كتاب (الملك الذهبي) لزاهي حواس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرةمن سعد القرش:المصادفات التاريخية التي حالت دون وصول اللصوص إلى مقبرة توت عنخ امون لنحو 3274 عاما دفعت بالفرعون الصغير الى صدارة المشهد في مصر القديمة لينافس في الشهرة ملوكا بارزين مثل تحتمس الثالث ورمسيس الثاني. ويجد قاريء كتاب (الملك الذهبي) للأثري المصري زاهي حواس إجابة عن معظم الأسئلة المتعلقة بالفرعون الشاب وأهم مقتنيات مقبرته إضافة إلى بانوراما لعصر الإمبراطورية المصرية (نحو 1567-1085 قبل الميلاد) التي تأسست كحكم وطني بعد طرد الغزاة الهكسوس على يد سقنن رع تاعا الثاني وابنيه كامس وأحمس الذي "قاد حرب التحرير العظمى ونجح في طرد المحتلين" وكان أول حاكم في الاسرة الثامنة عشرة.
وشهدت مصر قبل الميلاد بأكثر من أربعة آلاف عام حضارات لم يؤرخ لها ثم توحدت البلاد جغرافيا واداريا تحت حكم مركزي عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا مؤسس الاسرة الفرعونية الاولى. وفي عصر بطليموس الثاني الذي حكم مصر تقريبا بين عامي 284 و246 قبل الميلاد قسم الكاهن مانيتون أشهر المؤرخين المصريين تاريخ البلاد الى ثلاثين أسرة حاكمة منذ توحيد مصر حتى الاسرة الثلاثين التي أنهى حكمها الإسكندر حين غزا مصر عام 332 قبل الميلاد.
ويشير حواس الى أن نظام الحكم حين يكون قويا فإن حدود الأمن المصري تصبح أبعد من جغرافيا البلاد فعلى سبيل المثال قام تحتمس الثالث الذي حكم في النصف الأول من القرن الخامس عشر قبل الميلاد بتأمين الحدود الجنوبية لمصر كما أمن الحدود الشمالية واستطاع الجيش المصري عبور نهر الفرات. ثم قاد خليفته أمنحتب الثاني الذي حكم بين عامي 1450 و1425 قبل الميلاد "حملات عسكرية نحو سوريا وفلسطين" أسهمت في إرساء حكم الامبراطورية.
ويضيف في الكتاب الذي يصدر يوم الأربعاء في طبعة فاخرة بالقاهرة عن (الدار المصرية اللبنانية) أن أمنحتب الثالث الذي حكم بين عامي 1417 و1379 قبل الميلاد كانت له سبع زوجات من سوريا وبابل وممالك اسيوية أخرى دليلا على الولاء للتاج المصري مشيرا الى أن الخطابات الرسمية من أمراء تلك الممالك كانت مكتوبة بلهجة "خانعة حيث كانوا ينعتون الملك (المصري) بيا سيدي. يا إلهي. يا إله الشمس" كما كانت هداياهم إليه عبيدا يافعين وعربات فضية بجيادها.
ولم ينس حواس الذي طالب الالمان مرارا بإعادة التمثال الشهير للملكة نفرتيتي زوجة اخناتون أو إعارته لمصر لمدة محددة أن يتوقف أمام قصة خروج التمثال قائلا إن عالم آثار ألمانيا عثر عليه عام 1912 وقامت البعثة الأثرية الألمانية بكسائه بالطين لتخفي روعته وأثناء تقسيم الآثار بالمتحف المصري لم يتمكن المسؤول من رؤية الملامح الباهرة للتمثال المصنوع من الحجر الجيري. وينكر الألمان هذه القصة ويقولون إن التمثال خرج بطريقة مشروعة "وقد وضعت خطط لإعادة التمثال الى مصر قبيل الحرب العالمية الثانية. ولكن طلب (الزعيم النازي) هتلر رؤية التمثال. وحينها وقع في غرام التمثال ورفض مغادرته الأراضي الألمانية."
ويحمل الكتاب عنوانا فرعيا هو (عالم توت عنخ امون) وصممه بأناقة عبد الخالق صبحي ويبلغ 167 صفحة كبيرة القطع وهو بصوره الملونة أقرب الى متحف اذ يضم عشرات الصور للوحات وتماثيل ملوك وملكات إضافة الى مقتنيات عثر عليها في مقبرة توت التي يعتبرها أثريون أعظم كشف أثري في التاريخ وكانت حديث العالم حين اكتشفت في منطقة وادي الملوك بالأقصر على بعد نحو 690 كيلومترا جنوبي القاهرة في نوفمبر تشرين الثاني عام 1922 وبها أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية. ومول اللورد كارنرفون (1866-1923) عملية اكتشاف مقبرة توت عنخ امون التي قام بها هاوارد كارتر (1874-1939). ويعد توت عنخ امون من آخر ملوك الاسرة الفرعونية الثامنة عشرة (نحو 1567-1320 قبل الميلاد) وتوفي نحو 1352 قبل الميلاد وهو دون الثامنة عشرة بعد أن حكم مصر تسع سنوات. ولايزال موته الغامض لغزا.
ويرى أثريون أن لصوص المقابر حاولوا السطو على الذهب الذي تحتويه مقبرة توت مرتين.. الأولى في عهد خليفته أي الذي تولى الحكم بين عامي 1352 و1348 قبل الميلاد والثانية في عهد حور محب الذي كان قائدا للجيش ثم تولى الحكم بين عامي 1348 و1320 قبل الميلاد تقريبا.
ويقول حواس إن مقبرة توت التي تتكون من أربع حجرات صغيرة والتي جهزت "بسرعة لدفن الملك" استغرق تنظيفها وتسجيل ما بها من قطع أثرية عشر سنوات. وفي الكتاب تفاصيل دقيقة للمقبرة وطبيعة محتوياتها حتى بقايا جرار للجعة رأى علماء بريطانيون بعد دراستها أن "الجعة المصرية كانت تحتوي على نسبة كحول أعلى من جعة اليوم."
ويضيف أن معظم مقابر وادي الملوك تعرضت للسرقة التي يعتبرها احترافا قديما "كانت عملية سرقة الكنوز المصرية ترجع لأكثر من خمسة آلاف عام" مشيرا الى زيادة عمليات السرقة في فترة الرعامسة في الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين (نحو 1320-1085 قبل الميلاد).
وقادت مصادفة سقوط شاة في شق صخري عام 1871 أحد أفراد أسرة عبد الرسول لاكتشاف ممر يضم توابيت ملكية لأبرز ملوك الامبراطورية واستمر نهبها عشر سنوات وكانت موضوعا لفيلم (المومياء) لشادي عبد السلام ثم انتقلت هذه المومياوات الى القاهرة عبر نهر النيل. ويقول حواس إن مفتش الآثار لم يتمكن من إدخالها الى جمرك القاهرة إذ لا يوجد بند ينص على إدخال مومياوات "فدخل ملوك مصر العظماء المدينة كأسماك مملحة."
ويفسر حواس وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر نجاة المقبرة من اللصوص الذين سرقوا مقابر ملكية سابقة أو تالية بأن توت "مسح من صفحات التاريخ على يد خلفائه" حيث تولى الحكم صبيا في مرحلة اضطراب سياسي وديني بعد فشل ثورة فرعون التوحيد أمنحتب الرابع الشهير بإخناتون الذي حكم البلاد تقريبا بين عامي 1379 و1362 قبل الميلاد وغير ديانة امون الى ديانة اتون التي يرمز لها بقرص الشمس ونقل عاصمة الدولة الى أخيتاتون (تل العمارنة) شمالي العاصمة التقليدية طيبة (الأقصر).
ويرجح حواس أن يكون توت عنخ امون تربى في القصر الملكي بتل العمارنة خلال حكم اخناتون وكان اسمه آنذاك (توت عنخ اتون) مشيرا الى أنه أصبح ملكا في سن التاسعة تقريبا وأن كهنة امون بطيبة "جعلوه يعيد الرب امون الى مكانته السابقة كرب عالمي لمصر وإهمال عقيدة اتون" وانتقل البلاط الملكي من العمارنة وتزوج الملك ابنة اخناتون ونفرتيتي "عنخ أس أن با اتون" وتغير المقطع الأخير من اسم الزوجة الى امون.
ويضيف أن توت خطط لتشييد مقبرة ضخمة في وادي الملوك لكنه لم يملك الفرصة لإتمامها ودفن في مقبرة صغيرة محفورة في الصخر "لم تكن مصممة لمكانة ملك" وانتهى العمل في تلك المقبرة وزخرفتها خلال سبعين يوما هي فترة إعداد المومياء وتزيينها بنحو 143 قطعة من تمائم ومجوهرات أغلبها ذهبية لكن "العديد من الأغراض الموجودة في المقبرة قد أعدت لدفنات ملكية أخرى ثم ذهبت لاستخدامه هو."
وتعرضت مصر لحالة من الفوضى بعد وفاة توت الذي ترك العرش بلا وريث. فأرسلت أرملته عنخ أس أن با امون خطابا إلى ملك الحيثيين قالت فيه "لقد مات زوجي ولا يوجد لي أبناء. وهم يقولون إن لك العديد من الأبناء. فيمكن أن تعطي لي أحد أبنائك ليصبح زوجي فأنا لا أرغب في اتخاذ أحد خدامي زوجا لي فأنا أشمئز من جعله زوجي... سوف يكون زوجي ملكا على مصر."
ويفسر حواس نص الخطاب بأن الملكة منحت فرصة للسلام بين المملكة المصرية ومملكة الحيثيين في منطقة الأناضول وشمالي سوريا ويضيف أن ملك الحيثيين أصيب بصدمة اذ جرت العادة أن يتزوج ملوك مصر من أميرات أجنبيات "ولم يحدث من قبل أن تتزوج ملكة مصرية من أمير أجنبي" حيث كان ذلك يجلب "العار للبلاد" وبعد أن تأكد لملك الحيثيين أنها جادة في الطلب أرسل أحد أبنائه لكنه لم يبلغ حدود مصر "فقد مات في الطريق وربما كان ضحية حادث اغتيال أو مرض" مرجحا أن يكون مصرع الأمير الحيثي بمشاركة من قائد الجيش المصري حور محب الذي أصبح حاكما.
وسبق أن وصف تريفور برايس زميل الأكاديمية الاسترالية للعلوم الانسانية في كتابه (رسائل عظماء الملوك في الشرق الأدنى القديم.. المراسلات الملكية في العصر البرونزي المتأخر) موت الأمير الحيثي قبل أن يبلغ الحدود المصرية بأنه لغز مرجحا قتله بأيد مصرية. وقالت انا رويز وهي عضوة جمعية دراسة الآثار المصرية في كندا في كتابها (روح مصر القديمة) إن حور محب هو الذي قتل الأمير. (رويترز)