المسرح التجريبي والسينوغرافيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله حسن الغيث (الكويت): بداية لا تهدف هذه المداخلة الى تاريخ أو توثيق للتجريب ومفهومه لكنها تهدف الى طرح العلاقة بين مفهوم الإخراج والسينوغرافيا وتأكيد تلازمهما وكيفية تطورهما معاً من خلال طرح بداية المخرج المعاصر بمفهومه الحديث وليس كما كان في الماضي حيث يقوم بدوره مدير الفرقة أو الممثل الأول. النجم أو المؤلف نفسه ودور العناصر السينوغرافية في تجربة المخرج.
كما ترصد المداخلة أن التجريب بدأ مع احتياج الجمهور الى الخروج من إطار المسرح الواقعي الممل وهو ما رآه المخرجون وتأكيدهم على السعي نحو تحريك مشاعر ووجدان الجمهور لتقديم صورة فنية صادقة لا تهتم بالشكل لكنها تهتم بالداخل أي بالمشاعر وهو ما أطلقوا عليه الصدق الفني وليس الواقعية الحرفية. وهو ما يعني أن التجريب لم يقم على استغلال واستغراب العرض لأن الفنان في سعيه الى تجربته يسعى الى الجمهور وهو ضلع العملية المسرحية ذاتها.
المسرح منذ نشأته الإغريقية وهو في حالة تطور فقد خرج المسرح من الرقصات الديثيرامبية التي تقدم في احتفالات أعياد ديوتيسوس، ثم أصبح يقدم على عربة تجوب المدن والقرى والشوارع حتى بني المسرح الثابت، وفي عصور أخرى كالعصور الوسطى قدم داخل الكنيسة ثم خرج منها متجولاً، وبعد ذلك قدم في الفنادق حتى أصبح هناك مسرحاً ثابتاً مرة أخرى وهو الشكل المعروف بمسرح العلبة الإيطالي.
وفي القرن العشرين على وجه الخصوص انتشرت أنواع عديدة وتزامنت مع بعضها البعض فهناك الى جانب مسرح العلبة الذي أصبح مسرحاً تقليدياً هناك عروض تقدم في أماكن متعددة منها مسرح الشارع ومسرح الحلبة ومسرح الساحات وتم توظيف أماكن غير مسرحية لتقديم عروض مسرحية عليها مثل الحدائق والشواطئ والميادين.
وقد يقول البعض أن المسرح منذ نشأته وحتى الآن وهو في حالة تجريب بل ذهب البعض الى اعتبار أن إضافة اسخيلوس للممثل الثاني وسوفوكليس للممثل الثالث كان تجريباً والحقيقة أن تلك الإضافات لم تغيّر في شكل أو بناء المسرحية أو العرض لكنها زادت مساحة الحوار وبالتالي الفعل الدرامي عن السابق. أما التجريب، فلا يوجد في الواقع قانون علمي صارم ومحدد لمعنى التجريب في المسرح.. ذلك أن التجريب ثورة على التقنية القديمة التي أصبحت في عداد الماضي. إن التجريب هو خروج على كل قاعدة، وتاريخ الخشبة المسرحية يحوي طرقاً ومناهج مختلفة ومتعددة في هذا المجال فنجد على سبيل المثال أن ستانسلافسكي ولي ستراسبورغ من بعده يؤكدان على أهمية الممثل في العرض المسرحي ثم نجد جوردون كريغ يؤكد على النقيض أهمية حذف الممثل من التجربة المسرحية واستبداله بالدمية.
إذن فهناك إشارات متعددة وآراء هي في الواقع نتيجة لإحساس الفنان بالرغبة في تغيير ما هو قائم وثابت بعد أن أصبح التكرار ممثلاً، فهو خرج من أجل البحث عن صيغ جديدة تثير الدهشة، وفي التعريف السابق نلاحظ أن الوسيلة دائماً هي الممثل سواء بالوجود أو بالنفي ونلاحظ أن صاحب الفكرة أو التجربة أو النظرية هو المخرج الذي أصبح يسير على العملية الفنية المسرحية منذ ظهوره في شكله المعاصر "عندما ظهر دوق ساكس مايننجن negninieM-xaS 1826 ـ 1914. ففي أول أيار (مايو) 1874 قاد بنفسه فرقته الناشئة والتي لم تكن معروفة بعد الى برلين ليقدم أول مسرح في أوروبا يعرف بمسرح المخرج وقد أفاد من كافة التجديدات التي لجأ إليها معاصروه وسابقوه ممن حاولوا تمهيد طريق الإخراج: التدريبات الطويلة المنظمة، أداء الممثل المدروس القائم على قواعد علمية، الدراسات الدقيقة للواقع التاريخي للديكور والأزياء والإكسسوار سعياً الى خلق صورة واقعية على المسرح".
المناظر
وقد ارتبط الإخراج المسرحي منذ ذلك التاريخ أي منذ دوق ساكس مايننجن ـ ورغم محاولته الواقعية ـ بالسينوغرافيا فقد "حاول البحث عن حل للتناقض بين المناظر المرسومة التي كانت قد انتشرت منذ التوصل الى نظرية المنظور وتطوّرت في عرض الأوبرا وحركة الممثل الحي داخلها، ولقد لجأ في ذلك الى وضع الممثل في حركة تعبيرية دائبة، حركة تشريحية تجسد الأحداث الدرامية بحيث أصبح الوجود الإنساني الحي للممثل على خشبة المسرح كما يقول لي سيمنسون nosnomiS ceL هو الوحدة الأساسية للصورة المسرحية".
إذن أصبحت الصورة المسرحية جزءاً أساسياً في العرض المسرحي وتغيّرت على أثر ذلك صورة العرض المسرحي الذي اعتمد على الممثل النجم من قبل ـ صاحب السيطرة ـ فكان ظهور المخرج ليس سحب السيطرة من الممثل النجم إنما أيضاً تطوير وتجديد في العرض المسرحي وتأكيداً على وجود لغات أخرى في العرض الى جانب اللغة المنطوقة فكانت لغة الصورة هي لغة مهمة في العرض المسرحي وهذه اللغة أو غيرها بالطبع تخضع للبيئة والواقع والمناخ المعاش فحينما يشعر الفنان بعجز الأشكال أو الأدوات عن توصيل مفاهيمه وإبداعه عليه أن يبتكر الجديد، كما أن الفنان يستغل ما هو متاح له فمثلاً عندما قدم سيريليو وسباتيني المنظر المرسوم والمنظور كانت محاولة لكن عندما يتم اكتشاف الكهرباء وتحدث الثورة الصناعية فإن الفنان يمكن أن يستخدم التقنيات الحديثة ليوظفها في المسرح وهو الأمر الذي يساعده على تغيير النمط السائد وكسرة، من هنا كان هناك "من يؤكد على استخدام الآلية الحديثة مثل بيسكاتور وبيتر شتاين من بعده كما تجد من يؤكد على الضد مثل غروتوفسكي وجوليان بيك في تخليص المسرح من هذه الآلية التي تعوق الإبداعات الفنية في المسرح.
ورغم الآراء المتعارضة من بين مؤيد لاستخدام التكنولوجيا الحديثة والآلية في المسرح وبين معارض لاستخدامها فإنه من الصعب أيضاً الانحياز الى أي منهما، لكن يمكن القول أنه من الصعب أن تكون هناك وسيلة مساعدة لتحقيق هدف ما وتركها. وقد انقسم المخرجون الى العديد من الاتجاهات التي تسعى الى تقديم التجارب الجديدة.
تجارب الإخراج
هناك علامات عديدة من التجارب الإخراجية من الصعب إحصاؤها في هذه الورقة، وإن كان من الممكن الإشارة الى بعض هذه التجارب والعلامات لما لها من دور في تطور فن المسرح من خلال تقنيات المخرج التجريبية لقد كانت هناك تجارب مهمة لبعض المخرجين اتسم معظمها بأنها تهتم بالممثل وتبدأ هذه التجارب بستاتسلافسكي الذي اهتم بتدريبات الممثل والصدق الفني الذي يرغب في الوصول إليه، كان ذلك نتاج الرغبة في مشابهة الواقع وسيطرة الاتجاه الواقعي على الفن إلا أن الثورة على الواقعية أحدثت نوعاً من التغيير في التقنيات ومنها تقنيات التمثيل بل وأسلوبه وهدفه.
بدأت هذه الثورة بعد استقرار دور المخرج وذلك عندما حدثت "المعارضة الشديدة لتياري الطبيعة والواقعية النفسية. وقد انطلقت في هذا المناخ دعوتان تتكاملان: الدعوة الى الرمزية والدعوة الى الشعر والموسيقى". والدعوة الأخيرة على وجه الخصوص قلّصت من وجود الممثل كعنصر مهيمن بل ومن وجود الكلمة ذاتها حيث أن "المسرح بالنسبة لدعاة الشعر والموسيقى يجب أن يقتصر على نوع من هارمونية الحركة والإشارة واللون والصوت وأن يكتفي بالإيماء بالرمز وإلا يتخطى ذلك الى تجسيد الأشياء بالأشخاص. ويبدو أن هذا الأسلوب، بالإضافة الى ترسيخه لدور المخرج وسيطرته على العرض وقيادته لعناصره فإنه أيضاً يؤثر في مسرح المستقبل التالي له بإبرازه أهمية الحركة والإيماءة والموسيقى واللون، باختصار يؤكد على مسرح الصورة ومسرح يمكن أن نسميه السمعبصري. ذلك ما نراه في الاتجاهات المسرحية التي قامت كاتجاهات مضادة للطبيعة مثل التعبيرية والسريالية والدادية والرمزية وغيرها. فجميع هذه الاتجاهات بحكمها منطق الحلم سواء كان ذلك من خلال طريقة التجريب على البداية والوسط وصولاً للنهاية بينما في هذه الاتجاهات نجد بناء غير منتظم وبناء دائري البداية فيه البداية والعكس وبناء تراقصي من خلال المشاهد وبناء كتابة السيناريو السينمائي أو التلفزيوني كل ذلك بالفعل يأتي انطلاقاً من إدراك أن المسرح لا ينقل الواقع حرفياً، ولكن الفن هو خلق عالم جديد يأخذ جمهوره الى عامله عالم ساحر يحلق به بعيداً عن عالم الواقع وهمومه حتى وإن قدم مشاكل هذا الواقع فهو لا يقدمها بشكل جاف بل بطريقة فنية لا تقليد حرفياً لها من هنا كان بعض من المخرجين يبحثون عن تجريب في العرض المسرحي يثري العملية المسرحية بكل عناصرها ومنهم آبيا.
أدولف آبيا
انطلق آبيا من مفهوم التداول الشعري للمسرح سعياً لشاعرية البعض ومنطلقاً من دعوة فاغنر الى دراما موسيقية وقد اثر ذلك في آبيا في رؤيته الفنية للمسرح العمل الفني المتكامل والفن الحي. يقول آبيا "ليس معنى استنباط عرض مسرحي من الموسيقى ان الأصوات الموسيقية نفسها تصبخ مصدراً للفكرة الدرامية ان الموسيقى وسيلة لاستبطان الصورة الداخلية للاحساس بالموسيقى مع التسليم بادىء ذي بدء ان المؤلف قادر على التعبير عن المعاني الخبيئة للحياة ولأن الفن الواقعي عاجز عن التعبير عن الحياة الخبيئة فهو ينادي في فكرته عن الفن الحي بالمشاركة الوجدانية فقد اراد آبيا للعرض تكامله وجعل عناصره ذات هارمونية وتناغم يصورونه من الداخل وليس من الخارج ويرجع ذلك الى رفضه للواقعية حيث يرى ان الفن الدرامي أولاً وقبل كل شيء هو فن الحياة وهذه الحياة يمكن التعبير عنها بدون ديكورات بغض النظر عن عاملي الزمان والمكان وتحت تأثير الرياضة حرر الراقص نفسه تدريجياً).
السينوغرافيا وآبيا
رغم ان آبيا رفض الديكورات الضخمة والمباني الا أن رفضه يأتي باعتبار رفض محاكاة الواقع بتفاصيله ورغبته في الغوص في الأعماق لكنه اهتم بأحد عناصر السينوغرافيا وهي الاضاءة فقد أعلن أن "الشاعر الموسيقي هو الذي يرسم بالضوء... وان الضوء والموسيقى وحدهما يستطيعان التعبير عن المظاهر الباطنية لكل المظاهر حتى اذا كانت أهميتها النسبية ليست دائماً الأهمية نفسها فإن تأثيرهما متماثل كلاهما يقتضى موضوعاً يستطيع ان يضفى عليهما شكلاً ابداعياً وان يكون مظهره سطحياً تماماً فالشاعر يقدم الموضوع للموسيقى بينما يقدم الممثل الاعداد المسرحي للضوء.
لقد نظر آبيا للاضاءة نظرة خاصة باعتبارها لغة خاصة لها طبيعتها كما هو الحال في الموسيقى لذلك "كانت الاضاءة عند آبيا اهم من رسم المناظر فالاضاءة، وحدها تحدد وتكشف طبيعة استجاباتنا الانفعالية ويمكن التحكم فيها بالتحكم في درجة الضوء على الخشبة ونوعه للضوء معنى جديداً.
والحقيقة أن هذا التفكير لا ينفصل عن واقع العملية المسرحية التي تعد كي تقدم للجمهور فالتكفير الاساسي يكون في الجمهور وهو دور عام لا يغيب عن المخرج الذي يحمل الآن مهمة العملية المسرحية كلها "فحدس آبيا الاساسي يتمثل في اداراكه لما يستطيع الضوء القيام به من دور مباشر في عواطفنا كما تفعل الموسيقى. ان تأثرنا يزداد مباشرة عن طريق حساسيتنا بتنوعات الضوء في المسرح قياساً على تأثرنا باللون والشكل والصوت فاستجابتنا العاطفية للضوء هي أسرع من أية وسيلة مسرحية معبرة أخرى".
الديكور عند آبيا
رغم اهتمام آبيا بالرسم بالنور أو الضوء الا انه لم يهمل الديكور فهو عنده "تصور فلسفي ينبغ من عنصرين تشكيليين هما النور والظل من ناحية تصوير الكتل الشعبية التي تكون مستويات رأسية في الفراغ (نحت) فلكي يعطي حركة الممثل فرصة للتطور يجب الا تتحرك على ارضية مسطحة بل داخل تركيب من السلالم والمنحدرات وهو ما نعبر عنه بتقديم البعد الرأسي في الفراغ المسرحي" ولذلك فآبيا يرى أن "مهمة المصمم تتضمن اقامة علاقة سببية بين الاشكال في الفضاء. تلك الاشمال التي يمتاز بعضها بالسكون وبعضها بالحركة. وقد حلل آبيا العناصر التشكيلية في التصميم المشهدي الى اربعة عناصر هي:
1 ـ المشهد المرسوم المتعامد الخطوط
2 ـ الأرضية الأفقية
3 ـ الممثل المتحرك.
4 ـ الفضاء المضاد الذي يشمل الجميع.
كريغ: وأرتو والسينوغرافيا
رغم أن الشائع عن آرتو انه اهتم بمسرح القسوة والذي قدم مانفستو له وأن آرتو اراد العودة الى الطقس البدائي متأثراً بما رآه في بالي من رقصات الا أن ارتو اهتم بالمسرح باعتباره فناً مرئياً وهو نفس ما فعله غوردن كريغ فهما مثل آبيا يخرجان من اطار الواقعية التي فقدت قدرتها التعبيرية والتأثيرية في الجمهور الى ثورة تجريبية جديدة في المسرح فكريغ يرى "ان جمهور المسرح يهفو الى الرؤية اكثر مما يهفو الى الاستماع، ويلم بالأحاسيس العامة للعمل المسرحي من خلال القيم الرمزية التشكيلية لا من خلال معاني الكلمات وعلى هذا فالمسرح عنده ينحصر في اتاحة الرؤية والعرض المسرحي المثالي، او كما يقول كريغ نفسه "رقصة رمزية في ملابس مسرحية رمزية وفي بيئة رمزية". لقد حاول كريغ تهميش دور الكلمة المنطوقة والاستعاضة عنها بالصورة المرئية كلغة من لغات خشبة المسرح بل هي لغة اساسية باعتبار انها لغة حسية وهو هنا يدرك انه يقدم العمل للمشاهد فالتجريب هنا وكما سبق عند آبيا يتخذ من المشاهد منطلقاً له فهو يريد الجماهيرية ولا يريد الخصوصية بمعنى ان التجربة تبحث عن مخاطبة الجمهور بلغة أكثر تأثيراً فيه وليست بلغة غامضة، ومن هنا كانت لغة الصورةعند كيغ لغة مفهومة مؤثرة في الملتقى، ورغم ان مسرح كريغ هو ارهاصة للمسرح المستقبلي الذي نراه الآن، فان مسرح كريغ لا يعتمد على النص المسرحي إلا في حدود قدرته على الايجاء بمعنى عام وباحساس عام، ثم يترجم هذا المعنى وذلك الاحساس مستعيناً بأقل القليل من الكلمات ومعلياً الوسائل العضوية الأخرى كالجست (الاشارة) وحركة الممثل وقطع ولون الزي المسرحي، وغير ذلك من الوسائل المسرحية ليحصل على ترجمة شكلية ولونية لهذا المعنى العام وهو أمر يقربنا من فن التعبير الصامت (المهم البانتوميم) وقد جعل باشارات وابتكارات خيالية وسحرية تفق من خلال تركيب ساحر من الديكور والاضاءة والازياء عرضاً مسرحياً ساحراً ويعني ذلك ان العرض عند كريغ يعتمد على كافة عناصر العرض وخاصة السينوغرافيا واعتبار الممثل جزءاً من الصورة المرئية لكن لا يعنى الاستغناء عن الحوار المنطوق كلياً وبالتالي لا يعنى انه عرض بانتوميم ان ميم عوض تنوب عنه عناصره لتجعل من لغة الصورة هي اللغة السائدة باعتبار انها الأكثر تأثيراً في الملتقى لكن كريغ في تصميمه للديكور راعى قدرات الجمهور التخيلية لذلك عمد الى استخدام برافانات عديدة تعطى العمق وتعطى فرصة للمتفرج كي يتحرك بخياله ويسرح ويشرد ويعيش مع لغة الصورة.
انه المسرح الذي حلم به كريغ والذي يقول عنه "ان فن المسرح ليس في لعب الممثلين ولا في النص المسرحي ولا في الاخراج ولا في الرقص، انه ينبع حقاً من العناصر التي تكونه الاشارة وهي روح فن الممثل الكلمات وهي جس النص المسرحي الخطوط والألوان وهي الوجود الحقيقي للديكور والايقاع هو روح الرقص، وسيأتي يوم لا يجد المسرح فيه النصوص المسرحية ويضطر الى ابداع الأعمال النابعة من فنه هو".
لقد وضع كريغ الجمهور نصب عينيه واراد تقديم اعمال تخاطبه وتخلصه من سيطرة الكلمة غير المجدية لذلك فكر في نفي الممثل واحلال الماريونات محله سعياً على عرض مرئى بكل عناصره.. السمعبصرية... اما ارتو فإنه يقول "مجال المسرح لا يتعلق بعلم النفس وانما بالفن التشكيلي والبدني، ينبغي علينا ان ان نقول ذلك" لقد وضع آبيا وكريغ الخطوات الأولى للتجريب كثورة على الواقعية بحثاً عن لغة شاعرية للمسرح تتداخل فيها كافة الفنون ذلك ما طرحه فيما بعد واستفاد منه الكثيرون مثل مايرهولد وارتو وغيرهما.
والمجال هنا لا يسمح بتقديم سرد تفصيلي لكل المخرجين التجريبيين لكن التركيز الاساسي ينبغ من علاقة الاخراج بالسينوغرافيا تلك العلاقة التي نراها منذ القدم وبصفة خاصة رسوخ دور المخرج، علاقة متأصلة تعي دور السينوغرافيا بمفهومها المعاصر الذي يعني "خلق فضاء فوق خشبة المسرح... ولا توجد كعمل منعزل. ورغم ان المصمم المسرحي ربما يكون قد درس الفنون الجميلة وربما كان رساماً او نحاتاً بالفطرة فان السينوغرافيا اكثر من مجرد لوحة فنية للمثلين كما هو الحال دائماً في الرقص. والسينوغرافيا عمل غير كامل دائماً حتى يدخل الممثل في فضاء التمثيل ويلتحم بالجمهور علاوة على ذلك فالسينوغرافيا هي البيان المشترك للمخرج والفنان الذي يبصر عن وجهة نظره في المسرحية أو الأوبرا بصفتها عملاً متحداً.