نجحنا في تأسيس اتحاد كتاب الانترنت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الكاتب الفلسطيني رجب أبو سريّة
نصر جميل شعث من غزة: للقاص والروائي والكاتب المسرحي الفلسطيني رجب أبو سرية دور ونشاط واضحين، في صياغة المشهد الثقافي والإعلامي في فلسطين. هذا وله مئات المقالات الصحفية والمقابلات الإعلامية، وتظهر مقالته ذات التحليل السياسي، مرتين، أسبوعيَا، في جريدة الأيام الفلسطينية، منذ عام 1996. وله بحثان: الأول في أدب
* منذ فترة، ظهر اهتمام جديد بتسمية جديدة يقال إنها تطوّر في القصة القصيرة ألا وهي " القصة القصيرة جدا"، والتي يخالها البعض " قصيدة نثر".. برأيك، أهو التطوّر أم محض ترف وتشاغل، ليس أكثر؟
حداثة الاهتمام بفن القصة القصيرة، بصفة عامة، لا يعني بأنّ هذا الفن بملامحه التي تتغير وتأخذ تسميات نوعية الآن. كان ضعيفا لغلبة الشعر عليه. بل انتشر في المنطقة العربية, كإبداع نثري, أعتقد بأن له ما يبرره، إن كان على مستوى الضرورة الإبداعية أو كاستجابة للتطور الاجتماعي العام. طبعًا، مع هذا الفن صارت القصة القصيرة أكثر تكثيفا وتركيزًا. لكن باعتقادي السبب الرئيسي يعود إلى مستوى إيقاع العصر الذي بات سريعًا للغاية، وهذا كان السبب، أيضًا، في تراجع المطولات الروائية، وفق إطارها الكلاسيكي, المليء والمحشو بالتفاصيل السردية عابرة الحقب إن صح التعبير. كذلك، تعود ظهور "القصة القصيرة جدا"، أيضا إلى سطوة الثقافة البصرية، وثقافة الصورة المرئية, بعد ثورة الاتصالات، لذا، فإن البعض أطلق، في ظلّ التطور، على هذا الفن, مصطلح فن اللقطة.
وبالطبع، لا بدّ من الإشارة إلى أن الفنون الأدبية أخذ بعضها من بعض, بمعنى أن الحدود الفاصلة وفق نظرية التجنيس الأدبي, لم تعد قائمة على نفس الدرجة من الصرامة التي كانت عليها قبل عقود. وأبلغ دليل على هذا هو ظهور "قصيدة النثر" ذاتها. لكن الارتباك أو الضبابية المرافقة لظهور هذا الفن البديع مرتبطة بتقديري بضعف الموهبة والوعي بهذا اللون، لدى كثير ممن يكتبونه. وهذا حدث ويحدث مع من كتبوا ويكتبون ما يدعي بـ "قصيدة النثر". فكان البعض منهم محامين فاشلين في الدفاع عنها كفن إبداعي جميل. وهذا الشيء ربما انطبق على بعض ممن يكتب القصة القصيرة جدا, حيث بدأ بها، ولم تكن لديه تجربة في كتابة القصة القصيرة. لذا كتب الكثيرون نصوصا تشبه قصيدة النثر, أي خالية من الحدث, وذهبوا إلى لغة التكثيف الشعرية، وذلك بسبب الإعجاب بلغة قصيدة النثر. يبقى مع ذلك هذا الفن تجريبيا, لم يشق طريقه بعد في مجرى الثقافة العربية, بأصالته الغربية أو العربية، بما يحدّد صورته ويؤكد مكانته.
* إذن، بالانتقال من الشكل إلى المضمون، هناك كتابة تبدأ من الهواء، بعد أن يقفز كتابها عن المكان والزمان.. حيث تكون شخوصهم عاجزة عن أن تكون أدبية ناجحة فنيا، أي مُؤلَّفة من تفاصيل يومية، بشكل غير تسجيلي وغير تعقيدي في آن.. بم تعلّق على ذلك؟
هذا ظهر فقط في هذا الوقت الذي انسحب فيه المبدع من الواقع, وانزوى إلى الهامش السلبي, بعد أن تراجع دوره التاريخي. وأنا اعتقد بأن النصّ يشي بصاحبه, وأن المبدع كما هو في الواقع هو في النص وعبره و بعد أن اختلطت الأمور على المستوى العالمي, وخيل للكثيرين بأن الثورة العالمية قد إنهزمت بعد انهيار جدار برلين, وتفكك الاتحاد السوفيتي, ما عاد هنالك من دور للمثقف سوى أن يلتحق بأصحاب التقنية الحديثة, من مالكي الميديا، ومديري الفضائيات، حتى أن كثيرين بشروا بموت المثقف لصالح المؤسسة, يعتقد بعض المبدعين أنهم منتج خارج إطار المعادلات الواقعية، وأنهم يترفعون عن تفاصيل الواقع؛ لأنهم أعظم شأنًا من الناس. من يهرب بتقديري من الإجابة عن الأسئلة الواجبة, يخرج نفسه من دائرة الحاجة الموضوعية له ولفكره وأدبه، ففي كل الاحوال تبقى اللغة أداة تخاطب بين عقول وقلوب الناس ويبقى الأدب وسيلة لإعادة صياغة وعي الناس المتشكل عبر العقل والوجدان. أود أن أشير هنا، أيضًا، إلى أن ضعف أدوات المبدع وعدم التمييز بين النص والإنشاء اللغوي، يجعلنا أمام كم تنقصه شروط الحرفة, وهذا يظهر من خلال العديد من النصوص الروائية والقصصية, التي لا تهتم ببناء النص وفق شروطه , حيث تتحدد الشخصيات واللغة والأحداث بشكل موضوعي تفرضها سياقات النص الداخليه, بحيث تكون هذه الشخصيات كما أشرت في السؤال تفتقر لأن تكون من لحم ودم, بل مجرد أفكار تسبح في الهواء، أي ليس على الأرض.
لنبقى في المضمون، إذًا. لكونها ما تزال الأيديولوجيا اليسارية هي الرصيد و الرأسمال الجاري في ثنايا الكتابة لديك؛ هل نعتبر هذا إلتزمًا و قدرًا لا فكاك منه؟
ربما كان ما تشير إليه ينطبق على نصوصي الأولى, لكني عبر تجربة متعددة في الكتابة عبر أكثر من شكل إبداعي, أعتقد بأن تطورًا يمكن للنقاد لحظه في تجربتي, مع ذلك فأنا ما زلت مقتنعًا بفكرة الجدل في الواقع وبفكرة تطور الحياة ذاتها, لذا قد أكون ملتزمًا بالانحياز إلى جدوى الكتابة وإلى وظيفة الأدب, الذي يبقى بنظري أبعد من مجرد إستعراض لغوي, وأكثر من مجرد تسلية, أو محاولة للإختباء من مواجهة قوى القهر والموت والاستلاب. وربما كانت تجربتي بإستنادها إلى تداخل الواقع والمتخيل, الفكر والإحساس, وارتباط وتفاعل الشكل والمضمون, المعنى والمبنى, الإطار والمحتوى, خاصة وأنا أكتب المقال السياسي, وبعد أن شاركت في الكتابة للمسرح, الذي يخرج الكاتب من دائرة التجريد والتذهين, إلى مخاطبة الناس مباشرة, علاقة بما أكتب وبمحتواه وشكله. مع ذلك فأني أشير إلى آخر ما كتبت من نصوص قصصية, وبعضها لم ينشر بعد, ويدخل ضمن إطار الإبداع الرقمي.
* على ذكر المسرح، لك تجربة مهمة في كتابته، وكان لديك اهتمامًا بتنشيط " المسرح الفقير" لمواجهة المسرح التجاري المقيد بشرط لممول الأجنبي.. إذًا، كيف تنظر إلى الحركة المسرحية في فلسطين، وما هي وسائل مواجهة نوايا المموّل؟
حين عدت إلى فلسطين، من المنفى، لفت انتباهي مستوى التفاعل الشعبي الفلسطيني بالمسرح, باعتباره أداةً فنية للتحرّر من الاحتلال, ومن غير شكل للقهر والاستلاب. وفي الحقيقة، فإن المسرح الفلسطيني ما زال من أهم المسارح العربية من حيث الفاعلية والحضور, وتكفي هنا الإشارة إلى استمرار مسارح "القصبة" و"عشتار" و" المسرح للجميع" و" البيادر" في العمل ومنذ سنوات, رغم تراجع الحالة المسرحية على المستوى العربي. فالمهم هو وجود الحالة واستمرارها, بغض النظر عن كيفية تمويلها, لكن لا بد من القول بصراحة ووضوح, أن التمويل الخارجي انطلق من أهداف ومن قراءة غير ثاقبة للواقع الفلسطيني؛ فهو حاول أن يعالج النتائج القائمة وفق مفهوم إنساني مجرد, وكأن الفلسطينيين يعيشون في الدنمارك مثلا, وكأنه يمكن معالجة قضايا المهمشين, المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة, بمعزل عن خصوصية الحالة الفلسطينية الناتجة عن وجود الاحتلال الإسرائيلي. بحجة الهرب من السياسة, أو بدافع الرغبة في خلق جيل بريء من تهمة كراهية الاحتلال! أنا أعتقد بأنّ ما تم إنتاجه في الغالب من قبل مؤسسات التمويل الخارجي لم يخلق مسرحًا فلسطينيا. بل المؤسسات الوطنية هي التي فعلت هذا , وهي مؤسسات خاصة يقودها أناس مناضلون ووطنيون, يقومون في بعض الأحيان بتوظيف المساعدات أو التعاطف العالمي معنا بشكل صحيح, لكن كثيرًا من النشاطات المسرحية كانت بمثابة معالجات درامية لبعض المشاكل التي لا أحد ينكرها, لكنها عالجتها بشكل مجتزأ بعد أن نزعتها إلى خارج السياق العام. كما أنه كان أفضل لنا لو قام التمويل الخارجي بانشاء البنية التحتية للمسرح, ويترك لنا مهمة إعداد عروضنا المسرحية؛ لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
المشكلة ما زالت قائمة, لأنه بالمقابل لا يوجد إنتاج محلي حتى بالمفهوم التجاري, كما في بعض دول الجوار, فضلا عن تنصل المؤسسة الرسمية عن مهمة اقامة المسرح القومي.
هذه الظروف لم تمنع نجاحنا في تقديم عروض على مستوى إقليمي محترم بدليل مشاركاتنا الناجحة في المهرجانات الإقليمية, ونجاح مبدعينا في الفوز بجوائز التمثيل بشكل خاص في أكثر من مناسبة وباستمرار.
* ماذا عن نتائج المشاركة الأخيرة في الملتقى المسرحي بإيطاليا، الذي دعيت له مع بعض المسرحيين الفلسطينيين، قبل الأحدث، الأخيرة، في قطاع غزة؟
نعم، شاركت مع الفنان علي أبو ياسين في ملتقى مسرحي بايطاليا. وكان مخصصا للفاعليات المسرحية ( مخرجين, ممثلين, ومنتجين ) في دول الاتحاد الأوروبي, بهدف خلق ثقافة مسرحية على مستوى الإتحاد, ولأن موضوع الملتقى كان البحث في علاقة المسرح والحرب، جاءت دعوتنا كدليل على حضور المسرح في ظل الحرب. وحيث عرضنا مقاطع من " أبو عرب " و " غزة ع التكة " حققنا تعاطفًا أوروبيا في أوساط المسرحيين المشاركين، فقدمت لنا دعوة لتقديم عروض في النمسا وإسبانيا وبلجيكا، كذلك كنا شركاء في الملتقى الدائم المتمثل " بجروب "الميتنج " الذي يقوم بمهمة التشبيك بين العاملين في الحقل المسرحي. وصار بإمكاننا أن نشارك بشكل شخصي أو من خلال من نقوم بترشيحه من مسرحيين فلسطينيين في عدد من الورش المسرحية التي ستقام لاحقًا في أوروبا.طبعًا، تحول، الآن،ظروف إغلاق قطاع غزة، دون أن نتابع فاعلياتنا المسرحية, إن كانت في أوروبا أو في الدول العربية مثل مصر, المغرب، تونس، الأردن وسوريا وحتى الإمارات.
* ما المطلوب، برأيك، لدعم الحركة المسرحية وتعزيز دور الفنان، في فلسطين؟
أعتقد أنه لابد من الإهتمام بإقامة البنى التحية اللازمة لإنطلاق وتأطير وإطلاق الحركة المسرحية, من إقامة المسارح الحديثة, والمعاهد والدورات والمنح, التي لابدّ منها لتوفير مفردات العرض من فنانين وفنيين, بعد ذلك لابد من رعاية تامة من قبل الدولة ( السلطة ) لكلّ العاملين في الحقل المسرحي, إلى أن يُعترف بالمسرح كمهنة وكتخصص , يمكن للعاملين فيه من خلال تفرغهم أن يبدعوا.
* أخيرًا، ربما لأنّ اتحادات الكتاب التقليدية عادة ما تخذل، بدا منك توجّه، في الآونة الأخيرة، الكترونيا، للمشاركة في وصل ما انقطع، والنشر والتفاعل من داخل فلسطين، في إتحاد كتاب الإنترنت العرب.. نودّ معرفة رؤيتك الثقافية ورأيك بهكذا واقع افتراضي؟
إنطلاقًا من قناعتي بجدل الحياة وتطورها, شاركتُ في الحالة الثقافية الجديدة على المستوى العربي, المنخرطة في ورشة التبشير بالثقافة الرقمية، وما يخرج من عبائتها من أدب تفاعلي, يدفع بتطور الحياة والثقافة إلى أبعد الحدود، وقد كتبت عدة مقالات في هذا المجال خلال العامين الماضيين، نشر بعضها في "إيلاف" والذي يعتبر موقعًا الكترونيا يكاد يكون نموذجيّا في التعريف بالإعلام التفاعلي، كما أني انتهيت ومنذ أكثر من عام من كتابة مجموعة قصصية, ضمن هذه التجربة وفي سياق الإيمان بها وتوقّعي المستقبلي لها, فأنا أعتقد بأن الثقافة العربية وربما العالمية أيضا بحاجة ماسة الآن إلى ما يمكن وصفه بالمثقف الإستشرافي, الذي يحسن التوقع، بناء على أن الحياة تتطور وفق قوانين موضوعية، وأن التاريخ يصنعه الناس، لكن ليس وفق أهوائهم المبهمة, بل وفق سياقات عامة عنيدة. أخيرًا، فإنه كان لي شرف المشاركة في الإعلان عن فرع فلسطين في اتحاد كتاب الإنترنت العرب، لأني وجدت إضافة إلى ما سبق من ضرورة عامة للدفع بالثقافة الرقمية/التفاعلية، في المستحدث التقني فرصة لم تكن قائمة من قبل للكتاب والمبدعين والمثقفين الفلسطينيين لتجاوز فواصل الجغرافيا, وقهر أحد أسوأ نتائج النكبة عام 48، التي تمثلت بتشتيت الفلسطينيين على أربعة أرجاء الكون، وصار ممكنًا الآن عبر الإتصال الإلكتروني أن يتواصل ويتفاعل الكتاب الفلسطينيون فيما بينهم، بما يعزز من إنتمائهم لقضيتهم الوطنية، وبما يؤهل ثقافتهم للبقاء حية، من خلال استمراها في التطور والتجاوز الذي لا يتوقف عند حدود جغرافية أو أيديولوجية أو مذهبية. وقد نجحنا في تأسيس اتحاد كتاب الانترنت الذي يضم أكثر من 500 كاتب ومبدع عربي ويتمتع بمكانة مرموقة، ويشكل حضورًا ثقافيا مهمًا.