ثقافات

المثقفون وتداعيات نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل هو صراع الحضارات؟
كيف يرى المثقفون تداعيات نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم؟


محمد الحمامصي من القاهرة: يواصل بعض كتاب وفناني الغرب تصعيدهم ضد الإسلام من خلال مواصلتهم الإساءة إلي الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخر هذا التصعيد ما نشرته صحيفة نيريكس اليهاندا في استوكهولم في السويد rlm;عن قيام أحد الفنانين بنحت تماثيل أساء فيها إلى الرسول العظيم، وقد طرحت المواجهات من قبل عقب نشر رسوم كاريكاتورية في صحف غربية، وهكذا تمضي المواجهة بين الغرب الرافض للتوقف عن الإساءة بحجة حرية التعبير والعالم العربي والإسلامي المستنكر والمندد، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول كون ما يحدث الآن هل يعد من قبيل صراع الحضارات ؟ ولأن أغلب المثقفين التزموا إزاء ما حدث ويحدث الصمت أحيانا والحياد أحيانا أخرى توجهنا إليهم باعتبار أن مناقشة قضية صراع الحضارات تهمهم بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى التعرف إلى رؤيتهم وردود فعلهم على ما حدث ولا يزال يحدث على الجانبين الغربي والعربي.

طاش سهمه
المترجم بشير السباعي : يبدو أننا إزاء خلق صورة العدو المسلم، هذا أمر تحكمه احتياجات اليمين المتطرف في الغرب، وهو يمين يريد تبرير ميزانيات التسلح الضخمة والتي تنال من حظوظ الرعاية الاجتماعية في التعليم والسكن والعلاج، كما أن هذا اليمين يحث على ترحيل المهاجرين القادمين من البلدان الإسلامية وتقييد حركتهم، ويدعو إلى اتخاذ تدابير تمييزية فعلية ضد المهاجرين المسلمين، وهناك احتياجات ودوافع أخرى لدى هذا اليمين إلى جانب هذه الاحتياجات والدوافع الشريرة.
ويضيف السباعي : ويراهن اليمين المتطرف في الغرب على استفزاز مشاعر المسلمين الدينية، فهو يعرف مقدما رد الفعل الذي يمكن أن يحدث من جانب جماهير محرومة في معظمها وتشكو عموما من ميل الميزان التاريخي لصالح البلدان المتقدمة، وهي في هذا الحال بلدان الغرب على حساب بلدان العالم الإسلامي التي ترزح تحت نير التخلف والجهل والفقر والمرض والبطالة، فالمراهنة إذن مراهنة علي البربرية ومثل هذه المراهنة لا يمكن إذن أن تكون مراهنة علي صراع حضارات، خاصة وأن الاتجاه الذي يحكم مسار التطور الحضاري البشري في الأزمنة الحديثة هو قيام حضارة إنسانية عالمية مشتركة، وهو مسار لعب الغربيون دورا محوريا في تدشينه، ومنذ القرن التاسع عشر، كان بوسع الشاعر التونسي التنويري محمود قبادو أن يقول متحدثا عن الغربيين:
لقد قتلوا دنيا الحياتين خبرة فمن لم يساهمهم فقد طاش سهمه
والمطلوب منا الآن هو ألا نسمح لأنفسنا بأن يطيش سهمنا، على نحو ما يحدث الآن في عدد من شوارع البلدان الإسلامية والعربية، يجب أن نكون حكماء وألا نساعد اليمين المتطرف في الغرب علي إعادة وتكريس صورة العدو المسلم.

فكرة متهاوية
الناقد د. مجدي توفيق أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة القاهرة : الأمر أقل كثيراً من أن نحمله مفهوم الصراع بين الحضارات، لأن كلمة حضارة أكبر كثيراً من سلوك فردي متهور يمكن أن يصدر عن أفراد آخرين لكنه في نهاية الأمر ليس موقف حضارة من حضارة بل موقف عصبيات اجتماعية حمقاء من الإسلام والمسلمين الذين اقترنوا في السنوات الأخيرة بمعاني الإرهاب والتطرف، نتيجة لأسباب سياسية عارضة معروفة، وفكرة صراع الحضارات نفسها تستحق الشك فيها كثيراً فلست أفهم كيف تكون حضارة تلك التي تقوم علي الصراع ونبذ الآخر، هي حينئذ ليست حضارة ابتداء، والأصل أن الحضارات تراث إنساني واحد متكامل يضيف بعضه إلى بعضه، فنحن قد أخذنا الحرير والخزف من الصين وأرقام الكتابة من الهند ولم تشغلنا الأصول العنصرية لهذه المنتجات الحضارية لأنها مادامت حضارية تدخل على الفور في جسم الحضارة التي تعقبها مثلما دخلت الحضارة الفرعونية في جسم الحضارات التي جاءت بعدها ومنها حضارات اليونان والرومان، والأصل في الحضارة أنها تواصل وتفاعل وتكامل هدفه التطور والرقي والسمو قبل أي شيء، أما السلوك المتهور الذي آذى شعورنا جميعا في الأيام الأخيرة مسلمين وأقباطا في مصر فهو أبعد ما يكون عن أن يقرن بفكرة الحضارة، ولقد أصبح مؤكداً أن فكرة صراع الحضارات فهي فكرة متهاوية لا تجد لها جمهوراً إلا هؤلاء السياسيين الذين يؤثرون الحرب والعدوان على الحوار الإنساني النقي الذي يناسب كلمة حضارة..

قلة عقل ومراهقة
وتؤكد الكاتبة الروائية د.سمية رمضان الأستاذة في أكاديمية الفنون والمترجمة المتميزة أن الأمر لا يدخل تحت مسألة صراع الحضارات وتقول : هو (قلة عقل) ومراهقة فكرية وقلة إحساس بالمسؤولية من جانب بعض فناني الغرب ، وأيضا قلة دراية بما يحدث في العالم من حولهم، وعلى الجانب الأخر فإن رد الفعل الحضاري والمؤثر أكثر من أي شيء أخر هو بالطبع المقاطعة.
إن المشكلة تكمن في الاعتزاز بالذات وإجبار الأخر على احترامها واحترام رؤيتها للعالم، ويتوجب علينا نحن كمسلمين احترام أنفسنا بالتصرف بشكل يليق بالانتماء إلى
المجتمع الإنساني، بوصفهم أخوة أيضاً، هل عندما يغلط أخوك في حقك تذهب لتقتله أو تحل دمه بالطبع لا ولكن من الممكن تأديبه وإجباره على عدم تكرار الإهانة.
إن هناك (قلة عقل) من جانب بعض الأوروبيين وأيضاً هناك (قلة عقل) من جانب من يحرقون السفارات(دول زي دول بالضبط) لكن الشيء الطيب الذي يمكن ان يحدث أن الناس لابد أن تعرف أن حرية التعبير تتضمن في داخلها وداخل ميثاقها التفكير في العواقب علي مستوى أوسع.

قشرة خارجية تغطي سوء الصراع
الشاعر والناقد د. وليد منير أستاذ النقد الحديث ورئيس قسم الإعلام التربوي في جامعة القاهرة يقول : مفهوم الغرب عن الحرية يكمن في حرية بلا حدود ونحن نجد مسؤولين غربيين كبارا يقولون إن ما حدث بخصوص النبي صلى الله عليه وسلم قد حصل من قبل مع السيد المسيح عليه السلام وأنبياء أخرين وبوذا فلماذا الغضب ؟ ينبغي أن نعرف أن حرية بلا حدود تعني في جوهرها فوضى بلا حدود، وحرية الإساءة إلى الآخر ليست من الحرية في شيء، لأن الغرب نفسه يحترم آخره الداخلي وكرامته بينما ينتهك الآخر الخارجي، إن الغرب بذلك يقع في مفارقة كبيرة حين تكون قناعته النظرية نقيض سلوك مؤسساته السياسية والاجتماعية الداخلية، وإلا فلماذا هناك قوانين وقضاء ؟ لماذا لا يتركون القاتل يقتل واللص يسرق ؟ حرية الغرب التي بلا حدود تسري على السلوك الفردي فقط فمن حق الإنسان الغربي اللواط والمقامرة والدعارة وتناول المخدرات ولكن ليس من حقه نهب أحد أو تصفيته جسديا.
المشكل يكمن في حق الآخر إذن مقابل حق الأنا وهو ما يدخل في صميم قضيتنا الذي يراوغ هؤلاء المسؤولون في مصداقيتها ويسوق المغالطات التي من شأنها أن تعوم الأزمة ونحن عند هذه النقطة نفترض الخديعة ونقول أنها أحد أسلحة الصراع الحضاري القائم بالفعل بينما يمثل الحوار الذي يزعمه الغرب ويدعو إليه مجرد قشرة خارجية تغطي سوء الصراع..

استغلال الحكومات المستبدة
المؤرخ د.قاسم عبده قاسم أستاذ التاريخ الحديث يرى أن ما حدث يعد مظهراً من مظاهر عدة تخص المسلمين أولها هو انهم على أنفسهم وعلى العالم، فهذه ليست المرة الأولى هذا التطاول من أميركا إلي إسرائيل إلي أوروبا ولم تهتز شعرة في أي شارب لأي رجل في العالم الإسلامي، ثم إن الأميركيين يدنسون مساجد العراق يوميا ونشاهدهم على شاشات التلفزيون ولا يحتج أحد، فضلاً عن عشرات الكتب والبرامج والأفلام والمسرحيات التي تكرس نفسها للإساءة للإسلام والمسلمين، إنما المدهش هذه المرة أولاً أن هناك رد فعل متصاعدا في الدول العربية خصوصاً بمباركة وصمت حكومات عرف عنها الاستبداد والوحشية مع شعوبها مثل مصر التي انتهكت فيها حرية الصحافيات وضرب أهالي الغرقى في سفاجا وقتل عدد كبير في الانتخابات، ومثل سوريا التي تحولت إلي سجن كبير، لا أحد يصدق أنها أصبحت مؤمنة بالحرية فجأة. ثانيا أن الولايات المتحدة نفسها تسارع لإدانة ما حدث وهو أمر يدعو إلي العجب والشك والريبة. ثالثاً أن الأصوات المطالبة بالمقاطعة تصاعدت هنا وهناك على الرغم من معرفة المسؤولين في الدول العربية أن صادرات الدنمارك ضعيفة وهزيلة وتكاد تنحصر في منتجات اللبان، وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا لم نقاطع ولا نقاطع المنتجات الإسرائيلية ؟ ولماذا لا ننفض أيدينا من اتفاقية الكويز ولماذا لم تشهد دمشق وغيرها من العناترة الجدد تظاهرات تندد بتدنيس إسرائيل للمسجد الأقصى وغيره من الجرائم الإسرائيلية بحق الإسلام والمسلمين ؟. نخرج من ذلك بأن هناك أصابع أميركية واضحة في هذا الملعوب، لأنه بالفعل أميركا داخلة في مواجهة مع العالم الإسلامي ولا تريد أن تكون وحدها في هذا، كما أنها تجهز الرأي العام الأوروبي لمواجهة وشيكة مع إيران وسوريا، وأرجو أن تربط بين توقيت تصعيد المواجهة حول الرسوم وإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
طبعا إثارة الرأي العربي والإسلامي في هذا التوقيت مع توقع الديماغوجية والغوغائية والعنف من حرق السفارات والاعتداء على الكنائس كما حدث في سوريا ولبنان، يجعل الرأي العام الأوروبي ينظر إلى المسلمين على أنهم قوم من الإرهابيين خصوصاً أن الثقافة الأوروبية المعاصرة تحتفي بحرية الرأي هم يسخرون من الأنبياء علنا في مسرحيات وأفلام وأغان وبعضهم ينكر وجود الله وبعضهم يعتنق مذاهب ما أنزل الله بها من سلطان، أن يرى الأوروبيون في رد الفعل الإسلامي نوعا من الإرهاب، هذا يمهد الأرض أمام العدوان الأميركي علي إيران.
إن الحكومات العربية وجدت في ما حدث فرصة لتوجيه الغضب الشعبي نحو وجهة أخرى بعيدا عما تمارسه من فساد واستبداد في حق شعوبها، إن القضية درجة من درجات صراع الحضارات التي تقودها أميركا وتحاول جر الأوروبيين إليها.

تهديد السلام العالمي
ويري د.عصام عبدالله أستاذ الفلسفة في كلية الآداب جامعة عين شمس أنه ينبغى أن تؤخذ مسألة الإهانات المتبادلة بين "الأصوليات" المتعددة في عالم اليوم، وفكرة "صراع الحضارات"، مأخذ الجد، لأنها تهدد "التسامح" والسلام العالمي ، بل ومعظم مكتسبات الحضارة الحديثة، ويقول : ان الصياغة المدروسة لـ "صدام الحضارات" The clash of civilizations عام 1993، التي صكها "صمويل هنتنجتون S.Huntington فى مجلة (شؤون خارجية) Foreign Affairs، ثم طورها في كتاب يحمل الاسم نفسه فيما بعد، عبرت منذ وقت أبكر عن مجموعة سيناريوهات متوالية ومتوالدة، نحن شهودها ! ولعل سر ذيوع وانتشار دراسة هنتنجتون، رغم كل ما قيل عنها حتى الآن، هو أن جميع أطراف الصدام أو الصراع كان راغباً فيى تصديق هذه النبوءة التي حققت نفسها بنفسها - وما تزال - فما هي خلفية هذا الاجماع الذي حول هذه النظرية - النبوءة إلى قناعة راسخة لدى جميع الأطراف؟
في صيف 1993 أقدم هنتنجتون، الخبير السابق فى إدارة "ليندون جونسون" لمحاربة التمرد في فيتنام، ومن ثم مدير مؤسسة الدراسات الاستراتيجية في هارفرد، على نشر دراسته سالفة الذكر، رداً على المنظر المنافس في وزارة الخارجية الأميركية، الأميركي من أصل ياباني "فرانسيس فوكوياما" صاحب أطروحة "نهاية التاريخ".
وبالنسبة إلى هنتنجتون، فقد وضعت هزيمة الاتحاد السوفيتي حداً لجميع الخلافات الايديولوجية لكنها لم تنه التاريخ. فالثقافة ( الدين ) وليست السياسة أو الاقتصاد، هي التي سوف تحكم العالم. والعالم ليس واحداً. الحضارات توحد العالم وتقسمه.. الدم والإيمان، هذا ما يؤمن به الناس ويقاتلون ويموتون من أجله".
والنزاعات بين الحضارات هي المرحلة الأخيرة من النزاعات في العالم الحديث. ففي العالم الغربي كانت النزاعات، بعد معاهدة "ويست فاليا" قائمة بين الأمراء والملوك والأباطرة. وبعد الثورة الفرنسية وقعت النزاعات بين الأمم. ونشبت في القرن العشرين بين الايديولوجيات (الشيوعية، والاشتراكية القومية، والديمقراطيات الليبرالية). وكانت الحربان العالميتان حروباً أهلية غربية، وكذلك الحرب الباردة. وحلت اليوم المواجهات بين الحضارات. والحضارة هوية ثقافية تحددها عناصر موضوعية (اللغة والدين والتاريخ والعادات.. الخ)، وعامل ذاتي، ألا وهو الهوية التي يقررها الأفراد لأنفسهم.
ويضيف د.عصام عبد الله : لعل أخطر ما تطرحه أطروحة هنتنجتون هو : إذا كان السؤال المطروح في النزاعات الايديولوجية : "مع أي جانب تقف؟"، ومن ثم كان بوسع الناس اختيار معسكرهم وتعديله، فإنه في النزاعات بين الحضارات يكون السؤال " من أنت ؟ "، وعندئذ لا يكون التغيير ممكناً ! من هنا رأى البعض أن أطروحة هنتنجتون لم تكن تشخيصاً لواقع بقدر ما كانت تحريضاً لتقزيم الحضارات الأخرى غير الحضارة الغربية - الأميركية، ومحاربة الحضارة الإسلامية أساساً، والدليل على ذلك ما حدث في يوغوسلافيا السابقة اعتماداً على مقال هنتنجتون حيث تم اعلان الحرب الشرسة على المسلمين هناك باعتبارهم لا ينتمون إلى العرق الصربي.
وهذه النظرية الغربية (العنصرية جداً) كغيرها من النظريات الفاشية والنازية، ترفض الآخر وتدعو إلى محاربته، ومن ثم تطلق التعصب والعنف من عقاله وتنسف التسامح من أساسه.
فوفقاً لآراء هنتنجتون فإن المحور المركزي للسياسة العالمية في المستقبل سيكون على الأرجح المواجهة بين العالم الغربي من جهة وبقية العالم من جهة أخرى، وموقف ذلك العالم إزاء قوة الغرب وقيمه.
ومع ذلك تظل قيمة أطروحة هنتنجتون أنها ألقت الضوء مجدداً على أهمية العوامل الثقافية والدينية فى العلاقات الدولية، وأن الثقافة قد تكون سبباً في التعصب والحروب وليس مقوماً للتسامح والسلام.
والواقع أن الغرب يعتبر ثقافته هي النموذج المثالي للمعقولية، ومن هنا ينشأ عدم التسامح فى عصر الحداثة وما بعدها، ذلك لأن هناك علاقة بين "الانتصار الثقافي" أو بالأحرى "التعالي الثقافي" الذي يتجنب أي تثاقف (تواصل، تفاعل، حوار)، وبين "التعصب". كما أن هناك علاقة بين امتـلاك الحقيقة والاكتفاء الذاتي الذي يستند إليه "التعصب"، وهو ليس إلا إقالة "للآخـر" ونفياً له.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف