ثقافات

مي نايف. . ونقد المرأة لنص المرأة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حاورتها سماح الشيخ: د.مي نايف إحدى أهم الأصوات النقدية الفلسطينية التي تناولت الشعر الحديث بالدراسة، كانت أطروحتها للدكتوراه حول شعر المرأة الفلسطينية.

* في رسالتك للدكتوراه التي كانت حول شعر المرأة الفلسطينية تجدين معجماً نسوياً خاصاً بكل شاعرة، فهل هذا يعني أنك مع مصطلح الإبداع النسوي؟
- أي ناقد يشتغل على نص المرأة سيلحظ أن هناك كتابة نسائية. من يزعم أنه لا توجد كتابة نسائية يخضعون للمعيار الذكوري في الأدب، فهم لا يأخذون إلا كتابات الذكور أو كتابات المرأة التي تكتب بشكل يتوافق مع كتابات الذكر، هؤلاء لا يؤمنون بوجود كتابة نسائية. من يؤمن أن هناك اختلاف بين الرجل والمرأة لا بد أن يلحظ أن هناك كتابة نسوية. بعد عملي مسح لشعر المرأة الفلسطينية، وكنت سابقاً قد درست كتابة الرجل (في رسالتي للماجستير عن الشاعر الفلسطيني الكبير محمد حسيب القاضي)، أستطيع أن أجزم أن المرأة تكتب بشكل مختلف تماماً عما يكتبه الرجل.

*هل للإبداع جنس أنثوي أو ذكوري.. أليس الإبداع همّـاً وجودياً بالدرجة الأولى؟ كيف يمكن أن يوحّد البعد الإنساني بين جنسي الإبداع؟
- الكتابة إبداع، والإبداع همّ. إذا وصلت المرأة والرجل إلى مراحل متقدمة من الإنسانية، فلم تبقَ المرأة إنسانة من الدرجة قبل الأخيرة وليست الدرجة الثانية، هنا نستطيع أن نقول أن المرأة ستكتب شيئاً إنسانياً يشابه ما يكتبه الرجل، فتصبح الكتابتان متعادلتين ومتوازيتين. أما في ظل مجتمعاتنا الحالية التي تغصب المرأة على الاختلاف من كل النواحي، ستظل تكتب لتشكي وتبوح وتطالب بحقوقها.

*إذن هي الفروق التاريخية التي وقفت وراء اختلاف إبداع كل جنس؟
- ليست الفروق التاريخية وحدها، إنما هي فروق جغرافية وثقافية وسياسية. السياسة لم تعطِ للمرأة الحق. الناس تعتقد أن المشاكل التي تتعرض لها المرأة هي مشاكل شخصية، الحقيقة تقول لا، فإحدى الكاتبات الغربيات تقول إن كل ما هو شخصي هو سياسي. لو كان هناك قراراً سياسياً يعطي المرأة حقوقها، يرفع من سقف كتاباتها، يقلل من الخطوط الحمراء اللامتناهية عليها، سيكون الأمر مختلفاً. نحتاج لقرار سياسي، إنها قضية سياسية. ثم هي قضية ثقافية اجتماعية، فتلقّي المجتمع للولد مختلف عن تلقيه للبنت مما يرسخ ثقافة معينة عندها وثقافة مختلفة عند الولد. الولد يخرج ويروح ويجرّب فحصيلتها الثقافية تختلف عن حصيلته، فكيف تكتب كما يكتب؟
في السيرة الذاتية للشاعرة فدوى طوقان تقول أنها أول ما كتبت، كتبت قصيدة غزلية فوبّخها والدها وطلب منها أن تكتب كما يكتب أخوها إبراهيم طوقان، شاعر الوطنية. تقول أنها بكت، فكيف تكتب في السياسة والوطنية والتاريخ وهي حبيسة الأربع جدران بعد أن خرجت من الصف الخامس الابتدائي. نحن في عصر الانفتاح لكن المجتمع أتاح للرجل أن ينطلق فيه وأبعد المرأة عنه، إذا لم يكن الانفتاح متساوٍ لن يكتبا بشكل متعادل.

* وهل يرتقي العمل الأدبي كلما استجاب للهموم الإنسانية العامة، وتلاشت الخصوصية الجنسوية؟
- المرأة ستكتب بشكل إنساني خالص، إذا ولدت وتربت ونشأت كإنسانة كاملة. هنا ستزول الفجوة بين الجنسين ولن يكون هناك كتابة جنسوية.

* وهذا مستحيل طبعاً..
- يقترب من المستحيل، لكنك تجدين كاتبات غربيات اقتربن من الوصول إليه، لأن المجتمع والقرار السياسي ساعدا المرأة هناك. المرأة ككائن وإنسان تستطيع كل شيء يستطيعه هو. ما يساعد المرأة الآن على هذا، العالم الرقمي الافتراضي الذي وفّر النص الالكتروني الحر تماماً.

* تقولين أن الخطاب النقدي العربي به قصور واضح في التنظير لظاهرة كتابة النساء، هل نفهم من هذا أنك تعارضين دعاة توحيد ثنائية لغة الخطاب في النص الأدبي بين الجنسين؟
- الحقيقة هناك تقصير في الخطاب النقدي العربي ظاهر، الذين يؤرخون للأدب هم من الرجال، فإذا ما أرادوا أن يأخذوا نماذجاً للتناول النقدي فهم يأخذون أصواتاً رجالية، ويتم تهميش المرأة في كثير من الأحيان. أما توحيد لغة الخطاب بين الجنسين، فهذا يقترب من المستحيل.

* تثبتين عبر بحثك أن شعر المرأة عانى من الحصار والمنع، وعلى أقل تقدير التأخر في النشر، ماذا تقولين لمن يرى أن نص المرأة -كونها امرأة- يلقى رواجاً لا تهميشاً، خاصة في المجتمعات المغلقة؟
- هذا مثل دس السم في العسل. في معظم الأحيان التي يتم تناول نص المرأة فيها، لا يكون للتعريف بالمرأة بشكل صحيح. يأخذون كتابة المرأة التي تناسبهم هم، امرأة وضعت لنفسها صورة ترضي غرور الرجل.. ترضي القرّاء بأن تظهر بشكل سلعي، أو ترضي النوازع الذكورية وما إلى ذلك من أشكال تخدم أغراضهم هم فيتم تناولها وتلقى الرواج والدعاية. أما النصوص التي تثبت وجود المرأة وتكشف عوالمها وتحمي حقوقها، فهذا غير مأخوذ بشكل كافي لتعزيز وضع المرأة وليُري العالم الأدب الحقيقي للمرأة. ثم إن مدح المرأة بشكل كبير غير مفيد، مثله مثل عملية إقصائها. لأن المدح الكثير الذي يُكال لها يضرها ولا ينفعها.

* لطالما تحدثت المرأة بلسان الذكورة، لكنك يا دكتورة خرجت بنتيجة مفادها أن الكاتبة الفلسطينية سعت إلى هدم قيم الذكورة عبر نصوصها، هل هذه النتيجة تنطبق على نصوص نسوية عربية أخرى؟
- المدارس في الكتابة النسائية ثلاث مدارس، والمرأة الفلسطينية مرت بمدرستين منها. أول ما ابتدأت المرأة تكتب بعد عصر النهضة وأصبح من حقها الكتابة، فوجئت أنه لا يوجد عندها مصطلحات، كالذي يخرج من غياهب العتمة إلى الضوء مرة واحدة فيُصدم ولا يستطيع أن يرى. طوال العقود الماضية كان الرجل هو الذي يكتب فأسس للكتابة ووضع المصطلحات ووضع التراكيب ووضع المعايير، ثم هو الذي أرخ. فلكي تدخل في الكتابة التي هي عالم الرجل كتبت بمفردات الرجل بتراكيبه وفي الموضوعات التي اختارها وعبر الشكل الذي يريده حتى يعترف بها في عالمه. المرحلة الثانية كتبت بمفردات الرجل قضاياها هي فعبّرت بأسلوبه عن همومها. المرحلة الثالثة وهي التي وصلت لها المرأة الغربية ولم تصل لها المرأة العربية (غالباً)، هي أن تكتب بمفرداتها هي قضاياها هي، وهذه المفردات كانت مغايرة لمفردات الرجل ورفضها على الأرجح. لن تصل المرأة الفلسطينية لهذه المرحلة إلا إذا حدث تغيير كبير في الجوانب الاجتماعية والجوانب الثقافية والسياسية. ومع الأسف نحن نتجه للأسوأ على هذا الصعيد.

* فعل الكتابة فعل تحرري. هل وجدت الشاعرة الشرقية عموماً والفلسطينية خصوصاً أن استخدامها للرمزية ثم التعمق في السريالية للالتفاف حول التابوهات، هل وجدت في ذلك طريقاً يسيراً لكسر القيود، فتحدت الموروث باللامباشرة في الكتابة؟

- فعلاً الكتابة عند المرأة بالذات فعل تحرري تماماً، فهي الوسيلة الوحيدة للتخفيف عن همومها والتصريح بمشاكلها، لما كانت الخطوط الحمراء كثيرة وسقفها منخفض حتى لو رفعت رأسها سيصطدم بالسقف. لذلك كانت تلتجئ إلى الصور البلاغية والرموز، حتى أن هناك من الكاتبات من سخرت مفردات معينة للتعبير عن أشياء معينة، فكان لها معجمها الرمزي الخاص الذي لو تتبعتِ مجموعاتها ستفهمين مدلولات مفردات هذا المعجم، وغالباً تحوم هذه المدلولات حول رغبة جسدية أو قيمة تحررية عظمى وما شابه. إن أي خروج مباشر في الكتابات النسائية كان يؤدي في كثير من البلاد لمصادرة كتب أو محاكمات من توقيف أو سجن، مثل ما تعرضت له ليلى العثمان في الكويت. لذلك لجأت الشاعرات لما لجأن له، حتى قيل أن المرأة المبدعة استغلت هذه الرمزية كما استغلت الشاعرة الصور الأدبية بشكل أفضل من الرجل، لأنها وظفتها لقضية ولمشروع تشتغل عليه. لدينا في فلسطين مثلاً الشاعرة سمية السوسي التي لو قرأت أعمالها ستجدين مفرداتها هي، التي أنسنت الأشياء.

* تقولين من خلال دراستك أن المرأة مالت أكثر لكتابة قصيدة النثر، لماذا برأيك؟
- لقد تناولت في رسالتي عشرين شاعرة من غزة والضفة وأراضي الـ48 والشتات، حرصت أن أدرس شاعرات مختلفات، وليس كما يفعل البعض في تناول شاعرات الشتات وكأن الأراضي الفلسطيني تخلو من الشاعرات. عملت مسحاً لكل نتاجهن، أخذت حوالي خمس شاعرات من كل منطقة، فلاحظت أن أقل شيء كتبت فيه المرأة الفلسطينية القصيدة التقليدية الموزونة، هناك من كتبن التفعيلة، لكن عدد كاتبات قصيدة النثر والشعر الحر هو الأكثر. هذا ليس موجود عندنا فقط، بل في معظم كتابات المرأة العربية وهو ما دفع الناقد الغذامي لكي يطلق على قصيدة النثر قصيدة أنثى. تفسيري لهذا هو أن المرأة عندما بدأت تفتح عينيها على الكتابة أرادت أكثر ما يعبّر عنها، فكانت المرحلة هي مرحلة قصيدة النثر التي تعطي مساحة جميلة للسرد ولشعرية السرد، بعيداً عن الوزن والقافية كقيود تذكّر المرأة بقيودها الأخرى التي تهرب منها بالكتابة. لقد وجدت المرأة نفسها بحق في هذا الشكل من أشكال الكتابة.

* هل استطاع الإبداع النسوي أن يخدم قضية المرأة بأبعادها؟
- بالتأكيد استطاع. حتى الرجل كإحسان عبد القدوس ونزار قباني على سبيل المثال كتبا أدباً نسوياً، فإذا كتبت المرأة أو كتب الرجل سيخدمان المرأة، لأنهما سيقدمان حتماً المستور والمسكوت عنه واللامفكر فيه واللامحكي عن المرأة، ليمسك القارئ بالصورة الحقيقية. فعندما تُقدّم الصورة الحقيقية للمرأة تعني أن الكاتب يقول: ضع يدك هنا موطن الجرح. عندما عرض نجيب محفوظ لنموذج سي السيد أفاد المرأة كثيراً، على عكس ما يعتقد البعض، لأنه قصد وأراد أن تتغير صورة سي السيد وصورتي المرأة الخانعة في منزلها والأخرى المبتذلة. أي أدب ركّز على المرأة قد خدمها، والذي سيخدم أكثر هو الكتابات النقدية للأعمال الأدبية والإبداعية التي تعرض للمرأة.

* أليست مفارقة أن تستند رائدات الفكر النسوي على أطروحات الرجال؟
- الناس لا تعرف أنه في نفس الوقت الذي تكلم فيه قاسم أمين عن تحرير المرأة، نادت بالمثل ملك حفني نصيف، لكن التاريخ لا يؤرخ لها إلا بالإشارات، في حين اشتهر قاسم أمين. هذه ليست مفارقة، لأن المجتمع مجتمع ذكوري بدأ فيه الرجل الذي آمن بحق المرأة، لكن المرأة لم تبقَ ساكتة، لدينا هدى شعراوي وغيرها، ثم توالت الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية والمنظمات الدولية والشخصيات البارزة الذين يدافعون جميعاً عن حقوق المرأة، حتى أن كلام قاسم أمين لم يعد هو الجوهر. لا ضير أن يبدأ الرجل لكنه سيطالب بما يتوافق وذكوريته، بينما المرأة ستتكلم بلسان حالها. قاسم أمين طالب وعُورض، لكن نوال السعداوي اتهمت بالكفر والتساوق مع الغرب عندما طالبت، فالتهم للمرأة جاهزة لتُكال بكل تعسف. وأقول: إذا النساء أردن فلا بد أن يستجيب القدر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف