النسيان، وهناك أعمال تلفزيونية تبث الى الان مثل: "تحت موس الحلاق" و "الذئب وعيون المدينة" و "النسر وعيون المدينة" و "الزمن والغبار" و "مناوي باشا" و "فتاة في العشرين" حيث لازال الناس يسمون الفنانة شذى سالم فتاة في العشرين، وهناك العديد من المسلسلات العربية، اذن لا أوافق غودار مثلما لا أوافقه في السينما.
العقلية التي تقود الكاميرا
4- نعم من الممكن، اكتشفت مؤخرًا ان العقلية التي تقود الكاميرا لا تختلف في السينما والتلفزيون، ولكن الاختلاف في أدوات تناول الموضوع من رق سينمائي كيمياوي الى شريط تلفزيوني ممغنط، ولكن العقلية التي تقود الكاميرا هي التي تجعل من الموضوع صامدا في ذاكرة الناس أو منهارا منذ لحظته الاولى، فالفيلم الوثائقي في السينما أو التلفزيون اذا كان يحمل سمات مجتمع وهموم مجتمع يبقى في الذاكرة.
متنفس كبير
5- في عام 1982 قلت كلمة وهي: أن القائمين على الفن في العراق غير قوامين عليه، فمتى ما كان القائمون على الفن قوامين عليه أقول لك بدأت عجلة السينما تدور وتتحرر من كل القيود التي يضعها الرقيب سواء في النظام السابق أو الان، إلا أنني أجد الان متنفسًا كبيرًا للفنان وحيزًا واسعًا لاظهار ما لم يستطع اظهاره قبل احداث 2003، فإن قام القائمون على الفن بتهيئة العنصر الاساسي في صناعة السينما وهو رأس المال نستطيع ان نقول: سنكمل، لأن الطاقات البشرية السينمائية العراقية موجودة وفاعلة في الساحة، أما من ناحية المواضيع فأن خطوت خطوتين ستعثر على فكرة سينمائية.