ثقافات

رسالة سركون بولص إلى وديع سعادة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

رسالة سركون بولص إلى وديع سعادة
موازنة بين البرد المسموم واليقظة العنيفة

شوقي مسلماني من سيدني: وفاة الشاعر سركون بولص صاحب "الوصول إلى مدينة أين" و"حامل الفانوس في ليل الذئاب" و"إذا كنتَ نائماً في مركب نوح"... أحدثت ارتدادات عميقة في وجدان شريحة واسعة من المثقّفين والأدباء والشعراء في العالم العربي والمنافي، ونتيجة ذلك صدر عدد كبير من المقالات في الصحف والمواقع الألكترونيّة، وكلّها يشيع فيها الألم والفخر في آنٍ معاً: الألم لرحيل الشاعر فجأة بالنسبة للكثيرين، والفخر بمنجزه الشعري المكتنز بالسحر والجواهر، مثلما أُقيمت له احتفالات تأبينيّة في عواصم مختلفة أُلقيتْ فيها الكلمات والقصائد.
وشهِدت سيدني حفلين تأبينيين الأوّل دعا إليه الشاعر أنيس غانم والثاني أشرف عليه الشاعر غيلان. وكان للشموع حضور، وللمسرح منبر تألّق فيه المسرحي المعروف منير العبيدي ورفيقاه "ميركو وباهر" مع عدسة صباح فنجان. وكانت كلمات وقصائد وموسيقى: وديع سعادة، غيلان، أنيس غانم، شوقي مسلماني، عبّاس الحربي، واصف شنون، عباس بوسكاني، ماجد عدّام، موفّق شاوا، أحمد الياسري، مكّي الربيعي، ابن البصرة ونينوس. وقرئتْ مقالة الشاعرة جمانة حدّاد: "أسد آشور الجريح" التي صدرت في النهار البيروتيّة قُبيل ساعتين من وفاة الشاعر وعُقيب نداء من الشاعر عبّاس بيضون لكلّ صوت بأن يلهج باسم سركون بولص. وقرأ الشاعر وديع سعادة رسالة كان الشاعر الراحل قد أرسلها إليه من سان فرانسيسكو سنة 1971:
بولص وسعادة ونبيل مطر في بيروت عام 1968 أخي‮ ‬وديع
لم‮ ‬أنتظر‮ ‬الليل‮ ‬بل‮ ‬تقدمت‮ ‬نحوه‮ ‬وأنا‮ ‬أعرف‮ ‬عدوي‮ ‬وبلا‮ ‬درع‮ ‬أو‮ ‬شهادة‮ ‬أو‮ ‬تردد‮. ‬ولكنني‮ ‬حين‮ ‬دخلتُ‮ ‬كثافته‮ ‬العدوّة‮ ‬كانت‮ ‬يداي‮ ‬ترتجفان‮ ‬وكان‮ ‬عناقي‮ ‬حلماً‮ ‬كهربائياً‮ ‬يعبر‮ ‬على‮ ‬المحيط‮. ‬من‮ ‬حين‮ ‬الى‮ ‬حين،‮ ‬وجهي‮ ‬المعلق‮ ‬في‮ ‬مرآة‮ ‬محاكمة‮. ‬وأنا‮ ‬دائماً‮ ‬قاضي‮ ‬هذا‮ ‬العالم‮. ‬أريد‮ ‬أن‮ ‬أتكلّم‮ ‬مع‮ ‬أصدقائي،‮ ‬لا‮ ‬بل‮ ‬اليهم‮ ‬ولكنني‮ ‬أجدهم‮ ‬في‮ ‬صحراء‮ ‬أخرى‮. ‬أحاول‮ ‬أن‮ ‬أركّز‮ ‬نظري‮ ‬لأرى‮ ‬الملامح‮ ‬ولكنها‮ ‬لا‮ ‬تستطيع‮ ‬أن‮ ‬تقتل‮ ‬قوانين‮ ‬البعد‮. ‬القانون‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬قتلته‮ ‬هو‮ ‬قانون‮ ‬الزمان،‮ ‬ولكن‮ ‬الفضاء‮ ‬ما‮ ‬زال‮ ‬عدواً‮. ‬إنني‮ ‬الآن‮ ‬في‮ ‬المركز‮ ‬والأيام‮ ‬تدور‮ ‬من‮ ‬حولي‮ ‬ككواكب‮ ‬نارية‮ ‬من‮ ‬الاحتمالات‮ ‬والعبر‮ ‬والمغامرة‮. ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬القاعدة‮: ‬الأيام‮ ‬ليست‮ ‬سوى‮ ‬أيام‮.‬
مجرد‮ ‬أن‮ ‬أستلم‮ ‬رسالتك‮ ‬يا‮ ‬وديع،‮ ‬مغامرة،‮ ‬حفلة،‮ ‬عاصفة‮ ‬غجرية‮. ‬لو‮ ‬عرفت‮ ‬ماذا‮ ‬تعني‮ ‬رسالة‮ ‬ما‮ ‬بالنسبة‮ ‬لي‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬القارة‮ ‬المطفأة،‮ ‬ومن‮ ‬صديق‮ ‬من‮ ‬وطني‮! ‬ولكنك‮ هناك‮ ‬أيضاً‮ ‬كالمنفيّ،‮ ‬كما‮ ‬يبدو‮ ‬لي‮. ‬لا‮ ‬تكن‮. ‬أقول‮ ‬لك‮ ‬بكل‮ ‬صوتي‮: ‬لا‮ ‬تكن‮. ‬أخرج‮. ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الطبقة‮ ‬الكثيفة‮ ‬من‮ ‬الجلد‮ ‬التي‮ ‬بنيت‮ ‬حولك‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬تعرف‮: ‬أخرج‮. ‬لا‮ ‬تكن‮ ‬مثقفاً‮ ‬يجمع‮ ‬أقنعة‮ ‬ويقرأ‮ ‬المشهورين،‮ ‬ويفكر‮ ‬بنماذج‮ ‬كأنسي‮ ‬الحاج‮ ‬أو‮ ‬لست‮ ‬أعرف‮ ‬من،‮ ‬أو‮ ‬كامو‮ ‬أو‮ ‬بودلير‮ ‬أو‮ ‬الله‮ ‬أو‮ ‬بوذا‮ ‬أو‮ ‬الشيطان‮: ‬ولا‮ ‬تكن‮ ‬حتى‮ ‬أنت‮! ‬وابصق‮ ‬على‮ ‬المثقف‮ ‬الغبي‮ ‬الذي ‬يحاضرك‮ ‬عن‮ "‬معرفة‮ ‬النفس‮" ‬والبحث‮ ‬عن‮ ‬الله‮ ‬وباقي‮ ‬الخرق‮ ‬الثقافية‮ ‬الاخرى‮. ‬هل‮ ‬فكرت ‬لحظة‮ ‬بأن‮ ‬من‮ ‬المضحك‮ ‬أن‮ "‬نكون‮" ‬شيئاً؟‮ ‬إننا‮ ‬لا‮ ‬نكون‮ ‬شيئاً‮ ‬أو‮ ‬أحداً‮. ‬لأننا‮ ‬هذا‮ ‬الشيء‮ ‬وهذا‮ ‬الأحد‮. ‬ولأننا‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬وكل‮ ‬أحد،‮ ‬من‮ ‬قبل‮. ‬أعتقد‮ ‬انك‮ ‬ستفهمني‮ ‬يا‮ ‬وديع‮ ‬لأنني‮ ‬أعرف‮ ‬ان‮ ‬لك‮ ‬عقلية‮ ‬نظيفة‮ ‬وان‮ ‬دماغك‮ ‬لم "يُغسل" ‬بعد‮ ‬بالرايات‮ ‬الثقافية‮ ‬الشائعة‮ ‬هناك‮ ‬الآن‮. ‬إن‮ ‬ما‮ ‬يجعلني‮ ‬أقول‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬هو‮ ‬غضبي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬أستطيع‮ ‬أن‮ ‬أقاومه‮ ‬حتى‮ ‬هنا‮ ‬حين‮ ‬أفكر‮ ‬بجميع‮ ‬الأفكار‮ ‬الخاطئة‮ ‬التي‮ ‬تتسرب‮ ‬في‮ ‬وطننا‮ ‬وبين‮ ‬مثقفينا‮ ‬عن‮ ‬الفكر ‬الاوربي‮ ‬وعن‮ ‬الثقافة‮ ‬الاوربية،‮ ‬وذلك‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬مجموعة‮ ‬معدودة‮ ‬من‮ ‬الكتّاب‮ ‬المسيطرين‮ ‬على‮ ‬المجلات‮ ‬والذين‮ ‬ليس‮ ‬لهم‮ ‬حق‮ ‬في‮ ‬ذلك‮. ‬أما‮ ‬اذا‮ ‬كنت‮ ‬مخطئاً،‮ ‬فقل‮ ‬ذلك‮ ‬في‮ ‬وجهي ومباشرة‮. ‬ولكن‮ ‬من‮ ‬المضحك‮ ‬أن‮ ‬أبذّر‮ ‬هذه‮ ‬الصفحة‮ ‬كلها‮ ‬في‮ ‬الكلام‮ ‬على‮ "الثقافة‮"‬،‮ ‬الحلم‮ ‬الذي‮ ‬يتغذى‮ ‬عليه‮ ‬تلاميذ‮ ‬الجامعة‮ ‬ذوو‮ ‬النظارات‮ ‬الطبية‮ ‬والشعراء‮ ‬الذين‮ ‬يعالجون‮ "‬مسائل‮ ‬العصر‮" ‬بجبين‮ ‬مقطب‮. ‬الشيء‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬يستحق‮ ‬المعالجة‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬تفتح‮ ‬فمك ‬فجأة‮ ‬وأنت‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬ومن‮ ‬حولك‮ ‬طنين‮ ‬الخلية‮ ‬الانسانية‮ ‬وتقذف‮ ‬من‮ ‬أحشائك‮ ‬ذلك‮ ‬البركان‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ أنت‮. ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬تستطيع‮ ‬ان‮ ‬تقف‮ ‬لمدة‮ ‬نصف‮ ‬ساعة‮ ‬مراقباً‮ ‬بدهشة‮ ‬أناك‮ ‬المحترقة‮ ‬وهي‮ ‬تتسلق‮ ‬أكتاف‮ ‬البشر‮ ‬وتدخل‮ ‬أنوفهم‮ ‬الضائعة‮. ‬ربما‮ ‬كنت‮ ‬قد‮ ‬خطوت‮ ‬كثيراً‮ ‬في‮ ‬الليل،‮ ‬ولكن‮ ‬ذلك‮ ‬هو‮ ‬بالضبط‮ ‬وبدون‮ ‬لف‮ ‬أو‮ ‬دوران،‮ ‬واجب ‬الكاتب‮: ‬فإنك‮ ‬لم‮ ‬تولد‮ ‬ولن‮ ‬تولد‮ ‬في‮ ‬نهار‮ ‬العالم‮ ‬بمجرد‮ ‬أن‮ ‬تنتظر‮ ‬واقفاً‮. ‬بل‮ ‬إن‮ ‬الليل‮ ‬هو‮ ‬الذي‮ ‬يخفي‮ ‬نهارنا‮ ‬الحقيقي‮. ‬وعلينا‮ ‬أن‮ ‬نخترق‮ ‬هذا‮ ‬الدرع‮ ‬المميت؛‮ ‬ثقب‮ ‬أو‮ ‬ثقبان‮ ‬ينبثق‮ ‬منهما‮ ‬الضوء‮ ‬ونعرف‮ ‬بيقين‮ ‬أن‮ ‬النهار‮ ‬هناك،‮ ‬إنه‮ ‬هناك‮! ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬لي،‮ ‬ويمكنني‮ ‬القول‮ ‬انني‮ ‬قد‮ ‬رأيت‮ ‬عدة‮ ‬ثقوب‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬الدرع‮ ‬وعلى‮ ‬النور‮ ‬المتسرب‮ ‬منها‮ ‬أحيا‮ ‬الآن‮.‬
ساعد‮ ‬الشعر‮ ‬على‮ ‬إنقاذي‮ ‬كثيراً‮. ‬منذ‮ ‬ان‮ ‬وطأت‮ ‬هذه‮ ‬الأرض‮ ‬الأجنبية‮ ‬والشعر‮ ‬يلتهب‮ ‬في ‬باطني‮ ‬ليوازن‮ ‬بين‮ ‬البرد‮ ‬المسموم‮ ‬في‮ ‬الخارج‮ ‬واليقظة‮ ‬العنيفة‮ ‬في‮ ‬الداخل‮. ‬أحياناً‬يدخل‮ ‬البرد‮ ‬رغم‮ ‬كل‮ ‬شيء،‮ ‬كما‮ ‬يحدث‮ ‬في‮ ‬قرية‮ ‬ما‮ ‬في‮ ‬شبطين‮ ‬مثلاً‮ ‬حين‮ ‬يحاول‮ ‬فلاح‮ ‬ذو عائلة‮ ‬من‮ ‬الأطفال‮ ‬أن‮ ‬يغلق‮ ‬النوافذ‮ ‬جيداً‮ ‬في‮ ‬وجه‮ ‬عاصفة‮ ‬من‮ ‬الثلج،‮ ‬وقبل‮ ‬أن‮ ‬ينجح‮ ‬يدخل‮ ‬بعض‮ ‬البرَد‮ ‬ولكنه‮ ‬ينجح‮ ‬دائماً‮. ‬على‮ ‬انني‮ ‬حافظت‮ ‬على‮ ‬تلك‮ ‬العائلة‮ ‬من‮ ‬الأطفال‮ ‬التي‮ ‬تعيش‮ ‬فيّ‮. ‬وسأفعل‮ ‬دائماً‮. ‬وطيلة‮ ‬هذه‮ ‬المدة‮ ‬أيضاً‮ ‬لم‮ ‬أتوقف‮ ‬عن‮ ‬الكتابة‮. ‬أحياناً‮ ‬فعلت،‮ ‬ولكنني‮ ‬لم‮ ‬أتوقف‮ ‬عن‮ "‬الكتابة‮" ‬في‮ ‬داخلي‮ ‬لحظة‮ ‬واحدة‮. ‬وكل‮ ‬ما‮ ‬هناك،‮ ‬انني‮ ‬فعلت‮ ‬ما‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يفعله‮ ‬كل‮ ‬كاتب‮ ‬حقيقي‮: ‬القدرة‮ ‬على‮ ‬الصمت‮. ‬قريباً‮ ‬جداً‮ ‬سأبعث ‬الى‮ ‬لبنان‮ ‬بكتاب‮ ‬ليُنشر‮. ‬لديّ‮ ‬الآن‮ ‬عدة‮ ‬كتب‮ ‬حاضرة‮ ‬للنشر‮. ‬وأعمل‮ ‬على‮ ‬رواية‮ ‬إسمها‮ "صحراء‮ ‬العالم‮" ‬وهي‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬أعيش‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬الآن‮ ‬لانها‮ ‬ستكون‮ ‬معادلاً‮ ‬كاملاً‮ ‬لحياتي‮ ‬الداخلية‮. ‬ولا‮ ‬يمكنني‮ ‬أن‮ ‬أقول‮ ‬لك‮ ‬أي‮ ‬شيء‮ ‬عنها‮. ‬كما‮ ‬انني‮ ‬أعددت‮ ‬كتاباً‮ ‬آخر‮ ‬باسلوب‮ ‬ليس‮ ‬شعراً‮ ‬أو‮ ‬قصة‮ ‬أو‮ ‬أي‮ ‬شيء،‮ ‬بل‮ ‬هو‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬العناصر‮ ‬التي‮ ‬تقف‮ ‬في‮ ‬مواجهتنا‮ ‬من‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج،‮ ‬أو‮ ‬الوجود‮ ‬في‮ ‬أشعة‮ ‬نظرة‮ ‬واحدة‮. ‬والكتاب‮ ‬الذي‮ ‬أعده‮ ‬منذ‮ ‬مدة‮ ‬طويلة‮ ‬وأقرأ‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬منذ‮ ‬سنتين،‮ ‬هو‮ ‬دراسة‮ ‬في‮ ‬الرواية‮ ‬الحديثة،‮ ‬وأعني‮ ‬الحديثة‮! ‬سأعطيك‮ ‬فكرة‮: ‬عناوين‮ ‬بعض‮ ‬الفصول‮:‬
هيرمان‮ ‬هيسه‮: ‬العين‮ ‬الثالثة‮.‬
سيزار‮ ‬بافيس‮: ‬الجدار‮ ‬الخامس‮ ‬للسجن‮.‬
لو‮ ‬كليزيو‮: ‬هالة‮ ‬حول‮ ‬العالم‮/ ‬الرواية‮ ‬الكوسمولوجية‮.‬
كورتازار‮: ‬تركيب‮ ‬المتاهة‮.‬
بيكيت‮: ‬جلود‮ ‬العزلة‮ ‬السبعة‮.‬
وقد‮ ‬قرأت‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬يمكن‮ ‬من‮ ‬مواضيع‮ ‬الدراسة،‮ ‬بالاضافة‮ ‬الى‮ ‬التآليف‮ ‬الاصلية‮. ‬واخيراً،‮ ‬مجموعة‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬القصص‮. ‬والآن‮ ‬لنتحدث‮ ‬عن‮ ‬شيء‮ ‬آخر‮.‬
جان‮ ‬دمو‮ ‬هناك،‮ ‬وهو‮ ‬في‮ ‬دير‮! ‬لا‮ ‬استغرب‮ ‬ذلك‮ ‬من‮ ‬جان‮. ‬ولكن‮ ‬يا‮ ‬عزيزي‮ ‬حاول‮ ‬بشدّة‮ ‬أن‮ ‬تتصل‮ ‬به‮ ‬وقل‮ ‬له‮ ‬أن‮ ‬يكتب‮ ‬لي‮ ‬واعطه‮ ‬عنواني‮. ‬أحياناً‮ ‬هنا،‮ ‬أكلّم‮ ‬جان‮ ‬وكأنه‮ ‬معي‮ ‬حين‮ ‬أرى‮ ‬شيئاً‮ ‬او‮ ‬شخصاً‮ ‬معيناً‮ ‬أعرف‮ ‬اننا‮ ‬كنا‮ ‬سنعلّق‮ ‬عليه‮ ‬ونسبره‮ ‬حتى‮ ‬المركز‮. ‬في‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬الاحيان‮ ‬وحين‮ ‬أكون‮ ‬يائساً،‮ ‬مجرد‮ ‬محاورة‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬النوع‮ ‬تعيدني‮ ‬الى‮ ‬حالتي‮ ‬السعيدة‮ ‬واضحك‮ ‬عالياً‮ ‬في‮ ‬الشوارع‮ ‬دون‮ ‬ان‮ ‬أستطيع‮ ‬السيطرة‮ ‬على‮ ‬نفسي‮. ‬إن‮ ‬ما‮ ‬بيني‮ ‬وبين ‬جان‮ ‬نادر‮ ‬وخالد،‮ ‬ويقف‮ ‬ما‮ ‬وراء‮ ‬جلد‮ ‬العلاقات‮ ‬وجدار‮ ‬البشرية‮. ‬أعرف‮ ‬بعمق‮ ‬اننا‮ ‬سنلتقي‮. ‬لذلك،‮ ‬دعه‮ ‬يكتب‮ ‬لي‮ ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬ربما‮ ‬أمكن‮ ‬أن‮ ‬ندبر‮ ‬طريقة‮ ‬لسفره‮ ‬الى‮ ‬هنا،‮ ‬وسأفعل‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬أستطيع‮.‬
والأب‮ ‬يوسف‮ ‬سافر‮. ‬اعطني‮ ‬عنوانه‮ ‬في‮ ‬رسالتك‮. ‬وسأكتب‮ ‬اليه‮. ‬ولكنني‮ ‬لم‮ ‬أفهم،‮ ‬هل‮ ‬سافر‮ ‬وحده‮ ‬أم‮ ‬انه‮ ‬أخذ‮ ‬عائلته‮ ‬معه؟‮ ‬قريباً‮ ‬جداً‮ ‬سأبعث‮ ‬الى‮ ‬يوسف‮ ‬الخال‮ ‬برسالة‮ ‬ومواد‮ ‬للنشر،‮ ‬بعد‮ ‬هذا‮ ‬الغياب‮ ‬الطويل‮. ‬هل‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تبعث‮ ‬إلي‮ ‬بعنوان‮ ‬أدونيس،‮ ‬وكذلك‮ ‬عنوان‬مجلة‮ ‬الآداب؟‮ ‬سلّم‮ ‬على‮ ‬أدونيس‮ ‬بحرارة‮. ‬سأكتب‮ ‬اليه‮ ‬قريباً‮. ‬وأرجو‮ ‬ان‮ ‬أهيء‮ ‬رسالة‮ ‬طويلة‮ ‬عن‮ ‬السياسة‮ ‬والفكر‮ ‬في‮ ‬أميركا‮ ‬لتنشر‮ ‬في‮ "مواقفه‮". ‬وكذلك‮ ‬مواد‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬كتاباتي‮. ‬وربما‮ ‬بعثت‮ ‬اليه‮ ‬بكتاب‮ ‬كامل‮ ‬والمال‮ ‬اللازم‮ ‬لنشره‮. ‬ولكن‮ ‬أولاِ،‮ ‬بلّغه‮ ‬حبي‮ ‬واعطه‮ ‬عنواني‮ ‬وأرجو‮ ‬أن‮ ‬يبعث‮ ‬الي‮ ‬بنسخة‮ ‬من‮ ‬مواقف‮ ‬حتى‮ ‬يتيسّر‮ ‬لي‮ ‬أن‮ ‬أبعث‮ ‬اليه‮ ‬ببدل‮ ‬اشتراك‮. ‬وأفكر‮ ‬أيضاً‮ ‬بإعداد‮ ‬مقابلات‮ ‬طويلة‮ ‬مع‮ ‬شعراء‮ ‬هذه‮ ‬المنطقة‮. ‬وقد‮ ‬قابلت‮ ‬عدداً‮ ‬منهم‮ ‬وتشاجرت‮ ‬معهم،‮ ‬وترجمت‮ ‬بعض‮ ‬قصائدي‮ ‬الى‮ ‬الانكليزية‮. ‬وبدأت‮ ‬اكتب‮ ‬بالانكليزية‮ ‬منذ‮ ‬مدة‮. ‬وفي‮ ‬المستقبل‮ ‬أنوي‮ ‬أن‮ ‬أكتب‮ ‬رواية‮ ‬واحدة‮ ‬ووحيدة‮ ‬بالانكليزية‮ ‬اضع‮ ‬فيها‮ ‬كل‮ ‬شيء‮. ‬ولدي‮ ‬الآن‮ ‬مجموعة‮ ‬من‮ ‬الشعر‮ ‬بهذه‮ ‬اللغة،‮ ‬وكذلك‮ ‬قصة‮ ‬اسمها‮ "‬الصحراء‮" وهي‮ ‬عن‮ ‬مهرب‮ ‬على‮ ‬الحدود‮ ‬العراقية،‮ ‬وربما‮ ‬ترجمتها‮ ‬عن‮ ‬الانكليزية‮ ‬إلى‮ ‬العربية‮.‬
عزيزي‮ ‬وديع‮. ‬لقد‮ ‬تكلمت‮ ‬كثيراً،‮ ‬اليوم‮ ‬هو‮ ‬السبت،‮ ‬عطلة‮. ‬ولديّ‮ ‬موعد‮ ‬مع‮ ‬إمرأة‮ ‬أميركية،‮ ‬ولكنني‮ ‬أعتقد‮ ‬انني‮ ‬متأخر‮ ‬الآن‮ ‬لانني‮ ‬قضيت‮ ‬هذه‮ ‬الساعة‮ ‬الاخيرة‮ ‬أكتب‮ ‬اليك‮. ‬على‮ ‬انني‮ ‬سأذهب‮ ‬فالمرأة‮ ‬قد‮ ‬انتظرت‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬اللازم‮. ‬وهي‮ ‬ستصاب‮ ‬بهستيريا‮ ‬اذا‮ ‬لم‮ ‬أذهب،‮ ‬لانها‮ ‬ظلت‮ ‬ثلاثة‮ ‬أسابيع‮ ‬تبعث‮ ‬اليّ‮ ‬برسالة‮ ‬مضمونة‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬وهدايا‮ ‬حتى‮ وعدتها،‮ ‬وذلك‮ ‬منذ‮ ‬ان‮ ‬تركتها‮ ‬منذ‮ ‬شهر‮ ‬دون‮ ‬سابق‮ ‬إنذار‮ ‬أو‮ ‬سبب،‮ ‬يائساً‮ ‬من‮ ‬العلاقات‮ ‬والجنس‮ ‬عائداً‮ ‬الى‮ ‬الشعر‮. ‬على‮ ‬كل‮ ‬حال،‮ ‬سأكتب‮ ‬لك‮ ‬قريباً‮. ‬تحياتي‮ ‬الى‮ ‬والدتك،‮ ‬والى‮ ‬اخيك‮ ‬وزوجته‮ ‬اللطيفة،‮ ‬وقل‮ ‬لها‮ ‬أن‮ ‬تقرأ‮ ‬فألي‮ ‬واخبرني‮ ‬بالنتيجة‮.‬
اخوك
سركون‮ ‬بولص
27 / 3 / 1971
سان‮ ‬فرنسسكو
shawki1@optusnet.com.au

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحية
كرمون -

أنت،وديع سعادة وأنت،الأشوري الذي غادر وتركنا في ليل الذئاب. ما أجملكما معا!

تُجار الموتى
عبد الكريم الموسوي -

الشاعر شوقي مسلماني ، مَن كان يّشك في شاعرية الراحل سركون ؟ومَن يَشك في إنتسابِ قصائد سركون إلى سركون نفسه ؟ ولكن الحقيقة تطفو بعد الموت !!!أحد المشرفين عن الحفلة التأبينية الثانية كان يطعن ويشكّ بِشاعرية الراحل ويتجنّى عليه بِسرقاته الشعرية من الشعر الأمريكي والبريطاني .وهذا التجنّي قبل موت سركون . مات سركون ، وفجأة يتلبّس هذا المدّعي الحزن والضياع !!!وكأنه العاشق الذي فقد عشيقته!!! تبّّا لك مِن وطن تَنجب تُجار ومرتزقةومنافقين حتى على أنفسهم ، يقتاتون على موت المبدعين وألاصلاء. أيّ وهم وأيّ بلاء ....تحياتي للشاعر المبدع شوقي

كيف ذلك ؟
عباس الحسيني -

لم الوزراء باللـحى والشعراء بالنوروالقتلة في الارجاءوالشعراء في العدمولم الآشوري يرحل كحلم ونحن نجشم كخوف ؟؟؟؟؟؟؟؟ كبف ذلك ؟؟

مصائب
نبيل سالم الادهمي -

الفقيد الشاعر سركون بولص شاعر كبير اهملوه وهو حي وذرفوا عليه دموع التماسيح وهو ميت ارى المتثاقفين والمتشاعرين والدكتاتوريين العرب جميعا في صف واحد راقبوا تصرفاتهم يطعنون بالاقلام بالالسن وبالخناجر وآسف لهذا الكلام بحضرة غياب شاعر نبيل.

أي رسالة هذه!
سركوني -

هذه درة وليست فقط رسالة، سأطبعها وأعلقها على قلبي وأبللها بدمي، سأدعها تنضج قبل أن تصل إلى رأسي. أربعون سنة مرت على كتابة هذه الرسالة الفريدة، وأشعر بأننا بحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى. تحية لك يا شوقي، تحية لك يا سعادة.. وشكراً لإيلاف...

رجائي
نبيلة خالد -

فعلا هذه الرسالة عظيمة وكاشفة عن عبقرية مبكرة رجائي الحار أن تنشر ايلاف كل رسائل سركون اذا موجودة.