ثقافات

من الأدب الأمريكي الحديث ... وداع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قصة: ستيوارت دايبك (stuart dybek -farwell)
ترجمة: زعيم الطائي
كانت نشأة (ستيوارت دايبك) الأولى في شيكاغو، نشر بواكير أعماله في صحف ومجلات أدبية عديدة، حاز على أكثر من جائزة أدبية، منها جائزة أو هنري القصصية وجائزة لينان وبرنارد مالمود، من اعماله القصصية المنشورة، أبحرت مع ماجلان 2003، أصدقاء وجيران آخرون1980، الثلج الحار 1985شاطئ شيكاغو 1981، يعيش الآن في ولاية مشيجان ويعمل في التدريس في western Michigan university هذه القصة من مجموعته THE COAST OF CHICAGO. (المترجم)

الليلة، أستمر الرذاذ عبر شارع فارويل بالهطول، مما جعل مصابيح الأنارة تخفت أضاءتها تدريجياً وقد غلفها الضباب، وصارت كمداخن ضوئية تجمعت حولها الأمطار.قرب شبابيك الشرفة في البناية التي كان يعيش فيها صديقي بابوفيتش سابقا ً، وقد انعكست واجهتها على الساحة المبتلة لملعب التنس عند الجهة المقابلة، أقف وأسأل نفسي، ترى هل ستكون لدي القدرة ذات يوم فأقوى على مغادرة هذه المدينة.
. تذكرت ليلتي الأولى وأنا أسير عبر طريق فارويل لمقابلة صديقي بابو، كان يومها يلقي بعض المحاضرات في الأدب الروسي، حيث كنت أدرس، وقد دعاني الى شقته، لم أكن قد دعيت من قبل مدرس الى بيته من قبل:
- متى سيكون الوقت الملائم؟ (سألته).
- أستطيع استقبال ضيوفي دائما ً. (أجابني)
خربش بيده ورقة بالعنوان قائلا ً: - لايوجد تلفون هناك.
كانت ليلة شتائية مثلجة، وشقته تقع على الخط الأخير من البيوت، حيث ينتهي الشارع بمواجهة البحيرة، جوار السياج الثلجي المتجمد على هيئة أعصار، وساحة التنس التي تكومت حولها الثلوج، الى جانبها المتنزه الصغير المحاذي لمياه البحيرة، والرصيف الأبيض الموصل الى المنارة الخضراء، وقد محا الثلج خط الممشى وحافات الرصيف، فبدى الرصيف تلك الليلة وكأنه امتداد للطريق، بينما صار شارع فارويل جزءاً من البحيرة، سرت بأتجاه المنارة، وكان الثلج قد أتخذ أشكالا ً نحتية بفعل الموج والرذاذ، توشت بها حافات الرصيف، كما غطى الثلج الأسلاك المانعة والبرج.عبر السكون الذي يبعثه الأنجماد، لم يعد بأمكاني الأصغاء الى حفيف مياه البحيرة الى الأسفل، او أرتعاشة الرصيف بالقرب مني، لكنني وأنا عائد الى الشقة داخل البناية تهيأ لي انني قد استمعت الى صوت غناء.
كان صوت التينور الجهوري الذي تردد عبر ساحة التنس، يبدو وكأنه يعوم عبر شباك الشرفة حيث أخذت الستائر تتخافق مثل الأعلام، كنت متأكدا ً أنه شباك بابو، وبدلا من قرع الجرص، توقفت عند ملعب التنس محاولاً ترديد مقاطع الأغنية، لكن الكلمات لم تكن واضحة تماما ً، عندها قمت بتشكيل كرات صغيرة من الثلج الهش كي أضرب بها النافذة، فسمعت صوت ارتطامها باللوح االزجاجي وقد ندت عنه قرقعة خفيفة، فتوقعت أطلالة بابو من النافذة، بالمقابل، وكانت الموسيقى قد توقفت، قمت برمي كرة ثلجية أخرى، فبدأ الضوء البرونزي المنبعث من النافذة يتذبذب شيئاً فشيئا ًوينطفئ، أخيرا أضطررت الى الدوران عند مدخل الهول وضغطت على زر الجرص مقابل اسم أندريه بابو فيتش، لكنني لم اسمع جواباً، وكنت على وشك العودة على أعقابي حينما لمحت وجهه المطل ببهاء عبر لوح زجاج باب قاعة الأستقبال، وقد علت محياه أبتسامة صخرية كنت قد رأيتها تعلو وجهه حينما قرأ داخل الصف لأول مرة قصيدة باللغة الروسية وبصوت عال، كانما يرتلها، ثم قام بترجمتها لنا بصوته المتردد ولكنته البريطانية.
- أذن، هو أنت؟
- أليس الوقت مناسباً للزيارة؟
- بالتأكيد، أدخل أرجوك، خذ لك شايا ً مع شيء آخر لكي تدفئ نفسك.
- تصورت انني قد حزرت اي شباك يعود لك فرميته بكرة الثلج لجلب الأنتباه.
- لقد كنت انت، اعتقدتهم بعض الأشقياء ممن سمعوا (كاليابن) وهو يطلق تأوهاته حول القدر فأثارهم ذلك، الأوبرا الروسية تملك تأثيرها حتى على من اعتادوا سماع الروك أند رول.لم أخمن مالذي سيأتي بعد تلك الطابوقة، لذا اسرعت بأيقاف الموسيقى والأنبطاح على الأرض في الظلام.
(أسف) قلت (لم أفكر - لاأعرف لماذا- لم أقم فقط بقرع الجرس)
- كلا..كلا، كانت لدي مفكرة للأسف أضعتها، لذا فأني لو رأيتك في العتمة لتصورتك واحدا من أولئك الشقاوات،)أطلق ضحكة (كما ترى، أنا متأثر مما يفعلونه).
عاد الضوء البرونزي الى شقته، التي بدت وكأنها مؤثثة بالكتب، كتب بمختلف اللغات، صفت على الجدران وتكدس بعضها فوق الأرضية، كانت آثاثه شحنات أخرى من صناديق الكتب، بقايا محتويات مخازن المكتبات الروسية الصغيرة، سرعان ماقام بأغلاقها بعد ان فتحها، بعد تلقيه تهديدا ومتفجرات بواسطة البريد، الى الأعلى من منضدته علق خارطة لشوارع أوديسا، حيث نشأ هناك جوار البحر الأسود، كانت بعض الشوارع معلمة على طولها بالحبر الأحمر بشكل دوائر، لم أسأله بشأنها تلك الليلة، لكنني بعد ذلك وقد توثقت معرفتي به، سألته عما تعنيه تلك الدوائر الحمر:
- مخابز جيدة وأفران (قال)
وحين لم تجدد الجامعة عقده، انتقل فجأة، فلم يدهشني ذلك منه، لأنه كان في حالة أنتقال دائم منذ فراره الى أنكلتره، خلال الحرب، فعاش فيها فترة ثم في كندا، ويقول انه بعدها لم يعرف أين سيكون المكان التالي، ولكنه عاجلا ً أم آجلا ً، مكث في مكان واحد ذكره ان لامكان سيخصه او يستحوذ على أهتمامه أكثر منه، فعاش في فارويل، الشارع الذي لايعني اسمه غير معنى لكلمة الوداع .
في هذا الليل، وأنا أجتاز شارع فارويل متخذا طريق البحيرة، عابراً برك ساحة التنس
ورصيف المنارة الخضراء، تهاجمني على طول الساحل المقفر رشقات الموج
فأسرعً من وجهها هاربا ً كما لو ان هناك من يطاردني، وأنا مازلت مشدودا الى ضفة الماء المزبدة، وقد تسلخت قشرة حذائي، وراحت تثير الكتل الجليدية المتناثرة عند موضع خطواتي فوق الرمل، كان الوقت متأخراً، حينما وصلت البناية التي اسكنها، فأتخذت طريق الممر المفضي الى البوابة، وقد غمر الأشياءالسكون، والدخان المتكاثف مازال يصنع الدوائر حول لمبات النور، حالما دلفت الى غرفتي في الظلام، استقبلتني شبابيكها المتعددة وهي تتضوع بتلك الرائحة التي تشبه طعم الستائر المبللة وأثماراليوسفي.
الولايات المتحدة الأمريكية
Ziam50@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف