ثقافات

الشِّعرُ صديقُ روحي وبهجةُ خلاصي من ضجرِ الحياةِ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الشِّعرُ حفيفُ نحلةٍ غارقة في ولادةِ العسلِ من رحيقِ الزُّهورِ، موجةٌ وارفة فوقَ أرخبيلاتِ العمرِ، شعاعاتُ فرحٍ منبعثة من تكويرةِ النَّهدِ، ولادةُ طفلٍ على إيقاعِ زخّاتِ المطر، لونُ البداياتِ وضياءُ النَّهايات، جنّةٌ مزدانة بالغزلانِ والبلابلِ المغرّدة تغريدةَ الرَّحيلِ، حوارُ الأرضِ مع قبّةِ السَّماءِ، حلمٌ معبّقٌ بأريجِ الطُّفولة، ابتساماتُ ورودٍ غافية فوقَ نهودِ التِّلالِ، شلالاتٌ هائجة مثل إهتياجِ البراكينِ، صوتُ الإنسانِ المتسامي فوقَ حافّاتِ الغمامِ، نداوةُ زهرةٍ مكحَّلة بدموعِ الشَّوقِ ..

الشِّعرُ صديقُ روحي وبهجةُ خلاصي من ضجرِ الحياةِ، هو صديقتي الأزلية الشهيّة مثل أريجِ الغابات، نورُ العتمةِ التي أعبرها على ايقاعاتِ حفيفِ اللَّيلِ، حبقُ النّعناعِ المستشري في صحارى الرّوح، أجنحةُ حمامٍ مرفرفة فوقَ ينابيعِ الخيرِ، مهارةُ سمكةٍ تعبرُ أعماقَ البحرِ لانتشالِ محارةٍ مكتنزةٍ ببخورِ العيدِ، خلاصُ الإنسانِ من ترّهاتِ الحياةِ، رحلةُ اخضرارٍ في ظلالِ العمرِ، موسيقى هائمة فوقَ وجنةِ الحلمِ، فوقَ أرجوحةِ الحنينِ، لغةُ نديّة من لونِ الشَّفقِ القزحيِّ، مناجاةُ الرُّوحِ للحميميات المختطفة من وجنةِ الحياة، حوارُ القلبِ معَ سكونِ اللَّيلِ، معَ خريرِ السَّواقي، معَ أغاني الغجرِ الصادحة في أعماقِ البراري.

الشِّعر هو الغدُ الآتي المسربل بالقرنفل، بسمةُ عاشقة متلألئة اهتياجاً فوقَ أمواجِ البحارِ، هو سديمُ الذَّاكرة المتلألئ حولَ مسقطِ رأسي، غفوةُ طفلِ بينَ أحضانِ أمّه، خيوطُ الضُّوءِ المنبعثة من مروجِ السَّماءِ، ذكرى معبّقة بعناقيدِ التينِ، بأيامِ الطُّفولة المزدانة بالأعشابِ البرّية، حنينُ المجرّة إلى وهادِ الأرضِ، طراوةُ ليالي الحصادِ المكتنزة بالسَّنابلِ، هو باقاتُ الحنطة المبعثرة على وجهِ الدُّنيا، هو دالياتي الخضراء، عناقيدُ عنبِ "البحدو والدارْ كفنارْ" التي قطفتها في صباحات ديريك الباكرة، هو شوقي العميق إلى أزقّتي الطِّينيّة، صوتُ المدفأة وهي تنشدُ أنشودةَ الدُّفءِ في ليالي الشتاءِ الطويلة، دبكةُ "باكيّة" في ليلةٍ منعشة محفوفة بالقهقهاتِ.

الشِّعرُ عشقٌ لا يقاوم، صوتُ فيروز في صباحاتي الباكرة، براعمُ شوقي العميق إلى أصدقائي الّذين تعفّرت وجوههم بضبابِ غربةِ هذا الزَّمان، هو حالةُ تجلٍّ متسامية مع هلالاتِ النُّجوم، ارتعاشاتُ عشقُ القمرِ لخدودِ البحرِ في ليلةٍ قمراء، شوقُ الجندي المرمى على خطوطِ الموتِ إلى أحضانِ الحياة، هو كلمة متراصّة بالمتاريسِ في وجهِ جلاوزةِ هذا الزَّمان، في وجهِ طغاةِ هذا العالم، هو تجلِّياتُ صعود الرُّوحِ فوقَ موجةٍ هائجة تحنّ إلى الارتماءِ بين أحضانِ الغسقِ، نقاوةُ الثلجِ وهو يهطلُ فوقَ جفونِ المساء، حديقة وارفة بالفرح، وداعُ الإنسانِ لوجهِ الثرى في ليلة مكتنفة بالآهات، آهات عبورنا للحياة، وآهات الرّحيل، هو دمعةُ أمٍّ قبلَ أن تودِّعَ غمائمَ الحياة.

الشِّعر حلمي المفهرس بأغصانِ البيلسان، هو أنثى معفّرة ببهجةِ الحياة، صديقةٌ غافية على خاصرةِ الرُّوحِ تنتظرُ نسائمَ البحرِ في ليلةٍ عذراء، هو قارئ مجهول يحبُّ حرفي وينتظره مثلَ طفلٍ ملحاح لمشاهدة هدايا العيد، هو وردة متفتّحة عند الضُّحى على إيقاعِ أجراسِ الرَّحيل، حالةُ إندهاشٍ على مدى رحابِ العمرِ، هو رحلتي الفسيحة في سماءِ غربةٍ مترجرجة بتدفٌّقاتِ لظى الاشتعال، هو غربتي العميقة في الحياة، أنشودتي الأزلية التي أغفو فوقَ خدودِها كلّ يوم، هو شهقتي الأولى عندما ولدتني أمِّي بين باقاتِ الحنطة وقمَّطتني بالسَّنابل لهذا أحنّ إلى اخضرارِها حتى في رحابِ الحلم.

الشِّعر صديقُ الكائنات كلَّ الكائنات، صديقُ اللَّيل والنَّهار، صديقُ البساتين والبحار والأنهار والصَّحارى المحفوفة بالرِّيح الهائجة، صديقُ البراري الوديعة والذئاب المروّضة على عبورِ البحرِ في عتمِ اللَّيلِ، هو أغنية مفتوحة على خاصراتِ الأماسي الغافية فوقَ أحلامِ البحار، هو عناقُ عاشقٍ لعاشقة من لونِ السَّماء، هو سيمفونية مكتوبة على إيقاعاتِ حفيفِ الرِّيحِ، هو بسمةُ طفلٍ في صباحٍ ممطر، هو لونُ البدايات والنّهايات، هو أسطورة مبرعمة في أعماقِ المغائرِ المنسيّة، هو صوتُ الضَّمير الحيّ في قلبِ الإنسان، هو محبّة الطَّبيعة والمروج المنعشة للروح، هو روحٌ هائجة متمرِّدة تعبرُّ ضجر الحياة بهمّة لا تلين، هو صوتُ الحنينِ الغارقِ في أعماقِ الذاكرة، هو الذاكرة المتلألئة في بحيراتِ المحبة، هو أمُّ الأمّهات وخصوبةُ الخصوبات، هو ترتيلة عشقٍ منبعثة من ضياءِ النُّجوم، هو نجمةُ الصَّباحِ في ليلة مهتاجة بالفرح، هو قصيدةُ حبِّ مفتوحة على شهيقِ الحياة!

ستوكهولم: 20 . 9 . 2005
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الأب يوسف سعيد
نصيف الناصري -

يقول الأب يوسف سعيد في شهادته بكتاب { انفرادات } الذي أعده الشاعر عبد القادر الجنابي : { الشعر صناجة نفسي ورباب روحي وقيثارة عقلي . الشعر قميص من طيلسان الملوك ارتديه وأرحل } ويقول { الشاعر يحس بكل الاحاسيس والملموسات . الشاعر في قراءاته كمن يفتح رتاجات جديدة الشاعر يتوارى في مهجة الليل ويرافق مسيرة القمر . تلفه الكواكب بأذيال أشعتها ويتسربل لمجد الله . الشاعر كغجري متمرد يضرب ساقاه في طول الأرض وعرضها . الشاعر حاجة ماسة بدونه لا تنجح حفلات الفرح ولا مواسم الحصاد } شهادة الأب يوسف تحت عنوان { الشعر صناجة نفسي في الصفحة 437 من كتاب انفرادات . هناك الكثير من التشابه في النصين والله أعلم

الشاعر نصيف الناصري
صبري يوسف -

الشاعر العزيز نصيف الناصري، تحيّة،الأب الشاعر يوسف سعيد، قامة شعرية سامقة، معروف في جموحاته وتدفقاته الشعرية المنسابة كنهر متهاطل من خاصرات الجبال!قرأت أغلب دواوين الأب يوسف سعيد، وقد سبق ونشرت له ديوان: فضاءات الأب يوسف سعيد، عبر دار نشري، المتضمِّن أربع قصائد طويلة: الأرض، السماء، التراب، الماء، ونظراً لشغفي العميق بشعره، قدَّمت دراسة تحليلية لدواوينه، منطلقاً من قصيدة الطفولة، تحت عنوان: رحلة فسيحة في دواوين الأب الشاعر يوسف سعيد، لكني لم أقرأ ما جاء في تعقيبكَ من شهادة للأب يوسف سعيد سابقاً، مع أني لا أرى تشابهاً فيما جاء في تعريفه للشعر وتعريفي، سوى كلمة الشعر! وسبق أن كتبت نصاً تحت عنوان: الشعر رحلة عناقٍ مع العشب البري، وتم نشره مع بطاقة تعريف ومقتطفات من قصائدي في أنطولوجيا إيلاف الشعرية، منذ سنوات، وقد أستوحيت النصَّين ونصوص أخرى حول الشعر من وحي بهجتي مع حميمية الشعر، ولا أخفيك أن نص الأب يوسف سعيد نص غير قابل للتقليد أو المحاكات فهو متفرِّد في أسلوبه وتحليقاته، ويسعدني عندما تشبِّه نصّي بنصِّه! مع خالص المودّةصبري يوسف ـ ستوكهولم

الشاعر نصيف الناصري
صبري يوسف -

الشاعر العزيز نصيف الناصري، .... ... ....وللأمانة الأدبية، عندما أستوحي فكرة ما، نص ما من وحي نصٍّ آخر، أشير إلى هذا، كما حصل معي عندما كتبتُ نصَّاً بعنوان: رحلة مكتنزة بدهشة المكان، أشرتُ، وُلِدَ هذا النصّ: من وحي قراءتي لنص قاسم حداد، "رحلة إلى جبل السيد"! كما أنني كتبتُ نصاً طويلاً، بعنوان، بخور الأساطير القديمة: من وحي قراءتي نصّ: "عودة ليليت" لجمانة حداد، لكني عندما أكتب نصّي من وحي تواصلي مع نصٍّ آخر، لا أتماهى مع نصِّه بل أكتب نصاً من وحي عوالمي، وبأسلوبي، بعيداً كل البعد عن محاكاته أو تقليده، منطلقاً فقط من الحالة التوقُّدية والتحفزُّية، فهو بمثابة الشرارة الأولى كحالة توهجية، لهذا أشير إلى هذه الحالة التواصلية العناقية في مقدمة قصيدتي تفادياً لأي التباس! مع خالص المودّةصبري يوسف ـ ستوكهولم