ناقة الشعر الحر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إلى عبد القادر الجنابي، تحية إلى جهده في دراسة الشعر الحر
سأل البدوي ناقته بينما كان يعبر الصحراء: هناك اكتشاف جديد ياناقة في الشعر، هل تعرفينه؟ فلم تجبه. كانت الناقة تطبع خفها على رمل الصحراء، تمشي غير عابئة إن كان هناك إكتشاف أم لا، العاصفة الرملية القادمة قد تجعلها تدخل في متاهة ويضيع منها الطريق. كانت تلكز مالكها كي ينتبه إلى العواصف. الناقة تحث خطاها بينما البدوي مشغولا في النظم فهناك اكتشاف جديد.
امتداد الصحراء الموغل حالة تبعث احيانا الرضى وأحيانا مضجرة أو مليئة بوحوش الوساوس.
بدت من بعيد أمرأة تلوح بيدها، ربما ضائعة او مسافرة وقد نفقت ناقتها. هل أنتِ بخير، فهزت رأسها وطلبت قليلا من الماء. ثم ركبت خلفه. فسألها عن الشعر الجديد الذي يجري الحديث عنه في الأروقة. فردت قائلة: لعلك تسألني عن اسمي وحالتي ثم تسأل عما يقلقك. فردد في نفسه أنها على حق لكن كيف اسألها عن اسمها وعن حالتها؟ لقد صمت، بعد حين كرر السؤال مرة أخرى: هناك اكتشاف جديد هل سمعت به يا امرأة؟ لكنها لم تجب فظن أنها نامت من الارهاق الذي حل عليها. لتنام وتسترد قوتها وعليه أيضا أن ينام لأن الطريق طويلة ويريد أن يصل نشيطا هميما إلى البلاط كي يقول القصيدة.
نام قليلا فحلم بالعاصفة، جاءته مثل كابوس فاستيقظ ليرى الفضاء ناصعا تلهبه السماء فحمد الله أنه كابوس قد مضى. عاد مرة أخرى يفكر، طأطأ رأسه وبين الحلم واليقظة سأل نفسه، ماهو الأمر ماهو الشعر الجديد؟ كانت ذرات الرمال تصعد مع الخف ثم تنثال على الأرض والطبيعة التي يعالجها الحيوان الصبور متحركة لا تثبت. هل يكون الشعر الجديد مثل الذي يراه الآن؟ وخطر في باله أن يسأل المرأة التي خلفه فألتفت نحوها فلم يرها. أين ذهبت؟ ربما سقطت في الطريق ولم يشعر بها. ياربي! لكن لا يهم، عليه أن يجد الطريق إلى الشعر الجديد فالمسأله تؤرقه منذ مدة.
من بعيد ظهرت أمامه شجرة نخيل. نظر إلى كينونة الوجود فرأى ناقة وشجرة نخيل وصحراء، هذه هي كينونة الشعر. لكنه لم يقرر إن كانت كينونة الشعر الجديد أم لا.
فوق الناقة والطريق طويل... راحت الأشياء تدور وتخطو معه، مرة تتقدم وأخرى تتخلف، والناقة بدت لوهلة كأنها تعود إلى الخلف أو ضيعت طريقها. كان هناك ضجيج وعلو قامة وصوت قادم من ناحية ما. قليل من الرعب، إنه بالتأكيد الوسواس. وبدأ العالم يتلون أمامه فربت على عرف الجبل العالي ورأى إلى ظله المتنامي يجب أن نصعد عليك فمازال الطريق طويلا أمامنا. كانت العاصفة قادمة، هبطت أمامه وراحت تعوث بين أقدام الناقة وكانت تصدر صوتا لم يفهمه، صوتا خطواته متقطعة أو مستمرة، صوتا غريبا على هذه الصحراء. *قوية ولها لم يفهمه الناقة تعوث ولا تدري طريق منعرج لا خطو فيه وهو يحثها كي تصل فوق هذه البلبلة قوية وأخذت تحمل معها الغبار وترشقه على وجهه فاحتمى بكوفيته ثم راح يكور جسده كي يحتمي في خرج الناقة، نزل على مهل ودخل فيه وشعر بأمان هكذا يهدأ ويفكر مرة أخرى ماتكون هذه الضربات التي تقع مرة ولا تقع مرة والتي تؤرقه، يجب أن يعاني ويضيق صدره فهو الآن يشعر بذلك لأن الحاجة هي حاجة لبداية القصيدة.
أغمض عينيه يتخيل الوقع الجديد ويتخيل الكلمة الجديدة، بينما في الخارج أشياء أخرى على الحيوان الصبور أن يحتملها كي يعبر.
يتهزز مع الخرج كوليد فأصابه استرخاء وسهوة فنام، كأنه نام، والحيوان يمد خطاه من هنا أو من هناك، لقد غيرت العاصفة المكان فأختلط الأمر. ظل الحيوان يبحث ويتقدم حتى ظن البدوي أنه وصل فتهلهل كي يخرج ويفتح عينيه ليرى المدينة أو القصر كي يقول فيه القصيدة، فهو قد انتهى أخيرا إلى حالة جديدة فراح يصرخ: ربما هي ربما هي... أو رأيتها* رأيتها* فخرج أرخميدس يركض..
حين نظر حوله كانت الشمس قد غابت وخلفت وراءها أشكال الخرافة الجديدة فخطر في باله أنه أصبح قاب قوسين أو ادنى كي يصل...
إلا أنه الليل الذي يضلل الأشياء، عليه أن يصبر حتى الصباح كي يدرك في أي مكان يقف.
لم يكن واقفا بالمكان....
بل كان غارقا في حوض مليء بالرمل.
والناقة أين الناقة؟
كانت بعيدة راقدة تنظر إليه كأنها تريد أن تقول شيئا.