الضبع: المؤسسة الثقافية المصرية تتعامل مع الإنترنت بوصفه ترفا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الناقد والكاتب د. مصطفي الضبع
محمد الحمامصي من القاهرة: يعد الناقد والكاتب د. مصطفي الضبع أحد أبرز النقاد الشباب في مصر، حيث يعمل منذ أواخر الثمانينات علي متابعة ورصد وتحليل أهم الإبداعات المطروحة وما تشكله من ظواهر، واقترب كثيرا من إبداعات الأجيال الجديدة في مختلف الأجناس الأدبية، بدأ قاصا ولا يزال يبدع لكن انشغاله بالنقد أخذه كثيرا، كذلك يعد واحدا من أنشط النقاد حضورا وتواصلا مع مختلف الأجيال والكتابات بمشاركاته الجادة في المنتديات والمؤتمرات الأدبية سواء تلك التي تقام في القاهرة أو أقاليم مصر المختلفة، يشغل موقع رئيس قسم البلاغة والنقد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم وله من الأعمال: هالة القمر النصفى (مجموعة قصصية)، رواية الفلاح، فلاح الرواية (دراسة نقدية)، استراتيجية المكان (دراسة نقدية)، تقنيات الواقع فى شعر أمل دنقل (دراسة نقدية)، المغيب والمجسد (دراسة نقدية)، محمد حسن عبد الله (تحرير ودراسة)، الأشياء وتشكلاتها فى الرواية العربية، وأخيرا زكى مبارك ببليوجرافيا أولية.. في هذا الحوار معه نتعرف علي رؤاه وأفكاره فيما يتعلق بالإبداع والثقافة
** بعد انتخابك أمينا عاما لمؤتمر أدباء مصر فى دورته الثانية والعشرين كيف ترى المؤتمر ونشاطه وما يمكن أن يضيفه، وما الخطوط العريضة للمؤتمر هذا العام؟
** بعد سنوات من المتابعة أرى المؤتمر فى حالة تطور دائم قدر ما هو متاح له من إمكانيات، والحق أن الهيئة العامة لقصور الثقافة قد طورت أداء مؤتمراتها فى السنوات الخمسة الأخيرة، وأصبح إيقاعها أفضل بكثير فقد انتظمت المؤتمرات الإقليمية، و تخلصت من حالة الاستسهال والتضارب ين المؤتمرات مما جعلها قادرة على منافسة كل المؤسسات الثقافية، وفى هذا الإطار أرى الهيئة قد نجحت فى اثنين من نشاطاتها بشكل كبير: مشروع النشر، والمؤتمرات.
أما بخصوص المؤتمر فى دورته الراهنة فقد استقرت الأمانة على العنوان الرئيس للمؤتمر: الأدب وأسئلة الواقع المعاصر وفى إطاره تعالج مجموعة من المحاور، منها: المحور الأول يدور حول: الأدب والواقع رؤى تأسيسية، يضم تحته مجموعة من العناوين الفرعية منها: بين الأدب والواقع، والأدب والوسائط، التراث والمأثور وجدل اللحظة، أما المحور الثانى فيضع نفسه أمام الأدب وأسئلة المصير ليتحلق حول ستة أبحاث تدور حول: الصراع العربى الإسرائيلى شعرا - تجليات الصراع العربى الإسرائيلى فى السرد، مفهوم الوطن والتجليات الجمالية المعاصرة - مفهوم الشخصية الوطنية فى الإبداع - سؤال الالتزام فى ظل المتغيرات العالمية - الإنسان فى الأدب، وقد حرصت لجنة الأبحاث أن تكون عناوين المحاور متسعة لإتاحة الفرصة للباحثين لاختيار المداخل النظرية والتطبيقات النقدية التى تسهم فى تعميق محاور المؤتمر، أما المحور الثالث فيتوجه نحو أسئلة النقد من خلال ثلاثة أبحاث تدور حول الجامعة والنتاج النقدى - المؤسسات الصحفية والنقد - تلقى النظرية النقدية، كما يقدم المحور الرابع إطلالات ودراسات عن أسئلة المستقبل لتضم تحتها أربعة أبحاث تتحلق حول مفهوم الوعى وعلم المستقبليات - الوعى بالمستقبل فى الأدب العربى - أشكال التجريب ومستقبل النوع - الترجمة من العربية للغات الأخرى، هذا إضافة إلى المحور الخاص بالمحافظة المضيفة، والذى تتحدد معالمه عند الاستقرار عليها.
** على ذكر مشروع النشر فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، و أنت مدير تحرير لسلسلة كتابات نقدية، كيف ترى هذا المشروع بموضوعية الناقد ورؤية مدير التحرير؟
** مشروع النشر فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وصل إلى درجة من النمو والنضج وضعته فى سياق المشروع الذى لا ينافس من حيث قدرته على استيعاب مساحة كبرى من الساحة المصرية وجانب لا بأس به من الساحة العربية، لقد بث فيه الدكتور أحمد مجاهد دماء جديدة، ويواصل الشاعران سعد عبد الرحمن، ومحمد أبو المجد تقديم جهد يضع مشروع النشر فى مقدمة مشروعات النشر الرسمية فى مصر وأتمنى أن يحافظ المشروع على مستواه الراهن إن لم يسع للتقدم فى ظل ما هو متاح له الآن من إمكانيات بشرية ومادية، فقط على المشروع أن يراجع ما يتكرر فيه من سلاسل متشابهة.
** ولكن ماذا عن شكوى البعض من تأخر أعمالهم أو تعرضها لتوقف النشر؟
** ستظل هذه شكاوى البعض مهما قدمت المطابع من أعمال لا تسلم سلسلة نشر من انتقادات مادام هناك من يعتقد أنه الأفضل وأن كتابه أهم من غيره فهو يرى العالم من منظور مصلحته الخاصة فقط وهو ما يتعارض فى كثير من الأحيان لسياسة النشر فى السلسلة، فى كتابات نقدية على سبيل المثال لا يرى البعض معيار الموضوعية فى انتقاء الأعمال وهو الذى يجعلنا ننحاز للعمل الجيد دون غيره وننفض الغبار عن أعمال تراكمت عليها الأيام فى مقابل تعرضنا لمن يعتقدون أن ما يكتبونه نقدا فى وقت قفز فيه النقد إلى مستوى أكبر بكثير من مقالات يكتبها البعض عن مجموعات قصصية لم تطبع بعد، عندما تغيب موضوعية الكاتب لا بد أن يحدث الخلل.
** وأنت تؤمن بالتكنولوجيا المعلوماتية وتفيد منها كثيرا هل أخذت المؤسسة الثقافية العصرية بمتغيرات العصر مطورة أداءها؟
بالطبع لم تفد المؤسسة بصورة تامة من تكنولوجيا المعلومات، وما دامت المؤسسة تتعامل مع الانترنت بوصفه نوعا من الترف فعلينا أن نعيد النظر فى علاقتنا بالتكنولوجيا الحديثة، سأضرب أمثلة بأربع مؤسسات مصرية تجمع بين المؤسسة الرسمية والأهلية: المجلس الأعلى للثقافة دخل النادى المعلوماتى بموقعه على الانترنت ولكنه أشبه بمن يمتلك سيارة ويضعها ديكورا أمام بيته دون استخدام والغريب أن المجلس يعقد مؤتمرات كبرى لم ينشر أبحاثها ومنها مؤتمر الرواية بكل دوراته السابقة وهنا يأتى السؤال: لماذا لم يفكر المجلس فى استثمار موقعه فى نشر ما لم تسمح إمكانياته بنشره ورقيا؟، المؤسسة الثانية: الهيئة العامة لقصور الثقافة حيث يقف موقعها دون تحديث منذ سنوات، والطامة الكبرى فى الهيئة العامة للكتاب التى تشرف على واحد من أهم المشروعات الثقافية فى القرن العشرين: مشروع مكتبة الأسرة الذى تسببت الهيئة فى إصابته بالشيخوخة مبكرا وكان بإمكانها الإفادة من تكنولوجيا المعلومات لتطوير المشروع، ثم يأتى دور اتحاد الكتاب الذى نجح أخيرا فى إنشاء موقع الكترونى أصابته سكتة قلبية مبكرة، والصورة يمكن أن تكتمل إذا ذهبت للجامعة التى كان عليها أن تقود المجتمع لخطوط التطوير سأضرب لك مثالا فادحا: على طالب الدراسات العليا إذا ما أراد تسجيل رسالة ماجستير أو دكتوراه فمن متطلبات التسجيل الحصول على شهادات من الأقسام المناظرة بعدم تسجيل موضوع بحثه سابقا، وهنا يكون عليه أن يحمل أوراقا يدور بها على معظم جامعات مصر وبإمكان المجلس الأعلى للجامعات أن يتبنى مشروع قاعدة بيانات للرسائل العلمية المسجلة فى جامعات مصر كلها والمشروع لن يكلف المجلس الأعلى للجامعات مليما واحدا، نعم لن تتكلف مليما واحدا فالمجلس سيكلف الجامعات والجامعة تكلف الكليات والكليات تكلف الأقسام العلمية، المفاجأة أن البيانات موجودة فى الدراسات العليا، والأغرب أن الزميل الدكتور محمد أبو المجد بسيونى بكلية دار العلوم الفيوم نجح بجهد فردى فى إنجاز عمل ببليوجرافى بالرسائل العلمية الخاصة بالنقد والأدب بالجامعات المصرية منذ إنشائها حتى عام 2000وهو جهد فردى كما قلت فما بالنا بجهد المؤسسة.
** الرواية وزمنها، ومتابعتك للرواية العربية فى مختلف أقطارها، كيف ترى الصورة من قريب؟
** أولا " زمن الرواية " مقولة استخدمت فى غير موضعها، فالمقولة أطلقت فى الغرب معتمدة على قوة توزيعية للكتاب عموما وهو ما نفتقده فى السوق العربية للكتاب، فهل تفحصنا المقولة قاصدين بها التوزيع و الانتشار أم نعنى بها التأثير وبث الوعى، والطامة الكبرى أننا قصدنا بها مجرد التعدد تعدد النصوص الروائية على مستوى الكم فحسب فأزمة الرواية العربية تكمن بالأساس فى النقد، كثير من النصوص العربية لم تقرأ من داخلها، وكثير من المشروعات الروائية الكبرى لم يتوقف النقاد عندها، وقوفا من داخلها و باستخدام قواعد ثابتة، لقد كانت الرواية العربية مجموعة من البيوت التى فتحناها بمفتاح واحد أفقدها خصوصيتها، وهى فى حاجة الآن لأن نقف عند خصوصياتها وأن نمنحها الحرية لتقدم نفسها متحررة من مقولات النقد القديمة أو تلك التى لا تناسبها.
** الجامعة ودورها ومدى نجاح الأكاديميات العربية وأقسام اللغة العربية فى الاضطلاع بهذا الدور؟.
** عن الجامعة قل ولا حرج من تغييب دورها أو غياب دورها الجامعة فى مرحلة هذيان، وأعنى بالجامعة الغالبية العظمى من الأكاديميات العربية، إن الكثير من مشكلاتنا العلمية ترجع بالأساس للجامعة وأول هذه المشكلات مشكلة النقد لقد توقفت الجامعة عن انتاج الأفكار الطليعية أو ترسيخ الأقوى أو الأفضل من الأفكار، طالب اليوم الذى نعلمه وفق طرائق عفا عليها الزمن هو ناقد الغد إن حال المجتمع صورة تصل لحد التطابق مع حال الجامعة، الجامعة فى حاجة للتغيير الشامل فى آلياتها وطرائقها، ونظرتنا لها ونظرتها لواقعها، هل تصدق أن عشرات الأبحاث العلمية تقبع فى أدراج مكتبات الجامعة، ومن المضحك أن نصا يزين وثيقة الحصول على الدكتوراه تمنحه لجنة المناقشة لبعض الأطروحات المتميزة ولكنه يظل حبرا على ورق " توصى اللجنة بطبع الرسالة وتبادلها " كم من هذه التوصيات يتحقق وكم أطروحة تطبعها الجامعة؟، تناست الجامعة دورها بوصفها منارة لكل ماهو علمى وجديد،الجامعة لم تستثمر إمكانياتها العلمية والفكرية، ولم تستثمر كفاءات علمية تحولها اللوائح إلى موظفين مجرد موظفين، رغم الضعف الواضح فى الأجيال الجديدة من الباحثين ورغم نزول منحنى العقليات العلمية الجادة وتآكل الأجيال السابقة من أساتذة الجامعة العظام فمن الملاحظ أن الجيال الجديدة ليست على مستوى الأجيال السابقة أو مستواها لا ينبئ عن ذلك،رغم ذلك فهناك قليل من العقليات العلمية المتميزة لا تحصل على فرصتها كاملة، أو لا تأخذ فرصة بالمرة، إن الأنظمة الروتينية التى تعمل بها الجامعة كفيلة بأن تؤدى بنا إلى هذا الضعف الواضح، لقد غابت عن الجامعة روح الابتكار والعمل بروح الفريق، لدينا أبحاث علمية تمنحها أكاديمياتنا فى النقد مثلا يكشف معظمها عن لصوصية واضحة، تحت يدى ما يزيد عن خمسة أبحاث مجازة لم يعمل أصحابها غير أنهم قاموا بعملية سطو منظم على جهود الآخرين، ولدينا عشرات الأطروحات العلمية التى هى فى جوهرها قص ولزق، إن البحث العلمى الذى لا يتسم بالمغامرة أو الذى لا ينجز بروح المغامرة ليس من العلم فى شيئ، متى نتخلص من روح الاستسهال؟، ومتى ندرك أن البحث العلمى مغامرة،ومتى نعمل فى جامعاتنا بروح الفريق؟ ومتى يتخلص الباحثون الجدد من روح الاستسهال والسطحية إننا نمنح درجات علمية الآن لأبحاث لا تستحق الحبر الذى كتبت به، ولتسأل أساتذتنا الآن الذين يضطلعون بدور المناقشة، لتسألهم عن مستوى البحث العلمى؟.