ناهض الرمضاني: القصة القصيرة اكثر خطورة من الرواية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قراءة قصصية للاديب ناهض الرمضاني: أحس بأن فجوة كبيرة قد انفتحت واتسعت وباعدت بين الأدب والقراء على امتداد ساحتنا العربية... وأنا أحاول بكل جهودي- المتواضعة- أن أساهم في ردم هذه الفجوة وذلك بتقديم نصوص تلامس الجراح... وتتكلم فيما هو حقيقي من همومنا... بعيداً عن التقعر والفذلكة والغموض... وبعيداً عن النصوص المغلقة التي لا تُعنى بالقارئ). ناهض الرمضاني
وليد مال الله: رغم المعوقات التي يجدها المواطن العراقي أمامه من لحظة خروجه من البيت وهو يسير بين حقول الغام وطلقات متناثرة في كل مكان وإغلاق أغلب طرق المدينة المؤدية الى شارع النبي شيت وسط المدينة القريبة من مبنى المحافظة، إلا ان المثقف الموصلي استطاع ان يتجاوز كل تلك المعوقات ليحضر الجلسة السابعة للموسم الثقافي
فاز بالمرتبة الرابعة في مسابقة القصة القصيرة جداً التي أقامتها مجلة التضامن عام 1987 ضمن أكثر من خمسة آلاف مشترك من كافة أنحاء الوطن العربي. وحصل على جوائز أدبية اخرى منها : جائزة (الشارقة للإبداع الأدبي) لعام 2002. جائزة (غانم غباش) للقصة القصيرة عن قصة( غيث). جائزة (جمعية المسرحيين الإماراتية) عام 2003 عن مسرحية ( بروفة لسقوط بغداد) التي عرضت في مصر وقطر وعمان.
ومن مسرحياته الاخرى (مسرحية من فصل واحد)، مسرحية (أمادو) التي قدمت في السعودية وسوريا وعرضت اكثر من مرة في العراق، مسرحية (نديم شهريار)، ومسرحية (الساعة) التي ترجمت الى الانكليزية والمسرحية الصامتة ( حكاية هوهو ) التي نشرت عام 2006.
ومن قصصه المنشورة ايضاً (غيث وشمروخ)،(لحظة وعي)، (وجه ضاحك)،(اللاخوف)،(الشارع)،(قلب الارض)،(رجل حقيقي)،(أحذية)،(تساؤل)،(السقف)،(الشجعان)، (المحترم جدا) و(قصة مسرحية).
أما رواياتيه المنشورتين فهما (اذا اقترب الزمان) وهي رواية فنتازية قصيرة و(واك) وهي ممارسة لقراءة خريطة مستقبل الوطن العربي بعد ربع قرن كتبت عام 1998.
قرأ القاص الرمضاني خلال الجلسة قصته الجديدة (ديك الحكاية) أمام الحضور، وهو يعتقد ان القصة القصيرة اكثر خطورة من الرواية لانها كما قال كالرصاصة الواحدة اما ان تصيب او تخطأ، بدأت بعد ذلك المناقشة التي شارك فيها عدد لابأس به من المثقفين اذ قال الدكتور احمد جارالله عن القصة (أحسست طوال قراءتي للقصة بان ديكاً على كتفي)، وقال فارس السردار (لاحظت ان الألم موجود في هذه القصة عند الفتاة البدوية، كما لاحظت ان القاص أسقط موضوعة الحرب على الديك) أما المسرحي بيات مرعي فقال ( أرى ان الرمز استوفى حضوره في القصة)، بينما قال الدكتور عبد الستار عبدالله ان (القاص يعيش قلق حضاري). وسننشر هنا الجزء الثاني للقصة لكي يطلّع عليها القارىء.
2 - الحكاية
هل كان علي أن أحمي نفسي ؟ أم احمي جنودي ؟ أم كان علي أن أحمي الحقل ؟ سؤال يبرز أمامي كلما مرت بخاطري تلك الواقعة - وهل استطعت أبدا نسيانها - كان يوما يخنق فيه الصيف الربيع. حرارة الشمس تزداد، وما تبقى من أعشاب قصيرة بدأت بالاصفرار. لم يعد في المكان زهرة واحدة. الصيف قادم بلا شك. ومعه سيأتينا العذاب في تلك المنطقة الحدودية النائية. ما الذي نفعله هنا ؟ " بدرة " المدينة الحدودية الصغيرة تقع خلفنا على مسافة 40 كيلو متر. وأمامنا مباشرة الأراضي الإيرانية لايفصلنا عنها إلا هذا الحقل. حقل الألغام المختلط الشاسع المسيج بالأسلاك الشائكة والمليء بمعرقلات المشاة وأسياخ الحديد المسنونة. كان واجبنا_ كما قالوا _ أن نحمي هذا الحقل. لأن الموانع لا تحمينا إذا لم نحمها "هكذا علمونا في الأكاديمية العسكرية" الربيع يرحل والصيف اللاهب قادم. سنعاني الحر والعطش. كل شيء قاحل مجدب والألوان بدأت تصبح طباشيرية باهتة باستثناء ذلك الـ..ديك. ها قد وصل ووصلت معه القافلة التي أراقبها كل يوم. الديك يمشي مختالا بعرفه البراق وريشاته الزاهية،وصدره بارز إلى الأمام. وخلفه يسير قطيع أغنام صغير، وفي نهاية الموكب فتاة تركب حمارا صغيرا وخلفها يركض كلبها الأملح هازا ذنبه. كنت أنتظر هذا الموكب كل يوم. أنتظرهم وأستمتع بمراقبتهم. وكان جنودي يمنعونهم دائما من الاقتراب من حقل الألغام أو من ملاجئنا. وكلما أقترب الصيف أكثر ازدادت ندرة العشب وازداد التصاق الموكب بملاجئنا. وازداد إعجابي بالديك. بالألوان الرائعة للريش في عنقه وذيله. بمشيته المتبخترة المتجبرة. بعينيه الرائقتين،وبقدرته المدهشة على قيادة هذا الرتل المتنوع من المخلوقات. أحسست أن علاقة غريبة قد توثقت بيني وبينه. علاقة أحس بها وجعلته أكثر جرأة وأكثر قدرة على الاقتراب.علاقة قوية شغلتني حتى عن تلك الصبية الصغيرة التي كانت تمر بقربي. لم انتبه لها جيدا إلا ذلك اليوم. كانت تمتطي حمارها بعظمة تليق بأميرة سومرية. كبرياء مضحكة. ليست إلا بدوية صغيرة. ربما كانت دون العاشرة. مرت أمامي ذلك اليوم فشاهدتها عن قرب لأول مرة. بشرة قمحية وأنف اقني وبدن ناحل ونعل أصفر صغير يخفق في قدمها السمراء الدقيقة. كنت منشغلا بتأمل الصبية ولم الحظ ما فعله الديك. كان قد اختار مكانا في سياج الأسلاك الشائكة واجتازه ليصبح داخل الحقل. تبعته الخراف دون تفكير تماما كأنها قطيع من..خراف. وكانت الصبية قد ترجلت عن حمارها وتسللت مع كلبها لتتبع الجميع. جرت الأحداث بعد ذلك بسرعة شديدة. انفجر لغم منثاري مما دفع الأغنام إلى الثغاء والركض في كل اتجاه مما زاد الأمر سوءا إذ تفجرت ألغام هنا وهناك وتساقطت الأغنام مبتورة دون أن تعي ما حدث لها وركضت الفتاة متراجعة خطوة أو اثنتين لترتفع في الهواء وتسقط على ظهرها. لغم صغير لكنه كان كافيا لبتر قدمها. أبوياااا صرخت الفتاة بألم حاول جنودي الدخول إلى الحقل لإنقاذها " توقفوا " صرخت بهم آمرا وأنا أسأل نفسي ذلك السؤال اللعين " ما الذي يجب علي فعله الآن ؟؟" اقتربوا ثانية وصرخت ثانية وثالثة " توقفوا ممنوع ممنوع ألغام توقفوا " حملت بندقيتي ودرت حول نفسي وأنا أطلق النار في الهواء. غطى صوت الإطلاق على صوت الحيوانات الجريحة وعواء الكلب لكنني كنت اسمع صوتها يمزق روحي" بويااا hellip;" وأنا أطلق الرصاص في الهواء وجنودي يحاولون فعل شيء ما. ظهر البدو حولي فجأة اقترب أحدهم ورمى عقاله على الأرض وربط يشماغه حول جسمه ووضع أطراف ثوبه في حزامه واجتاز السياج الشائك وبدأ يسير وسط الحقل بخطوات سريعة حذرة وعيناه تنوسان بين الفتاة وموطئ قدميه. ربط رجلها المبتورة بيشماغه وحملها بسهولة بين ذراعيه. بدت ضئيلة الحجم. جرحها ينزف وفمها الملتوي ما فتيء يردد " بوياااا " وكان أبوها يضمها بشدة وهو يتحسس موضع خطواته وسط الحقل. والكلب يسير وراءهما بصمت. كنت ما أزال ممسكا ببندقيتي. نظرت إلى الحشد الذي حولي" لا حول ولا قوة إلا بالله " قال أحدهم وكان الشيب قد وخط حاجبيه الكثين " ممنوع. ممنوع. ما الذي تفعلونه هنا.! إنها منطقة عسكرية. منعتكم من الاقتراب آلف مرة. ممنوووووع " صرخت في أوجههم " الصيف اقترب. والعشب ينفذ. ممنوع الاقتراب من هنا وممنوع الذهاب إلى هناك. المراعي الشاسعة تحولت إلى مزارع. ولم يعد بإمكاننا الاقتراب منها. المدن لا تحتملنا. وما تبقى من ارض الله سيجتموه بالأسلاك وزرعتموه بالألغام وها أنت تمنعن\ا من الاقتراب. وين نروح ؟! نحن رعاة. نحن بدو نجوب الأرض منذ أن خلقها الله وخلقنا. هذه حياتنا. وين نروح ؟؟ وين. وين.." قال وهو يبتعد مع الجميع بعد أن حمل الأب طفلته تاركا ما تناثر من قدمها في الحقل " بويااا " كنت أسمع صرختها الواهنة وهي تبتعد. ستحجل على رجل واحدة ما تبقى لها من حياة. " بويااا" ما الذي كان علي فعله؟؟ هل كان علي أن أحمي.. أم.. إنهم بدو.. حقا ؟؟ أين يمكن لهم أن يذهبوا.. وأنا.. وقدم الطفلة المبتور ؟ وجنودي؟؟ والحقل ؟؟ كو كو كوكو صرخ الديك بنشوة وهو ما يزال واقفا وسط الحقل. هل كان قد إصطاد دودة أم أنه يحمل في منقاره قطعة دامية من قدم ال..
وضعت البندقية على كتفي وبدأت أطلق رصاصات متلاحقة صوب الديك. لم أصبه , ولم يضطرب. ركض خطوات ثم فتح جناحيه. طار مسافة قصيرة ليختفي خلف كثّيب صغير. لكنه وقبل أن يختفي _ التفت اليّ. شاهت عينه وهي تنظر إلى تلك النظرة الرهيبة. واصلت الإطلاق حتى نفدت الرصاصات. لكنني لم أصبه. لم أصبه. اختفى.. اختفى رغم أنه لم يذهب بعيدا. إنه قريب.. قريب جدا.. أنا لم أنجح في قتله. وهو لن يغفر لي. لن يغفر. ما الذي كان علي فعله ؟! هل كان يجب عليّ أن.. أم.. وأولئك البدو.. وقدم الطفلة.. لعله كان علي أن hellip; بوياااااا. لا. لا. لن أروي هذه الحكاية لأحد.