لمياء المقدم في أول عمل إبداعي لها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"من أين جاءني الاختلاف"
عبد الوهاب الملوح من تونس: قصيدة نثر أم نص مفتوح؟؟هل هذا ما يشغل بال لمياء المقدم الكاتبة التونسية المقيمة بالدانمارك في مجموعتها الأخيرة "بطعم الفاكهة الشتوية" الصادرة مؤخرا عن دار النهضة بلبنان؟؟
يتوهج النص حالة؛ أو يشابه حكاية؛ قد يضيء صورة خاطفة؛ ينفتح على جميع الاحتمالات فيبدو خرافة ولكنه لن يكتمل فكرة. من المهم أن يكتب المرء بأعصاب باردة ومكر زائد
ثمة هنا انشغال بالبحث عن آفاق أخرى بإمكان النص كمنجز فني أن يتجلى من خلالها فليس هناك تعويل على الجاهز بقدر ما ثمة محاولة لكشف أسرار محنة النص دون الاستئناف من حيث توقف الآخرون أو اقتفاء أثر العابرين فالنص هنا هو ما يستعصي على التصنيف؛ يتخلق من قاموس متفرد ومن ارادة للتحرر وتجاوز ثنائية النثري والشعري للإطلالة على سرمدية الجمالي في الكتابة جملة وتأصيلا.
الكتابة هنا مقامرة ورهانها الجرأة وأوراقها بيضاء بما إنه لا يعنيها المحظور الديني أو السياسي بدرجة أولى طالما إنها تعمل على نسف الأسلوب والانقلاب على السياق وهذه من اوراقها الرابحة ولئن جاء على غلاف الكتاب أنه شعر غير أنه لا يستوي كذلك كما رلا يتحدد ضمن جنس ادبي بعينه.
ليس نص "البرهان" إلا مقاربة أخرى لجنس السيرة عرفت الكاتبة كيف تشغل فيه أدوات أجناس أدبية مختلفة وتمزجها ليجيء النص مفتوحا على أكثر من طريقة في القول يمزج السردي بالنثري بالتقريري ولئن أدركت الكاتبة أنها بصدد تقديم مقاربة لمسيرتها في الوجود فهي لم تلتزم بقوانين كتابة السيرة لكنها عرفت كيف تحول همومها الذاتية تجاه محطات حياتها بتحويل كل لحظة فيها إلى ذروة درامية مشرقة شعريا.
البلاهة الماكرة وعفوية تأويل الأشياء المعتادة بما يجعل النص شركا محكمة فخاخه لما يتضمنه من بساطة ومن قدرة على المراوغة وتدشين آفاق غير معهودة في التذوق الأدبي؛ فكل الموتيفات الفنية هنا لا يتم الاشتغال عليها هنا وفق المرجعيات المألوفة بقدر ما هناك توجه نحو خلق انتظارات جديدة للتلقي تتعمد الفجائية في بناء الصورة واللغة البسيطة المعتادة واذا بالكاتبة توظف قاموسا لينا طريا جاءت بعباراته من اليومي المعتاد وأرسلتها في النص وفق تركيبات مغايرة مما جعلها تستحدث دلالات مغايرة وجديدة.
لا تقدم صاحبة الفكهة الشتوية موديلا جديدا في الكتابة النسوية وهي ليست معنية باستدراج وإغواء القارئ من زاوية المرأة فيها بل هي تعمل من أجل التحرر من الأسلوب والقفز على الجاهز؛ تكتب لابنها وأمها ولذاتها وتحاور هواجسها والعالم؛ النثر هو كلام يمشي والشعر كلام يرقص أما هنا فهو كلام يمشي كأنه يرقص.
لقد حددت سوزان برنار أكثر من شرط لقصيدة النثر ومنها الإيجاز والتكثيف والاعتباطية أما هنا فلمياء تذهب إلى الأبعد من ذلك فيجيء نصها كتلة ولكنها كتلة يمتزج فيها السردي بالنثري بالشعري بالتهكمي أيضا وإذا به ينقلب على سياقاته في كل لحظة وهذا باب من أبواب الإبداعية فيه الشمس تكتمل بعد نفسين:
"صدري يعلو ويهبط
ألبس بنطلون جينز أزرق
و قميصا أصفر
و أسرع
لآخذ حظي قبل ان يمزق جلدها الهولنديون البيض
أسرع
أسرع
أسرع
و في دوراني الضوئي
أنقلب قملة
و لا أحد"
هنا مثال على الانقلاب على السياق والفجائية وهنا أيضا ما جعل من سؤال الكاتبة وهي تسأل نفسها في نص البرهان "من أين جاءني الاختلاف؟؟"
جعل هذا السؤال اكثر من شرعي.
هو.. تم