عرّاف أور خارج الملكوت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إلى سركون بولص الشاعر الذي ضاق بحمله الوطن، فحمل نعشه إلى جوف قصيدة
البدء نختاره
لكن النهاية تختارنا
وما من طريق سوى الطريق.سركون بولص
في البدءِ كانت الكلمة
وكانت الكلمة شعراً
به كان كل شيء
وبغيره ما كان شيء مما كان
وكان الشعر يسكن بيننا
وكان الشعر يشرق من هنا
من أوروك
ماراً بحانة سيدوري
ماضياً إلى جزر الموت
وغابات الصمتِ
إلى الأرض التي ليس لها دخول
هابطاً كأورفيوسَ إلى مهاوي الجحيم
يبحث عن السرّ الممتد من السُّرة الى السرير
عن نبتةٍ دوّخت فارس سومر
فتاهَ في السديم.... في السُّدى
يُطلق السؤال رِدفَ السؤال
فيرجع الصدى:
العراق ليس الملكوت.
الحبانية هي المبتدى
فأين سيكون المنتهى؟
وبين مبتداك ومنتهاكَ
حبلٌ يمتدُّ من السُّرة إلى السِّر
وانتَ العرَّاف تسأل العرافات في برج بابلَ
كي يقرأنَ لك خطوط العمر والحياة
تسأل عن اسرائك ومعراجك
واسئلة أخرى عن الجحيم والملكوت والبلاد التي تشتهيها وتشتهيك
كلكامش مرَّ من هنا
كان يرتدي المسوح
على وجهه منديلٌ يبكي صديقه
وبين يديه أسئلة يقدمها إلى برلمان الألهة
رأى جميع الأشياء
عبر كل الأسوار
وعرف كل الأسرار
وها أنت تنتعل حذاءه وتقتفي آثاره وطريقه
من الحبانية إلى كرخ سلوخَ إلى بيروت إلى بلاد العم سام
حاملاً يراعكَ
وقصاصاتٍ في جيب قميصكَ... مهترئةً رطبة
وقارورةَ فودكا رديئة
لتبني زقورةً من كلماتٍ غير موزونة ولا مقفاة
عبثاً تعيدُ الكَرة
عبثاً تحاول
تحمل فانوسك في ليل الذئاب
والذئاب تعوي والريح تصرصر، تثرثر
وكلابٌ تحرُس الجحيمَ تنبحُ
تفتح حلاقيمها إلى الحنك
وتلاحقك عيون رجال الجوازات
والكاميرات الخفية
بين المطارات والموانيء والحدود
وأنتَ ما برحت أنتَ
تسري، تسألُ، تسكر
تحمل حلمَكَ الشهيَّ، ودهشتَكَ البكر
ورقيماً طينياً أهداه لك آشور بانيبال
حين زرته آخر مرة في عيد القيامة.
عُد يا سليل الأباطرة الآشوريين
سرابٌ هو الوجود
سرابٌ هو الخلود
ألن تعود؟
أيها الرائي في زمن اللارؤيا
المتبصر في زمن تعشو فيه الأبصار
أيها الراحل بلا اعترافٍ أخير في كنيسة الشعر
أيها الحالم بوطنٍ يرمِّم انكساراتك الأزلية
أيها المهاجر المُتعب من حمل الحقائب واتربة المدن التي تتشظى في وجهك كالزجاج
أيها الراغب في موتٍ أكثر جمالاً وجلالا
أيها الراهب الحامل صليب الشعر في أرض وأدت الشعر في لحية وايتمان
أيها السائر إلى اللامكان حاجاً وأمامكَ تهرب بلا انتباه
شقوة السنوات
وشهقة القصائد
وشهوة النساء اللائي ينمن من غير آه
ووحشة البلاد والمدن التي أرضعتكَ وفطمتكَ وعلّمتكَ أبجدية البوح
جدُّكَ السومري بالأمسِ مرَّ من هنا
وعلى كتفيه غبار الخيبة.
إلى أين تريد الوصول؟
طريق الملكوتْ لا يمر عبر بيروتْ.
إلى أين تريد الوصول؟
إلى أين؟
أتريد الوصول إلى مدينة أين؟
والسبيل من أين؟
أين هي أوروك
الحنين إلى الملكوت
يتصاعد في أحشائكَ كموجةٍ صاخبة
تهدرُ وتزأرُ
ثمَّ تتكسَّر على شطآن اليقظة
فترتد خائباً
خائراً
وفي رئتيكَ ملح البحر
وزفرة بحّارٍ فينيقي
حين يرحل بعيداً عن بيروت.
هل ضيَّعتََ الأول والتالي؟
حنينك إلى الملكوت
يطير في سديم الرؤيا
كفراشةٍ تصبو إلى المصباح
تجهل حتفها الداني
فتهوي محترقة في ثواني
كأنكَ في مركبِ نوحَ نائمٌ سكران
تحلم ببابلَ وآشورَ وأُكروبول
ويوتوبيا من كلماتٍ او حُلُمات النساء
أو بفرج امرأةٍ تستلقي نصف عاريةٍ على سرير
مُشرِعةً فخذيها بانتظار من يأتي
ليُرعشَ السُّرةَ والسرير.
لكن الفراشة لن تؤوب
وآشورَ غدت ذكرى مزمنة ترنُّ
في بطونِ التاريخ
وظهور الجغرافيا
وأقدامِ تُجّار السياسة.
والمرأةُ نصف العارية التي تَحلُم
ماذا تفعل بشعر رأسك الأشعث؟
وبأخاديدَ وجهِكَ المُغبرّ بعجاج الهضبة الغربية؟
سان فرانسيسكو ليست الملكوت
وحانة الكلب ليست كحانة سيدوري
الحبانية كانت المبتدى
وبرلين صارت هي المنتهى
وسان فرانسيسكو ليست
- أكرر- ليست الملكوت
وأوروك التي لم ترَ
أوروك التي تحلم
لن تطأها قدمك التي ملأ شقوقها وحلُ الدروب
أوروك التي كانت البدء والميلاد
أمن أجلها أنت تموت؟!
للشعر موطنٌ
وللوطن شعراءٌ
وليس للشاعر وطنٌ ينام فيه ساعة مثواهُ
أفليس من حقك أن تنساهُ
وتهوى وطناً سواهُ؟!
أيها الثاوي في رحِمِ القصيدة
إنَّ القصيدة هي الملكوت
فمن أجل من تموت
إذا كنتَ أنتَ سيدَ الملكوت؟
التعليقات
نص جميل
صلاح حسن -هذا هو النص الاول الذي اقرأه للشاعر وارجو من الشاعر ان يعذرني لاني اقول ذلك ، ولكن هذا لا يقلل من قيمة هذا النص الجميل الخالي من الفذلكات والكلمات الزائدة . النص يتمتع بلغة سلسة متماسكة وموضوعه واضح وصادق والصورة الشعرية فيها ابتكار يتناص مع نصوص الحبيب الراحل الشاعر الكبير سركون بولص . هذه تحية لكل نص جميل واتمنى للشاعر سمير خوراني المزيد من التألق .صلاح حسن