محاورات الفلاسفة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لقد أنجز ديدرو عمله هذا قبل نهاية القرن الثامن عشرة (ما بين 1762 و1779) وصدرت، لسخرية القدر، طبعته الأولى مترجمة إلى الألمانية من طرف غوته في بداية القرن التاسع عشرة (1805) كي يصدره مونفال سنة1891 لدى عثوره على نص المسودة الأصلية. أما الطبعة التي اطلعت عليها منه فيعود نشرها إلى سنة 1957 أيام سلسلة المكتبة العالمية بالفرنسية.
إسهام ديدرو في الموسوعة الفلسفية وفي إرساء فكر عقلاني وإنساني لا يماري فيه أحد. ذلك أن لهذا الرجل مكانته المتميزة بين كل فلاسفة ومفكري الفترة. فقد ولد دونيس ديدرو سنة 1713 بلونغر وتابع دراسته في باريس بعد ذلك ليحصل على شهادة عليا بجامعتها سنة 1732 كي يتصل بعد ذلك بالأوساط المثقفة ما جعله يلتقي مع جان جاك روسو خلال 1742. وبعد مضي خمس سنوات فقط من ذلك، سُلطت عليه أعين الشرطة وتم وسمه بأنه "شخص جد خطير"، وقد تم تفتيش بيته حينئذ. وقد تواصل مع روسو في شأن كتابه عن "رسالة العميان من أجل الذين يبصرون"، ليتم اعتقاله مباشرة وسجنه بفانسان. حياة ديدرو غنية من جهة إصداراته وعلاقاته مع رموز كثيرة في ذلك الحين إضافة إلى خصوماته بخصوص المشاركين معه في إنجاز الموسوعة ومع ناشره حيث قاطعه متهما إياه بممارسة الرقابة على نشر الموسوعة. كما أنه وقع في خلاف بل قطيعة مع روسو. غير أنه في صيف 1784 لم يكن له من بد من إغماض عينيه بمقبرة سان روش دون أن تمر حياته بلا طائل وإلا لن نتحدث اليوم عن "حفيد رامو" الذي أثار ضجة كبرى في حينه ويعاد طبعه اليوم كما أسلفنا.
لم يعدم ديدرو في البدء أن يصف هذا الشخص الغريب قائلا عنه أنه "مركب من السمو والدناءة" مثلما أسبغ عليه كثيرا من هذه التقابلات ما يجعل منه في آخر المطاف شخصا فريدا من نوعه وغير عادي إذ يمتاز أكثر من ذلك بقدرة هائلة على التخييل وعلى تنظيم بلا نظير. حتى أنه رأى بنفسه أن ثمة جاءته الوقاحة بنسبة من الفيلسوف ديوجين. عبر الكتاب نلحظ حفيد رامو يدافع دون مماحكة عن أفكار عالية ترشح من خلالها فلسفة ديدرو حول أكبر انشغالات الأنوار وأجملها أداء إلى جانب دو ساد وآخرين. يقول بأنه حضر يوما مأدبة أحد وزراء الملك وشاهده يصرح بأفكار من قبيل "(...) لا شيء أكثر نفعا للشعوب من الكذب وأن لا شيء أكثر ضررا بها من الحقيقة". يقول أنه ليس يتذكر كثيرا أدلته في تبيان حقيقة ذلك الأمر غير أن الرجل حسبما يقول تابع القول "بأن العباقرة ممقوتون، وبأنه لو كان طفل يولد حاملا على جبينه علامة منحة الطبيعة الخطيرة هذه، لزم، سواء، خنقه أو رميه في النار". أما المرأة فيؤكد رامو عن إلزامية تركها "تهذر كيفما تشاء؛ متى كانت جميلة، مرحة ومغناجا". أو رأيه في الشرف والضمير يقول: "أما البؤس. فصوتا الضمير والشرف ضعيفان متى بدأت الأمعاء بالصراخ".
فلتحيا فلسفة سليمان ضدا على كل فلسفة أخرى: "شرب خمرة جيدة، ابتلاع أطباق شهية، أن تتنعم بنساء حسناوات، الاستراحة على أسرة جد ناعمة. باستثناء هذا فالباقي كله إدعاء".ومادام رامو شخصا موبوءا أو بالعكس نقيا كما قال عن نفسه بدقة صائبة " لو لم أكن شريفا لما صرت اللحظة حائرا: أين سوف أتناول عشائي؟" أما ديدرو الذي عرف ندرة طينة مثل هذا الرجل فقد اعتبره بنفسه من بين الأذكياء إذ دعاه إلى كتابة أفكاره تلك. يقول رامو وهو يرد على محاوره أن من يحتاج إلى البرتوكول لن يمضي في الأمور أبعد من أنفه، إذ يلزم إنجاز أعمال عظيمة ما هو أفضل من إتيان تفاهات! لأنه مثلما قال أيضا "ليس أسهل من أن نكون أذكياء ونبدو أغبياء من أن نواري بليدا خلف تقاسيم ذكية". عن الكتب، من قِبل كتب تيوفراست، لابريير وموليير يجد رامو وهو الذي يقرؤها ويعيد ذلك أنها جيدة غير أنه يتساءل هل ثمة من يحسن قراءتها؟
أما هو فيقول: "أجد فيها كل ما علي فعله وكل ما لا يجب أن أقوله. ذلك أنه عندما أقرأ "البخيل" أقول لنفسي: كن بخيلا إن شئت غير أن عليك تجنب أن تتحدث مثل البخيل. ولما أقرأ "تارتيف" أقول لنفسي: كن منافقا متى أردت غير أنه يلزمك تجنب أن تتحدث مثل منافق. احتفظ بالعيوب التي تنفعك، لكن احترس أن تبدي منها النبرة ولا الهيأة ما يجعلك مضحكا. ولكي تضمن احتراسك من هذه النبرة وتلك الهيأة عليك أن تعرفهما. في الواقع هؤلاء الكتاب قد رسموها لنا بشكل جيد. أنا هو أنا وأظل أنا. غير أنني أتصرف وأتكلم كما يلزم". هذا الكتاب تحفة رائعة مثلما أكد عليه في الماضي كارل ماركس نفسه. إذ خط فيه ديدرو بسخرية بادية أفكاره الجميلة والحداثية عن الفكر والمجتمع والسياسة والموسيقى، على لسان هذا الرامو الذي لا يفتأ يشبه نفسه بديوجين الإغريقي. لهما فعلا تقريبا نفس الفلسفة في الرفض والاستهانة بمواضعات غبية فُرضت علينا حتى اليوم بحد السيف: قوانين الطغاة!
kermounfr@yahoo.fr
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف