اليوم الذي ضعت فيه!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قصة: أسحاق سنجر
ترجمة: زعيم الطائي
ليس من الصعب ان يتعرف المرء بي، سترى رجلاً يجتاز الشارع وحيداً بمعطف طويل، منتعلاً حذائين كبيرتين، وقبعة مجعدة، واسعة الحواف، وعوينات فقدت أحدى عدساتها، حاملاً مظلته المطرية رغم سطوع الشمس في كبد السماء، ذلك هو أنا، بروفسير(شلاميل).
هناك أشارات لاريب فيها تدل أيضا ً على هويتي، فجيوبي دائماً منتفخة، تحوي صحفا ومجلات وربما فقط بضعة أوراق، مع كل تلك الحمولة فأنا أصطحب حقيبتي اليدوية، ولكنني أقترف دوما ً أخطاء عديدة، فأنا أسكن مدينة نيويورك لأكثر من أربعين عاما ً، ولحد الآن كلما أردت التوجه الى خارج المدينة تقودني قدماي الى مركزها، وعندما أريد الذهاب شرقاً، أرى نفسي غرباً، دائم التأخر، ولم أتعرف الى أحد.
كثيرا ماأضع الأشياء في غير مواضعها، وأسأل نفسي مئات المرات، أين وضعت قلمي؟, أين تركت منديلي ونقودي؟أين دفتر عناويني؟ ممكن ان تصفني بالبروفسير فاقد الذاكرة.
لعدة سنوات، درسّت الفلسفة في الجامعة نفسها، ولاأزال أجد صعوبة في الوصول الى مكان الصف الذي أدرس فيه، حتى المصعد الكهربائي يلعب معي حيله الغريبة، فحينما أريد الصعود الى الطابق الأعلى يحملني الى طابق السرداب الأرضي، وقلما مر يوم دون أن ينغلق علي بابه، أن باب المصعد أسوأ أعدائي.
أضافة الى حماقاتي الراسخة وفقداني حاجياتي، أنا كثير النسيان، فعندما أدخل مقهى، وأعلق معطفي عند الشماعة، أخرج بدونه، أتذكره بعد حين من الزمن محاولا ً الرجوع اليه، لكنني لاأتذكر أين تركته، هكذا أفقد قبعاتي، كتبي، ومظلاتي، واقيات المطر، وكتاباتي، فوق كل هذا فانا لاأتذكرأحيانا ً عنواني، فقد أستأجرت تاكسياً ذات مساء، لأنني كنت مستعجلاً بالذهاب الى البيت، سألني سائق التاكسي:
- أين ذاهب؟
- الى البيت (قلت)
- أين يقع البيت؟ (سألني مندهشاً)
- لاأتذكر (أجبته)
- ماهو أسمك؟
- بروفسير شلاميل.
- بروفسير (قال السائق) سأوصلك الى كابينة تلفونات، فأنظر في دفتر التلفون ستجد عنوانك فيه.
قادني الى أقرب صيدلية حيث وجدت تلفوناً هناك، ولكنه لم يشأ أنتظاري، وكنت على وشك الدخول من الباب حينما تذكرت حقيبتي التي تركتها في عربته، فركضت خلفه صائحاً، (حقيبتي ، حقيبتي) ولكن السائق أبتعد ولم يسمعني. سرعان ماوجدت دفتر تلفونات في الصيدلية، لكنني حينما نظرت تحت حرف (ش) لاحظت مرتعبا ً أنه بالرغم من وجود قائمة طويلة بأسم شلاميل، لم أكن أنا بينهم، في تلك اللحظة تذكرت قبل شهور عدة قررت السيدة زوجتي رفع أسمنا من قائمة دفتر التلفون، والسبب أن بعض طلبتي لم يرعووا عن الأتصال بي وأيقاظي حتى بعد منتصف الليل، ومرات يحدث أن يتصل أحدهم على التوالي طالبا ً شلاميل آخر، فيوقظني بعد أن يخطئ في النمرة، كل ذلك حسن، ولكن كيف سأتمكن من الوصول الى منزلي؟
كنت بعض الأحيان أحتفظ ببضع رسائل تحمل عنواني، في جيب صديريتي، ولكن فقط هذا اليوم قررت تنظيف كل جيوبي، فهو يوم ميلادي وستقوم زوجتي بدعوة كافة أصدقائنا هذا المساء، فقد حضرت كيكة كبيرة وزينتها بشموع عيد الميلاد، أتخيل أصدقائي الآن وهم يتجمعون في غرفة الجلوس منتظرين تقديم التهاني بعيد ميلاد سعيد، وانا مازلت مقيماً في دكان للأدوية، في حياة لايتهيأ لي فيها أن أتذكر عنوان المكان الذي أعيش فيه.
فجأة خطر لي رقم تلفون لأحد معارفي، دكتور ماذرهيد، قررت مباشرة الأتصال به لنجدتي، طلبت الرقم فأذا بصوت فتاة يجيبني:
- هل الدكتور ماذر هيد في المنزل؟
- كلا (اجابت الفتاة)
- هل في المنزل زوجته؟
- كلاهما خارج البيت (ردت الفتاة)
- ربما تتمكنين من أخباري اين سأجدهم؟ (سألتها)
- أنا فقط جليسة الأطفال، لكنني أعتقد انهم توجهوا الى حفلة في بيت البروفسير شلاميل، هل ترغب في ترك رسالة.؟(قالت) من الذي أكلمه رجاء.؟
- بروفسير شلاميل (أجبتها)
- لقد غادروا متوجهين الى بيتك منذ ساعة خلت.(قالت الفتاة)
- هل تخبريني أين بالضبط؟ (سالت)
- كما أخبرتك، لقد ذهبوا الى بيتك.
- ولكن أين هو البيت؟
- بالتأكيد انك تمزح، (قالت الفتاة، ثم أغلقت السماعة)
حاولت مهاتفة العديد من أصدقائي الذين عادت الى ذاكرتي أرقام بعض من تذكرت منهم، ولكنني كلما أتصلت باحدهم تلقيت نفس الجواب، لقد ذهبواجميعاً الى حفلة البروفسير شلاميل.
وبينما كنت واقفا في الشارع أسأل نفسي حائراًعما سأفعله، بدأ المطر يتساقط، (أين مظلتي)قلت لنفسي، لكنني عرفت الجواب في الحال، تركتها في مكان ما، أسرعت الى ظلة قريبة لأحمي نفسي من البلل، لكنها الآن أخذت تسقط كلاباً وقططاً، تومض وترعد، بعد ان كانت مشمسة، دافئة طوال اليوم، الآن وفي الوقت الذي أضعت فيه مظلتي، أخذت عاصفة بالهبوب، وبدت كأنما تسلم أمورها لما تبقى من الليل.
بغية أشغال نفسي أنصرفت بذهني لبعض مشكلات الفلسفة القديمة، الدجاجة الأم وضعت بيضة، حدثت نفسي، وحينما فرخت كان هناك صوص، كما يحدث دائماً، فكل فرخة أتت من بيضة، وكل بيضة أتت من دجاجة، ولكن هل كانت الدجاجة أولاً أم البيضة؟ ليس هناك فيلسوف قادر على حل هذا السؤال الأزلي، كذلك، يجب أن يكون هناك جواب، ربما، أنا شلاميل، الذي قدر لي أن أقع عليه.
لازالت السماء تصب دلاءها، أصاب البلل أقدامي وبدأت تسري في جسدي قشعريرة البرد، فأخذت أعطس، لهذا أحتجت الى ماأنشف به أنفي، لكن منديلي هو الآخر قد أختفى، عند ذاك لمحت كلباً ضخماً أسود اللون ، يقف تحت الأمطار، ينظر الي بعينين حزينتين ، وقد غمر جسمه البلل، عرفت ماهي مشكلته في الحال، أنه كلب تائه، فهو أيضا نسي عنوانه، أحسست بحب جارف نحو ذلك الحيوان البريء، ناديته فأتى جرياً، رحت أكلمه كما لو كان بشراً، (نحن في نفس القارب ياصاحبي)قلت (أنا الأنسان شلايمل وأنت الكلب شلايمل، ربما كان اليوم عيد ميلادك أنت الآخر، وهناك حفل من أجلك أيضا ً، لكنك تقف هنا مرتعشاً ومهجوراً تحت المطر، الى أن ينتبه صاحبك الذي يحبك للبحث عنك في كل مكان، ومن المحتمل انك تشعر بالجوع كما أشعر.)
ربت بيدي على رأسه المبلل، فهز لي ذيله، (كل ما حدث لي سيحدث لك)قلت (ساحافظ عليك حتى نجد بيتينا معا، فأن لم تعثر على سيدك ستظل معي، أعطني قدمك) رفع الكلب قدمه اليمنى، ليس هناك شك من أنه فهم ماقلت.
فجأة رأيت تاكسياً يتجه نحونا، ويرشنا عند توقفه بالوحل، ثم سمعت صوتاً ينادي بأسمي، ولمحت الباب يفتح ورأس أحد أصدقائي يظهر أمامي، (شلاميل) ناداني (مالذي تفعله هنا، من تنتظر؟).
- أين أنت ذاهب؟ (سألته)
- الى بيتك بالطبع، عذرأً لتأخري، ولكنني لم أتخل، على كل حال، التأخر أفضل من لاشيء، ولكن لم لست في بيتك؟ ولمن هذا الكلب؟
- لقد أرسلك لي الرب، (هتفت) يالها من ليلة، نسيت فيها عنوان بيتي، وفقدت حقيبتي في التاكسي، ولاأعلم أين وضعت مظلتي، وواقيتي المطرية.
- شلاميل (قال صديقي) أذا كان هناك بروفيسراً شارد الذهن فهو أنت.
عندما قرعت جرس الشقة، فتحت زوجتي الباب، وصرخت بوجهي بصوت حاد (شلاميل، الكل ينتظرونك ، أين كنت؟ أين ذهبت حقيبتك، مظلتك، ومعطفك الواقي؟
وماهذا الكلب الذي تصحبه؟)
أحاط بي كل أصدقائي، صائحين (أين كنت؟ لقد أصابنا القلق، أعتقدنا أن مكروها حل بك ).
- لمن هذا الكلب؟ (رددت زوجتي)
- لاأعلم (أجبتها أخيراً) لقد وجدته في الشارع، ناده فقط بو وا، مادام بيننا.
- بو وا، حقاً. (لامتني زوجتي) أنت تعرف ان قطتنا تكره الكلاب، وكيف بالبراكيت الصغار حيث سيموتون من الرعب.؟
- أنه كلب هادئ (قلت) سيكون صديقا ً مع القطة. كما انني متأكد أنه سيحب الباراكيت، وأنا لن أتركه يقاسي من البرد تحت المطر، فهو روح طيبة.
في اللحظة التي تفوهت بها ذلك، أطلق الكلب هوهوة جبانة، لكن القطة سارعت بالهرب الى الغرفة، ماأن وقع نظرها عليه، قوست ظهرها ثم أطلقت من فمها رذاذا ً نحوه، وعرفت انها على أستعداد لنهش عينيه بمخالبها الصغيرة، وبدأت الباركيتات ترفرف بأجنحتها زاعقة داخل قفصها، والجميع يصرخون في نفس الوقت، وقد حدثت ضجة كبيرة.
هل يريد أحد معرفة كيف أنتهت الأمور؟ بووا مازال يهنأ بالعيش معنا، وأصبح هو والقطة صديقين متلازمين، وتعلمت الباركيتات الركوب على ظهره كما لو كان حصاناً، أما عن زوجتي، فقد أحبته أكثر مني، وعندما أحاول أصطحابه للخروج تقول لنا:
- الآن، لاتنسيا عنوانكما في العودة، أعنيكما معاً.
لم يسعفني الحظ بالعثور على حقيبتي مرة أخرى، ولامظلتي أو واقيتي المطرية، ككل الفلاسفة من قبلي، تخليت بتاتاً عن محاولة حل لغز من أتى أولاً، البيضة أم الدجاجة؟
وشرعت بدلاً من ذلك بتأليف كتاب أسميته (مذكرات شلاميل)، فأذا لم يقيض لي أن أنسى مخطوطتي في سيارة التاكسي أو في أحد المطاعم، أو على مصطبة في متنزه عمومي، فستتهيئ لك فرصة قراءتها يوماً من الأيام، أما في هذه الأثناء فتستطيع أشغال نفسك بهذا الفصل على سبيل المثال.
الولايات المتحدةالأمريكية
Ziam50@hotmail.com