ثقافات

شؤون النساء!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الله كرمون: هي أحيانا دوافع غامضة ما يقودنا إلى قراءة كتاب مّا، إن لم تكن هي نوايا ملتبسة ما يجعلنا نختلق مبررات بلا شأن من أجل مواصلة قراءته وبالتالي استنبات رغبة لا تقام في الكتابة عنه. ذلك ما يحدث لي الآن مع رواية أغاثا هوشبيرغ والتي صدرت منذ سنوات لدى مانغو رومون تحت عنوان "وغد، هذا الفارس الأحلام". خاصة إذا وقفنا على شبه انتفاء، على ما أزعم، كل قيمة أدبية للعمل وكونها تظل تزحف على رصيف مّا دون أن تجعلها أهمُّ مقاطعها تتواصل بشكل أكثر امتدادا وعلوا مع عمق جدير بكتابة يصح القول عن جمالها كثيرا مما نشاءُ.
لدى رؤية غلاف الكتاب أو تلمس عنوانه بطرف رمش أو شفاه يتبادر للكثيرين أنه من الكتب الموجهة للنساء. لست أجد كثيرا من المبررات القوية كي أفند ذلك أو أن أدعي عكسه، غير أنني أرى مع ذلك أن كتاب فرسان الحلم هذا ليس بالضرورة موجها إلى النساء فقط، وإن كان يتناول بالأساس شؤون النساء غير أن تلك الأمور في حد ذاتها ليست مقصورة على النساء لأنهن لسن يحاولن سوى فك معضلة أمر تشابكهن الوجودي والدائم بل الضروري مع الرجال. لهذا فالرواية تسعى لتناول قضايا تشغل الجميع بشكل أو بآخر وبطرق متفاوتة الوقع. آخذه بحبل الانشغال الذاتي في نوع من الكتابة، يتداولها أغلب من ينشر اليوم في فرنسا كموضة بل كموجة انحطاط بالغة!
هي بحق أحاديث نساء واعترافاتهن حول صعوبة التعايش مع ألم الوحدة وقسوة الوقوع في علائق معقدة في التعامل مع رجل. الرجل الذي ترغب فيه النساء ويمضي بعيدا والذي لسن يطقنه ويثقلهن هو بحضوره وتواجده الدائم وبإسراف.
هذه الفتيات اللواتي لسن يتمكن من شد رسغ فارسهن الوسيم أو ليست تفك حواسهن المريضة معادلات الجمال والحب وتطبيق قواعد محددة تضبط لعبة اقتراب وافتراق أحد الجنسين أحدهما من الآخر. ما قد يحلو لي أن أسميه سياسة شد الحبل بل يمكن كذلك قولنا عنه في هذا الشأن بما عرفناه في الماضي لدى القطبين بسياسة "توازن الرعب".
منذ الفقرة الأولى يسترعي انتباهنا أن تخط أغاثا صيغتها: "غريبٌ إلى أي حد يفسد المتعةَ الوعيُ بالخطر". فإن كانت العبارة قد وردت في سياق محدد فإنها مع ذلك، على ما يبدو، تشبه نوعا من المبدأ الذي سوف يتخلل سريان مفعوله أغلب إجراءات علائق تلك الفتيات بأولئك الفتيان. الخوف الذي يفسد روح كل مغامرة.
ولأن هذا الكتاب يقدم خطوط معرفة أنثوية خاصة بالزواج والحب وغير ذلك من كل ما يدني أحد الطرفين إلى الآخر. لذا فالذي يهم، مثلما قالت للبطلة أمُّها، "ليس هو من سنتزوج به ولكنه من سنطلقه!"
أو "أن الرجال الوسيمين هم دوما أغبياء. فإذا كان ثمة من رجل ظريف فهو في الغالب ذميم". هكذا تفكر على الأرجح أغلب النساء. أليس كذلك؟
تقول لها صاحبتها: لربما تبالغين؟
تباغتها بقولها وهي تتحداها أن تُري لها شخصا يكون في الآن نفسه مهذبا ووسيما في الآن نفسه! قد يكون الأمر مستحيلا غير أنا نقرأ فيما بعد ما يوحي بشيء أكبر: " الزواج أمر سيء الذكر"!
لكن رَاوية النص، أريانة، امرأة متزوجة، حوالي الثلاثين من عمرها وتظل ترتق فراغ حياتها الزوجية بذلك النسيج المكثف من علاقاتها بصديقات قديمة وأخريات تم التقاؤها بهن على مر الأيام لكون العمل قد فرض على زوجها فانسان أن يغيب لأيام عن البيت.
يظل الخيط الرابط الذي يشد عمود الحكي هي تلك الرسائل المتبادلة في الغالب بين أريانة وجيستين: مصدر تلك النوازع التي اقتادت رتابة أيامهن المرتجة.
