ثقافات

أساطير: قـَصٌ بـَرقي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيان: للتعبير سرعتُهُ؛ طرقُه الأقصر إلى الهدف. وللسرد ميتافيزيقيتُه التي بها يحيا النثر. قـَصٌ برقي: ليس قصة قصيرة جدا، ولا قصيدة نثر، ولا أمثولة. إنه كل هذا مجموعا: قص بلا زوائد، نثر مجرّد، وغرضية ليست مقصودة. الحكمة في مكان آخر!
قصٌّ برقي هو التدوين المفاجئ، برؤوس أقلامٍ، ما يَطرأ على شاشة الذهن من أحداث غالبا ما يضيع خيطها في الإنشاء. إنّه الرواية جنينا: بلا بداية، ووسط ونهاية.
ليس للقص البرقي شكل ثابتٌ: فهو جملة واحدة، أو عدة جُمَل. إنّه إنيَّةُ السرد؛ أي ما هو موجود في ذاته immanentisme.
وباختصار: قصٌ برقي بكل ما تحمل هاتان الكلمتان من معان انزياحية.


مطاردة

لم يستطع التوقف ليفكر في الأمر. كانوا خلفه. وليس أمامَه سوى مسافات طويلة للعبور إلى الناحية الأخرى من المضيق. كان يجلس من حين لآخر. لم تستحوذ عليه غيرُ فكرةٍ واحدة هي أن يركض. كانوا خلفه، ويدُ كلّ واحدٍ منهم على مقبض خَنجره. وعندما انتصف الليلُ، أضاءهم القمرُ إليه.


نهاية حب

السريرُ نفسُه، منضدة صغيرة مستديرة فوقها مصباح يلقي ظلا مجسما على جدران الغرفة التي أخذ لونُها يميل إلى الصفار الباهت. النافذة لم تـُفتح منذ وقت طويل. وكانت هناك زهرة تتصارع والذبول. لا احد من الجيران ساوره الإشتباه بأن الأرواح الباردة تركض في السهول.


زمن ضائع

كنا كلنا، ننفق معظم أوقاتنا في صالات السينما: بساط سحري يحلّق بنا فوق الأرض. ينزل بنا من أعلى أعالي السماء إلى أسحق نقطة في قاموس المحيطات، او من آخر كوكب مستقبلي إلى وهاد الماضي حيث نرى بأم عيننا موسى وهو يَشقّ البحرَ بعصاه، أو نيرون وهو يحرق روما، أو المسيح والمسمار يُثبّت على يديه ورجليه، فينتشر الرعدُ وتهطل الأمطارُ وتحلّ الظلمات. كان لكل منّا شريطٌ في رأسه وامثولةٌ يتعلم منها. لكن... كل هذا انتهى وكأنه لم يكن. قط.


إنسيان

شعرَ أنه سمعَ صوتا على الجانب الآخر من النهر.صعد إلى زورقه وجدّفباتجاه المنسي. وحين وصل اكتشف أن الصوت لم يعد هناك. لبث مكانه متأملا رجعَ الصدى الخارج من أعماق حنجرته، يرفعه دولابٌ تحرّكه مياه المنظر الرهيفة.


ليل القصيدة

لم يدر أن الشواطئَ تضحكُ خلف الأبواب، وأن القصيدةَ التي لم يجد لها العنوان المناسب ستبحث عنه هناك. ثمة حرب بين الكلمات في هذا الهزيع الأخير من الليل: ما من كلمة واحدة تقبل الجلوس قرب أخرى. رمى القلم جانبا، وانطرحَ فوق الذكريات. كان الإعياء قد نال منه. استغرق في نوم تتلاطمه ملايين الصور. ولما استيقظ رأى حياتَه أوراقا مُـكدّسةً في جارور.


أروي لكم الآن ما حدث

كنا في تلك الليلة، شأننا في كل الليالي السابقة، ننتظر مجهولا يروي لنا حكايةً غريبة. لم يدخل غيرُ شخص مصابٍ بحركة تشنجٍ عصبية، تهاوى على مقعد مركون في زاوية قرب الطاولة. وحين همّ بالكلام، أنطفأ المصباح الوحيد الذي كان يغمرنا بنوره. وعلى حين غرة رأينا في العتمة شبحا أبيض يدلفمن الباب ويخطو نحونا مُهمهما بإعجاب واشتهاء. تملكنا خوفٌ غامض بحيث ندّ النوم عن أجفاننا. "يا لها من حكاية رهيبة"، أخذنا نردد.. وكل واحد منا ينحني نحو الأخر كأنما يريد أن يستل أنفاسه.


خندق

"كم سنة انقضت؟"، سؤالٌ لم يستطع الجواب عنه. سقطت دمعة من عينه اليمنى، لما تبيّن، في صورة أخرجها من جيبه، وجه طفل بين ذراعي أمه! هرع الجنود إليه، من ناحية التل الأخرى... وجدوه مفتوح العينين، مبلل الوجه بالدم.


ميول مزدوجة

باكرا، أنهض من النوم. أدخل الحمّام. أفطر. أتّزِرُ أمام المرآة: هذيانٌ ينطبعُ على صفحتها، يستوقف نظري: الشارع الذي اقطعه كلَّ يوم، الكتاب الذي لم انته منه، المطبخ، السجادة، الباب، الكل ينهض مثلما أنهض كل صباح ومثلما أركض وراء وجه مجهول في نفق معلوم... وشيئا فشيئا أعثر، في مُسْتهلِ الاشتباه، على توازني.

ارتفاع

غارق في غمر الغيوم وكأن فكرة تدعوني إلى السفر. أتذكر بودلير. ثمة نوافذ تُفتح، يتسرب منها ضوء ملوّن. الطير يمرق في السماء، أراه منعكسا على زجاج النافذة. أدير ظهري، أرى شيئا لا أفهمه.خطالطائرة الأبيضيشوّه الإيقاع. كل غيمة تنقشع إلى أخرى. كل غيمة تأكل أخرى. كل مداخن النظر تمركزت في كبد الفضاء. ساعات أقضيها في الشرفة، متطلعا إلى كتل الغيم. الشكل يتصاعد، يهبط، يختفي سحابا في قرار الأبد، رمادا في قبة الفكر الزرقاء. كم أنظر إلى هذي القمم حيث يَتَوطْوَطُ العالم على مدى البصر، يَنهَد إلى قبب الظلمات.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
قصص، حقا
عالي -

ما كتبته قصص فعلا، ولكن البيان زيادة لا معنى لها فهذه الطريقة في الكتابة معروفة من قديم تحت اسم القصة القصيرة جدا

ايقاع مبتكر
احمد -

بوركت ديباجتك، شيءٌ جديد ما تطرحه، لغةٌ باذخة تعتمد الأقتضاب في السرد، وايقاع مكثف، تحاول أن تعبّر عن رؤى ثرة متشعبة باختصار، بعيداً عن الترهل والفضفضة، صياغة لا ترهق القاريء لكنها تنهك الصانع، أنتَ ترسل أشاراتك المعرفية خلل خرم الأبرة ، ان جاز التعبير، لك محبتنا أيها الحارث في متن الحداثة.النص غير واضح آملاً تصويبه.............................................................................................................................................من المحرر: ماذا تقصد بالنص غير واضح، حتى نبلغ رئيس قسم الثقافة ولك جزيل الشكر.

الى عالي
صفاء -

معم قصة قصيرة جدا فن معروف منذ سنوات طوال.. لكن هنا التسمية قص برقي شيء جديد ويميز ما منشور هنا عن قصة قصيرة جدا، والبيان يوضح هذا. انا مع فكرة البيان لأنه ايضاحي ويدفع الى التأمل والتفكير: ما الفرق فعلا بين قصيدة النثر التي عمل الجنابي لها ملفا في ايلاف، والقصة القصيرة جدا، والأمثولة؟

نصوص رائعة
محمود علي -

سمها ما شئت ، إنها نصوص رائعة ، هي شعر خالص وقص خالص وحكمة خالصة ، هي بالنهاية فن خالص ، أيها الجميل أسعدنا بالمزيد أرجو

نصوص
لنا عبد الرحمن -

أحببت جدا العنوان ;قص برقي; والفكرة المعبرة عنه،في وجهة نظري ان النصوص التي تتكون الان في هذه المرحلة من تاريخ الكتابة العربية تحمل هويتها المختلفة والخاصة،نص ليس ;قصة; ولا;قصيدة; ليس رواية ولا نثر،ربما اعترافنا بوجود هذا النوع من النصوص يساعد اكثر على تحررنا من المسميات،من اخضاع النص لكلمة ;يجب; اي يجب ان يحمل كلمة تعرف عنه تضمه الى ;النوع ليكون هذا او ذاك...احببت جدا مقدمتك في تعريف النصوص،تحياتي وتقديري لكلماتك العذبة المنسابة كينبوع جبلي،أشكرك جدا على ترجماتك التي تفاجئنا بها،والرائعة دوما.

القص البرقي
حسين سليمان -

الاستاذ عبد القادر الجنابي لقد فهمت من البيان أن الدينامية هي بين القلم والفكرة فإن لحق القلم الفكرة كان بها، دونها على الورق وإن لم يلحق حدث هناك فجوات في النص والفجوات هي حالة فنية أخرى. هذه الطريقة إن شاعت فسيكتب فيها ما هب ودب ولها خطورتها كما القصيدة الحديثة التي امست بشعرائهاالجدد عبئا على الأدب. البيان يفتح ابوابه للمقبل الملاك مرتديا لباس الفقر كي يتوهم الكثيرون بإنهم قادرون على احتوائه.

نصوص جيدة
عالي -

حقا أن مسأتة التسمية قد لا يتفق عليها أما النصوص فجيدة ما أريد أن أطالب به هو أن تخلصونا من الإطارات الصفراء التي تسجن القصائد في إيلاف أهنئ الجنابي لكونه حرر نصوصه من هذه الأقفاص

قص برقي بامتياز
صبري يوسف -

المبدع عبدالقادر الجنابي،تحيّة: النصوص القصية البرقية، التي قرأتها راقية، تتناغم مع انسيابية قصيدة النثر والقصة القصيرة جدّاً، وبهاء النص كنص مستنبط من وهج الذاكرة اليقظة، سواء كانت النصوص من وحي اللحظة أو من وحي الخيال أو وحي الذاكرة البعيدة أو القريبة، المهم انها نصوص في غاية التكثيف والتدفق ولانسيابية والبهاء!حبذا لو لم تدون، عبارة: الهزيع الأخير من الليل! فهذه الجملة الجاهزة كانت نافرة في سياق القص البرقي، وهكذا جمل تتطلب إدخال عبارات جديدة في سياقها لكسر جاهزيتها، أنتَ المعروف بالولوج في بواطن اللغة واللغات كيف فاتكِ هكذا عبارة جاهزة لا يعتمدها إلا من ليس له ذخيرة شعرية سردية قصصية، بينما أنتَ قامة سامقة في بناء اللغة وتقنياتها!أحييك على ما قدمته وتقدمه من فن جميل وترجمات راقية! صبري يوسف ـ ستوكهولم

قص برقي بامتياز
صبري يوسف -

المبدع عبدالقادر الجنابي،تحيّة: أحييك على ما قدمته وتقدمه من فن جميل وترجمات راقية! ولكن لي عتب بسيط، بسيط جداً وربما مهم وربما لا، بحسب ما تراه ويراه غيركَ! أراك تنشر يا صديقي بين الحين والآخر قصائد في إيلاف غير جديرة بالنشر ولا ترقى إلى مستوى أن نطلق عليها قصيدة، لا قصيدة نثر ولا قصيدة شبر! فهل تنشر كل ما يردك من قصائد أم أنكَ تغربل ما يمكن غربلته ثم تنشر ماتراه مناسباً، وإذا كنتَ تنشر ما تراه مناسباً، فإن الكثير، مما تراه مناسباً للنشر غير مناسب برأيي للنشر لأنه ببساطة ليس شعراً بقدر ما هو صف كلام لا أكثر! والغريب بالأمر أن نجد أحياناً كثيرة قصيدة راقية وبعدها كلام انشائي بعيد كل البعد عن الشعر وبهاءاته وجموحاته، فهل خطر على بالكَ يا صديقي أن تنشر ما يليق بإيلاف أم أنكَ غائص بالترجمة والكتابة والتبويب والنشر مما يجعلك تقفز أحياناً على ما لا يُقفَز عليه وتنشر ما يصلح وما لا يصلح للنشر أحياناً أخرى! مع خالص مودتي وإحتراميصبري يوسف ـ ستوكهولم