ثقافات

اختتام ملتقى النحت العالمي في مشتى الحلو

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فارس الحلو يهدي ملتقى النحت لليائسين والمحبطين
اختتام ملتقى النحت العالمي في مشتى الحلو

خلف علي الخلف- مشتى الحلو:اختتم قبل قليل (10- 7) ملتقى النحت العالمي الذي اقيم طوال شهر في بلدة مشتى الحلو الواقعة على مسافة متساوية من محافظات طرطوس حمص وحماه السورية، والتي تعتبر من المواقع السياحية المميزة في سوريا وتمتاز بطبيعتها الساحرة ومناخها المعتدل.
في هذه البلدة أقامت ورشة البستان للثقافة والفنون ملتقى للنحت العالمي (جمال الحب 2) الذي جاء بعد الملتقى الأول الذي أقيم العام الماضي في نفس المكان وأنجز 10 تماثيل وزعت على ساحات وشوارع البلدة. وكان ملتقى العام الماضي قد اقتصراً على نحاتين سوريين. إلا أن ملتقى هذا العام الذي أقيم بمشاركة فنانين عالميين من سبع دول أعطى دفعا قويا للفكرة الطموحة التي يهجس بها (فارس الحلو) وهي أن يتكرس هذا الملتقى النحتي كأهم ملتقى نحتي في سوريا وفي المنطقة ويصبح النشاط المرافق له أحد النشاطات الثقافية الموسمية. وقد نتج عن هذا الملتقى 14 منحوتة ستوزع على شوراع وساحات بلدة مشتى الحلو اضافة لبعض (المنحوتات) الخشبية.
وإذ جاء هذا الملتقى تحت إطار تنظيمي سمِّي (ورشة البستان للثقافة والفن) إلا أن الحقائق على الأرض تقول أن فكرة هذا الملتقى واستمراريته مدينة للفنان السوري فارس الحلو وقد ساعده مجموعة من الأصدقاء الذين رأوا أن هذه البادرة تؤسس لنشاط ثقافي بعيد عن المؤسسات الرسمية. إذ جاء في بوستر الملتقى (إن ملتقى النحت العالمي هو أهلي الهوية. يمثل حالة إيجابية من المواطنة ويعزز روح المبادرة والنزعة الإبداعية والأفكار الخلاقة الجديدة) ورأوا أن استمراره للسنة الثانية هو تأسيس لتقليد مختلف لا تغلب عليه النزعة التشكيلية المحضة...
وتقوم فكرة الملتقى على النحت في الهواء الطلق ضمن مساحة على شارع عام ورئيسي في البلدة وهو ما يجعل الجمهور يشاهد هشذه الأعمال الإبداعية وهي تنجز وبالتالي فإن أحد مقترحات هذا الملتقى هو إقامة علاقة بين الناس والأعمال الإبداعية قبل أن تنتهي كمنجز فني وهو بهذه الصيغة يخلق شكلاً من التواصل ويعيد ترتيب العلاقة بين المتلقي والفنان من خلال إنجاز الأعمال النحتية في الهواء الطلق كأسلوب في مخاطبة الذوق العام والارتقاء به وبما يشكل حافزاً لاستنهاض الإبداع لدى فئة من الشباب. ويهدف هذا الملتقى في المدى البعيد إلى تحويل مشتى الحلو إلى متحف للنحت في الهواء الطلق.. وللقائمين على هذا المشروع طموح كبير يتلخص في جعل مشتى الحلو على خارطة المدن الثقافية العلمية الصغيرة كما أنهم يرمون إلى جعل هذا النشاط عموداً لنشاطات ثقافية اخرى تواكبه وتعزز من حضوره الإعلامي والثقافي كمعرض للكتاب ونشاطات أدبية فكرية ونشاط سينمائي... ولتوفير سبل النجاح لهذا الملتقى ولكي لا تذهب هذه المنحوتات بفعل عوامل الحت والتعرية فقد تم استيراد الحجر خصيصاً من أهم مقالع الرخام في العالم (كرارا) والتي نحت من حجارتها النحات العالمي مايكل انجلو.

الرعاية الرسمية للمتلقى
جاء النلتقى تحت رعاية وزارتي الثقافة والسياحة!! إلا أن المتجول في اروقة الملتقى التي هي في الهواء الطلق أساسا لا يلحظ حضورا فاعلا أو حتى ملموسا لهاتين الوزارتين، وحين السؤال عم قدمته الوزارتين نلحظ ما يشبه الشكوى بإن ما قدموه من خدمات كجهات راعية لم يكن بالمستوى المأمول، وهي صيغة متحفظة للشكوى دون الوقوع في مجاذبات مع هذه الجهات يمكن لها أن تؤثر على مسار الملتقى في الاعوام المقبلة! وبكل الاحوال فهاتين الوزارتين لم يكونا الرعاة الأساسيين! إلا أن المفارقة الابرز هي أن الحجر الذي جُلب من إيطاليا لهذا المتقى الذي هو غير ربحي ويهدف الى النفع العام، لم يعف من الرسوم الجمركية!!

المعيقات التي واجهها الملتقى
وفي الحديث عن المعيقات التي أحاطت بهذا الملتقى، كانت البيروقراطية هي سيدة الاعاقة والتي تحاول دائما عرقلة أي بادرة فردية وتضع العصي في العجلات وتحبط أي فكرة خلاقة كي لا تنكشفعوراتها وتقصيرها على الملأ. وكذلك فإن فكرة الملتقى وتنظيمه لا تسمح بالنفع (الخاص) لأبناء البيروقراطية وبالتالي تجد نفسها غير معنية بهذا الامر. ومن أبرز المعيقات كان هناك مسألة أساسية وهي تأمين المساحة التي ستقام عليها هذه الورشة والتي أقيمت أخيرا على احد الشوارع الرئيسية في البلدة بمكان ضيق ومحصورا وفي مكانين منفصلين عن بعضهما وهو ما شكا منه بعض الفنانين.

الملتقى من خلال بعض المشاركين
النحات الايطالي رينو جيانيني قال: إن الخصوصية التي شكلها هذا الملتقى بالنسبة لي هي خصوصية الناس والبلدة، إني أرى أبي وأمي في وجوه العجائز هنا، كما أن الأرض تشبه المكان الذي أتيت منه (بيترا سانتا) وهو ما يبعث لدي حنين للوطن، من وراء هذه التلال أشم رائحة البحر وأرى الأمواج من بعيد، وعن منجزه الشخصي في النحت تحدث عن مساهمته في تطوير وابتكار معدَّات نحتية جديدة ساهمت في تقليل الجهد العضلي الذي كان الفنانون يبذلونه، وكذلك ساهمت في تسريع إنجاز العمل الفني، وفي حديثه أكد على أنه قد تشكل لديه إحساس عال بالمكان وفكرة عمله النحتي لم تكن منجزة كلياً في ذهنه حين باشرها، فقد كان لديه أفكار نحتية مسبقة بالتأكيد لكن منحوتته جاءت من خلال علاقته بالمكان. وأضاف أنه في سوريا وفي هذا المكان تحديداً لا يرى إلى نفسه بوصفه سائح، بل أنه ضيف بما تحمله هذه المفردة من دلالتها في العربية. وفي السؤال عن سلبيات هذا الملتقى رأى أنه لا شك سيكون أفضل تنظيميا في العام القادم لكن المكان كان ضيقاً وقد لفت انتباهه أن كثير من المسنين لم يستطيعوا الصعود للاقتراب من الأعمال النحتية ما سبب له حزناً وقد لاحظ أن الناس بعد الأيام الأولى بدؤا يتواصلون مع الملتقى النحتي مدركين أهميته لبلدتهم وأن يكون فيها فنانون من العالم ينجزون أعمال فنية ستبقى في هذه البلدة.
وتقوم فكرة عمل (جيانيني) النحتية على العلاقة بين الرجل والمرأة حيث يعتقد أن الرجل عندما يحب يتحول إلى ملك، بينما يرمز رأس الطفل في أسفل المنحونتة إلى ولادة حياة جديدة.
النحات السوري محمد بعجانو قال: أحد أهم الصعوبات هو العمل بمواجهة فضول الناس، في البداية لم يكن الناس يعرفون ما الذي يحدث بالضبط! وإن عمله بشكل منعزل هو أكثر راحة له من العمل في مكان عام وبمواجهة فضول المارة. وعن عمله النحتي قال أنه يعبِّر عن سوريا التي تتشكل من فسيفساء من الأديان والطوائف والاثنيات، وفكرة العمل النحتي لديه الذي أسماه (سيدة المشتى) تقوم على تمثيل للسيدة العذراء وهي تحمل يسوع، رسم عليها من الخلف رموزاً لكل الأديان التي وجدت في سوريا متحدثاً أن هذه الفكرة تشبه معبداً عالمياً يمثل توحيد الأديان ويدعوها للتسامح .
النحاتة الألمانية سوزان باوكر والمقيمة في إيطاليا قالت: لم يكن لدي أي فكرة عن سوريا قبل قدومي للمشاركة في الملتقى وقد تفاجأت بحجم التواصل الإنساني في البيئة المحيطة في الملتقى... ورأت أن المشاركة في هذا الملتقى هي مهمة لأنها تشكل تبادلاً آنيا للخبرات من كل العالم فهي تستطيع أن تشاهد أقرانها النحاتين وهم ينفذون أعمالهم مما يكسبها خبرات تقنية ويتيح لها مشاهدة أفكار النحاتين وهي تتحول بين أيديهم الى عمل فني. وتقوم فكرة عملها النحتي على تجسيد لـ(كيوبيد) معصوب العينين بما يمثل ترجمة لمقولة أن الحب أعمى (كما قالت)، إذ لا يستطيع كيوبيد المعصوب العينين أن يصوب سهامه إلى قلوب النساء، لكن الحب بالتأكيد سينصر (كتبتها باللاتينية).
النحات السوري أكثم عبد الحميد رأى أنه لا يمكن لسوريا أن تعيش بدون السلام، لذلك فإن فكرة عمله النحتي تقوم على الحوار مع الآخر من خلال تجسيد لشخصيتين أنثويتين يحملان حمامتي سلام. وقد انتقد الحضور الخجول للصحافة السورية التي لم تدرك أهمية تغطية صحفية لملتقى نحتي يشارك فيه فنانون عالميون إذ أنه يعتقد أن ما تكتبه هذه الصحف سيكون في أرشيف هؤلاء الفنانين وسيمثل نافذة للحضور لدى الآخر. بينما رأى النحات السوري فؤاد أبو عساف أن أهمية المشاركة في هذا الملتقى تكمن في التحدي الذي يخلقه وجود نحاتين آخرين مما يجعل الفنان مطالباً بالتجاوز سواء من حيث الفكرة أو التنفيذ وهو ينجز عمله الفني.

ورشات مرافقة
في نشاطات متصلة منفصلة عن المتلقى كان هناك نشاطات أخرى بجانب الملتقى النحتي إذ صاحب الملتقى ورشات مفتوحة للاطفال لتعليمهم مبادئ فن النحت، وكذلك تركيب الفسيسفاء، مما خلق تواصلا مع اطفال ربما لاول مرة يمسكون بالطين ويصنعون منه أشكالاً فنية وتجسيدات تقترب من هوايتهم في اللعب لكنها هذه المرة باشراف مختصين. وكذلك كان بجانب الملتقى ورشة " للنحت " عبر الخشب بما يشكل افتراقا عن الشائع في التعامل مع الخشب والذي يطلق عليه عادة الحفر على الخشب.
في ورشة " الخشب " المنفصلة مكانيا عن ملتقى النحت كانت الفنانة سيلفا ملكيان تنفذ أعمالاً (أثاثية) مع إضافة جماليات فنية إذا مثَّل أحد أعمالها كرسياً خشبياً يحوي مسنده على بعض الأيقونات والرموز الفنية والدينية، وكذلك الفنان الشاب همام السيد الذي نفّذ عملا (نحتيا) خشبيا يقوم على فكرة علاقة حوَّاء بالتفاحة من خلال تجديد العلاقة حركياً بين حوَّاء والتفاحة مضيفاً عليها بعض الخطوط التي اعتقد أنها تجسد العالم الغامض للمرأة من خلال الدوامة التي تنسجها هذه الخطوط وفيما يخص الأعمال الخشبية فقد تم تنفيذها في ورشة نجارة تبرع بها أحد الأهالي للملتقى وعبرت سيلفا عن سعادتها وتفاجئها بآن أنه لازال هناك من يهتم بتقديم خدمات لنشاط إبداعي هو غير ربحي بالمحصلة لكنه يجسد اهتمام بعض الناس بإنجاح هذه الفكرة وتقديم ما يستطيعون من الدعم لها.

ملقتى ثقافي على هامش ملتقى النحت
أحد النجاحات البسيطة التي قدمها هذا الملتقى أنه استطاع ألأن يجمع كثير من الوجوه الثقافية السورية في هذه البلدة وبعيدا عن العاصمة أو المدن الكبرى الأخرى. وهو ما بدا تفاعلا من هؤلاء المثقفين مع فكرة الملتقى. فقد نقل المثقفون مقاهيهم الى مشتى الحلو تلك البلدة الساحرة، وما عزز هذا الحضور هو علاقة فارس الحلو صاحب الفكرة والاصدقاء المتطوعين من حوله مع المثقفين التي تخلو من حسابات المؤسسات الرسمية وكواليسها، فعلى مدار شهر حضر الى الملتقى النحتي الكثير من الصحفيين والكتاب والشعراء السوريين وفي اليوم الذي كنا فيه في الملتقى كان هناك الشاعر السوري عادل محمود، الروائي والسناريست خالد خليفة والذي بدا كأنه يعمل سائقا لضيوف الملتقى والمشاركين فيه، كان هناك منذر مصري، سعاد جروس، سمر يزبك، إبراهيم قعدوني، راشد عيسى، المخرجة الاردنية سوسن دروزة... وآخرين كثر من المهتمين بالثقافة.. وفي حوارات عديدة دونا بعض المثقفين عن هذا الملتقى:
الشاعر عادل محمود قال: علاقتي بالنحت تنتمي للصداقة، صداقتي مع العمل النحتي، وصداقتي (مجازيا) مع الفنان الذي يجسد ما قد أعجز عن قوله، وأعتبر الفن بشكل عام محاولة فاشلة للخلود ولكنها أجمل المحاولات العقلية التي حاولها الإنسان... المنحوتة التي تعجبني هي المنحوتة التي أستطاع النحات أن يصنع من قلبها شيئا يعجبني. أما عن هذا الملتقى تحديدا فأنا أعتبر فارس الحلو من أشجع الذين وسَّعوا دائرة العمل الثقافي بأسلوب يخصه، وهذه الفكرة هي محاولة المجتمع السوري لخلق ثقافة غير محاصرة، التي أحد معانيها الذهاب للعاصمة لخلق نشاط ما. الذي يحاول الملتقى قوله هو العكس أي المجيء من العاصمة ومن المدن الكبرى إلى بلدة صغيرة لحضور نشاط فني ثقافي. أنا أعتبر ذلك بغض النظر عن الملتقى هو مكسب، وماأنجزه وما سينجزه الملتقى هو مكسب للجميع. بينما رأت المخرجة الاردنية سوسن دروزة إن هذا الملتقى عدا عن كونه ملتقى للنحت فهو ينتمي لفنون الاماكن العامة التي تشكل تجسيراً بين مكان وإنسان ومنجز فني. إن جوهر الفكرة هو تقبل الناس وخلق التواصل الذي يعتبر بنفس أهمية المنجز الفني الذي ينجز في مكان ( بلدة ) حتى لو كانت مصيف، إن الخروج من العاصمة أمر مهم وفكرة جميلة كما أنني أحلم بأن يكون هناك تنوع في النشاطات في الملتقيات القادمة.
الأعمال النحتية تتطلب جهد يقوم على تحويل حجم من الصخر إلى عمل فني، هذا ما بدأ به الشاعر منذر مصري حديثه مما لاحظته في الملتقى أن هناك رغبة من الفنانين في عدم إستظهار خبراتهم كأنهم يشتغلون من جديد وهذا شكَّل مبرراً لطرح التجريب في بعض الأعمال الفنية كمحمد بعجانو الذي شكلت منحوتته محاولة جريئة لنقل أساليب الأيقونة التي هي مادة ذات بعدين وتحويله إلى عمل نحتي أو كتلة ذات ثلاث أبعاد. هناك تفكير هندسي أكثر من التفكير بالخطوط الفنية، وما حاوله الفنانون هو تنفيذ لأفكار نحتية. كما أن ما شاهدته من أعمال (نحتية) خشبية يمثل طرق تمتلك مشروعيتها الخاصة في التعبير، فأعمال (سيلفا) هي أعمال أدواتية لكنها ذات لمسة جمالية بينما لدى (همام) هناك محاولة لطرح عمل جديد لكن المعالجة لم تكن بمستوى الطموح. أما إبراهيم قعدوني فقد رأى أن أهمية الملتقى حسب اعتقادي تتمثل بترويج فن النحت وإخراجه عن شكله النخبوي أو بتعبير أدق وضعه بين متناول عموم الشارع الثقافي، لم نسمع من قبل عن ظاهرة مشابهة ولم أكن أنتظر أن أرى نحاتين يحاورون صخورهم. فارس الحلو كتب في بوستر الملتقى: هذا الكتيب أهديه لكل المكتئبين والمحبطين واليائسين من أي حراك اجتماعي ينتج جمالا وراحة بال وسعادة لا توصف. وقد شكر في البوستر كل الموظفين الحكوميين الذين ساعدوا، هؤلاء الذين حدت القوانين البالية من قدرتهم على المساهمة والعطاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف