أسارير الوجع العشيق للمبدع ابراهيم الحجري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالحق ميفراني من المغرب: صدر للكاتب المغربي إبراهيم الحجري ديوان شعري موسوم ب"أسارير الوجع العشيق" ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية - سلسلة الكتاب الأول. يقع الديوان في 64 صفحة ويحوي 18 قصيدة. ديوان "أسارير الوجع العشيق" يقدم صورة مصغرة من المشهد الشعري اليوم في المغرب، ولعل سلسلة الكتاب الأول التي تحضنها وزارة الثقافة قد ساهمت في انقشاع قشور بعض
إن رهان هذه التجربة وانخراطها في المشهد الشعري المغربي، كفيل بانبجاس رزمانة الرؤى وأسئلة الكتابة الشعرية في مدى "جدة" و"دينامية" النص الشعري في إخصاب الجسد الشعري المغربي. فالى أي حد استطاعت هذه التجارب استكمال مشروع المرحلة ال"بنفسجية" التي عرفها الجسد الشعري نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، في قدرته على تشكيل حفريات ومقولات "التحول" و "المغايرة" كعلامتان فارقتان في "الانتقال" الشعري الذي ساهم في ميلاد "حراك" نصي نشهده اليوم ولو في غياب أسئلة النقد الشعري، الذي التجأ لراحته البيولوجية، في انتظار "مواسم الشرق".
في ديوان "أسارير الوجع العشيق" تلتئم النصوص حول أقانيم ثلاث: الذات، الأرض، الوطن. موضوعات ليست حديثة في الظاهر، لكن النصوص تنخرط في تمثل موضوعاتها من خلال رؤية انكسارية هي الوجع، ليتحول وجع الذات، وجع الأرض، ووجع الوطن الى "أسارير" القصائد العشيقة. "غنائية" فاضحة، تصر قصائد الديوان ال"18" على ترسيم جغرافيتها، ولطبيعة الكتاب الأول قد تلتئم القصائد دون نية مسبقة في خلق استراتيجية رؤية شعرية قصدية.
لكن، مع ذلك تتوحد النصوص الشعرية في الديوان كي تشكل هذا الوجع المرير بتشظي الذات، بجروح الوطن، وبتربة أرض هي هوية مثخنة بجراحاتها، لذلك لا تذهلنا "أصالة" صوت شعري لا زال وفيا للقيم الإنسانية، ولنفس القيم التي حملت القصيدة الى الذات. هذه الذات التي لا تنفك القصائد تؤطرها بضمير المتكلم وبمقول إشاري "وحدي" كي تجلعنا ننخرط في مسارات القراءة التي لن تكون إلا قيم القصائد الحبلى بقيم الإنسان.
وتستدعي القصائد "النفس الايديولوجي" حين تروم تأطير جغرافية هذا الوطن الجريح، ففي قصيدتي "هبات عنيفة لغبار شمالي منافق" و "أعاجيب" دروس شعرية في العولمة الماردة. ومعها نكشف وجه القصيدة المسكونة بذات جماعية، ذات تزيح "وحدتها" ونرجسية الانكسار الى الذات الملتحمة بهموم ذوات ثاوية في الذات الكلية.
وكأن القصيدة معبر/ضوء سري والذي دخله يحفر صوت الشاعر مسار انجراحات العالم، وهوية الأرض المنغمسة في هوية الذات الجماعية، كما أن صوت لذاته الجريحة ولوجعها وهو الوجع الذي تعلنه القصائد/فاضحة "لا تهادن".
تميل القصائد الى الصياغات الطويلة نسبيا، إذ قلما يوظف الشاعر جملا قصيرة، وهذا الحس التريكبي اللغوي "يجعل من قصائد ديوان "أسارير الوجع العشيق" نمذجات شعري-سردية مسكونة "بالحكي الشعري" فقصيدة "رغبات مخبأة في السوق الأسبوعي" أشبه ب"الأقصوصة" تستدعي الشعر للكتابة، ولعله رهان العبور الأجناسي الذي يشي بسمات المشهد الشعري اليوم في المغرب.
إذ يبدو هذا الاشتغال النصي دعوة مفتوحة للدرس النقدي لمراجعة مفاهيم تمثل هذه النصوص لعوالمها الخاصة، وكلما ضخت القصائد وجعها إلا وتسربلت هذه الكينونة الشعرية في الديوان بملحاف الإنشطار، لتتحول القصائد في النهاية لتمارين في خذعة الوجع بالكتابة كي تؤسس بوثقة لعالمها المسكون بسؤال الكتابة ذاته.
المواسم، القبيلة، المطر، التربة...حقل معجمي آخر ينضاف لهذا "النقاء" المضمر في حقل الممارسة الشعرية في الديوان، إذ تسبغ قصائد "أسارير الوجع العشيق" شكلا من التحلل الهوياتي على هوية النص الشعري، مما يجعلنا أمام فرضيات جديدة لمرجعيات القصيدة المغربية الحديثة في قدرتها على استغوار جغرافيات جديدة، وعوالم مسكونة بالقلق، وهو قلق ابعد من لبوس أنطولوجي، إنه قلق ووجع الذات من مصيرها الانشطاري المكلوم.
حين نعيد لملمة هذه التفاصيل التي تقدمت حول ديوان المبدع ابراهيم الحجري، لا يزداد هذا الأفق إلا اتساعا، وجغرافية القصيدة المغربية الحديثة اليوم، تبدو شبكة حلزونية لا تنتهي، رغم سكونية المشهد السنوات الأخيرة، lt;غابت اللقاءات، وتراجع الندوات المحورية، وشاخت بعض المهرجانات وفقدت ألقها...gt;وأمسى السرد يؤسس حضوره القوي، ثمة رحلة جماعية للمؤسسة الأدبية نحو "تسريد" جغرافية الإبداع المغربي" وهو شكل من أشكال الاعتراف المجازي بفعل حضور الشعر، والشعراء هؤلاء الذي يسكن الشعر أفقهم.. هذا الشعر الذي يسكننا دائما.