التجديد في تعليم الفلسفة من وجهة نظر عربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجه النظر فيها الى أهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومباحثها. وهي موجودة في النوع الانساني منذ كان عمران الخليقة.وتسمى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة..."( 1)
مقدمة:
ربما تكون أزمة الوجود التي اجتاحت اليوم حضارة اقرأ إلى حد أنها شغلت بال المفكرين وحيرت عقول المتحاورين قدرا محتوما في نظر البعض من الواقعين المتشائمين وربما يستوجب فهمها والغوص في كنهها في نظر المتفائلين الطوباويين إحالتها على هذه الخلفية النظرية والعملية المتأتية من غائية التاريخ العربي الإسلامي ولكن ماهو أكيد بالنسبة الى الفكر الحاذق أن هذه الغائية لا نقدر على الكشف عنها إلا بواسطة الفلسفة والتفلسف وذلك لأن هذه الحضارة نشأت عن جملة من المعاني الصادرة عن دور تفكري وقولي بين العقل والنقل وبين الحكمة والشريعة وأن هذه الأزمة يمكن أن نعثر لها على مخرج باتباع مسلكين:
1 ـ فإما أن تضمحل هذه الحضارة باغترابها أكثر فأكثر عن جوهر معناها العقلاني الديني الذي هو كنه وجودها فتقع بذلك في الحقد على الفكر وتضيق بذلك معنى الوحي وتسير بالناس إلى الظلمة والوحشة.
2 ـ وإما أن تبعث من جديد بفضل عمل بطولي يقوم به العقل ويرتكز على تأويل الشرع بتدبر التراث وتحويل الضاد إلى مقام للوجود في العالم وذلك بتفكيك التلفيقية الغائمة والتحجر الفارغ بصورة حاسمة.
بيد أن هذه الأزمة ناتجة من بعيد أو من قريب من أزمة تدريس الفلسفة وغياب فلاسفة بالمعنى الحقيقي للكلمة من حضارة اقرأ، وقد بينت الأحداث بالواضح ما تمثله الفلسفة من خطورة على حياة الأمم سواء إذا حظر تدريسها أو درست بشكل سيئ. عندئذ تبدو حياتنا اليومية متأثرة بالأحداث الفلسفية حتى تلك التي تبدو لأول وهلة طفيفة وليس لها معنى.كما أن الفلسفة هي وحدها القادرة على أن تفتح حوارا حرا وعميقا حول قضايا المستقبل وهي وحدها التي بإمكانها إبداع إمكانيات أرحب للوجود. هكذا يكون الحديث عن الفلسفة والتربية تنبيها على خطورة الموقف وبؤس الأوضاع في المجتمعات التي يكتسحها الطغيان والتزمت عندما تتعرض إلى فترات اضطهاد للفكر وخنق للحرية وقتل للمدارك الطبيعية للبشر إبرازا إلى ما ينتظر الشعوب من شقاء عندما يهون الفكر فيها ويمتهن أو عندما ينتشر فيها البغاء العقلي ويطارد الفلاسفة وتحاصر كتبهم من طرف دعاة الجنات الموعودة وأصحاب الأقاويل المغشوشة وتضيق عليهم أوقات الدرس ومواده بما لا يلبي انتظارات الجمهور.
إن الفلسفة عبر تاريخها الطويل لم تعرف فترة من الهدوء والاطمئنان بل كلما سجلت انطلاقة جديدة وبعث إلا وتعرضت لأشكال جديدة من المنع والمحاصرة ونظر إليها على أنها خطر يهدد الأمم،فهي ما انفكت تزعزع أركان النظام القائم وتبحث عن مثل أعلى يفتح للإنسان آفاق جديدة للرقي والتقدم.
إن طبيعة الفلسفة هي أن لا ترتاح إليها السلطة التي لا يعنيها غير الحفاظ على امتيازاتها ولذلك فهي تشجع الركود وتبرر ماهو سائد وتنمع الفكر الحر من الانبجاس والانتشار، في حين تحافظ الفلسفة على ما في الإنسان من نزوع دائم نحو ممارسة حرية التفكيروالتعبير وتنتهج طريقا مخالفا للتفكير السائد إذ تقض مضاجع المستسلمين وتثور على الواقع لأنها في جوهرها تحير وسؤال ونزوع إلى القيم والمعنى تعمل على فضح كل أشكال الاستلاب التي يتعرض لها البشر.
يترتب من هذا القول أنه ثمة أزمة في فلسفة اليوم تمظهرت في ثوب تأزم التعليم الفلسفي عبر عنه أحد الطلاب عندما اكتفى بكتابة هذه الأسطر في احد الاختبارات الجامعية في شعبة الفلسفة:
"إن المتعة في برامجكم التعليمية، ندخل مع كل درس داخل كهوف رمادية يكسوها الغبار، جدرانها مكتسية بأنسجة عناكب رهيبة و مقرفة، نسمع صدى أصوات قادمة من وراء خط الزمن، صادرة عن هياكل عظمية تآكلت رؤوسها ونقشت أطرافها، نقرأ نقوشا حجرية بلغة لانفهمها بل ولا نراها. هناك لا نجد مرايا نرى فيها أنفسنا، نحاول إصدار صوت ،فلا نتذكر لغتنا بل ولا نستطيع حتى فتح أفواهنا وان أردنا أن نكتب فان أيدينا مشلولة عما نريد كتابته وكأننا أطفال يجهلون الأبجدية فيأتي شخص آخر من غير زماننا ليمسك و يخط بأقلامنا أشياء وأشكال لسنا نعرف معانيها وليس تعرف معانينا.هناك نخضع لغير إرادتنا، نسمع غير أصواتنا،نتكلم غير لغتنا...لذلك فمن يدخل الكهف،عفوا الدرس، يكون لاشيء بل ولا يكون،فلم تطلبون منا أن نتكلم ونحن أصنام..."( 2)
فهل هذا التأزم الدائم ناتج عن طبيعة الفلسفة أم أنه صادر عن طبيعة الناس الذين تتوجه إليهم؟ هل ستفضي هاته الأزمة إلى تضييق الخناق عليها أم تنذر بانطلاقة جديدة تقوم على نبذ التفاهات والاهتمام بالجوهر؟ هل أن تعثر كل التعلميات السابقة هو الذي أدى إلى تقلص حضور الفلسفة في الفضاء العمومي أم هو إثبات لها وتنشيط لآلياتها وتجديد لكينونتها؟
هل تعود أزمة الفلسفة إلى إخفاق في نقل الإبداعات الفلسفية الغربية إلى اللغة العربية وتعذر الترجمة أم إلى استحالة ملائمة هذه الإبداعات للبيئة الثقافية المحلية والأهلية؟ واذا ما رمنا الاصلاح والتجديد فماهي شروط إمكان تأسيس تعلمية فلسفية ناجحة؟ هل التجديد ممكن في ميدان تعليم الفلسفة في الفضاء العمومي للعرب؟ كيف يمكن إنجاح عملية تعلم الفلسفة في مجتمعنا بالاعتماد على فلسفتنا العربية الإسلامية؟ أي صعوبات يواجهها تدريس الفلسفة في مجتمع عربي إسلامي؟ إلى أي مدى تحوز الفلسفة العربية الإسلامية على خطة خصوصية في تدريس الفلسفة؟ لماذا لا تتحول هذه الخطة إلى تعلمية فلسفية ناجحة؟ ماهي أركان وخصائص هذه التعلمية الفلسفية الجديدة المأخوذة من التراث الفلسفي العربي؟ ماذا لو كان الفيلسوف مقتصرا على ذاته أو منحصرا في التأليف الأكاديمي دون أية علاقة له بالعالم؟ أليست الفلسفة في جوهرها حوار وجدل ونقاش وتدريب وتعليم وطريقة لتوليد المعاني من العقول المتحاورة عبر السخرية والتهكم وعبر الدور القولي الذي يدور بين المعلم والمتعلم؟ ما الفرق بين البحث الفلسفي والتعلمية الفلسفية؟
هل يأخذ المعلم بعين الاعتبار المعرفة الموجودة بشكل مسبق في ذهن المتعلم ويوظفها في عمله؟ أليس القصد من التدرب الفلسفي هو الفوز بهذه المعرفة وإعادة بنائها على أسس متينة؟ ماهي العلوم والمعارف الإعدادية التي ينبغي أن تتعلم قبل الاهتمام بالفلسفة؟ ما الغاية من تعلم الفلسفة؟ هل هو التعود على حسن قيادة العقل نحو الحقيقة أم تأمل الخير والجمال؟
هل الفلسفة محتوى متناسق من أصناف المعارف والعلوم أم أنها في جوهرها منهج للبحث والتأمل؟ إلى أي مدى تعتبر الفلسفة رياضة فكرية تدفع بالإنسان إلى اكتشاف المعاني والاقتراب من إبصار العلل الأولى والقيم القصوى؟ هل هدف الفيلسوف هو تلقين الناس ما اكتشفه بنفسه أم تدريبهم على الجهد والسعي للتغلب على الصعاب قصد الفوز بالحقيقة بأنفسهم؟
هل الفلسفة أقرب إلى التعليم التقليدي أم إلى التعليم العصري؟
أليس أرسطو هو المسئول عن تحنيط الفلسفة وحصرها في قوالب جامدة عندما فصل بين البحث النظري وبين تعليم الفلسفة حسب برنامج محدد وفق أبواب ومفردات مضبوطة؟ ما القصد من تعلم الفلسفة؟ هل الفلسفة مادة تعليمية؟ وهل يتعلم الإنسان الفلسفة أم الإنسان فيلسوف بالطبع؟ أو بعبارة أوضح هل الإنسان في حاجة إلى الفلسفة؟ وماهو القصد من تعلم الفلسفة؟ ولماذا تصلح الفلسفة اليوم؟ هل يمكن أن نقيسها بالمعايير المتداولة للعلم والتقنية؟أي أهمية لتدريس الفلسفة في المؤسسة التربوية؟
إذا كان مقصودنا هو بناء تعلمية ناجحة من وجهة نظر الفلسفة العربية فان استيفاء هذا الغرض يتطلب منا العودة للنصوص الأصلية التي حملها إلينا التاريخ العربي والشروع في إعادة استنطاقها قصد استخراج ما يمكن استخراجه منها ولذلك ارتأينا أن نقسم مراحل بحثنا إلى الأبواب التالية:
1 ـ دلالة التعليم بصفة عامة
2 ـ دلالة تعليم الفلسفة بصفة خاصة
3 ـ آداب معلم الفلسفة
4 ـ آداب متعلم الفلسفة
5 ـ شروط نجاح الفلسفة المتعلمة
إن مانراهن عليه هو بناء تعلمية فلسفية ناجعة تقرب الأفكارمن الأفهام وتخاطب الناس على قدر عقولهم تساعدهم للتمرس على التفكيرو تكسبهم القدرة على فهم المايحدث وإجادة فن تقييمه.
فإلى أي مدى تستوفى هذه الخطة مطلبنا في بناء هذه التعلمية؟ وهل تقدر النصوص الفلسفية العربية التي سنستنطقها أن تلبي حقيقة غرضنا؟
1 ـ في التعليم بصفة عامة:
" فقبل كل شيء يجب أن نتساءل عماهي أغراض التربية؟هل هي كسب الرزق؟هل هي التعليم والتهذيب؟أو هي العلم لذاته أو هي الأخلاق؟وهل هي راجعة لمصلحة الفرد وحده أو للجماعة وحدها؟"( 3)
اعلم أن التعليم هو إيجاد الفضائل النظرية في الأمم والمدن وزرع القيم الحميدة في النفوس من أجل تربية الناشئة تربية سليمة متكاملة وحفز الهمم وشحذ العقول واعلم كذلك أن التعليم فن عزيز المذهب جم الفوائد إن تلقفته الأرواح بالقبول وأمسكته بيد الصناعة ظفرت بكنز عظيم وغنمت بذخيرة دائمة
وأتحفت بمنزلة عالية "لا يستوي فيها من يعلم بمن لا يعلم" و"يرفع الناس فوق بعض درجات".في هذا السياق يصرح ابن خلدون:"ان البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما والقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة. الا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا"( 4).
ان للتعليم أهداف ومحتويات ومناهج ويتطلب التدرج والمرور بعدة مراحل إذ يتعاقب المعلمون على المتعلمين أحدهم لضبط القرأءة والكتابة والثاني لعلم العربية والشعر والثالث للتدريب في الحساب والطبيعيات والرابع للعقليات والمنطقيات ويراعى في ذلك التنوع والاستعداد والمشاكلة والملائمة إذ لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والمواءمة ما كان أحد غفلا من الأدب وعاريا من الصناعة فلذلك ينبغي لمدبر المتعلم إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولا طبعه ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك.
من هذا المنطلق يرى حكماء العرب أن التعليم ينقسم إلى بعدين تعليم ابتداء وتعليم انتهاء فأما تعليم الابتداء فهو ما يعلمه المتعلم في أول أمره من قراءة وكتابة ولغة وشعر وحساب وأما تعليم الانتهاء فهو إتقان كل ما سبق والزيادة عليها بالاشتغال بأحكام النجوم والمنطق والطبيعيات والتاريخ والتدرج إلى ما بعد الطبيعة بعد التدرج بالمنطق العلي في فهم الطبيعة وأسرارها.
يقول ابن خلدون:" اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدرج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال. ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم الا أنها جزئية وضعيفة."( 5)
ان أيسر طرق هذه الملكة هو فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة والعناية بالحفظ دون إهمال الحاجة إلى الفهم والإفهام لأن التعليم الصحيح يكون بدعم ملكة التصرف في العلم لدى المتعلم لأنه إن حصلت له ملكة في علم استعد بها لقبول ما بقي من العلوم لذلك لا ينبغي أن يخلط عليه علمان معا فانه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما. إن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا أول الأمر يكون المتعلم عاجزا عن الفهم بالجملة إلا على سبيل التقريب والإجمال والأمثال ثم يتقوى الاستعداد بالتكرار والمداومة حتى يصل إلى درجة الاستيعاب والتحصيل والإحاطة بمسائل ذلك الفن. قال بعض العلماء "من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم" وإن كان للدربة دورا في تنمية القدرة على التذكر فان الفهم له دور في ترسيخ هذه القدرة فهو شرطا للحفظ ويكون بادراك الموجودات وتصورها كما يكون بتصديق القضايا والتسليم بأحكامها. في هذا السياق يصرح الماوردي:" العلوم مطالبها من ثلاث أوجه قلب مفكر ولسان معبر وبيان مصور فإذا عقل الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه وإذا فهم المعاني سقط عنه كلفة استخراجها وبقي عليه معاناة حفظها واستقرارها
لان المعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست... وإن لم يفهم معاني ما سمع كشف عن السبب المانع منها ليعلم العلة في تذر فهمها فانه بمعرفة أسباب الأشياء وعللها يصل إلى ما شذ وصلاح ما فسد" ( 6)
لما كان العلم من الأدب والأدب لا يستقر إلا بالتعليم فان التعليم هو غير بعيد عن التأديب لكن التعليم قد يقتصر على القول بللسان بينما التأديب فيكون بالقول والفعل معا لإنهاض العزائم وتحريك الهمم نحو فعل ذلك الشيء حتى يصير مستوليا على النفوس ومتغلغلا في العقول ومترسخا في القلوب. وآيتنا في ذلك أن "التعليم قد يكون بسماع أو قد يكون باحتذاء والذي يكون بسماع هو الذي يستعمل فيه المعلم القول وهذا يسمى التعليم المسموع والذي يكون باحتذاء هو الذي يلتئم بأن يرى المتعلم المعلم بحال ما في فعل أو غيره فيتشبه به في ذلك الشيء أو يفعل مثل فعله فيحصل للمتعلم القوة على ذلك الشيء أو الفعل. ويلتئم التعليم بشيئين بتفهيم ذلك الشيء الذي يتعلم إقامة معناه في النفس ثم بإيقاع التصديق بما فهم وأقيم معناه في النفس. ويكون تفهيم ذلك الشيء على ضربين احدهما أن تعقل ذاته والثاني بأن يتخيل بمثاله الذي يحاكيه أما إيقاع التصديق فيكون بأحد طرفين إما بطريق البرهان اليقيني وإما بطريق الإقناع.وكل شيء شانه أن يتعلم بقول فانه يلزم أن يكون للمتعلم في ذلك الشيء أحوال ثلاث: الأول هو أن يتصور ذلك الشيء و يفهم معنى ما سمعه
من المتعلم.
الثاني هو أن يقع له التصديق بوجود ما تصوره أو فهمه عن لفظ المعلم.
الثالث هو أن يحفظ ما قد تصوره ووقع له التصديق به" كما يقول المعلم الثاني في تحصيل السعادة.
على هذا النحو فإن مواد التعليم أدوات لضمان تكوين متكامل للمرء إذ تعود العقل النظام والتنظيم في درس الأمور وحسن التصرف في الشؤون.ولا ينبغي الاقتصار في التعليم على حفظ القرآن والحديث بل ينبغي أن يزاد عليهما برواية الشعر والإلمام بقوانين العربية وتجويد الخط وإتقان الكتاب والتبصر بملكة اللسان جملة.لكن إذا كان التربية تراوح بين الطبع والتطبع وكان الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود فانه ينبغي أن يعمل المعلم على إصلاح أخلاق المتعلمين وحسن سياستهم فقد قال بعض الحكماء "العادة طبيعة ثانية" وتشمل العادة الوظائف العقلية الرمزية والمواقف الأخلاقية الاجتماعية والأفعال الحسية الحركية.هكذا يقوم التعليم على الوازع الذاتي أكثر من قيامه على الرادع الخارجي وماذا كانت التربية التزام دائب لا يعرف بالفشل في هذا السياق يقول ابن الجزار:"إن الصواب أن يؤدب الصبي فان كانت طبيعته طبيعة من ليس بأديب ولا لبيب فهذا بين للمعترض طريق الصواب. فأما إذا كان الصبي طبيعته جيدة...فان تأديبه يكون سهلا وذلك لان المدح والذم يبلغان منه عند الإحسان أو الإساءة ما لا تبلغه العقوبة من غيره".( 7)
اعلم كذلك أنه يراعى في التعليم بين التحصيل الشكلي والاستبصار الواعي وبين الاستيعاب وضرورة الاختصاص في مجال معين وإذا ادعى معرفة كل شيء وبقي في العموميات كان كالحمار الذي يحمل أسفارا. ولذلك يتطور التعليم من مجرد التبليغ إلى الاختصاص المهني وقد قال ابن خلدون في هذا الشأن:" صار العلم ملكة تحتاج إلى التعلم فأصبح من جملة الصنائع والحرف "( 8) ويضيف "إن التعليم لهذا العهد من جملة الصنائع المعاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية" ( 9)
إذا كان المراد من التعليم التفهيم والتكوين بالنسبة للمرء فان التكوين هو إيجاد شيء مسبوق بالمادة أما التفهيم فهو إيصال المعنى إلى فهم السامع بواسطة اللفظ وهو كذلك التفسير أي الكشف والاظهاردون تعريض في الكلام أو تعقيد لأن الكلام إذا كان مغلقا فان معناه لا يظهر بسهولة ولذلك يستلزم التعليم التطبيق والتطويل لأن الفائدة لا تحصل في التعليم إلا بالزيادة في أصل المراد ومقابلة الاسم بالاسم والفعل بالفعل وبالتكرار.
وقد أقر التوحيدي بأن الفضائل لا تقتني إلا بالشوق إليها والحرص عليها والطلب لها وهذا أمور كلها لا تكون إلا بمشوق وباعث وداع والمشوق والباعث والداعي هو التعليم فهو سبب الأريحية والهزة والشوق والعزة، فالأريحية للروح والهزة للنفس والشوق للعقل والعزة للإنسان فإذا بلغ المرء درجة من النضج لابد أن تتعلق همته بالجوهر ويهمل العرض ويستفيد من العلوم العقلية في فهمه للعلوم النقلية ويعمل على اكتساب جودة التمييز والقدرة على الاستنباط والتفكير دون الاتكال على الغير ودون الاقتصار على جودة الحفظ.
لقد قال الشيخ الرئيس ابن سينا في هذا الاطار:"لابد أن يكون التعليم والتعلم بعلم سبق ومنه صناعي كالخياطة وإنما يحصل باستعمال أفعال تلك الصناعة والمواظبة عليها ومنه تلقيني كتعليم اللغة وإنما يحصل بالمداومة على التلفظ بها لتحصل ملكة ومنه تأديبي ويحصل بالمشاورة ومنه تقليدي وإنما يحصل بالثقة بالمعلمين ومنه تنبيهي لمن خاطب بالأوليات العقلية ونحوه". فإذا كان التعلم لما سبق إليه الغير ممن تقدم أو تأخر وكان العلم بما هو عرفاني صرف وبما هو مهني وحسي وحركي وعملي فان التعليم يكون لما تمت الخبرة به. ويميز ابن سينا بين التعليم الفكري والتعليم الذهني الأول هو الذي يكتسب بقول مسموع أو معقول من شأنه أن يوقع اعتقادا أو رأيا لم يكن أو يوقع تصورا ما لم يكن أما الثاني فيكون بين اثنين وقد يكون بين إنسان واحد مع نفسه من جهتين فمن جهة لحدس بالحد الأوسط في القياس يكون معلما ومن جهة استفادة النتيجة منه متعلما مدلا.( 10)
هكذا يكون التعليم الجيد اتساق ما إلى اكتساب مجهول بمعلوم وحصول ملكة في أمر عملي فكري أي صناعة كاملة وراسخة ومن هنا يشترط التعليم الإجازة العامة والشاملة للمقروء والمسموع من المنظوم والمنثور ومن المعقول والمنقول على العموم والإطلاق والشمول والاستغراق وقد قيل تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر،لأن المتعلم أهل لأن يحلى بحلي الإعلام وينظم في السلك العلمي الرفيع الانتظام.ولا ينبغي أن يكتفي المتعلم بالمختصرات لحاجته إلى التبسيط والاقتصاد لأن التعليم الذي يقوم على المختصرات لا يهيئ الفرصة لنضج الملكات لا يتيح الإيجاز والاقتضاب تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لذلك لابد من المغامرة في البحث عن الأمور العويصة والتنقيب عن المسائل العنيدة.
على هذا النحو لا يكون العلم إلا بالتعليم والعلم أمانة يجب تبليغها للأجيال المقبلة والكتاب أداة أساسية من أدوات النقل والتبليغ. يقول الجاحظ في هذا السياق:" وما أكثر من فرط في التعليم أيام خمول ذكره وأيام حداثة سنه ولولا جياد الكتب وحسنها ومبينها ومختصرها لما تحركت همة هؤلاء لطلب العلم ونزعت إلى حب الأدب."( 11)
اعلم كذلك أن انقطاع سند تعليم العلم يؤدي إلى اختلال العمران وتناقص الصنائع وفقدان الأمصار وأن انتشار التعليم و ترسخ العلم يؤديان إلى استبحار العمران وازدهار الصنائع وامتداد العصور،فبين إذن أن التعليم عامل من عوامل التحضر ومظهر من مظاهرها. وقد قيل العلم خزانة مفتاحها السؤال والسؤال يثمر العلم لأن العلم يدرك بسؤال سؤول وقلب عقول. إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويكتبون أحسن ما يسمعون. فأن يموت الإنسان طالبا للعلم خير من أن يموت قانعا بالجهل. والعلم من التربية و"معنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه" كما يقول الغزالي.
هذا عن دلالة العلم والتعليم بالجملة وعلى العموم الآن ماذا عن دلالة تعليم الفلسفة على الخصوص؟ هل يجوز لنا الحديث عن فلسفة للتربية في المخزون التراثي التعليمي للفلسفة العربية الإسلامية؟ ماهي ملامح الفلسفة التربوية عند العرب؟ وأي دور تضطلع به في مستوى النهوض الحضاري الشامل وتجديد طرق التعليم وأثرها في بناء الشخصية الرسالية التاريخية للأمة؟
كيف نفسر الرأي القائل بأن الفلسفة يمكن تدريسها ويمكن تعليمها بالنسبة للناشئة مهما كانت أعمارهم ولا توجد أي موانع تحول دون ذلك؟
ماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر لإنجاح مشروع تدريس الفلسفة؟
ألا ينبغي أن نفكر في بناء تعلمية فلسفية عربية حتى تتماشى مع روح الثقافة الإسلامية؟
2- في تعليم الفلسفة بصفة خاصة:
جاء في رسائل إخوان الصفاء:" الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد النبوة".
إن كانت الفلسفة في عنفوانها تفتيشا وكدا عن الحقيقة دون إدراكها وسعيا متواصلا وراء اليقين دون الفوز به وطرحا لكل أصناف المعرفة المتداولة والدارجة في الملة على بساط النقد والمماحكة فهمنا لماذا كان وضعها في نظام التربية والتعليم وضعا قلقا مهزوزا يتأرجح بين الإقصاء والقبول وبين التوظيف والصد عنها وبين الإغراء والحيطة وعرفنا لماذا ظل تعليم الفلسفة منذ القديم لعبة بين يدي السلطات السياسية والدينية والعامية وبقي التعامل معها يتم بانتهازية ونفعية وبانتقائية كبيرة تلعب فيها المصالح والأهواء وتضرب حولها رقابة صارمة،الأمر الذي أدى إلى الإضرار بالفلسفة وعرقل إمكانية ازدهار تعليمها، فإذا كان تعليم الفلسفة قبل الاستقلال يجري وفق البرامج الرسمية الاستعمارية ولم يفتح قسم الفلسفة في المدرسة العربية إلا بعد الحرب العالمية الثانية ولم يرخص في إلقاء دروس في الفلسفة الإسلامية إلا فيما بعد وفي عدد قليل من الساعات وكان حضور الفلسفة في التعليم الديني في الزيتونة أو الأزهر محتشما وينحصر فى تلقين بعض قواعد المنطق الجافة والتي تبعث على الملل وبعض العلوم الطبيعية والصحيحة المجردة والتي تعمل على
تبليد الذهن عوض تحفيزه وتنشيطه فان تعميم تعليمها اليوم في كل المعاهد وعلى مختلف الشعب وتكاثر أقسام الفلسفة في الكليات وتنظيم دروس نظرية في عدة اختصاصات علمية انسانية لم ينه حالة الحصار والإدغام التي تعرضت له في الماضي ومازالت تواجهه في بعض الدول ذات الأنظمة التقليدية بل ربما الغبن الذي تتعرض له اليوم أشد وطأة لأن منافسيها ليسوا الدين والسياسة فحسب بل وكذلك العلم والتقنية وفن التسويق.( 12)
اللافت للنظر اليوم أنه ثمة صراع دائم حاصل بين الإيديولوجيا السائدة والفلسفة إذ يطلب منها دائما أن تبرر ماهو واقع وتضفي المشروعية على الممارسات الاجتماعية الشائعة بحيث تتحول الى أداة لتكييف النظريات والأفكار الجريئة لإقحامها في نسيج ثقافي متساهل ومهادن فتذوب في صلب برنامج عام يخدم السائد ويجعلها توفي بالتزاماتها مع العولمة الضاغطة عليها. لكن إن كانت الديمقراطية قيمة كبرى أبدعها العقل الفلسفي أول مرة ووقع تصديرها إلى الفضاء العمومي أليس من الأولى أن تتمتع الفلسفة بمحاسن وثمار هذه النبتة التي زرعتها؟ هل يتسنى لنا القول اليوم بان ديمقراطية التعليم عامة أولى بها أن تطال تدريس الفلسفة بالخصوص؟
يشخص ابن عاشور أزمة الفلسفة عندنا في تعثر الترجمة بقوله:" أما كتب الفلسفة عندنا مثل المواقف فهي مأخوذة من فلسفة اليونان مغيرة بما يناسب قواعد علم الكلام فلا ينبغي أن تكون معدودة لدراسة الفلسفة وبالجملة فالحاجة اليوم الى مترجمين نابغين لينقلوا ما يحتاج اليه من هاته العلوم لأهل اللسان العربي فيكفوهم كلل الخبط فيما لا طائل تحته ويسمو بهم الى منزلة قرنائهم من الأمم المعاصرة"( 13)
ما يجدر ملاحظته أن تعليم الفلسفة واقع في كماشة متكونة من ثلاث أقطاب لا يقدر على الفرار منها، فهو من جهة واقع تحت ضغط المؤسسة التربوية القائمة ومن جهة ثانية مطالب بتحقيق المصالحة مع النسيج الثقافي الدارج ومن جهة ثالثة يطلب منه أن يخضع لمستلزمات القول الفلسفي ذاته وإلا فقد الماهية التي تخصه،فكيف تقدر الفلسفة على خدمة ثلاثة أسياد في الآن نفسه؟
*الفلسفة تظل في محور المؤسسة التربوية داخل سقف النظام التربوي السائد وتتماهى مع حرص الطبقة الحاكمة على التنظيم والتطويع وذلك عن طريق المراقبة والتقويم والتفقد والامتحانات والمناظرات بالإضافة إلى ضبط البرامج وانتقاء عناصرها بما يخدم المقاصد والترتيبات المسطرة في ذلك الزمان عن طريق تأليف الكتب المدرسية ومراقبة النشريات الصادرة عن المكتبات.
إن النظام التربوي برمته لا يقوم إلا على أساس فلسفي وإن فلسفة التربية تقوم بالنسبة إليه مقام الروح من الجسد، إذ لا يتسنى تعليم فلسفي صحيح إلا إذا كان قائما على مبدأ التفاؤل بالإنسان وعلى احترام حريته والوثوق في قدراته وطاقاته الكامنة، وهذا الأمل لا يتحقق إلا في صلب نظام تربوي مقام على أساس من الديمقراطية والحرية والمسؤولية. هكذا ظلت الفلسفة في معناه المدرسي المتداول متوجهة نحو التعليم الثانوي وتأتي في هذه المرحلة من حياة الإنسان التي تبدأ بانتهاء الطفولة وتنتهي بانتهاء المراهقة.
*أما محور التقاليد والسنن الثقافية فان تعليم الفلسفة في حضارتنا جاء قائما على مبدأ الازدواجية إذ هي تنهل من التراث الفلسفي العربي الإسلامي وكذلك من التراث الفلسفي الغربي الذي وصلنا عن طريق الفكر الفرنسي والثقافة الانجليزية والأمريكية. وهنا تكمن معضلة تعليم الفلسفة عندنا إذ كيف يمكن التوفيق بين هذه الثقافات المتنافرة أم أن الصراع بينهما هو أبدي؟ وماهو دور الفلسفة في التقريب بين هذه الثقافات؟ أو بعبارة أخرى هل تجاوزنا الازدواجية في مرحلة التأليف والترجمة وأدركنا مرحلة الخلق والإبداع في كنف ما يسمى بالثقافة العالمية؟أم هل مازلنا في مستوى الاقتباس والتلفيق والنقل؟
والحق أن نظامنا التربوي العربي مازال تغلب عليه صبغة التبعية والتقليد أكثر مما تبرز فيه صفات الأصالة والانطلاق، إننا مازلنا ممزقين بين تراث ننظر إليه نظرة الحنين وكأنه أصبح قطعة متحفية محنطة وحاضر نعيش على هامشه إذ ما برحنا ننتظر ما يتكرم به علينا الغرب من آراء ونظريات لا تستجيب الى حاجياتنا الحقيقية والتحديات التي تواجهنا فنحن لا ننتمي الى نفس زمنية الوجود حتى وان تقاسمنا كرها الانخراط في العولمة لأن الغرب فيها فاعلون بينما العرب منفعلون.
* أما المحور البيداغوجي المتمثل بنوعية الصلة الحاصلة بين الأستاذ والتلميذ فان وجود كتاب مدرسي واحد واعتماد أسلوب التلقين وإفراغ البرامج من مضامينها بحجة ضرورة ملائمتها مع الوضع العالمي قد أدى إلى نتائج عكسية تجلت في عزوف المتعلمين عن الاهتمام بالفلسفة والسخرية منها ومهاجمتها.
فقد بقيت فتوى ابن الصلاح الشهرزوري توفي سنة 643 هجري المحرمة للاشتغال بالفلسفة حاضرة في العقول متغلغلة في النفوس سارية المفعول اذ يقول "الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المطهرة المؤيدة
بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومن تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان...وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر..."
وقد برر ابن خلدون هذا الصنيع بأن الفلسفة ليست من علوم المقاصد بل هي آلة لغيرها وأن العلوم العقلية تركها العرب وانصرفوا عن انتحالها واختص بها العجم وحملها المعربون شأن الصنائع كلها زد على ذلك أن صناعة التفلسف غير مأمونة الغلط لكثرة ما فيها من انتزاع وتجريد وبعدها عن المحسوس ولعدم قابليتها للانطباق. لكن هذه التحفظات لم تحل دون انتشار الفلسفة بين السكان الافتراضيين لحضارة اقرأ لأن من وظيفة الفلسفة منذ القدم أن ينشأ عنها مشروع تربوي يعين على تكوين إنسان ترسم ملامحه من خلال ما يفوز به التأمل الفلسفي من تعرف على الذات الأخرى ومن ضبط لموقعها في الوجود ومن تحديد لصلته بالمطلق.
إن تعليم الفلسفة في جوهره عمل تربوي هادف يرفض الترويض الإيديولوجي والاستغلال السياسي ويقطع مع الشعارات الزائفة والأفكار الدارجة في المجتمع ويقتضي الحرية الفكرية بالنسبة للمتعلم والمعلم على السواء، لذا يجب أن يضبط تعليم الفلسفة بأهداف واضحة تعزز الانتماء الحضاري وتصون الهوية من التفتت والضياع في العالم ويتطلب هذا الأمر الجلل بناء فلسفة للتربية تكون بمثابة الإطار الموجه له والنموذج المرشد في كل مسارتعليم الفلسفة،فماذا نعني بفلسفة التربية؟ وماهي فائدتها في تعليم الفلسفة؟
ان المطلب الأسمى والهدف الأقصى لنا في هذا المبحث هو بناء تعلمية ناجحة للفلسفة تتفحص العلاقة البيداغوجية الشرعية بين الوحدات الثلاث: المتعلم والمعلم والمادة المعلمة والمتعلمة.
من هنا لابد من تخليص الفلسفة الذائعة والمشهورة من العيوب و تطهيرها من التحفظات والاعتراضات والعمل على حل الإشكاليات التالية:
إن كان تعليم الفلسفة يعاني من أزمة حادة فهل يعني ذلك أن وجود الفلسفة ذاتها في خطر؟ أي سر وراء شيوع العزوف عن الفلسفة؟
هل نفسر ذلك بأن الفلسفة لم تعد أم العلوم أم لأنها أصبحت معرفة لا تجلب المصلحة؟ ماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر حتى يمكن تجاوز هذه الأزمة؟
هل نهتم بخصال وآداب المعلم أم بصفات المتعلم؟
ماذا عن محاور الاهتمام الفلسفية الموضوعة لغرض التعليم ألا ينبغي أن تنتقي وتصطفى بحيث تلاءم مدارك المتعلمين و جودة فهمهم و تتناسب مع اقتدارات المعلمين والمتعلمين على السواء وتحترم السياق الاجتماعي والثقافي الذي يندرجون ضمنه؟ لماذا يقع التركيز اليوم على المنطق والفلسفة التحليلية ومقولات الألسنية والبنائية ويقع التشدق بمكاسب فلسفة الظنة ومزايا العلوم الإنسانية ويتم استثناء الفلسفة الإسلامية المشرقية وكل كنوز التراث العقلية ويترك الفكر الذي يطرح مسائل الهوية ويعزز المقاومة والصمود؟
فماهي المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في تعليم الفلسفة؟
3 ـ آداب متعلم الفلسفة:
"اذا قرأت العلم أو طالعته ينبغي أن يكون علمك يصلح قلبك ويزكي نفسك"
الغزالي أيها الولد
لما كانت نفس المتعلم معدنا للعلم وكان عقله منبعا للحكمة مركوزة فيه بالقوة منذ أول الفطرة كان من الضروري الانتقال بهذه الحكمة من القوة إلى الفعل وكان من اللازم بذل الجهد لإبرازها بالتعليم الذي لا يجلب للمتعلم شيئا من خارج نفسه بل يكتفي برفع الحجاب عما هو مركوز في عقله ويكشف الغطاء عما أودع في نفسه بالفطرة.
من البين أن التعليم لا يحصل بالتمام والكلية إلا باجتماع آداب في المتعلمين وبتكون ملكات فيهم هي على هذا النحو:
الملكة الأولى: (التخلق)
تقديم طهارة النفس على رذائل الأخلاق ومذموم الصفات والتقليل من الانشغال بالدنيا بحلية الباطن وتجميله بالفضائل لأنه أساس العمل ومصدر حسن المآل، فان كان العلم هو البحث عن جواهر الأشياء وتعطش نحو معانقة المطلق فانه لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وبالتالي على المتعلم أن يكابد المشاقة ويجاهد الأهواء وأن يطهر نفسه من جميع ما يشوب قلبه ويصوب جوارحه نحو جليل الأعمال وأن يكون مستعد لتقبل ما يغمر به وأن يبتعد عن الأهل والوطن لأن العلائق شاغلة للقلب والنفس وكل انشغال بغير العلم يضيع الجهد ولا يحقق الهدف.
الملكة الثانية: (حب العلم)
ألا يتكبر على العلم وألا يتآمر على المعلم وألا يدع فنا من الفنون المحمودة إلا وينظر فيه وألا يستهين بشيء من المعارف و الآداب و الحكم لأنها متعاونة و مترابطة بعض مع بعض ومكملة الواحدة منها للأخرى، فالحكمة ضالة الإنسان إن لم يتعقبها ويحرص على التفتيش عنها لن يجدها و طالب العلم هو مثل المريض الذي يلقي زمام أمره كلية على الطبيب لتحسن حاله و يقضي على الداء وعليه إذن أن يذعن لنصيحة المعلم الذي هو في موقع الطبيب المشفق الحاذق. بعبارة أخرى ينبغي أن يكون على درجة من التواضع والأدب لتحصل الاستفادة من المعلم وليكن له الثواب والشرف في خدمته - فالاحترام والتقدير هما طريق لتحقيق عمل قائم على العلم وعلم يصلح للتعلم.
الملكة الثالثة: (الاعتبار من الاختلاف)
على المتعلم المبتدئ ألا يخوض أو يصغي إلى الاختلاف لأن اختلاف الآراء وتناقضها إذا تعرض لها سماع المبتدئ وفكره تؤدي به إلى الظن والتشكيك وعدم الثقة في المعلم،فالتعدد قد يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه ويؤيسه من كل إدراك أو اطلاع،لذلك يقول الغزالي:" إن الخائض في العلوم النظرية لا ينبغي أن يصغي أولا إلى الاختلاف الواقع بين الفرق والشبه المشككة المحيرة ما لم يكن بعد تمهيد قوانينه ".( 14)
لذلك ينبغي على المتعلم أن يسير بخطى ثابتة ووطيدة حتى لا يضعف أو يتخاذل وليكون تعلمه أسرع وأرسخ وأن لا يخوض في علم ما دفعة واحدة بل يراعي الترتيب والتدرج فيبتدئ بالأسهل والبسيط ثم يمر إلى الأصعب والمعقد وأن يشرع بالأهم ولا يخوض في فن حتى يستوفي الذي قبله إذ أن العلوم مصنفة ومرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق إلى بعض وأن يكن قصده من كل علم يتحراه الترقي إلى العلم الذي يوجد فوقه من حيث الدرجة والشرف والمرتبة. وينبغي ألا يحكم على فساد علم لوقوع الاختلاف بين أصحابه أو لوقوع واحد من المشتغلين به في الخطأ أو لقول العلماء ما لا يفعلونه ولفعلهم ما لا يقولونه وأن يعلم نسبة العلوم إلى القصد إذ يكفي أن يعرف المتعلم مقاصد العلوم حتى يختار أخيرها بالنسبة إلى غرضه.
الملكة الرابعة: (الانتقاء)
ينبغي على المتعلم أن يأخذ من كل علم أحسنه وأن يقتنص من كل اختصاص ثمرته أذا لم يتسع العمر جميع العلوم، إذ كل علم يدرك شرفه بثمرته أو بوثاقة دلالته والنظر إلى شرف الثمرة أولى من النظر إلى وثاقة الدليل و يكفي أن يحصل على مبادئ كل علم أو حتى لمحة من لمحاتها حتى يحصل على المعرفة كلها وينال السعادة العظمى،لأن المرء إذا حدث الناس بحديث لا يفهمونه كان فتنة على بعضهم.
الملكة الخامسة: (اجلال أهل العلم)
ومن آداب المتعلم مع المعلم أن يبدأه بالسلام ويقل بين يديه الكلام ويقوم له إذا قام و لا يقول له قال فلان خلاف ما قلت ولا يسأل جليسه في مجلسه ولا يبتسم عند مخاطبته ولا يشير عليه بخلاف رأيه ولا يأخذ بثوبه إذا قام ولا يستفهمه عن مسألة في طريقه حتى يبلغ إلى منزله ولا يكثر عليه عند ملله وإن كان المتعلم قارئا فلابد أن يجلس بين يديه جلسة التواضع ويجمع فهمه ويخفض رأسه ويستأذن قبل القراءة ويسمي الأشياء بأسمائها ويضع الأمور مواضعها ويدعو له عند الفراغ بالسداد. أما إذا كان المتعلم مستمعا فمن آدابه إظهار الخشوع ودوام الخضوع وسلامة الصدر وحسن الظن واعتقاد القول ودوام السكوت وقلة التقلب وجمع الهم وترك التهمة. وإذا كان طالبا فانه لابد أن يكتب المشهور ولا يكتب الغريب، عن الثقاة ولا عن المناكير ولا يغلب شهرة الحديث على قرينه ولا يشغله طلبه عن مروءته وواجباته، لابد أن يجتنب الغيبة وينصت للسماع ويلزم الصمت بين يدي محدثه، ومن آدابه قلة الإشارة وترك الشطح في العبارة والتمسك بالعلم ودوام الكد واستعمال الجد والاستيحاش من الناس ويأخذ بالفضل على من دونه ولا يساوي من هو مثله. يعرف الفضل لأهل العلم
وان كان مثلهم في العلم أو أعلم، يهذب أخلاقه ويتحفظ في أفعاله وألفاظه عند غضبه وخطابه..
الملكة السادسة: (المكابدة)
ينبغي لمن بلي بالموانع التي تعيقه عن الفهم أن يستدرك تقصيره بكثرة الدرس ويوقظ عن غفلته بإدامة النظر وأن يعتني بال حفظ بعد تصور وفهم وأن يزيل عن نفسه كل الشبهات والطوارئ التي تغترض المعنى فتمنع من تصوره وتدفع عن إدراك حقيقته وذلك بالسؤال والنظر ليصل إلى تصور المعنى وإدراك حقيقته بانبساط الآمال واتساع الأماني.وقد ذكر الماوردي ما نصه:" إن لهذه القلوب تنافر كتنافر الوحش فتألفوها بالاقتصاد في التعليم والتوسط في التقديم لتحسن طاعتها ويدوم نشاطها".( 15)
الملكة الرابعة: (احترام المعلم)
اذا علمنا أن المربي كالمزارع الذي يعتني الزرع فكلما رأى حجرا أو نباتا مضرا به قلعه و طرحه خارجا ويسقيه مرارا إلى أن ينمو ويتربى ليكون أحسن من غيره،وإذا علمنا أن الزرع محتاج للمزارع فانه لابد للمتعلم السالك من معلم مرشد مربي ليكون دليلا له يهديه إلى الطريق المستقيم لا يستغني عنه يحترمه ظاهرا و باطنا.الاحترام الظاهري ألا يجادله ولا ينكر عليه ولا يقيم الحجة عليه في أي مسألة ذكرها وإن تحقق خطأه وأن لا يتنقل كثيرا في حضرته وأن يفعل كل ما أمره به قدر استطاعته وأن لا يخضع له ولا لغيره وأن يبالغ في الامتثال لأمره ولو كان ظاهره في صورة المعصية.
أما الاحترام الباطني فهو كل ما سلمه له في الظاهر لا ينكره في الباطن و إلا كان منافقا فان لم يقدر على ذلك ترك صحبته حتى يكون ما في باطنه موافقا لما في ظاهره لأنه لا فائدة في الصحبة مع الإنكار بل ربما تكون سببا في هلاكه ومنازعته.
ما يلفت الانتباه عند الغزالي أن المعلم يختصر النصيحة للمتعلم في ثمانية أشياء أربعة تركية وأربعة فعلية،النصائح التركية فهي:
* ترك المناظرة بقدر الإمكان وإقامة الحجة على كل من يذكر مسألة.
*الاحتراز من الوعظ والتذكير إلا أن تعلم أنك عملت أولا بما تقول.
* الابتعاد عن الملوك والأمراء والحكام وعدم مخالطهم وعدم مجالسهم.
* العزوف عن الطمع في المال لأن يكون سببا لفساد التربية.
أما النصائح الفعلية التي لابد أن يعمل بها كل معلم و متعلم هي:
*أن تؤدى ما عهدت نفسك عليه.
* أن تشتغل بالعلم النافع في الواقع وهو الذي لو علمت أنه بقي من عمرك أسبوع لم تشغل بسواه.
*أن تسمع كلمة واحدة وتأمل في حقيقتها و اعمل بها تجد فيها خلاصك ونجاتك، أن تشتغل بإصلاح ما تعلم أنه محل نظر الحق.
*أن تدخر من القوت لمن لم يكن لهم قوة اليقين في يوم معلوم.
بيد أن هذه الآداب التي ينبغي أن يستند إليها المتعلم ورغم أهميتها وارتباطها بنظام بيداغوجي وتربوي إن كانت ضرورية فإنها غير كافية لبناء تعلمية ناجحة لتدريس الفلسفة اذ يشترط كذلك توفر مجموعة من الخصال عند المعلم،فماهي آداب المعلم؟
3 - آداب معلم الفلسفة:
" لولا المعلمون أي شيء كنا نكون نحن؟"
القابسي الرسالة المفصلة( 16)
يستمد باث الفلسفة عظمته ومجده من كونه الموجود الوحيد الذي يعلم ويعمل بما علم ويعلم ما علم وما عمل، ويكتسب مدرس الحكمة منزلته وحضوته من كون غايات العلم الذي ينشره تتمثل في أن ينتفع به وينفع غيره بذلا وسخاء.اذ ليس من نافلة القول أن نذكر بأن من لم يكن قادرا على التفلسف لا يسمى معلم فلسفة ولن يتمكن من تدريس الفلسفة بشكل حاذق إذ لا يليق بكرامة الفيلسوف أن يبني نتاجه على أنقاض آثار غيره وغير خليق به كذلك أن يكون مقلدا لغيره بصفة حرفية مستخدما عقله بشكل سيء كما هو الشأن عند صاحب الظن أو بصورة جدلية تماما مثل السفسطائي، ولا يليق به كذلك أن يعمد إلى تعليم فلسفة لم توجد بعد ولا يعمل هو على إيجادها.
على هذا النحو يبدو من الضروري أن يقوم المعلم بترويض نفسه وشحذ ذهنه وأن يتجرأ على استخدام عقله بنفسه وبصورة حرة وشخصية حتى يتمكن من معرفة الحكمة وتعليمها لأنه حتى إن كان غير قادر على تعلم الفلسفة فانه على الأقل قادر على تعلم التفلسف وتعليمه للآخرين، فأن نتفلسف هو أن نكون بصدد التفكير لا هائمين في أفكارنا،أن نتفلسف هو أن يكون كل واحد منا قادرا على تقدير صحيح للخير والشر لغاية تعديل الرغبات والطموحات.
ان المدرس الحقيقي هو دائما من يفكر بنفسه وفي نفسه وهو الممسك بزمام أمره والتائق نحو معرفة دقائق الأمور والالمام بكل كبيرة وصغيرة بخصوص المادة التي يبذل الجهد لتدريسها وهو كذلك المتخلق بالآداب التالية:
الوصية الأولى: (التعاطف)
ينبغي أن يحترم المعلم المتعلم وألا يستصغر من شأنه ويجب أن يعتبر المعرفة الحاصلة لديه ذات شأن وكافية لفهم الفلسفة واقتنائها وأن يهيئ له الأرضية الملائمة لتوسيع معارفه المكتسبة وامتحانها سواء بتثبيت الصحيح منها وترسيخ جانبها اليقيني أو استشكال واستنطاق ماهو مظنون وقابل للمراجعة منها، وكل ذلك لا يحدث ولا يكون ممكنا سوى بالمودة والرأفة بالمتلقي ومعاملته بلطف ورفق خصوصا وأن فضل المعلم عليه يفوق من حيث الدرجة والأهمية فضل أبويه لأن الأسرة كانت سبب وجوده في الحياة الزائلة بينما معلمه هو سبب انبعاثه في الحياة الحقيقية عندما يدفع إليه مهجة نفسه وثمرة قلبه ويصيره كيف ما شاء ودون أن يدرى.
الوصية الثانية: (الترفع)
ينبغي ألا يطلب المعلم من المتعلم من وراء تعليمه أي ثناء أو اعتراف أو منفعة وأن يؤدي رسالته لذاتها مثلما يرجع المؤتمن الأمانة إلى أهلها سالمة كما عهدت له أول مرة قدوة بسقراط و محاربته السفسطائيين الذين زعموا امتلاك الحكمة وباعوها بمقابل مادي.
الوصية الثالثة: (الرفق)
ينبغي أن يتوخي طريق التعريض لا التصريح والترغيب لا الترهيب والرحمة لا التوبيخ لأن التصريح يهتك حجاب الهيبة والترهيب يولد النقمة والتوبيخ ويورث الجرأة على الهجوم عند كل خلاف ويهيج على الإصرار، كما أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم وفي ذلك يقول ابن خلدون:" وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف سلط القهر عليه وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة ولذلك صارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس المتعلم المقهور وعاد في أسفل السافلين واستولى عليه التخابث والكيد."( 17)
الوصية الرابعة: (التفاني في الخدمة)
ينبغي ألا يدخر مدرس الفلسفة أي جهد في نصح المتعلم وزجره عن سوء الخلق وأن يتفانى في خدمته وألا يحتكر الحكمة أو يتسقط عليه بالنزر القليل من المعرفة مما لا يروى تعطشه إليها وظمأه من حرمانه منها وحتى لا يخلق لديه آفة الحقد والكراهية وينبغي كذلك أن يوفر له ما يحتاجه من قواعد للسلوك ومبادئ توجيهية وأفكار ناظمة تهدئ من روعه واضطرابه وتبدد اضطرابه
وتذهب حيرته وذلك بإرشاده نحو ما يحقق به ذاته وإلى ما فيه خيره وصلاحه.
وشرط المعلم أن يكون عالما له أهلية صناعة التعليم لأن هناك من يدعو إلى اللهو واللغو بينما المربي الحقيقي هو يعتقد اعتقادا سليما خاليا عن البدع ويعمل على إرضاء الخصوم حتى لا يبقى عليه حق ضائع وان الاقتداء بمثل هذا المعلم هو عين الصواب والظفر بمثله نادر لاسيما في هذا الزمان.
من هذا المنطلق ينصح ابن خلدون بما يلي:" أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وبدئه وخذه بتعظيم الحكماء ورفع مراتب الفلاسفة وكتبهم ولا تمرن ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستجلى الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة"( 18).
الوصية الخامسة:(الاقتصاد)
ما ينبغي تجنبه هو الجهل بطرق التعليم وإفادته مثل إخبار المتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من كل فلسفة وإلقاء غايات النظريات وأسسها في البدايات اذ قل أن يستعد المتعلم لفهمها فهو عاجز عن الوعي وبعيد عن إدراكها لذلك يكل الذهن عنها ويحسب ذلك صعوبة في الفلسفة نفسها
فيتكاسل عنها وينحرف عن قبولها ويتمادى في هجرانها وقد أتى له ذلك من سوء التعليم بينما الأصوب هو أن يراعى مرانه على التعليم وصوابه فيه وأن يؤخذ بعين الاعتبار قدرته على الفهم والتحصيل لأن المتعلم يكون في أول الأمر عاجزا عن الاطلاع بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب والإجمال والأمثال الحسية ولذلك ينبغي أن تترك ملكة قبول العلم والاستعدادات لفهمه
تنشأ تدريجيا وأن يتدرج بمخالفة المسائل وتكرارها عليه وألا يطالب منذ الوهلة الأولى بالإحاطة كليا بمسائل الفلسفة وألا يكلف بإحضار ذهنه في حلها بل أن يهذب في نفسه استعداد التحصيل ومران التعلم. ان المتعلم إذا حصل ملكة ما في