ثقافات

الطهطاوي‏..‏ سارق النار‏!‏

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


في ذكري حافظ وشوقي:
بقلمrlm; :rlm; أحمد عبدالمعطي حجازي

كل إنسان يتبع دينه لا يشاركه في ذلك أحدrlm;!rlm;في ذكري حافظ وشوقي نتذكر انفسناrlm;،rlm; ونراجع تاريخنا الحديث كلهrlm;،rlm; بما تحقق فيه ومالم يتحققrlm;،rlm; ماكسبناه فيه وما خسرناهrlm;.rlm; فحافظ وشوقي وجهان مشرقان من وجوه هذا التاريخ الذي نهضنا فيه من نوم طويلrlm;،rlm; واستعدنا وعينا بأنفسنا وبالعالم بما نحن فيه وما ينبغي ان نصير اليهrlm;.rlm;

حافظ وشوقي ليسا مجرد شاعرين نقرأ لهما كما نقرأ لشاعر لايربطنا به إلا الشعرrlm;،rlm; ولم يقتصر همهما علي نظم قصائد جيدة يضيف بها كل منهما اسمه الي قائمة الشعراء المجيدينrlm;،rlm; وإنما وحد كل منهما بين صوته وصوت بلاده التي سكتت طويلا أو أرغمت علي السكوتrlm;.rlm;

والشاعر المجيد في كل الأحوال لابد ان يتجاوز نفسهrlm;،rlm; وأن يتوحد بغيرهrlm;،rlm; والا فشعره يخصه ولايهم سواهrlm;،rlm; فاذا اضاف الي وعيه بشروط الجودة الفنية وعيه بمطالب عصره وشروط وجوده اصبح شاعر النيلrlm;،rlm; كما استحق حافظ ان يلقبrlm;،rlm; وامير الشعراء كما استحق شوقي أن يكونrlm;.rlm; من هنا تحل ذكري الشاعرين فنتذكرهما ونتذكر من سبقوهما من آباء النهضة ومن لحقوهما من ابنائهاrlm;.rlm;

ولقد رأينا أن الذين ينكرون شاعرية حافظ وشوقي لايقفون عند هذا الحدrlm;،rlm; بل ينكرون معهما البارودي وغير البارودي ممن سبقوا ولحقواrlm;،rlm; ثم يشتطون اكثر فينكرون النهضة المصرية كلهاrlm;،rlm; كتابها وشعراءها من الطهطاوي الي الأفغاني ومحمد عبدهrlm;،rlm; ومن البارودي الي أحمد زكي ابو شادي وابراهيم ناجيrlm;،rlm; ثم يطلقون لانفسهم العنان فينكرون النهضة العربية كلهاrlm;،rlm; لأنها كانت في رأيهم استعادة للقديم وتكرارا لهrlm;.rlm;

وسوف نري أن هذه الاحكام ليست إلا اقوالا مرسلة لاتقوم علي اساس ولاتثبت لمناقشة جادةrlm;.rlm; اولا لأن النهضة اوسع واغني من أن تختصر في عمل او بضعة اعمال لمؤلف او بضعة مؤلفينrlm;.rlm; والذي يريد ان يتحدث عن النهضة المصرية محتاج لأن يلم بما كتبه الذين ظهروا فيها وهم عشرات بل مئات من الشعراء والعلماء والكتاب والمفكرين والفنانين الذين يتفقون في جانب ويختلفون في جوانبrlm;.rlm;

ثم ان الحديث عن النهضة لايستقيم إذا اكتفينا بقراءة ماكتبه هؤلاءrlm;،rlm; وإنما ينبغي ان نضع كلا منهم في مكانه من تاريخ بلاده ومما حققه المصريون عامة خلال القرنين الأخيرين في كل المجالاتrlm;.rlm;

وفي اعتقادي أن قارئا جادا لهذا التاريخ بكل ماتحقق فيه لايمكن أن يخرج بهذه الأحكام التي قد تكون تعبيرا عن أمزجة حادة أو ردود أفعال عصبية للتطورات السياسية العنيفة التي شهدتها مصر والمنطقة العربية عامة في النصف الأخير من القرن الماضيrlm;.rlm; وسوف نختبر معا هذه الأحكامrlm;،rlm; ونعرضها علي مابين أيدينا من النصوص والوقائع الثابتة لنميز منها بين الصحيح والفاسدrlm;.rlm;

هل صحيح أن الطهطاوي كان منغلقا علي الصعيد الدينيrlm;،rlm; وأنه لم يضف شيئا جديدا إلي الموقف التوفيقي الذي وقفه الفلاسفة العرب القداميrlm;،rlm; وأكدوا فيه الوحدة بين الدين والفلسفة كما يقول الشاعر السوري أدونيس في كتابه صدمة الحداثةrlm;!rlm;

وقد اعتمد أدونيس في هذا الحكم علي كتابين من كتب الطهطاوي هما تخليص الابريز في تلخيص باريز ومناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصريةrlm;،rlm; فهو يستشهد بهما ويقول انهما كتاباه الأساسيانrlm;.rlm; ولاشك أن هذين الكتابين من أهم مؤلفات الطهطاويrlm;،rlm; لكن الطهطاوي له مؤلفات أخري لاتقل أهمية عنهماrlm;،rlm; ومنها المرشد الأمين للبنات والبنين الذي صدر في آخر عامrlm;1872rlm; قبل وفاة الطهطاوي بشهور قليلةrlm;،rlm; فهو من كتبه الأخيرةrlm;،rlm; التي تعكس فكره بعد اكتمال نضجه كما يقول الدكتور عماد أبوغازي في تقديمه لهrlm;.rlm; وحسبنا أن نقرأ ماجاء في هذا الكتاب عن حق المرأة في أن تتعلم وحقها في أن تعمل لأن التعليم يزيد هن أدبا وعقلا كما أنه يمكن المرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطي من الأشغال مايتعاطاه الرجالrlm;.rlm; وهذا من شأنه أن يشغل عن البطالةrlm;،rlm; فان فراغ أيديهن من العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويلrlm;.rlm; وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمة عظيمة في حق النساءrlm;.rlm;

وكان الطهطاوي قد تعرض من قبل في تخليص الابريز لمسألة خروج المرأة واحتجابها وعلاقة ذلك بالعفة فقال إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لايأتي من كشفهن أو سترهنrlm;،rlm; بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسةrlm;،rlm; والتعود علي محبة واحد دون غيرهrlm;،rlm; وعدم التشريك في المحبةrlm;،rlm; والالتئام بين الزوجينrlm;.rlm;

هذا الكلام يقوله الطهطاوي وينشره علي الناس قبل مائة وسبعين سنة حين كانت أسواق الرقيق في القاهرة لاتزال منصوبة عامرةrlm;،rlm; وكان للرجل أن يملك ماتستطيع أن تملكه يمينه من الجواري الشركسيات والروميات والحبشياتrlm;!rlm;

والطهطاوي لم يكتف بأن يقولrlm;،rlm; بل قال وفعل فجاء فعله مصدقا قولهrlm;.rlm; إذ وجد من العدل ألا يتزوج الرجل الشريف إلا امرأة واحدة فكتب تعهدا حرره بخط يده عند زواجه من ابنة خاله كريمة الأنصاري أنه يبقي معها وحدها علي الزوجية دون غيرها من زوجة أخري أو جاريةrlm;!rlm;

كم رجلا مصريا يتاح له الآن ما كان متاحا للطهطاوي لكنه يلتزم نبل الطهطاوي وعدله؟ بل نحن نري أن وضع المرأة المصرية يتراجع هذه الأيام بعد أن خطت خطوات واسعة إلي الأمامrlm;،rlm; وأن الرجل ينظر إليهاrlm;،rlm; وأنها تنظر إلي نفسها كأنها مجرد جسد مثيرrlm;،rlm; وأن الفنانات يعتزلن الفنrlm;،rlm; وترتفع الأصوات من جديد تطالب المرأة بالتزام البيتrlm;!rlm;

هذا الموقف من المرأة لم يكن إلا تعبيرا عن روح جديدة هي روح النهضة التي يمثلها الطهطاوي ويعبر عنها في كل ما تعرض له من قضايا السياسة والمجتمع والوطن والعالم والعلم والدينrlm;.rlm;

لقد ذهب الطهطاوي إلي باريس إنسانا وعاد إنسانا آخرrlm;.rlm; ذهب شابا في الخامسة والعشرين من عمره لم يتح له من العلم إلا ما كان يدرسه المصريون في الأزهر من علوم اللغة والدين بعد أن أصبحت هذه العلوم نصوصا ميتة معزولة عن الحياةrlm;،rlm; وعاد بعد خمس سنواتrlm;،rlm; وقد أتقن الفرنسية واغترف من ثقافتها الأدبية والعلمية والفلسفية ما تجاوز به حدود طالب العلم ليصبح رائد نهضة ومبشرا بعصر جديدrlm;.rlm;

والذين يقرأون الطهطاوي ليجدوا فيما يقول شواهد يؤيدون بها آراءهم السلبية المسبقة فيه وفيما يمثله لا يقنعوننا ولا يخدعون إلا أنفسهمrlm;.rlm; والطهطاوي لا يعرف بعبارات مقتطفة من كتاب له أو كتابينrlm;،rlm; وإنما يعرف بمسيرته كلهاrlm;،rlm; وهي مسيرة حافلة بالتحولات العميقة والانقلابات المزلزلةrlm;.rlm; وحسبك أن تفكر فيما تعرض له هذا الشيخ الشاب وهو يقرأ فولتير اللاأدريrlm;،rlm; ويتتبع مع مونتسيكو نظم الحكم المختلفةrlm;،rlm; ويتأمل ما شرحه روسو في كتابه العقد الاجتماعيrlm;.rlm;

انقلاب حقيقي بدأه الطهطاوي بالدروس المنتظمة التي كان يتلقاها في اللغة الفرنسية والتاريخ والجغرافيا والحساب والهندسةrlm;،rlm; حتي أصبح قادرا علي أن يقرأ في السياسة والعلم والفلسفةrlm;،rlm; ثم يرجع إلي بلاده ليعيد تثقيفها كما أعاد تثقيف نفسهrlm;،rlm; ويرفعها فوق كاهله يعبر بها القرون حتي يضعها في العصور الحديثةrlm;.rlm;

ولقد بدأ فذكر المصريين بأنهم أمة لها تاريخها العريق وحضارتها الباذخةrlm;،rlm; وحقها في أن تتحرر وتتقدم وتستعيد ما كان لها في ماضيها المجيدrlm;.rlm; ولا يخفي علي ضمائر أولي البصائر وخواطر أهل الفضل الباهر أن مصر نازعت قدماء الأمم في الأقدميةrlm;،rlm; فسلموا لها أنهم دونها في مرتبة الأهميةrlm;،rlm; وإن لم تسبقها آية في سبيل التمدنيةrlm;،rlm; ولا في حومة تقنين القوانين وتشريع الأحكام المدنيةrlm;...rlm; وهو لا يكتفي بأن يتحدث عن مصر كمؤرخ كما فعل في كتابه أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيلrlm;،rlm; وإنما يتحدث عنها أيضا كشاعر مشبوب العاطفةrlm;!rlm;
لمصرنا سالف المزية
قد مدنت سائر البرية
منها أثينا غدت ملية
بحكمة قصرها مشيد
هذه التذكرة كانت نقلة جوهرية في الوعي المصري الحديثrlm;.rlm; إذ كان المصريون قد نسوا بعد عشرين قرنا أو أكثر من استعباد الأجانب لهم واحتلالهم بلادهم أنهم أمةrlm;.rlm; وربما جعلتهم عواطفهم الدينية يرضون بإلحاق أنفسهم بالغزاة الذين يشاركونهم انتماءهم الدينيrlm;،rlm; حين كان الانتماء الديني مقدما علي الانتماء الوطنيrlm;.rlm;

فإذا كان المصريون مصريين لأنهم يعيشون حياة مشتركة في وطن واحدrlm;،rlm; وليس لأنهم أو لأن معظمهم يدينون بدين واحد فمعني هذا أن روابطهم ومصالحهم الدنيوية هي التي تجمع بينهمrlm;،rlm; أو قل إنها حقوقهم الطبيعية التي يتمتعون بها لأنهم بشر ولأنهم مواطنون فأخوة الوطن لها حقوق كما يقول الطهطاوي في مناهج الألبابrlm;،rlm; فمن حق المصريين إذن أن يكونوا أحراراrlm;،rlm; وأن يعملوا ويجنوا ثمار عملهمrlm;،rlm; وأن ينعموا بالأمنrlm;،rlm; وأن يثوروا علي من يستبد بهم وينفرد دونهم بالسلطة ويعتدي علي أي حق من هذه الحقوقrlm;.rlm;

صحيح أن الطهطاوي لم يصرح بحق المصريين في الديمقراطية وفي مقاومة الطغاة لأن الوعي الوطني كان في بدايتهrlm;،rlm; ولأن الشروط التي كان يعمل في اطارها كانت تفرض عليه في هذه المسألة أن يلجأ للتلميحrlm;،rlm; وإن بلغ التلميح أحيانا كثيرة حد التصريحrlm;.rlm; هكذا اجتهد في وضع المباديء والمقدماتrlm;،rlm; وألح في التعبير عنهاrlm;،rlm; وشرحها باستفاضةrlm;،rlm; واثقا بأنها ستصل بنا لا محالة إلي نتائجها المنطقيةrlm;،rlm; لأن الوطني ـ يقصد المواطن ـ يتمتع بحقوق بلدهrlm;.rlm; وأعظم هذه الحقوق الحرية التامة في الجمعية التأنسيةrlm;،rlm; ولأن حقوق الإنسان واحدةrlm;،rlm; وما يصح في فرنسا يصح في مصرrlm;،rlm; وما يستحسنه العقل هناك يستحسنه العقل هنا ويستحسنه الدين أيضاrlm;.rlm; والعدل ـ كما يقول ـ أساس العمرانrlm;.rlm;

والطهطاوي يترجم الميثاق الدستوري الفرنسي ويعلق عليه فيحدثنا عن حق المواطن في أن يختار حكومتهrlm;،rlm; وأن يعتنق الدين الذي يشاءrlm;،rlm; وأن يفكر بحرية ويعبر عن رأيه بحريةrlm;.rlm; كل إنسان موجود في بلاد الفرنسيس يتبع دينه كما يحبrlm;،rlm; لايشاركه أحد في ذلكrlm;،rlm; بل يعان علي ذلك ويمنع من يتعرض له في عبادتهrlm;.rlm; وهو يعلق علي هذه المادةrlm;،rlm; وهي المادة الخامسة في الميثاق قائلاrlm;:rlm; إنها نافعة لأهل البلاد والغرباءrlm;.rlm; أما المادة الثامنة فتنص علي حرية الرأيrlm;.rlm; وقد ترجمها الطهطاوي هكذا لايمنع إنسان في فرنسا أن يظهر رأيه وأن يكتبه ويطبعه بشرط ألا يضر ما في هذا القانونrlm;.rlm; ثم يعلق قائلا إنها تقوي كل إنسان علي أن يظهر رأيه وعلمه وسائر مايخطر بباله مما لايضر غيرهrlm;،rlm; فيعلم الانسان سائر ما في نفس صاحبهrlm;،rlm; خصوصا الورقات اليومية ـ أي الصحف ـ المسماة بالجورنالات والكازيكاتrlm;.rlm;

وجدير بالذكر أن الطهطاوي كان شاهد عيان علي الثورة التي اشتعلت في باريس وفي فرنسا كلها سنةrlm;1830rlm; علي الملك لويس فيليب حين ضاق ببعض ما كانت تنشره الصحف آنذاك فأصدر أمره بفرض الرقابة عليها دون أن يرجع للبرلمان أو يتقيد بالنصوص الدستورية التي تضمن حرية التعبير فصنع وحده ـ كما يقول الطهطاوي ـ مالاينفذ إلا إذا كان صنعه مع غيره أي أن الملك خرج علي الدستور فأصبح من حق الأمة أن تقاومه وتثور عليهrlm;.rlm;

هكذا كان الطهطاوي يتحدث عن فرنسا ويوجه خطابه للمصريين داعيا للديموقراطية مبشرا بالدستور وحقوق الانسان حتي أثمرت في النهاية جهوده فانعقد سنةrlm;1866rlm; مجلس شوري النواب الذي كان له أن يقدم المشورة لحكومة الخديو اسماعيل دون أن يكون له الحق في مساءلتهاrlm;،rlm; لكنه كان خطوة أولي في الطريق الطويل الذي قطعه المصريون ولايزالون للوصول الي ديموقراطية حقيقيةrlm;.rlm;

فاذا كان الطهطاوي هو أول خيط أبيض يشق ظلمات القرونrlm;،rlm; وأول صوت واثق يخرج بعد هذا الصمت المطبق فهو ليس مجرد وجه من وجوه النهضة وإنما هو رائدهاrlm;.rlm;

لقد ظل يكدح خمس سنوات في فرنسا ليلم بشيء مما حققه الأوروبيون في خمسة قرونrlm;.rlm; ولقد عاد إلينا يهز لغتنا التي كانت قد ماتت أو غابت عن الوعي ويحايلها لتقبل الدخول في هذا الحوار المرهق وتوسع صدرها لأمثال فولتيرrlm;،rlm; ومونتسكيوrlm;،rlm; وروسوrlm;،rlm; وفينيلونrlm;،rlm; ومالت برانrlm;،rlm; وجومارrlm;،rlm; وبور لاماكيrlm;،rlm; ودوبنجrlm;،rlm; وفيرارrlm;،rlm; وليجاندر وسواهم من الفلاسفةrlm;،rlm; والمؤرخينrlm;،rlm; والجغرافيينrlm;،rlm; والرياضيينrlm;،rlm; والعسكريينrlm;.rlm;

والمجال لايتسع لحديث مفصل عن المفاهيم الجديدة التي أدخلها الطهطاوي في اللغة العربية وعن المصطلحات التي سماها بهاrlm;.rlm; وهذا وحده إنجاز ضخم خرجت به لغتنا وخرجنا معها من الموت الي الحياةrlm;،rlm; وقفزنا من عالم القرون الوسطي إلي هذا العالم الذي نعيش فيهrlm;،rlm; والفضل للطهطاويrlm;.rlm;

بدون الطهطاوي لم يكن ممكنا أن تظهر هذه الأجيال من المثقفين المصريين الذي حملوا الأمانةrlm;،rlm; بعده من أمثال محمد عبدهrlm;،rlm; وحسين المرصفيrlm;،rlm; ومحمود سامي الباروديrlm;،rlm; وعبدالله النديمrlm;،rlm; وسعد زغلولrlm;،rlm; وأحمد لطفي السيدrlm;.rlm; الصحف الوطنية التي بدأت تظهر في ستينيات القرن التاسع عشرrlm;،rlm; والأحزاب السياسية التي بدأت تتشكل والمدارس العلياrlm;،rlm; ومدارس البناتrlm;،rlm; والمسارحrlm;،rlm; ودار الأوبراrlm;.rlm; الطهطاوي الصعيدي الأزهري هو الذي يتحدث باحترام عن فن الرقص كما عرفه في فرنسا فيقول الرقص عندهم فن من الفنونrlm;.rlm; وقد أشار إليه المسعودي في تاريخه المسمي مروج الذهبrlm;.rlm; فهو نظير المصارعة في موازنة الأعضاء ودفع قوي بعضها إلي بعض فليس كل قوي يعرف المصارعةrlm;،rlm; بل قد يغلبه ضعيف البنية بواسطة الحيل المقررة عندهمrlm;.rlm; وما كل راقص يقدر علي دقائق حركات الأعضاءrlm;.rlm; وظهر أن الرقص والمصارعة مرجعهما شيء يعرف بالتأملrlm;.rlm; الرقص إذن تفكيرrlm;.rlm; هل أتيح للسادة الذين زعموا أن الطهطاوي منغلق من الناحية الدينية أن يقرأوا هذه السطور؟ فبأي حق إذن يتهمونه بالانغلاق؟

يقولون إنه لم يقطع مابينه وبين ثقافته التقليدية الموروثةrlm;،rlm; وإن جهوده انصبت علي التوفيق بين الحضارة الغربية الحديثة والاسلامrlm;.rlm;

ولاشك أن الطهطاوي ظل وفيا لعقيدته الدينيةrlm;،rlm; لكن وفاءه لثقافته الجديدة لم يكن أقل كما رأيناrlm;..rlm; ومن هنا كان عليه أن يوفق بين ما ورثه من ماضيه وما تعلمه في فرنساrlm;.rlm; وهل كان هناك طريق آخر؟

من المؤكد أن القطيعة التي يدعو لها البعض لم تخطر للطهطاوي علي بالrlm;،rlm; أولا لأنها مستحيلةrlm;،rlm; فكيف يفر المرء من نفسه؟ كيف يخرج من انتماءاته ووراثاته التي تشكل وعيه بوجوده؟ يراجعها نعم ويعدلها ويضيف إليهاrlm;،rlm; لكن دون أن يقطع مابينه وبينها وإلا فتلك هي العدمية وهذا هو الانتحارrlm;.rlm;

ثم إن هذه القطيعة غير مفيدة بالنسبة للطهطاوي الذي لم يكن مجرد مثقف مشتغل بالتنظير باحث عن النقاء المذهبيrlm;،rlm; وإنما كان صاحب مشروع يسعي لتحقيقه في الواقعrlm;،rlm; فهل كان بوسع الطهطاوي أن يخاطب المصريين ويقنعهم بما يدعوهم إليه إذا تركهم يشكون في عقيدته ويسيئون الظن فيه؟

هذا الهاجس لابد أنه كان يؤرقهrlm;،rlm; فالمتزمتون من شيوخ الماضي كثيرون يشعرون بالأرض تنسحب من تحت أقدامهمrlm;،rlm; والطهطاوي طالع عليهم من زمنه الجديدrlm;.rlm; والسلطة القائمة لاتتسامح مع من يحرض عليها أو يشكك في شرعيتهاrlm;.rlm; والطهطاوي رجل فرد لايملك إلا وظيفته التي انتدبته لها هذه السلطةrlm;،rlm; فمما يمكن فهمه أن يجد نفسه مضطرا بين الحين والحين لأن يقدم ماينفي التهمة ويؤكد الولاءrlm;.rlm;

إنها اللعنة التي تطارد المثقفين المصريين والعرب أجمعين أن يعملوا لدي السلطة التي يقاومون طغيانهاrlm;،rlm; ويحتموا بالقوي التي يريدون أن يستقلوا عنهاrlm;.rlm;
غير أن تنازلات الطهطاوي ليست شيئا إذا قيست بانجازاته الباهرةrlm;:rlm;
لقد سرق لنا النارrlm;!rlm;

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف