العنف السياسي والحضارة في مجتمعات الغرب والعالم الإسلامي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي من القاهرة: يقوم هذا الكتاب (الحرب والقمع والإرهاب.. العنف السياسي والحضارة في مجتمعات الغرب والعالم الإسلامي) علي دراسة أساسية للباحث الدكتور يوخن هبلر وتعليقين لكل من نصر حامد أبو زيد وعمرو حمزاوي، وينضوى تحت مشروع أنجزه منتدى الحوار والتفاهم في معهد العلاقات الخارجية ifa بشتوتجارت بألمانيا في إطار الحوار الثقافي الأوروبي ـ الإسلامي لوزارة الخارجية الألمانية، ويهدف إلي تحليل ميكانيزم العنف وآليات الإرهاب من منظور تاريخي من جهة ومن منظور بنيوي من جهة أخرى مفككا لمفاهيم " الغرب "و"الإسلام" أو "العالم الإسلامي" وهي مفاهيم أفضى تداولها غير النقدي خاصة في ظل نظرية صراع الحضارات إلي حالة من التشرذم والانقسام في الخطابات المنتجة هنا وهناك، وكاشفا أن كلا من العنف والإرهاب لا يرتبط بثقافة بعينها ولا بدين بعينه، بل له تجلياته في كل الثقافات وفي كل الأديان إذا توفرت الظروف والعوامل المنتجة له.
و الدكتور يوخن هبلر باحث في معهد التنمية والسلام INEF بجامعة دوسبورغ ـ إيسن، وتخصص في العلوم السياسية ومحور أبحاثه الأوضاع في الشرق الأوسط والأدني، الهويات الإثنية والقومية والدينية، العنف السياسي، الإرهاب والحرب، الحوار بين الثقافات، والهيمنة كسمة للنظام العالمي، وله العديد من المؤلفات، وهذا الكتاب أبرز كتبه المترجمة إلي العربية.
يؤكد الكتاب أن الحكومات في الغرب وفي الشرق الأوسط والأدنى إن أرادت أن تكبح جماح العنف في المستقبل أو علي الأقل أن تنجح في تقليص معدلاته، علي الجانبين أن يغيرا من سياستهما بجانب التفكير المشترك والحوار، علي الغرب أن يأخذ مطالبه الخاصة بنبذ العنف وغرس الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي مأخذا جديا ويجعلها أساسا لسياسته الخارجية أيضا، وعلي الجانب الآخر يجب أن تعمل بلدان الشرق الأوسط والأدنى علي تقليص نسبة الغنف بها، وذلك بكسر الجمود الداخلي وتوسيع رقعة حقوق السياسية، وتحسين الوضع الاقتصادي لشعوبها، ولا يمكن إلا بناء علي هذه الإصلاحات أن يصبح الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي مثمرا، مع إمكانية التغلب علي الصور النمطية والكليشيهات والوصول إلي وضع يتيح العمل علي حل المشاكل المشتركة.
يبدأ المؤلف الكتاب
وفي تحليلات يوخن هبلر لدور الدين في العنف نجده يثبت فقط نوعا من العلاقة يخلقها الفاعلون للعنف، وينفي أية علاقة بنيوية بين الدين والعنف، وفي هذا التحليل يصبح الدين نوعا من الأيديولوجيا التبريرية التي تسوغ العنف دون أن تتضمنه، يقول: لا تبثق النتائج العنيفة للدين من أبعاده الدينية وإنما من أبعاده المجتمعية ـ السياسية، فالتفسير الروحاني لعلاقة الإنسان بالله ليس بذاته مصدرا للعنف إذا ما تركنا جانبا ممارسات التضحية الشعائرية، وإنما تكييف الدين وتشويهه الحتمي عندما يصبح ظاهرة إجتماعية، ولهذه العملية مسارات غاية في الاختلاف وترتبط: أ ـ بالماهية اللاهوتية لدين بعينه، ب ـ بالسياق السسيولوجي ـ السياسي للمجتمع المعنى،، أي علاقات القوة والتناقضات والمشكلات، ج ـ بالوظيفة التي يجب أن يلبيها دين بعينه وتحديدا في السياق، وعلي سبيل المثال: وظيفة تكاملية مؤمنة للسلطة، تحريضية أو استقطابية.
ويواصل هبلر: لم تمنع تعاليم المسيحية حول حب الآخر أو حتى حب العدو من تبرير العنصرية والحروب، واستطاع التفسير الحربي للجهاد أن يفضي إلي تسخير الإسلام لخدمة العنف السياسي.
وينتقد هبلر للحكومات والنظام العالمي ويقول: إن حكومات العالم الثالث بلا تمييز تتعامل مع قضايا العنف والإرهاب بوصفها قضايا أمنية بالأساس، يوكل أمر التعامل معها لأجهزة الأمن التي هي أشد أجهزة الدولة قمعية، وتكون النتيجة إعادة توليد الإرهاب عن طريق خلق كوادر جديدة جاهزة للتجنيد، من خلال عمليات الاعتقال العشوائية وسجن الأبرياء في نفس العنابر التي يسجن فيها الإرهابيون، معاملتهم بقسوة ووحشية تنزع عنهم آدميتهم وتحولهم إلي قنابل موقوتة من الكراهية لا للنظام فقط وإنما للوطن كله.
ويضيف: الحرب علي أفغانستان، الحرب علي العراق ثم احتلاله، النتيجة التي أفضت إليها هذه الحروب العقيمة أنها خلقت تأييدا شعبويا للإرهاب بوصفه الأداء النضالية ضد الاستكبار العالمي والاستعمار الجديد، لم يتم القضاء علي القاعدة في أفغانستان، بل تم إسقاط نظام طالبان والإتيان بنظام يراه الناس نظاما عميلا، وفي حالة العراق تم إسقاط صدام حسين وتحولت كوادر البعث إلي منظمات سرية تمارس العنف والإرهاب ضد الاحتلال وضد أعوانه، والنتيجة أن الإرهاب امتد كالأخطبوط إلي كل أنحاء المعمورة.
ويقول يوخن هبلر: بإيجاز نستطيع تأكيد أن إمكانيات العنف التي يمتلكها الغرب المتفوق عسكريا وسياسيا والموجهة بالدرجة الأولي إلي الخارج وتلك الإقليمية في الشرق الأوسط والأدنى وغيره من المجتمعات الإسلامية تتداخل فيما بينها ويعزز كل منهما الآخر بشكل مثير للخوف.
وتمثل هذه التركيبة خطورة علي الجانبين والخروج منها لا يتطلب فقط حوارا صريحا يجري بندية، وعدم تجاهل القضايا الشائكة وإنما أن يضع أيضا كل جانب الأخطاء التي ارتكبها تحت دائرة الضوء، لكن الأهم من ذلك يكمن فيما يتخطى الحوار والتأمل، أي التوصل إلي تغيير لسياسة الطرفين وأن ينفذ الفاعلون الغربيون ما يطالبون به هم أنفسهم، أي التخلي عن العنف، الديمقراطية، سيادة حقوق الإنسان، والقانون الدولي سيادة شاملة، وأن يجعلوا من ذلك أساسا لسياستهم الخارجية، وفي المقابل آن الأوان بالفعل لأن تعمل بلدان الشرق الأوسط والأدنى علي تقليص معدلات العنف فيها وذلك بتحطيم الجمود داخلها وتوسيع نطاق الحريات والحقوق وتحسين الوضع الاقتصادي لشعوبها، وفقط علي أساس هذه الخلفية من الإصلاح السياسي لدى الجانبين يمكن أن تصبح يصبح الحوار بين الغرب والبلدان الإسلامية مثمرا كما يمكن التغلب علي الآراء المسبقة والصور النمطية المتبادلة بغية الوصول إلي وضع نتمكن فيه معا من العمل علي حل المشكلات المشتركة.
أما فيما يتعلق بمقالي د. نصر حامد أبو زيد (كرسي ابن رشد للإسلام والإنسانيات بجامعة أوترخت للعلوم الإنسانية وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة لايدن)ود. عمرو الحمزاوي (كبير باحثين بمؤسسة كاريغي للسلام الدولي بواشنطن وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) فقد جاءا مؤيدين لما ذهب إليه يوخن هبلر حيث استعرضا نقاطه الرئيسة موضحين ما رمى إليه من أن السياسة عندما تثبت قدرتها علي الإصلاح، عندئذ فقط سيعود الحوار بين الدائرتين الثقافيتين إلي ما كان عليه في فترة ازدهاره: تبادل للأفكار والاختراعات والمهندسين المعماريين والفنانين والأدباء.
الكتاب: الحرب والقمع والإرهاب.. العنف السياسي والحضارة في مجتمعات الغرب والعالم الإسلامي
المؤلف: يوخن هبلر ـ تعليق نصر حامد أبو زيد ـ عمرو حمزاوي
الناشر: معهد العلاقات الخارجية ifa بشتوتجارت
الطبعة الأولي: 2006