سجون بلا قضبان لشاكر لنابلسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروت، عمان - صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، الكتاب الجديد، وهو الثامن والأربعون لشاكر النابلسي من 244 صفحة بعنوان "سجون بلا قضبان.. يحدث في العالم العربي الآن". وفي هذا الكتاب يواصل النابلسي دعوته إلى الإصلاح في العالم العربي، ويدافع عن الليبراليين العرب الذين يحملون لواء هذه الدعوة منذ
بهذه النبرة المتشائمة، المقرونة بالوثائق والوقائع والأرقام، يمضي النابلسي في تعداد المظاهر السلبية المنتشرة في العالم العربي، فهناك أكثر من سبعين مليون أمي، بل أن نسبة الأمية في بعض الدول الكبيرة، كمصر، تزيد على الستين بالمئة. أما المعاهد والجامعات العربية فقد أضحت في أسفل قائمة اربعمئة جامعة في العالم. ويوضح المؤلف قائلا: "لو استعرضنا صناعتنا، وعلومنا، وزراعتنا، وثقافتنا عموما، لوجدنا أننا ما زلنا في قائمة الدول والشعوب الأكثر تخلفا في العالم، رغم ما لدينا من إمكانات جغرافية، وثروات طبيعية وبشرية، لتحقيق أفضل معدلات التنمية في العالم".
ووفق هذا الفهم النقدي الذي يشير إلى مواقع الخلل، في محاولة للعثور على الحلول الناجعة، يقدم النابلسي في هذا الكتاب مرافعته للدفاع عن الليبراليين العرب، فقد تحمل هؤلاء النقد والتجريح، والخصومات في سبيل الدفاع عن آرائهم الرامية إلى الإصلاح، والتطور والتحديث، فالكاتب الليبرالي -كما يقول النابلسي -"هو الذي يثير الشكوك دائما، ويحفر حول الحقائق، ويُغضب أكثر مما يُفرح، ويثير أكثر مما يبعث على السكينة، ويُقلق أكثر مما يريح". ويستشهد النابلسي هنا بما يقوله المفكر المغربي عبد الله العروي: "إذا كانت الدعوة الليبرالية، أي الفكر النقدي العلمي على الطريقة الغربية، قد أخفقت في الماضي، فإن ذلك لا يعني أنه ينبغي أن نتخلى عنها. على العكس ينبغي أن نواصل معركة التحرر الفكرية مرة أخرى حتى لو فشلنا مئة مرة. وما لم يستوعب الفكر العربي مكاسب العقل الحديث من عقلانية وموضوعية ونزعة إنسانية، فإنه سيظل متخلفا ولن تُحل أي مشكلة في العالم العربي أو الإسلامي".
ويشرح النابلسي فحوى الدعوة الليبرالية، وطموحاتها فيقول: "إن أفضل ما يلخص به الفكر الليبرالي العربي الجديد هو انه فكر في مجمله يقوم بإحياء قيم الحرية لدى الإنسان. ولهذا يقف الفكر الليبرالي العربي الجديد ضد الحكم المطلق، وضد الاستبداد، وضد الخنوع للدولة واستعبادها، وليس ضد الدولة. وأن الفكر الليبرالي الجديد ليس مبنياً على حقيقة واحدة خالدة وعابرة للتاريخ. حقائق الليبراليين الجدد لا تعرف دفعة واحدة، وإنما تعرف بالتدريج وفي وجوه متعددة ومغايرة، وهي دائما تحتمل المراجعة الشاملة المتكررة"، وتبعا لهذا التعريف فهو يطالب المثقف العربي الليبرالي الحداثي بالعمل "لتخليص المجتمع من الارتهان للماضي إلى الرهان على المستقبل، وإخراجه من هذا الماضي البائس، ونقله إلى مستوى العصر".
ويسترجع النابلسي بعض مواقف الليبراليين العرب، مشيداً بدورهم في الكثير من الأحداث، ففي الملف العراقي أعرب الليبراليون العرب عن رغبتم الصريحة في تحرير العراق من الديكتاتورية "ليس حبا بأمريكا ولكن حبا بالعراق، وقد صدقت دعوتهم تماما في شمال العراق، وفي إقليم كردستان، ولم تصدق في وسط العراق وجنوبه حيث السنة والشيعة وصراعهم التاريخي المعروف"، ويرى النابلسي بان "الخطأ الأمريكي ليس في تحرير العراق على النحو الذي تم، ولكن الخطأ الأمريكي الأكبر، كان وثوق الإدارة الأمريكية بالنخب السياسية التي تعاونت معها، والتي ظهرت أنها زمرة من الحرامية والفاسدين"، ويبين المؤلف بان الدفاع عن حقوق الأقليات وحقوق المرأة كان الشغل الشاغل لليبراليين في السنوات الماضية، والليبراليون هم الفئة التي وقفت إلى جانب الحقيقة وتحدوا الإرهاب وفتاوى الإرهابيين. ويمضي النابلسي في تعداد مآثر الليبراليين فيقول بأنهم "لا يغيرون ثوابتهم الأساسية الخاصة في الحرية والديمقراطية والعلمانية ومساواة سائر المواطنين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن لونهم، أو دينهم، أو عرقهم، أو لغتهم"، وما عدا ذلك فان الفكر الليبرالي ينتقد نفسه، ويراجع مقولاته بصورة مستمرة.
ويخصص الباحث النصف الأخير من الكتاب للحديث عن محنة بعض المثقفين العرب ممن يعتبرون ليبراليين ، بهذا القدر أو ذاك، فتحت عنوان "سجون المثقفين" سنتعرف على قضية المفكر الكويتي احمد بغدادي والحكم الذي صدر ضده بتهمة "الإساءة للإسلام"، ومشكلة الكاتب المصري سيد القمني مع الإرهاب والتهديدات التي تعرض لها، وقضية المفكر المصري حسن حنفي والانتقادات التي وجهت له من قبل من يسميهم النابلسي ب-"فقهاء السلطان"، وكذلك مشكلة الباحث الإسلامي المصري المتنور جمال البنا، ومحنة العفيف الأخضر مع الأصولية المتزمتة، ويرصد النابلسي كذلك ما تعرضت له الكاتبة والناقدة التونسية رجاء بن سلامة من انتقادات في الصحافة والأوساط الأكاديمية، والأجواء الضاغطة التي عاش فيها الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ الذي تعرض لمحاولة اغتيال.
إن هذا الكتاب إشكالي إلى حد بعيد، فهو يقارب مواضيع شائكة وملتبسة من قبيل العلاقة بين الدين والدولة، وسبب معاداة رجال الدين للطرح العلماني، وأصول العداء بين الإسلام والغرب، والمقارنة بين إسلام القرآن الكريم وإسلام الفقهاء، وقضية الإرهاب، وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسواها من القضايا الشائكة التي يتحدث عنها الكاتب بجرأة، فالسمة الرئيسة التي يمكن للقارئ أن يلاحظها، لدى قراءته لهذا الكتاب، هي الصراحة، والوضوح، ذلك أن النابلسي، وعلى عكس الكثير من الباحثين العرب، يجهر برأيه، دون تحفظ، ويقول وجهة نظره دون عوائق، متجنبا التخفي وراء كلمات مواربة أو مصطلحات ملتبسة أو شعارات غامضة. وبمعزل عن الخطأ أو الصواب في رأيه غير أن ما يميز هذا الرأي هو أن صاحبه يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، دون أن يخشى ردود الأفعال التي قد تنشأ تبعا لهذه الآراء القاسية والصريحة في آن، وردود الفعل هذه تصدر، بكثرة، من قبل من يخالفهم النابلسي الرأي.