تتكرر غالبا، في ذلك البريد بينهما، تلك الرغبة الملحة للزج بفتيات وأشخاص غير مرغوب فيهم، لسبب أو لآخر، في غرفة تعذيب توجد في مكان منسي في بقعة من الكون. لما لا، يقلن، لا يوقعن عقابا جسديا على فتيات ذوات أرجل بشعة؟ أم هل يكفيهن ما ألحقت بهن الطبيعة لما ابتلتهن بأرجل قبيحة كما كتبت فيما بعد؟
إذن ليس من السهل فهم كل ذلك النكد الخاص بمشاغل النساء. رغبتهن أحيانا في المستحيل ووقوعهن الحقيق فيما لا يتوقعن من شراك.
تظل شلة الفتيات اللائي يطفن حول أريانة وجيستين، في تعطش متأجج إلى قرار. يردن الوصول إلى ذلك البيت الآمن الذي ليست تتحقق طوباويته في أية هندسة واقعية أبدا. الخلل كامن في أساسه في تضبب ذلك التصور الذي تضعه تلك الفتيات سياجا يحد أطراف تلك الجنة الموهومة بل المفقودة غالبا. من تم جاء ذلك النغز المر في العنوان لعدم يسر الحصول مثل مهر على ذلك الفارس الوسيم، فارس أحلامهن كما يتخيلنه ويضعن له صورة غرائبية ليست تصدق أدنى حروفها على الواقع كما هو عندما تصدمهن فجاجة اليومي التي ليس لها أي بريق شبيه بما تَعِدُهن به أحلامهن.
بعض الرجال أيضا مثل جوليان ليسوا يتحسسون في كينونتهم الهشة بل في اختيار منهم لموقف اللامبالي أن يستطيعوا العيش مع امرأة. قال لأريانة، صديقته التي استمر ودهما حتى بعد زواجها. اليوم الذي لم تفهم فيه جيدا نادلة المقهى طلباته: "لم أستطع أن أُفهم حتى عندما أطلب قهوة وتريدين أنت أن تقنعينني بأنني خُلقت كي أعيش مع امرأة!"
لكن أليس أيضا غريبا وباعثا على نوع من تكهن خاص بنوايا مبهمة عندما ينصح أريانة والدُها دون أن تستكن بارتياح لخطابه. قال لها: "حتى ولو طرق فارس الأحلام بابك تجاهليه. وإذا فتحت له حاولي أن تصفقي الباب بسرعة في وجهه قبل أن يتمكن من النطق بالتحية". ولأمر ما، قالت أريانة عن والدها بأنه كذاب!
دائما تلك الأمور التي قلنا عنها أنها أهم ما يشغل النساء، فلماذا لا نشير إلى علاقة أمبر (أو عنبر) هذه الفتاة التي طال بحثها عن نصفها ومضت في يأسها إلى رغبتها في البقاء منعزلة في البيت مع قِط. ليست فكرة الانتحار إذن بعيدة. الذي يهم في سفرتها إلى أمستردام ولقائها ثمة ب"غيوم" هذا الذي لم يأنف، في ذلك المساء الذي دعته فيه إلى شرفة الفندق لتملي ذلك المنظر البديع الذي يتراءى لهما من علو، وأجابها ضدا على كل رومانسيتها قائلا لها: "تعالي مُصِّي عضوي"!
أما ما استفادت الأخرى طيلة سنوات زواجها هو أن لها تلك القدرة المضمونة لتكدر على زوجها حياته إلى الأبد. تقول أنها ترد على زوجها أن عليه أن ينام في المطبخ متى سولت له نفسه أن يشتهي فطورا صباحيا في السرير!
أو أن يعنف ذلك تلك قائلا لها أن تكف عن الصراخ لأن بإمكانها عكس ذلك أن تبتسم، ثاني أجمل أمرين يمكن أن تأتيهما بفمها!
لكن، كما كتبت، ليست تقيم، على مدى، تلك الفتيات، وِدّهن مع رجل مستقيم إذ يغادرنه كي يسقطن بالتالي هكذا في أحضان رجل بليد وسيء!
أما الأسئلة التي تطرحها أو على كل امرأة أن تطرحها قبل الزواج فهي:
"* هل نقتسم نفس الأهداف في الحياة؟
*هل أنا قادرة على مقاسمته أحاسيسي وأفكاري؟
*هل هو بالفعل رجل (أي فحل)؟
*كيف يتعامل مع الأشخاص الآخرين؟
*هل ثمة طبائع أرغب أن أغيرها لديه متى تزوجنا؟"
ترى هذه الفتيات أنه لا مفر من تقبيل كثير من الرجال الذميمين قبل أن يجدن فارسهن، كما تقول، غير أنها لطالما عاقرت أولئك، وهي تأمل أن يتحول القبح إلى جمال بإيعاز من بعض حب. لكنه تأكد لها أن ذلك التحول مستحيل! فلا جدوى إذن!
في الرواية الأولى لأغاثا، كثير من التفاصيل التي يلزم تأملها من أجل فهم أعمق وأغنى للروح التي تشوب ما نسميه بشؤون النساء!
kermounfr@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف