ثقافات

كتاب عن الملف القضائي لنجم الشاعر المحرض واخرين سبقوه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سعد القرش من القاهرة- في رأي الكاتب المصري صلاح عيسى أن الشاعر أحمد فؤاد نجم ظل حريصا على دور "الشاعر المحرض" الرافض للانضمام لاي تنظيم وهو ما كان نجم يصر عليه في التحقيقات كلما تعرض لتجربة الاعتقال المتكررة بسبب قصائده.
ويقول عيسى في كتابه (شاعر تكدير الامن العام.. الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم.. دراسة ووثائق) ان نجم كان حريصا على استقلاله كشاعر شعبي وأنه "رفض كل محاولات المنظمات الشيوعية لضمه لعضويتها لكي يكون صوتا لها" وهو ما تسبب في توتر العلاقات بينه وبين هذه المنظمات.
ويصدر الكتاب الذي نشرته (دار الشروق) بالقاهرة في 243 صفحة كبيرة القطع بعد أن تجاوز نجم (78 عاما) أزمة صحية الاسبوع الماضي.
ويعد نجم الشهير بالفاجومي من أبرز شعراء القصيدة ذات الطابع السياسي وشكل مع الملحن والمطرب الشيخ امام عيسى (1918-1995) ثنائيا منذ الستينيات وأزعجت قصائد نجم التي غناها امام السلطات المصرية وأدت الى اعتقالهما في عهدي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات.
ويرصد المؤلف 12 قضية في وثائق التاريخ المصري المعاصر تضم أوراقا قضائية "تتخذ من الابداع الادبي والفني والفكري جسما وحيدا للجريمة" أولها قصيدة لمصطفى لطفي المنفلوطي (1866-1924) اعتبرت طعنا في الذات الخديوية حيث استقبل بها الخديو عباس حلمي الثاني (حكم بين عامي 1892-1914) حين عاد من مصيفه بالاستانة عام 1897 وسجن المنفلوطي بسببها لمدة عام.
ويضيف أنه في عام 1910 صدر حكم بحبس الشيخ علي الغاياتي (1885-1956) لمدة سنة لتأليفه ديوانا شعريا بعنوان (وطنيتي) اتهم بالتحريض "على القتل السياسي وكراهية الحكومة والازدراء بها وتحبيذ الجرائم والعيب في الذات الخديوية".
وحكم على الشيخ عبد العزيز جاويش (1876-1929) بالحبس ثلاثة أشهر لكتابته مقدمة للديوان ثم صدر حكم بحبس الزعيم محمد فريد (1868-1919) ستة أشهر لكتابته مقدمة أخرى للديوان "وقد اتهما كلاهما بتحسين الجريمة التي ارتكبها الغاياتي ونفذا الحكم."
وفي حالة نجم يستند عيسى الى الاوراق القضائية متمثلة في تحقيقات النيابة العامة مع الشاعر بسبب "ما يوصف بأنه قصائده المناهضة" في أعوام 1972 و1973 و1974 و1975 و1977 والتي انتهت بتقديمه في العام الاخير الى محاكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن لمدة سنة لتأليفه قصيدة (بيان هام) التي تتضمن "الاسم الكودي للرئيس (السادات)... (هي) واحدة من عيون الشعر السياسي العربي وأنفذها رؤية وتحليلا لظاهرة الحكم السلطوي الديماجوجي" حيث تتناول القصيدة بيانا مهما يلقيه زعيم الدولة شحاته المعسل من العاصمة (شقلبان) والمعسل في مصر هو التبغ المستخدم في تدخين النرجيلة وهو اشارة الى حالة السكر التي يعانيها زعيم الدولة بطل القصيدة.
تبدأ القصيدة بتقديم المذيع..
"نقدم اليكم-ولا تقرفوش. شحاته المعسل-بدون الرتوش-شبندر سماسرة بلاد العمار-معمر جراسن للعب القمار-وخارب مزارع-وتاجر خضار-وعقبال أملتك أمير الجيوش-ما تقدرش تنكر تقول ما اعرفوش-ما تقدرش أيضا تقول ما اسمعوش. شحاته المعسل-حبيب القلوب-يزيل البقع والهموم والكروب-يأنفس-يأفين-يبلبع حبوب- ويفضل يهلفط ولا تفهموش-وتفهم ما تفهم-دا ما يهمناش-لان انت فاهم-وعامل طناش-ح تنكر وتحلف- ح أقول لك بلاش-ح تتعب دماغنا-وتتعب كمان."
وفي القصيدة يلقي شحاته المعسل بيانا مطولا جاء فيه "أخويا الامير بزرميط الايراني-بعت لي السنة دي-عزمني ودعاني-أنا قبلت طبعا ورحت العزومة-وكانت وليمة-ما تحصلش تاني... ما شفتش هناك ناس بتحقد عليهم-ولا ناس بتشتم فلان الفلاني-لانه اشترى عزبتين من شطارته-وحكمة ادارته... ح يطلع لي عيل-بدون أي حاجة-ويعمل لي فلحس ويقعد يحاسب-دا حقد اشتراكي-أنا ما اقبلوش-ولو هو ابني أنا ما اعتقوش."
ويقول عيسى ان محاكمة نجم بسبب هذه القصيدة التي كان يقلد السادات أثناء القائها فيضحك الحاضرون لم تستغرق أمام المحكمة العسكرية سوى أسبوع وصدر الحكم يوم 25 مارس اذار 1978 بحبسه سنة مع الشغل والنفاذ "نظير ما نسب اليه في تهمتي اهانة رئيس الجمهورية والجهر بالصياح لاثارة الفتن" وظل نجم هاربا من تنفيذ الحكم أكثر من ثلاث سنوات الى أن قبض عليه أثناء حملة طالت مثقفين وصحفيين في سبتمبر أيلول 1981.
ويضيف المؤلف أن نجم كتب عام 1974 أول بياناته في الهجوم على التوجهات الاقتصادية والسياسية للبلاد انذاك. وبعد وصول الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون الى مصر في أول زيارة لرئيس أمريكي للبلاد كتب نجمة قصيدتيه (حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة) و(شرفت يا نيكسون بابا) التي غناها الشيخ امام "واستفزت السلطات المصرية" بسبب ما فسر على أنه سخرية من الرئيس السادات وزوجته جيهان حيث "تحاشت سلطة الاتهام أن توجه الى الشاعر تهمة اهانة رئيس دولة أجنبية حتى قبل عزل نيكسون حتى لا يبدو الامر وكأنها ملكية أكثر من الملك وخاصة أن نيكسون كان يتعرض لحملة صحفية أمريكية شرسة ضده" بعد تفجر فضيحة ووترجيت حين أمر الرئيس الاسبق الجمهوري بزرع أجهزة تنصت في مقر الحزب الديمقراطي المنافس له.
ويقول نجم في بعض مقاطع القصيدة "شرفت يا نيكسون بابا-يا بتاع الووترجيت. عملوا لك قيمة وسيما-سلاطين الفول والزيت-فرشوا لك أوسع سكة-من رأس التين على مكة-وهناك تنفد على عكا- يقولوا عليك حجيت..."
وينقل الكتاب من سجلات نيابة أمن الدولة العليا قول نجم في التحقيق "أسجل أسفي الشديد لان جهاز المباحث العامة قدم في بلاغا للنيابة بأني شتمت نيكسون اللص المنحرف اللي طرده الشعب الامريكي" كما ينقل اعتداد نجم بنفسه في التحقيقات اذ يقول عام 1977 للمحقق "من المعروف أنني شاعر هذا الوطن وأن شعري هو نبض هذا الشعب."
ولد نجم عام 1929 في احدى قرى محافظة الشرقية شمال البلاد وبعد وفاة أبيه قررت الاسرة الحاقه بملجأ خيري للاطفال اليتامى والفقراء يوفر لهم الاقامة ومباديء التعليم والتدريب على بعض الحرف.
ويقول المؤلف ان نجم ظل بالملجأ تسع سنوات ثم عمل ببعض المهن الى أن عين بوزارة المواصلات ثم قبض عليه عام 1960 بتهمة الاشتراك مع زميل له في تزوير أوراق حكومية "بأسماء وهمية ليحصلا بمقتضاها على بضائع يبيعانها ويحصلان على ثمنها" وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات تعرف خلالها على كتاب شيوعيين ممن اعتقلهم الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر عام 1959 واستمع نجم منهم الى قصائد لشاعر العامية المصرية البارز فؤاد حداد الذي كان في معتقل اخر.
ويضيف أن موهبة نجم الذي بدأ يكتب الشعر في الثانية والثلاثين لفتت انتباه ضباط السجن فشجعوه ونظموا له أمسيات شعرية ونشرت قصائده في مجلة كانت تصدرها مصلحة السجون وأقنعه أحدهم بالاشتراك في احدى المسابقات فجمع قصائد ديوانه الاول (من الحياة والسجن) وتقدم به الى المسابقة فأوصت الدكتورة سهير القلماوي بنشره وكتبت له مقدمة.
ويقدم نجم منذ سنوات على قناة دريم الفضائية المصرية الخاصة برنامج (يعيش أهل بلدي) وهو مأخوذ من عنوان احدى قصائده. وظن مثقفون أنه استغنى به عن الشعر لكنه عاد للظهور في مظاهرات تنظمها حركة (كفاية) التي ترفع شعار "لا للتجديد (للرئيس حسني مبارك 79 عاما) لا للتوريث (لابنه جمال").
وعاد نجم الى مشاغباته في السنوات الاخيرة حيث كتب قصائد ساخرة منها (ألف سلامة لضهر سيادتك) بعد أن أغشي على مبارك خلال القائه كلمة في مجلس الشعب في نوفمبر تشرين الثاني عام 2003. وأجريت له جراحة في الظهر في ألمانيا في يونيو حزيران عام 2004.
وكتب أيضا قصيدة (عريس الدولة) بعد اعلان خطوبة جمال مبارك عام 2006 ويقول في مقطعها الاخير "يا عريس الدولة-افرح واتهنى-ما احناش كارهينك- لكن هارشينك-ح تكمل دينك-وتطلع دينا".
وفي نهاية أغسطس اب الماضي اختارت المجموعة العربية في النداء العالمي من أجل مكافحة الفقر نجم ليكون ناطقا في المحافل الدولية باسم فقراء العالم العربي وسفيرا لفقراءالعالم الى جانب الزعيم الافريقي نلسون مانديلا.
وقال نجم بمناسبة اختياره بسخريته المعتادة انه سيشكل حكومة عالمية من وزرائها السيد المسيح وعلي بن أبي طالب القائل "لو كان الفقر رجلا لقتلته" وأبو ذر الغفاري القائل "اذا جاع أحد فلا أمان".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف