ثقافات

الكاتبة الفلسطينية بين الترجمة والتهميش

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

دنيا الأمل إسماعيل: الترجمة الأدبية مهمة لكني أعوّل على التقدير الداخلي

حاورتها سماح الشيخ: دنيا الأمل إسماعيل شاعرة وقاصة وصحفية فلسطينية، رئيس مجلس إدارة جمعية المرأة المبدعة، وناشطة نسوية حقوقية، تُرجمت بعض أعمالها لأكثر من لغة، من مجموعاتها الشعرية "كلٌ على حدة"، "رنين العزلة".

* الأنثولوجيا القصصية البريطانية "قصات" الصادرة مؤخراً كانت إنصافاً للقلم النسوي الفلسطيني الذي حلّق بالإنجليزية حول العالم، كيف تنظرين لهذه التجربة كإحدى القاصات المُترجم لهن في المختارات؟
لقد كانت "قصّات" اعترافاً مهماً من قبل الآخر والثقافة الأخرى بأن هناك إبداعاً متميزاً متجاوزاً للسائد في مجتمع صغير مثل فلسطين، وأن هذه الكتابات تستحق أن يتم تناولها خارج المألوف السياسي وخارج التناول الشعاراتي الذي جرت عليه العادة خاصة في النقد وفي تناول الكتابة الفلسطينية على وجه العموم.

* وكيف رأيتِ التجارب الشابة في هذه المختارات؟
هذه الأنثولوجيا ربما تمثل استثناء في مسيرة بعض الكاتبات الشابات، رغم قلة عدد التجارب الشابة التي اهتمت بترجمتها الأنثولوجيا، لكنها تبقى فاتحة جديدة للتجارب الجديدة التي تسير في دماء الكتابة الفلسطينية، ولكن علينا ألا نعوّل عليها كثيراً وألا يأخذنا حب الحديث عن الذات الإبداعية والانطواء على هذه التجربة والانعزال داخلها. لا يمكن لهذه المختارات أن تعطي انطباعاً تاماً وكاملاً عن كل تجربة إبداعية ضمتها، ما لم تنبني عليها كتابات وترجمات ودراسات أخرى، وهنا ينبغي على المسؤولين الفلسطينيين في المجال الثقافي أخذ الأدب الفلسطيني الجديد بعين الاهتمام لترجمته للغات الأخرى ومن أهمها الإنجليزية.

* وعلى صعيد شخصي ماذا يعني لكِ تواجدك في هذه الأنثولوجيا؟
لم تضف إليّ الكثير، ربما فقط وصول صوتي للمرة الثانية أو الثالثة للغة الإنجليزية، هذه الترجمة ليست هي الترجمة الأولى بالنسبة لي، لكنها الأولى باعتباري كاتبة قصة. قبل ذلك كانت نتالي حنظل قد قدمت ترجمة لشاعرات فلسطينيات عبر أنثولوجيا الشعر العربي وهو مجلد ضخم صدر عن جامعة إكسفورد، كان لي شرف أن أكون واحدة من الشاعرات اللواتي حظين باختيار نتالي. أيضاً كان هناك ترجمات بسيطة أخرى في غير الشعر والقصة، حيث تُرجم لي كناشطة نسوية عبر مؤسسة الخط الأمامي بإيرلندا والتي سيقوم المركز الفلسطيني بحقوق الإنسان بترجمة هذه الطبعة خلال الأشهر القادمة.

* هل نفهم من هذه الترجمات أن الكاتبة الفلسطينية لا تلقى تهميشاً؟
على العكس، هذه الترجمة البريطانية الأخيرة تأتي في وقت نشعر فيه ككاتبات فلسطينيات بالكثير من التهميش خاصة في قطاع غزة، وأن جدوى الكتابة لم تعد تملأ هذا القلب الكبير، حيث عدنا لنتساءل ما الذي يمكن فعله من خلال الكتابة وما الذي يمكن أن يتغير من خلالها، هذه الترجمة أعطت بعض الأمل لمن لم يحظى بالاهتمام والرعاية من قبل مثقفينا ومؤسساتهم، فهناك من يهتم بك ويستمع لصوتك ويقرأ لكِ عبر العالم حتى وإن اختلفت اللغة، وربما هذا الاختلاف هو المدخل الأساسي لهذا الاهتمام ولهذه المعرفة الإبداعية التي تتجاوز الحدود وتتجاوز النعرات وتتجاوز التصنيفات وتتجاوز فكرة المجايلة أصلاً، كُتّاب كبار وكُتاب صغار، وينتهي الأمر بأن هناك احتكام أساسي هو احتكام للنص فقط دون أية مزاودات.

* إلى ماذا تتطلعين بعد الترجمة إذن؟
أنا شخصياً لا تعنيني كثيراً الترجمة، مع أني أفرح بها، لكني لا أضعها في حسباني، بعض الترجمات أتتني صدفة دون سعي مني، أكذب إذا قلت أن أي كاتبة -وأنا منهن- لا تفرح بترجمة نصوصها، لكن ليس لدي ثقة تامة بأن المجهود الشخصي الإبداعي هو وحده يكفي لأن تتجاوزي كل المعيقات والعقبات التي أمامك، لذلك اكتفيت أن أكتب وفقط، ولدي الكثير من النصوص غير المنشورة حتى الآن. قبل أيام فوجئت بأن ديواني الأول قد تُرجم للروسية وقد تم اختياره من القاهرة حتى دون أن أعلم ضمن اختيارات لشاعرات فلسطينيات من الجيل الجديد.

* لكن هناك تواصل مع القلم النسائي على أية حال؟
هذا التواصل الذي يأتي عبر مساحات متباعدة ربما لا يشكل صيرورة خاصة بأدب ما وتجربة ما، إلا إذا حظيتِ بهذا الاهتمام الداخلي النابع من محليّتك والنابع من ثقافتك. الترجمة مهمة ولكن الأهم من هذه الترجمة أن يقرأني بني وطني ويعرفون أن هناك شاعرة ما تكتب نصاً ما، وأن يعرفني جيلي ومن يسبقني والأجيال التالية، هذا هو الأهم وهذه هي التجربة التي أعوّل عليها وأضعها في حسباني.

* لكن الترجمة تُلفت النظر الداخلي لنصّك؟
وهي أيضاً تثير عليكِ حنق الآخرين، لأن معايير الآخرين مختلفة فلماذا أنتِ ولماذا نصّك؟ يحرمونك من فرصة التواجد على مساحة أخرى غير وطنك، حتى وهم يحاولون حرمانك من التواجد داخل الوطن. الكتابة حالة وجود سواء داخل الوطن أو خارج الوطن، وعلينا أن نفرح قليلاً عندما يقول لنا أحد أنكن موجودات رغم كل ما يُثار ضدكن حتى داخل أوطانكن.

* ألا توافقيني الرأي أن الترجمة النسوية -إن صح التعبير- تحتاج لمناخ ثقافي ومؤسسات معنية رسمية وغير رسمية؟
لا يوجد حراك ثقافي عام يمكن الاعتماد عليه والتعويل عليه في مجتمعنا، نحن مجتمع موبوء للأسف الشديد بالسياسة والشعارات والتحزبات، وكل هذا يأكل من دم الكتابة والثقافة والإبداع، لذلك هناك كُتاب اضطروا لأن يكونوا انعزاليون هم ونصوصهم داخل هذه البيئة التي لا تعترف بهوياتهم الإبداعية.

* يبدو من إجابتك الحنق الشديد، فهل يعكس هذا ما تحدثتِ عنه سابقاً من تهميش؟
النص الأنثوي يعاني من تهميش كبير شأنه شأن أي زاوية لها علاقة بموضوعات المرأة، دعينا من هذه الشعارات وهذه الاحتفالات الموسمية التي تحظى فيها المرأة ببعض الحضور الإعلامي وسرعان ما تخفت وتعود لزاوية النسيان. الاحتفاء بالنص الأنثوي ليس مرهوناً بموسم أو احتفالية ما أو صدور ترجمة أو موت شاعرة كبيرة أو موت مؤلفة كبيرة أو ممول أجنبي يمنحني بعض التمويل لأنشر كتابات نسائية. الصوت الأنثوي المفترض أنه صوت مشارك في الفعل الإبداعي كما هو مشارك في الفعل الاجتماعي والسياسي والثقافي، وعليه أن يكون له ذلك الحظ والنصيب الذي يحظى به النص الرجولي.

* فلسطينياً، كيف يُعامل النص الأنثوي؟
انظري إلى اتحاد الكُتاب الفلسطينيين بغزة، كم نصاً إبداعياً أنثوياً صدر عن هذا الاتحاد لشاعرة أو كاتبة فلسطينية قياساً بكتابات الرجال؟ لمن يصدر الاتحاد كتاباته ومن يختار ويقرر؟ ثم أين تذهب هذه الكتابات ونوعية هذه الكتابات، وقيسي على ذلك كثير جداً من الاحتفاليات والفعاليات والأنشطة الثقافية.

* ما الأسباب وراء ذلك من وجهة نظرك؟
الفعل الثقافي الفلسطيني للأسف الشديد هو فعل ثقافي مرهون برغبات أشخاص وأحلام أفراد مرتبطة بكل ما هو خارج عن البعد الاستراتيجي التغييري، هي أفعال تدخل في نظام الشلل والبزنس وما شابه ذلك، وهذا ليس له علاقة بالثقافة التغييرية المعنية بالذائقة، لهذا يُعاد إنتاج هذه المنظومة الثقافية حتى رغم التغيرات الزمنية وتغيرات الأجيال، لأن الحراك مجمد ومرهون برهانات غير الثقافة، نحن غير مخلصين وغير مخلصات للعمل الثقافي والإبداعي، لذلك ندفع ثمن هذه الأخطاء من حضورنا الإبداعي ومن كتاباتنا.

* حدثينا عن القلم النسائي في غزة؟
حتى الآن غزة محصورة بكتابات قليلة من النساء، الحضور الشعري كان في مرحلة ما أقوى من الحضور القصصي والآن العكس، وهذه إحدى المفارقات التي لم ينظر إليها أحد. النص الأنثوي محاصر بكثير من الثقافة الذكورية السائدة التي تتعامل معه كتابع وكمنتج يحارب المنتج الذي ينتجه الزملاء الرجال، وهو محاصر بالكثير من العادات الاجتماعية والثقافة الموروثة التي تتعامل معه كنص خارج عن القانون وخارج عن العادة وخارج عن الذائقة والاحترام والأصول المتبعة، لهذا كل كتابة أنثوية هي كتابة ضد السائد، حتى وإن كانت في إحدى مراحلها تتكيف مع هذا السائد، لكنه في الحقيقة خروج لما يُرسم ويخط للمرأة الفلسطينية من أدوار داخل مجتمعها وبيئتها. وربما هذا الصراع الخطير الذي تعاني منه كل امرأة وهو أن تكون ذاتها وألا تكون ذلك الدور المرسوم لها مسبقاً والمخطط له في الأسرة والمنزل والسيارة والشارع والعمل.

* وكيف ترين مستقبل النص الأنثوي؟
النص الأنثوي ما زال في قبو معتم، حتى يُفتح هذا القبو وتُخرج منه كل الكلمات الأسيرة والنصوص المحبوسة ينبغي أن تتراص الكثير من جهود الكاتبات والمبدعات والمستنيرات وكذلك الناشطات الاجتماعيات وكل اللواتي يبحثن عن تغيير حقيقي في حياتهن وحياة أبنائهن وفي نظرة المجتمع لكل امرأة فيه. هذا القبو سيظل مغلقاً ربما بأيدي النساء كما بأيدي الرجال حتى نؤمن تماماً بأن الثقافة هي فعل تغيير وفعل حياة، وليست فعل زينة أو نافلة تمر في الحياة وتمضي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف