المشهد الثقافي الإسرائيلي عام 2007
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أصوات غاضبة ورحيل حبيبة محمود درويش
أسامة العيسة من القدس: ظهرت في العام 2007، أصوات غاضبة في المشهد الثقافي الإسرائيلي، وعلى غير المتوقع، لم تأت من مواقع اليسار الراديكالي، كما يحدث دائما، ولكن من وسط ما يسمى الإجماع الصهيوني. وشكل، مثلا، الكتاب الذي أصدره رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ، بعنوان (لنهزم هتلر)، ما اعتبر قنبلة ثقافية مدوية. ورافق صدور الكتاب،
ويسرد بورغ، في كتابه، قصة حياة عائلته، كعائلة يهودية نموذجية، ويقدم مراجعة لمفاهيم الصهيونية الكلاسيكية، ويوجه نقدا حادا لإسرائيل، ومقترحا تعريفات جديدة للهوية الإسرائيلية واليهودية.
وركز بورغ على أن تعريف "دولة إسرائيل كدولة يهودية هو المفتاح إلى نهايتها"، وان بقاء إسرائيل "كدولة يهودية يعني أنها ستكون دائما قريبة من الانفجار، ومن الديناميت".
ودعا بورغ لإلغاء قانون العودة الحالي في إسرائيل، الذي يقصر العودة على اليهود من مختلف العالم، مطالبا باستبداله بقانون لا يميز بين يهودي وأي إنسان آخر.
وقال بورغ يجب "أن لا ننظر لليهودية على أساس أنها جينات، وانما يجب توسيع تعريف الإسرائيلي إلى آفاق اكثر إنسانية، ولا يعقل أن نحصر اليهودي في الشخص الذي ولد لام يهودية فقط، يمكن لأي شخص يتفق معنا أن يكون إسرائيليا".
وهاجم بورغ ما اعتبره عسكرة المجتمع الإسرائيلي، مشيرا إلى كيف قاد العسكر الحرب الأخيرة على لبنان، وعادوا مهزومين، منوها إلى تأثير هذه العسكرة على المجتمع الإسرائيلي والعلاقات بين أفراده حيث ينتشر العنف بين الشبان والأفراد، وتزداد النساء المعنفات.
ولا يحمل بورغ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فقط السبب وراء انتشار العنف في المجتمع الإسرائيلي، ويعتبر أن الاحتلال هو جزء صغير من مشكلة المجتمع الإسرائيلي الذي يصفه بأنه مصاب بخوف مرضي، ومعوق نفسيا، وانه من اجل إنهاء هذا الخوف يجب معرفة مصدره، وهو برأي بورغ أن إسرائيل ما زالت أسيرة للكارثة التي ارتكبها هتلر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية.
وأحد أسباب الهجوم العنيف الذي يتعرض له بورغ، هو تشبيهه لإسرائيل، بألمانيا النازية، وان كان لا يرى أن ذلك يصل إلى حد التطابق، مشيرا إلى أن الأجواء في إسرائيل شديدة الشبه بألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي.
وردا على منتقديه سرد بورغ ما يراه تشابها بين إسرائيل وألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي وهي كما يقول "إحساس كبير بالمهانة القومية، واحساس برفض العالم،
وخلال العام 2007، أبدى عدد من الكتاب والإعلاميين الإسرائيليين، من أبناء الجيل المؤسس لدولة إسرائيل، قلقهم على مستقبل الدولة، في استطلاع لآرائهم نشرته صحيفة يديعوت احرنوت في الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس إسرائيل.
ومن هؤلاء اهارون أمير (84) عاما الذي قال ردا على سؤال للصحيفة حول ما يهدد وجود إسرائيل بعد 59 عاما من تأسيسها؟ بان التهديد الجدي لإسرائيل هو من الداخل وان "المشكلة مع نظام قيمنا، حلمنا بمجتمع اشتراكي يتحقق فيه العدل، وإذ بنا نعيش في مجتمع رأسمالي بدلا من ذلك".
ويضيف أمير "مع كل الأشياء الرائعة التي حصلنا عليها، لدينا أشياء رهيبة تكشف جراح المجتمع"، ومن بين هذه الأشياء الرهيبة التي يراها مثقف اشتراكي صهيوني "الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء".
ويقول أمير "18 عائلة في إسرائيل تسيطر على كل شيء تقريبا، ووزارة المالية لا تحارب ذلك، واشير إلى أن الفساد وانعدام الأخلاق، والحياء، قد تكون إشارات عابرة لملامح هذا العام".
أما الصحافي اليساري الصهيوني اوري افنيري فاجاب عن نفس السؤال "استقلال إسرائيل في مأمن من تهديد خارجي، ولكن التهديدات الكبيرة في داخلها"، واضاف بان "الفساد ينخر في كل مكان في دولة إسرائيل، هذا البلد لا يشبه ما كان في أذهاننا عندما ناضلنا من اجل تأسيسه، لقد فقدنا كل إحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، لم يعد لدينا الرحمة أو الشفقة".
ويتفق افنيري في أن خطر الفساد يهدد إسرائيل، ولا يستبعد أن يقتل الناس بعضهم بعضا عندما يتحول الفساد إلى ثقافة عامة داخل المجتمع الإسرائيلي.
ويقول افنيري بان "الأخلاق أصبحت كلمة قذرة في هذه الأيام، وجميع المعايير الأخلاقية تغيرت في إسرائيل، ويفترض أن يكون التضامن هو حجر الأساس لبناء المجتمع، ولكن الوضع الان مختلف". ويضيف "تحولنا من مجتمع قائم على الشراكة، إلى فجوات لا تطاق بين الطبقات الاجتماعية، واصبحنا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في هذا المجال".
وبرزت في العام 2007 نجومية الكاتب دافيد غروسمان، الذي عرف بانتقاداته الحادة التي وجهها لايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال وبعد حرب تموز (يوليو) 2006، على لبنان.
ورفض غروسمان، وهو والد جندي احتياط قتل في تلك الحرب، مصافحة اولمرت، خلال احتفالات توزيع جوائز الثقافة والعلوم في إسرائيل.
ومن بين الذين سلطت عليهم الأضواء بقوة في العام 2007 المؤرخ ايلان بابيه، الذي يعتبر أحد أكثر المؤرخين الجدد راديكالية، في إسرائيل، وذلك بسبب صدور كتابه (التطهير العرقي في فلسطين).
ويفسر بابيع عملية النزوح الكبيرة للفلسطينيين من بلادهم، بنظرية التطهير العرقي، واثبت بان العصابات الصهيونية اتخذت قرارا قبل اندلاع المعارك عام 1948، بتنفيذ عملية التطهير العرقي، وهو ما حدث لاحقا، ونجم عنه تدمير اكثر من 500 تجمع سكاني عربي ومسحها عن الوجود.
واستقبل أيضا الجمهور الفلسطيني كتاب بابيه بكثير من الحفاوة، حيث قدم الترجمة العربية للكتاب خلال مؤتمر صحافي في مدينة رام الله.
وظهر اسم بابيه وعنوانه الكامل ضمن قائمة سوداء أخرى أعدها اتباع الحاخام مئير كاهنا، باعتباره إحدى الشخصيات التي تهدد وجود دولة إسرائيل. وتم وصفه بالخائن وبانه والآخرين الذين ظهرت أسماؤهم في القائمة "لا يستحقون صفة يهودي". وفي اكثر من مناسبة كرر بابيه رأيه بأنه لا يوجد حل غير إقامة دولة ثنائية القومية، يعيش فيها العرب واليهود، بشكل متساو.
وخلال العام 2007، رحلت بعض الأصوات التي غردت خارج السرب في الثقافة الإسرائيلية، وابرزها عالم الاجتماع البارز والمؤرخ البروفيسور باروخ كيمرلنغ، الذي نظر، إليه كعراب لموجة المؤرخين الجدد في إسرائيل، التي أثارت اهتماما عالمياً.
ولم تكن الدراسات
ويعد كيمرلنغ كأحد ابرز (السوسيولوجيين الجدد) في إسرائيل لدراساته وأبحاثه في قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وسوسيولوجيا الحروب.
وظهر ذلك مبكرا في كتابه (الصهيونية والأرض)، الذي قال عنه كيمرلنغ "لقد بنيت سياقا آخر للمجتمع الإسرائيلي كمجتمع مكون من مهاجرين ومستوطنين".
ومثلما أعاد في كتابه هذا تعريف ما يمكن أن نسميه الهوية الإسرائيلية، فعل نفس الأمر بخصوص الهوية الفلسطينية، في كتابه (الفلسطينيون: صيرورة شعب)، الذي وضعه بالاشتراك مع البروفيسور يوئيل شموئيل مغدال، رئيس كاتدرائية الدراسات الدولية في مدرسة هنري جاكسون بجامعة واشنطن في ولاية سياتل الأميركية.
وقدم كيمرلنغ مصطلحا جديدا هو (بوليتيسايد) الذي يعني (الإبادة السياسية) وعرفها بأنها المسار الذي وضعته الصهيونية لتحقيق هدفها النهائي، وهو تفكيك الوجود الفلسطيني من حيث هو كيان شرعي، واجتماعي، وسياسي، واقتصادي.
ورأى كيمرلنغ في سيرة شارون كصاحب مهمة لتنفيذ هذه الإبادة السياسية، التي هي جزء عضوي من المشروع الصهيوني، مثل مشاريع الاستيطان الكبرى في العالم، التي ركز بعضها على إبادة السكان الأصليين، أو الإبادة الثقافية، أو نشر دين وثقافة المستوطنين الجدد. أما بالنسبة للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، فهدف إلى تنفيذ الإبادة السياسية، بتشتيت الفلسطينيين، والقضاء على وجودهم وهويتهم.
وفي شهر آذار (مارس) الماضي، رحلت عالمة اللغويات تانيا راينهارت، في نيويورك، التي عاشت فيها بعد أن ضاقت بها الجامعات الإسرائيلية، لمواقفها المبدئية ضد الصهيونية، ودعوتها للجامعات العالمية لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية.
وعرفت راينهارت، تلميذة نعوم تشومسكي بمواقفها غير القابلة للمساومة، حتى داخل ما يعرف بقوى اليسار الإسرائيلي، من رفضها لاتفاق أوسلو، إلى استهجانها لعملية اغتيال مؤسس حركة حماس، الشيخ احمد ياسين، الذي رأت فيه مناضلا من اجل حرية شعبه. واتخذت وزوجها الشاعر أهارون شبتاي، موقفا معاديا للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وأبدت تأييدا واضحا للمقاومة اللبنانية، وكتب زوجها القصائد في رثاء ضحايا المجازر الإسرائيلية التي ارتكبت خلال الحرب.
ومنذ دراستها في جامعة تل أبيب، وعودتها إليها عام 1977، بعد حصولها على الدكتوراه بإشراف تشومسكي، رفضت راينهارت المشاركة فيما كانت تسميه اللعبة السياسية في إسرائيل، لان ذلك سيشكل انتقاصا من استقامتها الفكرية.
وفي إحدى مقابلاتها الصحافية عام 2006، في إسرائيل قبل قرارها المغادرة، قالت راينهارت "أجد صعوبة بالغة في مواصلة حياتي اليومية، بينما على بعد كيلومتر واحد مني يعاني أناس معاناة شديدة من القهر والجوع ويحاطون بالجنود والأسلاك الشائكة، لقد وصلت إلى نقطة لم أعد أحتمل هذا الأمر، ولذلك فأنا أفكر في مغادرة هذه البلاد".
ووفقا لبعض المصادر الموثوقة فان راينهارت، هي نفسها ريتا التي كتب لها وعنها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، متغزلا، وانشدها مارسيل خليفة.