ماري الياس: انتولوجيا المسرح الفرنسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شهد النص المسرحي على المستوى العالمي في الثلث الأخير من القرن العشرين تحولات عديدة، نبعت أولا من طبيعته المزدوجة كنص أدبي مستقل في حد ذاته، وكنص قابل للعرض والدخول في طيات اللعبة المسرحية، ونبعت ثانيا من طبيعة علاقته بوسائل الاتصال الأخرى، وهذه التحولات أغنت المسرح بطيف واسع من الألوان، أغلبها ظل مجهولا من قبل القارئ العربي.
وفي كتاب "انتولوجيا المسرح الفرنسي الحديث" المكون من أجزاء عدة تبناها المركز الثقافي الفرنسي، تحاول الدكتورة ماري الياس ملء هذا الفراغ عبر ترجمة مجموعة من النصوص المهمة التي تنتمي إلى مختلف اتجاهات الكتابة المسرحية الجديدة، ومنها على سبيل المثال نص "روبرتو زوكو" لبرنار ماري كولتس، "قصة حب" لجان لوك لاغرس، "لقاء" لآلان كناب، ومجموعة من النصوص القصيرة لصموئيل بيكيت، وحول فكرة هذا المشروع المهم ومعاييره وجزئياته، ثم هموم المسرح السوري كان لنا الحوار الآتي مع الباحثة المترجمة الدكتورة ماري الياس.
* أنجزت الجزأين الأوليين من كتاب "انطولوجيا المسرح الفرنسي الحديث"، وقمت بترجمة مجموعة من النصوص ذات أدبية رفيعة، كيف وُلدت فكرة المشروع، هل هي الرغبة في إثبات خطأ ما يروجه بعض النقاد حول موت النص المسرحي، ولماذا النص الفرنسي دون سواه؟
shy; كانت الفكرة بالنسبة الي أساسا تتمحور حول تعريف القارئ العربي ببعض نصوص المسرح الحديث، ربما ردا على مقولة موت النص، وأنا شخصيا ما كان في ذهني فكرة الانتولوجيا بقدر ما كنت أرغب في ترجمة بعض النصوص، ولكن لأسباب مادية وتقنية بحتة، ولكي تلقى الفكرة الدعم كان من الضروري صياغتها في إطار مشروع، سميته انطولوجيا المسرح الفرنسي على أساس أن أغلب النصوص قصير، ولا يمكن أن يصدر في كتب مستقلة، وعلى أساس أن الجهة الداعمة للمشروع *المركز الثقافي الفرنسي* يهمها التعريف بالثقافة الفرنسية، وأنا لم أقصد الفرنسية دون سواها، لكنها اللغة الوحيدة التي أجيدها ويمكنني نقلها إلى العربية. وكنت أتمنى أن تترجم نصوص مكتوبة بلغات أخرى، وقد توجهت إلى مجلس الثقافة البريطانية واقترحت عليهم أن يقوموا بمشروع مماثل، لأن ما يمكن قوله عن النص الفرنسي ينطبق كليا على النصوص الإنكليزية والألمانية التي لا نعرفها، والمشكلة أيضا أننا لا نعرف الرواية الحديثة أيضا، وانا أؤمن بضرورة الاطلاع على نتاج الآخر، لأن التطور حركة تفاعلية، وأنا قلت في مقدمة الانطولوجيا أنني لا أقصد من ترجمة هذه النصوص أن تقدم على خشبات المسرح، مع أن هذا قد يحدث، ولكن هذا ليس هو المهم، المهم أن نخرج من مأزقنا. يجري الكلام عالميا عن المثاقفة والتلاقح الثقافي، وقد يكون المسرح في العالم كله هو هذا الوجه المضيء لذاك التلاقح والتثاقف، بمعنى كيف تفاعل المسرح مع الثقافات الأخرى وغذى نفسه بها. ضمن هذا المنظور انا ميالة لأن تكون هناك حركة ترجمة نشطة تعرّفنا بما يصدر في العالم، وقد تغذي المخيلة لدينا.
* قراءة هذا الكم من المسرحيات ونقلها إلى العربية عملية مجهدة بحق، فكيف عملت، وما هي المعايير التي وضعتها لاختيار النصوص، وماذا عن الأجزاء الأخرى من الانطولوجيا؟
shy; كون الانطولوجيا في أجزاء، فهذا لأنه بعد صدور الجزء الأول ومراقبة تأثير ظهوره على الأقل على مستوى المسرحيين اقترحت إصدار جزء ثان، وقريبا سوف يصدر الجزء الثالث وهو لأسباب تقنية مؤلف من جزأين، أما عن اختيار النصوص فليس بالمسألة السهلة، وقد تكون في بعض جوانبها اعتباطية، وأنا في مواقع معينة انتقدت اختياراتي، لأنني لا أستطيع أن أترجم او أن أختار من دون خطة، ولكنني في الوقت ذاته مضطرة إلى نوع من الرقابة الذاتية. هناك نصوص مهمة، ولكن من المستحيل ترجمتها لأسباب اجتماعية أو سياسية. حاولت قدر الإمكان أن أملأ فراغا ما، وانطلقت مما هو غير موجود في اللغة العربية، لأن آخر ما نعرفه وما يدرّس في الجامعات هو مسرح الخمسينات، بكيت ويونسكو ومن جهة أخرى بريشت. في الانطولوجيا ترجمت نصوصا تعتبر نسبيا قديمة، تنتمي إلى مسرح الحياة اليومية. ترجمت نصوص المرحلة المتأخرة عند بكيت، لسبين: الأول علمي، لأننا لا نعرف من بكيت إلا مسرحية "انتظار غودو" وسبب تقني، هو ان هذه النصوص كنت قد ترجمتها بشكل فوري حين عُرضت بالفرنسية على المسرح، كما أن هناك كتابا مهمين، أصبحوا اليوم كلاسيكيين، أود ان اقدمهم للقارئ العربي أمثال لاغرس وكولتس، وقد يستغرب القارئ اختياري لبعض النصوص لاسيما في الجزء الأول، لكنني ترجمتها لانها تعبر بشكل أو بآخر عن العرض الحديث والنص الحديث، وربما بشكل تعليمي، وكما تلاحظين ليس لدي مشروعي الثقافي الخاص، فانا في كل ما كتبته أو ترجمته أتفاعل مع سياق ثقافي وكأني أحاور جمهورا موجودا، وجمهوري بالدرجة الأولى من الطلاب والمثقفين. قد تكون خواطري محكومة بالشرط الثقافي الذي نعيشه، وقد يتلاقى هذا بالظرف الثقافي العام.
* بمناسبة ذكرك لمسرح بكيت ونص "في انتظار غودو" فقد استوحت مجموعة من العروض العربية هذا النص، فما مدى نجاح هذه التجارب؟
shy; في المسرحية أيديولوجيا العدم، وفيها إشارات لما بعد الحداثة، وقد أغرت المسرحيين العرب، قُدمت في سوريا من إعداد ممدوح عدوان وإخراج نائلة الأطرش، وقدمها الرحابنة في أوبريت "المحطة" وفي العرضين المذكورين يعود غودو، والأمثلة تحمل المعنى الإيجابي، تقدم المسرحية، وترفض غودو الذي لن يأتي، لأنه كيفما وصفنا غودو يبقى هو المنقذ، ما معنى ذلك؟ معناه أننا في مرحلة معينة أخذنا بكيت ورفضناه. لكن في لبنان هناك عرض جديد من العروض النادرة قدم أيديولوجيا انتظار اللاشيء، زمن الانتظار، فكرة الفراغ، بمعنى ان يدور الإنسان في حلقة مفرغة، فعندما نقدم مسرحية تطرح فكرة الانتظار علينا أن نفكر كيف نقدمها، أن نتبنى الفكرة وأن نسعى لمطابقتها مع واقعها. عندما كتب بكيت هذه المسرحية كتبها بعد الوعود والخيبة وصدمة نهاية الحرب العالمية الثانية ونتائجها، مع أنه رفض أن يعطي أي تفسير. ولو حاولنا أن نفهم هذه المسرحية لا يمكن أن نفهمها في صياغتها، وإنما في بنيتها إنها كتابة بنية، بنية التكرار وعلاقة حياتنا بالزمن، معنى الزمن الذي نعيش فيه. ولهذا السبب تفسير المسرحية هو تفسير نابع من تحليل البنية، وهو تحليل فلسفي، لأن زمن الانتظار هو زمن لا تاريخي، لأنه خارج عن سياق التاريخ، ومن هنا تأتي فكرة العبث، ومن هنا ينبغي أن يبدأ استخدامنا للمسرحية من السياق نفسه.
* بالعودة إلى الانتولوجيافقد ضمت نصوصا تنتمي إلى مسرح الحياة اليومية، وجاءت بعض النصوص الحديثة متحررة من كل القواعد، وبعضها جاء بلغة شعرية جميلة وشخصيات جذابة، فما الذي أضافته لك تجربة نقل هذه النصوص إلى العربية؟
shy; النص الحديث يطرح على المترجم اشكاليات تبدأ بالخيال وتنتهي بالحلول التي يمكن أن نجدها، وثمة سؤال عن ماذا يكتب هؤلاء الكتاب، وكيف يمكن لهذا المضمون أن يحاكي حياتنا؟ والمفارقة هنا أن الكتابة الحديثة كتابة محلية جدا، ومحكومة جدا بمشاكل محددة تخص أنا الكاتب ومشاكل الحياة اليومية في أوروبا، كيف يمكن لهذه المشاكل ان تعنينا؟ أعتقد أنها تعنينا كنمط كتابة، بأي لغة يكتب هؤلاء، في هذه النصوص ثورة على اللغة، ولا يمكن نقلها إلى العربية من دون أن نكسر اللغة. ويبقى السؤال حول فائدة أن نقرأ النصوص المسرحية الجديدة؟ أعتقد أنها تقدم لنا شكلاً تعبيرياً مختلفاً، ومن جانبي كنت أستغرب بهذه النصوص كم هي طازجة، وكم يوجد فيها دهشة أمام البديهيات والأولويات. فبعد التطور الهائل الذي شمل الغرب، هناك من جديد إعادة نظر بالبديهيات، وهذه البديهيات قد تشبه حياتنا.
* في محاضرة لك حول مذكرات الفنانة بديعة مصابني توقفت عند علاقة المدينة بأمكنة العرض، فكيف تقرئين علاقة دمشق بأمكنة العرض في المرحلة الراهنة؟
shy; في المحاضرة المذكورة التي قدمتها ضمن مؤتمر حول السيرة الذاتية حاولت وضع بدايات المسرح السوري من منظور مكاني في مدينة مثل دمشق، والمذكرات تعطي معلومات غير مباشرة، ولكن معلومات هامة وغنية حول المدينة، ومن ثمة حول المسرح بشكل عام وشروط العرض. وفي تلك المذكرات التي تحكي عن دمشق نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين هناك توصيف للمدينة بمعناها القديم حيث تخلو كليا أو جزئيا من الأمكنة العامة، ولكن رغم ذلك بديعة تتحدث عن المقاهي، وتقول إن بعض العروض جرت فيها، *أغلب هذه العروض لم تكن عروضا مسرحية بحتة* تتكلم بديعة عن حلب مثلا وتحكي عن "اللونا بارك"، وأظن أنه كان يجب أن ننتظر خمسينيات وستينيات القرن العشرين حتى نرى ظهور المسارح بالمعنى الحداثي أو الحديث للكلمة، وهنا سوف اتوقف عند كلمة المسرح بالمعنى الحداثي او الحديث، أي المسرح كما هو موجود في الغرب، وذلك لأنطلق في الكلام عن أمكنة العرض اليوم في دمشق، لأنه ضمن منظورنا، المسرح هو ظاهرة مدينية، مرتبط بوجود مكان عام، وهو مكان فرجة، ومن ناحية أخرى عندما نقول دمشق أو أي مدينة أخرى بالمفهوم الحديث للكلمة نتكلم عن مدينة ليست فقط أبنيتها حديثة وإنما نمط الحياة فيها مختلف عن المدن القديمة. وإذا تحدثنا اليوم عن صالة مسرح على الطراز الغربي المعروف، فصالات العرض في دمشق عددها قليل، ولم يتطور كميا مع الزمن، والإضافة الوحيدة هنا هي دار الأوبرا بمسارحها، ولكن أنا لا أرى المشكلة فقط في عدم وجود صالات مسرحية، وإنما فقر صالات العرض يشي بتراجع ما، ويشي بوضع المسرح بشكل عام، منذ سنوات كان هناك حديث يتردد على لسان المسؤولين حول استخدام فضاءات غير مسرحية كأمكنة عرض موقتة، أو تحويل البيوت القديمة إلى فضاءات مسرحية. وقد حدث تحرك في هذا الاتجاه، فهناك عروض أقيمت في الحدائق العامة وفي بيوت دمشق القديمة، وهناك محاولة لتحويل بيت عربي إلى مركز فنون ومركز عرض، وأنا مع هذه التجارب، ولكن يبقى السؤال: هل وجود فضاءات عرض جديدة سيسمح بتطوير المسرح ام العكس؟ بمعنى آخر إذا كان هناك مسرح فسوف يبتكر لنفسه حلولا مكانية. ما يهمني في الموضوع هو هذا التجانس ما بين الفضاء ونمط الحياة، وما يهمني أكثر هو وجود فضاءات حيوية تسمح بالتعبير خصوصا للجيل الجديد، لأنني أعتقد أن هذا الأمر ينبغي أن يكون أحد الأهداف السياسية في مجال الثقافة.
* وماذا عن علاقة أهل دمشق بأمكنة العرض الموجودة حاليا؟
shy; لنتجاوز قضية العرض المسرحي البحت إلى قضية أوسع وأشمل، وهي قضية الفضاء العام أي الحياة العامة، وعودة إلى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين أريد أن أصف حالة ربما تجيب عن سؤالك، وقد تكون هي المحك عن صحة العلاقة بين الناس والمدينة، على سبيل المثال كان هناك معرض دمشق الدولي، وهو فضاء ليس مسرحيا، وإنما يضم المسرح، وتوصيف المعرض في زمنه وفي موقعه وفي مظهره كان نموذجا لفضاء عام يستقطب شرائح مختلفة، وكان حين يقدم عروضا على هامش فترة المعرض تأتي العروض في سياق طبيعي وتستقطب شريحة واسعة من الناس. وأعتقد ان هذا المثال ضمن سياقه الزماني والمكاني هو نموذج للعلاقة الصحيحة بين المدينة وسكانها. مثال آخر صالة سينما الكندي كانت صالة جديدة لها برنامجها ولها جمهورها، وفي هذه الحالة لم تكن مجرد مكان بل فضاء ثقافي له جمهوره وله دوره في الحياة الثقافية بشكل عام. وأعتقد أن مسرح الحمراء والقباني كان لهما الدور ذاته في تلك الفترة، السؤال أين وصلنا اليوم؟ هل المشكلة هي مشكلة أمكنة، أم مشكلة فضاء ثقافي؟ لنذهب مثلا إلى دمشق القديمة ولنحص المطاعم التي تتكاثر هناك، ولنتساءل لماذا لم يترافق افتتاح تلك المطاعم أي مشاريع أخرى، ولننظر إلى الموضوع من وجهة النظر الاجتماعية والانتربولوجية، أليس ذلك مؤشراً على انتصار نمط الحياة الاستهلاكي الذي وصلنا؟
* الكتب التي تناولت تاريخ المسرح السوري بقديمه وحديثه لم تنصف الفنانات المسرحيات، فلماذا، وكيف يمكن تجاوز هذه الثغرة؟
shy; أعتقد ان الكتب التي تتناول تاريخ المسرح السوري أو حتى تاريخ المسرح العربي قد تكون كثيرة العدد لكنها نوعيا فقيرة جدا. كلها تذهب إلى منحى محدد، المسرح كأدب. وليس هناك كتب بالمعنى السوسيولوجي أو الانتربولوجي تطرح إشكاليات أو توثق، وتوثيق المسرح السوري فقير جدا وخصوصا البدايات، وأحيانا في سياقات محدودة كمقال أو نشرة يرد الاسم الأول للممثلة فقط ولا نعرف من هي. ومن الطبيعي عندما تكون أغلب الكتب مكتوبة بأقلام كتاب ومخرجين أن يهمل تاريخ الفنانات المسرحيات.
من جهتي حاولت ان أعمل على بدايات المسرح والرقص، واكتشفت وجود مرجع هام بعنوان "تاريخ الدعارة في مصر" ولم أحصل عليه، ويبدو ان أولى الممثلات مصنفات في بند الدعارة، وهناك أمر يلفت النظر هو شكل انبثاق المسرح في العالم العربي وطبيعة تطوره، هذه الزاوية لم تُدرس بعد، هل كان مسرحا بالفعل؟ أنا أميل الى أن نتكلم عن مفهوم العرض. بدايات المسرح العربي لم تكن بدايات المسرح فقط، وإنما كانت بدايات فن العرض، وإذا أردنا أن ننصف الفنانات السوريات فعلينا ان نتناول فن العرض.
حوار: تهامة الجندي